عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 28-08-2015, 09:37 PM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي الإخوة الأربعة الجزء الخامس





حكاية شعبية




الأخوة الأربعة




الجزء الخامس


البلدة الطيّبة


فرح زعيم اللصوص بالأموال المرسلة إليه
وأشتد طمعه وزاد جشعه، وإستخف بغرمائه غباءا وجهلا
وبطرا وغرورا، وقد قيل قديما:
لا تكن المغرور فتندم ------- ولا تكن الواثق فتصدم
فتوهّم أن الوزير وقومه إنما دفعوا إليه ذلك المال خوفا ورهبة وتقيّة
وأنهم سيدفعون الغالي والنفيس في حال حضوره شخصيا
فأمر رجاله بالتأهب لمهاجمة القرية ليلا
بينما كان الضيوف قد أعدوا خطة ذكية لإستقباله
وقد أدرك الوزير مخلد أن الزعيم سيطمع بالمزيد من المال، فالطمع عمى
وبعد مغيب الشمس قدم إلى مقر اللصوص وفد من القرويين
مع مجموعة من الرجال يحملون مراجلا عظيمة، مملوءة بالطعام اللذيذ
وما إن إقتربوا من المعقل حتى تصدّى لهم الحراس,فسلّهم شيخ القرية القدور قائلا:
هذا عشاؤكم هدية من الضيوف, وهم يعدونكم بمثلها خلال مدّة إقامتهم في القرية،
فأغتر الإرهابي، وداخله الكبر , وصمم على مباغتة الضيوف، وسلبهم جميع ما يملكون,
لكن رجاله الحّوا عليه في تناول الطعام المهدى إليهم، قبل تنفيذ خطته الإجرامية,
فإنشغل اللصوص بالطعام, بينما إنشغل الوزير وقومه بإعداد سجون القرية
وتجهيزها لإستقبال الضيوف البلهاء،
وما أن تناول المجرمون الطعام حتى خدرت أجسامهم، وثقلت أجفانهم، وخارت قواهم
وما لبثوا أن فقدوا الوعي والشعور وناموا في أماكنهم. وعندما تأكد القوم من تخدر جميع المجرمين
هجموا عليهم في عقر دارهم، وربطوهم بالحبال المتينة،
ثم حملوهم على خيولهم وأودعوهم في السجون، وقد فرقوا جمعهم وشتتوا شملهم.
وعند منتصف الليل المقمر فاق اللصوص من المخدّر الثقيل، فوجدوا أنفسهم مربوطين،
ومقيّدين في السجون المشددة الحراسة، وقد نصبت لهم مشانق كثيرة في ساحات القرية،
فأينما التفت أحدهم يرى المشنقة معلقة أمام ناظريه، فأرجفوا وزلزلوا زلزالا شديدا.
وقبيل الفجر كان الهدوء يخيّم على القرية، والسكون باسط جرانه على المكان، والإرهابيون نائمون
على وجل وحذرٍ شديدين، وقد أقترب موعد الشروق، وفجأة أقبل الأمير مجيب الحق راكبا فرسا أدهما،
ومعه كوكبة من الفرسان، ورجال القرية، وهم ملثّمون شاهرون سيوفهم، وقد لبسوا السواد
لإضفاء الهيبة والغموض. فلمّا رآهم اللصوص أيقنوا بالموت العاجل، وخافوا خوفا شديدا،
ذلك لأن شملهم قد تبدد، وافتقدوا بعضهم بعضا، فأرتبكوا وحاروا، وحاولوا التخلص من القيود،
فلم يفلحوا، فأزدادوا رعبا وهلعا.



ودخل الأمير مجيب الحق الحبس عابسا متجهما، وكان شابا طوالا جسيما، كأنه طوب شامخ،
فدلّه شيخ القرية على رئيس الجماعة الإرهابية، وقال: هذا هو القاتل، الذي شتت شملنا،
وفرق جمعنا ونهب أموالنا، وأرعب أطفالنا، فصرخ به الأمير صرخة هائلة، وقال:
إنّك لأنت الذي أفسدت في الأرض، وروعت الخلق، وسفكت الدماء، هاهي لحظة القصاص منك قد واتت
ومنيّتك قد حانت، ثم صاح بصوت مرعب: أيها الحراس, خذوا هذا الرجل وأشنقوه حتى الموت,
فهلع كبير اللصوص, وبلغت روحه الحلقوم, فأجهش بالبكاء، ثم قال متوسلا: أرجوك يا سيدي,
أبقي علي, وأعفو عني, فإنني والله لم أقتل أحدا، ولم أسفك دما, وسوف أتوب إلى الله عن ترويع الناس،
ونهب أموالهم، وسوف أعيد إليهم ممتلكاتهم, فأجعلني أحد خدمك، أسوس فرسك، والمّع حذائك,
وأسهر على راحتك, ثم بكى، فسكت عنه، وتركه ينوح ويتوسّل, وأخذ يطوف على السجناء الآخرين،
فكانوا أشد هلعا، فأخذ عليهم العهود والمواثيق الثقال.
ثم أمر بإطلاق سراح الزعيم، ورافقه رجالٌ ليعيد الأموال المنهوبة والمسروقة إلى القرويين،
وعندما رأى الأمير وقومه صدق الجماعة، ورغبتهم في التوبة والصلاح، أطلقوا سراحهم، فشكروهم
واجتهدوا في إثبات إخلاصهم، وسلامة نياتهم، وأخذوا يشاركون في إعادة إعمار القرية
وحفر الآبار وشق الطرقات وغرس الأشجار، وعمل الإخوة الثلاثة وقومهم والقرويون بجد وإجتهاد
حتى جرت المياه في السواقي والأفلاج،
وأورقت الأشجار، ورغت الأغنام وصدحت الأطيار، وتفتحت الأزهار، فأمر الأمير بهاء الدين وكان الزعيم،
بتوزيع الأموال على سكان القرية، وتسيير القوافل لجلب الميرة، فخرج الرجال بما فيهم اللصوص التائبين
فأشتروا ما تحتاج إليه قريتهم، وعندما علم الناس الذين هجروها قسرا بتغير الأحوال عادوا إليها
وساهموا في إحيائها وإعمارها. وكانت القوافل الرائحة والغادية تفد إليها، فأنتشر خبرها وعرف مكانها،
فهاجر إليها الناس من مختلف البقاع، حتى غدت مدينة كبيرة خلال سنتين. وقد علمت العصابة الحاكمة
برئاسة الأمير مطلق بما فعله ابناء دريقان، وتأسيسهم مدينة جديدة، فلم يكترث لها أحد منهم،
وظنّوا أنّهم قادرون على محوها من الوجود متى شاءوا.
وبعد الإستقرار وإستتباب الأمن، تذكّر الأمير بهاء الدين امارة أبيه فشعر بالحزن والقلق
ثم مر به خيال ريحانة فأبتسم، وقرر أن يطمأنها على سير الأمور، وعزم على التوجه إلى هناك لمقابلتها
وعندما عرض رغبته على خاله الوزير مخلد، حاول أن يمنعه، فلمّا رآه مصرا تركه
فاصطحب الأمير بهاء الدين عجوزا على أنّها والدته، وطلى شعر رأسه ولحيته وشاربه وحاجبيه بالورس
ولبس لباس الدراويش ورافقتهما مجموعة من الفرسان للحماية, وعلى أطراف الإمارة
طلب منهم أن يعسكروا هناكوأن ينتظروهما, ثم أركب العجوز على حمار قاده
حتى وصلا إلى البوابة صباح اليوم السادس من الرحيل
فأعترضهما الحراس، وطلبوا منهما دفع العشور, فبكت العجوز وولولت, ثم قالت:
لا نملك مالا, وإنما قدمنا إلى هنا لنتسول، فإن إبني هذا بهلول أبكم, ولا يجيد عملا سوى الرقص
فسخروا منهما وتركوهما يدخلان، فأخذت العجوز تهيب بالناس: أطعمونا لوجه الله ... غرباء فقراء ...
جوعى عطشى أطعمونا لوجه الله... لوجه الله.
فأجتمع حولهما الصبيان والسفهاء، وأخذوا يعبثون بالأمير بهاء الدين، وهو يرقص ليثير ضحكهم
وكانت النساء تستدعي العجوز وابنها، فإذا دخلا منزلا طلبن من البهلول أن يرقص
فكان يرقص رقصا شنيعا مضحكا، فإذ أنتهى صاحت العجوز:
أطعمونا لوجه الله لوجه الله، فربما حصلا على كسرة خبز أو صاعٍ من تمر.



وفي المساء كان خبر العجوز وإبنها الراقص قد وصل إلى الأميرة ريحانة، فعرفت انه إبن عمّها الأمير بهاء الدين
لكنّها أظهرت عدم الاكتراث، بينما أوعزت إلى أختها الصغرى زمزم بالإصرار على إستقدام العجوز وإبنها
في الغد ليتفرجن عليه. وحين أوت إلى فراشها، أخذت تتصور لحظة لقائها بإبن العم، بعد الغيبة الطويلة
وتواردت الأسئلة على مخيلتها:
ماذا حدث؟ ولماذا عاد ابن عمي؟ هل سيعرفني؟ وكيف لي أن ألقاه؟
وماذا سيفعلون به إن كشفوا حقيقته؟ ثم نامت على حلم اللقاء.
وفي الضحى صحت على ضحكات أخواتها، وتوسلات العجوز: أطعمونا لوجه الله.
فتهيأت، وخرجت مسرعة،
وعندما وصلت إلى المجلس شاهدت العجوز وإبنها يخرجان من بوابة القصر

يتبع إن شاء الله
رد مع اقتباس