عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 05-09-2015, 01:52 PM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي حكاية شعبية الأخوة الأربعة الجزء الخامس



حكاية شعبية



الأخوة الأربعة




الجزء الخامس


اللقاء السريع




فنادت هلعة: إنتظري يا خالة إنتظري
وعندما سمع الأمير بهاء الدين صوتها، ورآها في الشرفة توقّف، وقال للعجوز هامسا:
عودي ياخالة، إنها من أبحث عنه، فعادت العجوز وهي تقول: أطعمونا لوجه الله، ثم صاحت:
أقبل يا ولدي، فإن الأميرة الجميلة لم تشاهد رقصك البديع بعد، وعندما دخل، والتقت عيناه بعينيها عرفها وعرفته
وأبتسم قلبيهما رضا، وأزهرت شجرة الحب في صدريهما، وفاحت رياحين المحبة وعطّرت المجلس بعبيرها
وزقزقت عصافير السعادة في نفسيهما وإمتزجت روحيهما في لحظة صفا زكيّة، وسرعان ما توطّدت عرى المعزّةِ بينهما
ووجد كل منهما ضالته في الآخر، وفيما هما سابحان في هالة عشق وغرام طاهرة، دخل الأمير مطلق بغتة
وشاهد بعينيه سرحان إبنته في الخيال, وتيهان إبن أخيه في عالم الجمال، فأستقبلته العجوز الماكرة بإبتسامة عريضة
وشغلته عن ملاحظة الأمور على حقيقتها, وأقبلت عليه بوجهها المجعد قائلة: أطعمونا لوجه الله أيها الأمير
وعندما سمع العاشقان كلمة السر، طويا كتاب العشق والغرام، وولجا باب الحيلة والخداع
فأبدت الأميرة ريحانة استياءها من رقص البهلول الفظيع وقالت:
إنّ ابنك الأبكم لا يجيد الرقص يا خالة، فألصق الأمير بهاء الدين وجهه إلى الحائط متظاهرا بالخجل
وبكت العجوز تأثرا وقالت: أهكذا يا ابنتي تكسرين خواطرنا، وتحزنين قلوبنا
لقد أتينا من بلاد بعيدة، بعد أن أذاقنا الناس الويل، ولجأنا إليكم لتطعمونا لوجه الله.
ثم توسلّت إلى الأمير مطلق: أرجوك يا سيّدي، دعنا نأوي إلى سرداب القصر، فإن الليل أقبل
وسوف يقوم إبني بهلول بخدمتكم. فقال الأمير وقد أدركته الرأفة بقدرة قادر: وماذا يجيد ابنك؟
قالت العجوز: الرقص يا سيدي الرقص، سيقوم بهلول بالرقص ليل نهار أمام جنابكم، فضحك الأمير مطلق، وقال:
حسنا، ناما في السرداب، ولكننا لسنا بحاجة إلى رقص ابنك البهلول هذا، ثم انصرف ضاحكا، وقد إنطلت عليه الحيلة.
فهمس الأمير بهاء الدين إلى ابنة عمّه: سأنتظرك بعد الغروب.
وما إن غابت الشمس حتى أعدّت الأميرة ريحانة صينية كبيرة، رصّت عليها أطباقا مليئة بمختلف أنواع الأطعمة
التي أعدها الطباخون، فهذا طبق مليء باللقيمات، وذاك به هريس، وفي طبقٍ ثالث خبز رغال، وقصعة سمن بلدي
وفي وعاءٍ صغيرٍ دبس كثير، ثم وضعت الصينية على رأسها، واصطحبت أختها زمزم، وتوجهتا إلى والدهما تطلبان منه الإذن
وحين شاهد الأطباق الممتلئة، كاد أن ينفجر غيظا، إلا ان الفتاة الصغيرة تدخّلت قائلة:
إنّ العجوز ستخرج غدا وتحدّث الناس عن كرم الأمير مطلق، فأنفرجت أساريره، وسمح لهما بالذهاب.
وحين أقبلتا، أخذت العجوز تزعرد وترحّب بهما قائلة: أهلا بكما أيتها الأميرتان الكريمتان، إنني أتضور جوعا
وشرعت تدعو للأمير مطلق وتلهج بشكره، بينما إنفرد الحبيبان غير بعيد، فكان الصمت للحظات أبلغ من ملايين الخطب
ثم تكلّم الأمير بلسان فصيح فقال: ريحانة يا ابنة العم، إنك روحا تسري في روحي، وحبا جرى في عروقي
وأغنية عذبة أطربت كياني، وزهرة أبهجت عمري، ونسمة غشت فؤادي، فسحرته بعبيرها اللطيف.





فقالت ريحانة وقد أسكرها الغزل: يا لك من متحدث لبق يا ابن العم، لكن دعنا من هذا، وقل لي: ما الذي أتى بك إلى هنا؟
قال: أتيت لأبشرك بأننا قد عمّرنا مدينة كبيرة، على بعد خمس مراحل من هنا، وأن الناس تفد إلينا من مختلف البقاع
يبنون منازلا لهم، ويستقرون، والأهم من كل هذا أحببت أن أراكِ، وأن أطمئن عليك.
قالت ريحانة: يا لك من مغامرٍ يا بهاء!
ألم تفكر فيما سيحصل لك لو وقعت في يد أبي؟
قال: بعد أن أراك لن أبالي
قالت حسنا أيها العاشق، إليك مفاجئة لا تخطر على قلبك.
قال: وما هي؟
قالت: لن أخبرك إلا إذا
فقاطعها متلهفا: موافق موافق، ما هي المفاجئة؟
قالت: لن تصدّقني
قال: بل أصدقك قولي بالله عليكِ فلقد شغلتي قلبي
قالت: إنّ لك أخ ثالث في الهند
قال: أحقا ما تقولين يا ريحانة؟ لا لا إنّك تمزحين
قالت: ألم تقل إنك ستصدِّقني؟
قال: وكيف ... ثم سكت متفكِّرا
فقالت له: ما بك؟ لم سكتّ؟
قال: الآن تذكرت
قالت: وماذا تذكّرت؟
قال: لقد أعطتنا والدتي عنوانا في الهند، وأمرتنا بالذهاب إلى هناك عندما نتمكّن.
قالت: ولماذا ... وسمعا صوت إحدى أخواتها تنادي:
يا ريحانة، يا زمزم أسرعا، إن أبي يسأل عنكما
فأخرجت حزمة رسائل، وقالت له: هذه رسائل أخيك
فقال: سوف تأتين غدا؟
قالت: سيأتي أخوك إلى هنا خلال أيّام، فحاول أن تصل إليه.
وفي تلك اللحظات، وصلت سفينة الأمير حيدرة خان إلى البندر، ولم يتمكّن ركابها من النزول
إذ أرسل الأمير مطلق أمرا ببقائهم في سفينتهم إلى الصباح, ومع شروق الشمس
كانت عساكر الامارة ورجال الجمارك في الفرضة (الساحل) ينتظرون نزول التجّار، وبعد قليل أقبلت الجالبوت (قارب خشبي)
ونزل منها النوخذة الهندي، والتجّار، وكاتب القصر مسعود الغفني والأمير حيدرة خان, ثم صعد رجال الجمارك لإحصاء البضاعة
وحساب العشور, وأقبل التجّار من ابناء الإمارة المغلوبين على أمرهم، يساومون ويعقدون الصفقات
وشاهد كاتب القصر شقيقه الأصغر فيروز، لكن الشقيق لم يعرف أخاه، بسبب كبر سنه، وتغيّر ملامحه، إضافة إلى التنكّر
فهفت نفس مسعود الغفني واغرورقت عيناه بالدموع, فلكزه الأمير حيدرة خان بلطف, فثاب إلى رشده
وأخذ العمال يفرغون حمولة السفينة على الفرضة, ويحملون المبيعات إلى المخازن
ثم إستدعى الأمير مطلق نوخذة السفينة والتجار، ليقوم بواجب الضيافة كما هو معتاد.
وبينما كانت الأميرة ريحانة مشغولة ببعض شانها، أقبلت عليها أختها زمزم مبتسمة مستبشرة، وقالت في لهفة وإندفاع:
تعالي يا ريحانة وأنظري إلى هذا الفتى الهندي، إنّه يشبه بهلول الراقص، فانتفضت ريحانة وقد أيقت أنه ابن عمّها حيدرة خان.
فهرعت لتنظر إليه، وتتحقق منه، فلمّا وقع بصرها عليه شهقت من هول المفاجئة، فسمعتها بعض أخواتها، وأقبلنَ عليها يسألنها
وعندما إمتنعت عن كشف السر، حقدنَ عليها، وأستدعينَ عمّتهن زعفران إلى المكان، وأخبرنها بما فعلت ريحانة
وعندما نظرت إلى الضيوف، ولمحت الأمير حيدرة خان شهقت بدورها، وأسرعت تستدعي أخاها الأمير فضل
فلمّا حضر أخذت تشير بأصبعها إلى الأمير وعندما رآه نزل من فوره ثائرا هائجا، فصاحت الأميرة ريحانة:
أهرب يا حيدرة. أهرب يا ابن العمّ.
فسمعها كل من في المجلس، فخجل والدها، وإحمرّ وجهه غيظا وأحرج أمام الحضور، لكنه عالج الأمر
وكان الأمير بهاء الدين في الجوار فسمعها، وسمع ضجة في قصر الإمارة، فهم بالفرار
ثمّ تجلّد وأخذ يدنو من القصر رويدا رويد، وعلى حذر.
بينما قبضت الأميرة زعفران وبنات أخيها على الأميرة ريحانة، وحبسنها في غرفتها، بعد الشتم واللطم
أمّا الأمير فضل فنزل مسرعا، وأمر رجاله بإعتقال التاجر الهندي القاعد مع الأمير مطلق
وعندما همّوا بالإنقضاض عليه أصيب كل من في المجلس بالدهشة، وصاح فيهم الأمير مطلق: ماذا تفعلون؟
أتركوا ضيوفي أيها البلهاء. فقال الأمير فضل: إنه أحد ابناء لطيفة اللقطاء، وأمر بإعتقاله.
وعندما دنى منه العساكر، نهض الأمير حيدرة خان، ورطن بلغة الهنود، وكان لا يتحدّث بالعربية منذ وصوله
خوفا من إفتضاح أمره فقال غاضبا: ميرى هيدرا كان نيه، ميرى رفيق أعزم هيه
ففغر العساكر أفواههم، وقال كاتب القصر مسعود الغفني، بلغة عربية مكسّرة: ما هازا يا جناب حزرتل أمير؟
فقال الأمير فضل: إن هذا الرجل إبن دريقان الهالك.
فضحك الكاتب، وقال: هازا مُش ولد دريقان، إنّه ولدي رفيق أعزم ونهنو لا نأرف هيدرا هازا
غير أنّ الأمير فضل لم يصدّقه، واقترب بنفسه من الأمير حيدرة خان، وأخذ يتفحصه من مفرق رأسه إلى أخمص قدميه
وبقي محتارا يحدّث نفسه، بينما كانت أعصاب الأمير حيدرة خان على المحكّ، فلقد سمع الإهانات التي لا تغتفر
لكنّه تربى على الحلم والأناءة، فنفعه التريّث في هذا الموقف العصيب. وصبر متمثلا بقول الإمام الشافعي:
يخاطبني السفيه بكل قبح ** فأكره أكــون له مجيبا
يزيد سفاهة فأزيد حلـما ** كعود زاده الإحراق طيبا
وصرف الأمير مطلق الجنود والضيوف، وأستبقى كاتب القصر والأمير حيدرة خان، وأخاه الأمير فضل
ليتأكد من شخصية الأمير ثمَّ صعد إلى غرفة ريحانة، فصفعها صفعة مؤلمة، وقال: لقد مرّغتي سمعتي في التراب، أيتها التافهة
أين هو ابن عمّك؟ أجننتي؟
إنّه تاجر هندي أيتها المهووسة.
فقالت أخته زعفران: بل هو ابن دريقان، إنه يشبه اللقطاء تماما.
فأحتار الأمير مطلق، وقرر إحتجاز الأمير حيدرة خان، ثم إنصرف بعد ان أمر بحبس ريحانة، ومنعها من الخروج
وعندما أنفردت بها أختها زمزم سألتها: من حيدرة خان هذا يا ريحانة؟
فقالت لها إجلسي، وكانت زمزم في السابعة عشر من العمر آنذاك فأخبرتها بكل شىء يخص عمّهما دريقان، وأبنائه الأربعة
فتحمّست زمزم لمساعدة بني العم، وقد سحرتها جاذبية الأمير حيدرة خان.

يتبع إن شاء الله




رد مع اقتباس