الموضوع: هذا هو الحب
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 01-12-2011, 02:14 AM
الصورة الرمزية nana
nana nana غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 103

اوسمتي

افتراضي هذا هو الحب

إنها عالمه بكل بساطة

لم ألبث أن أنتهى من كتابة تقرير الأشعة التليفزيونية لتلك الحالة وأن أطمئن هذا الرجل على زوجته إلا ووجدته مائلا على مقبلا لرأسى ويعانقنى بشدة ... وتلك الدموع تجرى من عينيه فرحا كأنما تلقى أسعد أنباء حياته وأعلاها شأنا ...

رجل فى نهاية السبعينيات من عمره ... وزوجته العجوز تبدو وكأنها تصغره بأعوام قلائل ... جاءت لتشتكى من ألم فى بطنها كان يؤرقها فلا تنام بسببه .. لم يكن يبدو عليها علامة من علامات الوهن ولا ضعفا وعجزا كما من الممكن أن أعتاد المرضى فى ذلك العمر المتقدم – نسأل الله العافية لآبائنا وأجدادنا وشيوخنا – ولكننى من الممكن أن أصفه بأنه ألم عابر قد يجدى معه دواء بسيط لا تحتاج أن تعيد منه كرة العلاج مرة أخرى ...

حضر معها زوجها ذلك اليوم وقد بدا الشحوب على وجهه وبدا ملهوفا على أن أجتهد فى البحث عن مسببات ذلك الألم ... حتى لظننت أنه من يشتكى لا هى وحتى أشفقت عليه من الهم أو الاكتئاب ..

تفحصتها جيدا وأديت مهمتى بالفحص كما ينبغى أن تكون .... لم أجد ما يسبب لها ذلك الألم من أمراض نخشى ان تكون فى مثل ذلك السن أو أمراض خبيثة مستعصية ...

كانت مجرد تقلبات بسيطة فى أمعائها لا تستحق عناء الهم !!!
كانا زوجين قد حضرا معا ... بلا رفيق آخر ... عرفت أنهما لم ينجبا وعاشا سويا لنصف قرن إخلاصا وحبا وعشقا صافيا ...

كان العجوز متلهفا الرد ومتحرقا أن أبدى له علامات الطمأنينة وسط انشغالى بالفحص و وسط انهماكى فى كتابة التقرير ....

لم أصدق نفسى حينها عندما عانقنى بشدة ... لقد قبل رأسى أيضا وكأننى ابنه أو حفيدة قد أصبح الاول على مدرسته أو تزوج بأجمل نساء الكون وأعلاهن شأنا ومكانة ... نعم لقد رأيت تلك الدموع الحارة منهمرة وقد طبع على جبينى منها ما طبع ورأيت زوجته وعليها علامات الرقة والحنان فى نظرتها إليه ... ورأيته وقد توردت جبينه و زادت حيويته فكأنما صغر لعشر سنوات ..

خمسين عاما لم ينجبا فيها من الولد ما يعينهما على قضاء شيخوختهما ...لم يقل لها اذهبى فانا أريد الولد .. ولم يقل لها سأبحث عن أخرى لتحضر لى الولد !!! ... بل لا أظن أنه قد قال لها ما يضيرها من قول أو فعل او عمل ...
إنه أرادها بكل بساطة .... خمسين عاما يخشى عليها من هفوة مرض عابرة لا تؤرقها بل تؤرقه ... لا تضنيها بل تضنيه ..

إنه يتألم لألمها أشد وأضنى ... ويقتات على راحتها وسعادتها حيوية تورد لها جبينه فكأنما يزداد من العمر عندما تتألم ويصغر ما زاد من العمر إذا ما أحست بتلك الفرحة أو السعادة أو اطمأن أنها بخير ...

لم أتوقع رد الفعل هذا من عجوز ظننا أنه نسى العشق ... وانقضى زمن الحب مع انكماش بشرته وتساقط أسنانه ..
أيكون حبا بتلك الصورة لم ولن تشهده عيناى قبلا ولا بعدا ...
إنه يحيا بداخلها ويسكن فيها وإليها ...
إنها عالمه بكل بساطة ...

ما أجملها بل ما أروعها من رومانسية حقيقية غير مزيفة تسبح بنا بعيدا عن روايات الخيال .. تتحدث بنا عن قصة حب تكاد ترى ملائكة من نور تحفها من كل جانب تحميها من عيون تربصت بها من مادية الحياة و تعقيداتها ... فتمنحها رعاية ربانية تقف لها الخلائق احتراما وتقديرا ... ببركة من الخالق ... وكرم منه

أيكون درسا فى الإخلاص والعشق السرمدى لكل زوجين أرادا أن يحيا الحياة سعادة وجمالا فلا يطيق كل منهما ألم الآخر فكأنما هما جسدان فى روح واحدة تتنفس من عبير الحب والمودة والسكن ...
إنه ذلك السكن وتلك السكينة التى قال الله عنها فى كتابه الحكيم (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)

عندما هم بالانصراف كانت دعواته حاضرة أمام سمعى كأنما شعرت برضى ربى مجسدا فى صورة ملاك للرحمة ... لم أكن من عالجها بل كنت فقط من أحضر البشرى ...

ودمعت عيناى ...
رد مع اقتباس