الموضوع: الحب الحقيقي
عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 06-03-2013, 02:02 PM
الصورة الرمزية يزيد فاضلي
يزيد فاضلي يزيد فاضلي غير متواجد حالياً
عضو هيئة الشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: شرق الجزائر
المشاركات: 1,011

اوسمتي

افتراضي .../...

لنتفقْ أولاً على أساسياتٍ حول هذا الشعور الفطري ؛ الحُـــبُّ...

...عدتُ-أخي الكريم خميس-مرة ثانية للإدلاءِ بوجهة نظري التي أومنُ بها عن ( الحب ) وأسراره الخفية،وأنا أعلمُ أن في الناس مَنْ يجدُ شيئًا غيْرَ قليل من الغضاضةِ حينما يُعرَضُ حديثٌ عن الحب..ومشاعر الحب..وآهاتُ الحب،بل ربما أوْعزتْ بهم الغضاضة أن يتجشموها مَغرَماً كبيراً وويْلاً طافحاً إذا كان المُتحدِّثُ عنه واحداً من أئمة المساجد أو محسوباً على منابر المشيَخةِ والدعوة..وواللهِ مازلنا نذكُرُ كيفَ أن أحدَ علماء الشام ودعاتها الكبار عندما راحَ يكتبُ ترجمة لقصةٍ عاطفيةٍ لاهبة الأشواق واللواعج ويبثُّها أرَقَّ ما في وجدانه من أنين وآلام وسُمُوٍّ عفيفٍ انهالتْ عليه يَوْمَها-إلى جانب عبارات الإعجاب-كثيرٌ من كلمات النقد والملامة والعتب الشديد...

وعَجِبتْ طائفة من الناس،وراحتْ تتساءلُ في غرابةٍ : كيفَ يستقيمُ أن يكتبَ إنسانٌ في أدق دقائق الفقه والأصول وهموم الدعوة الإسلامية،ثم ينقلبُ فيكتبُ في رقائق الشجْو والحنين..؟ وقال قائلٌ منهم : شيْخٌ داعية،ويتكلمُ في الحب..؟؟!!

ونحب هنا سريعاً-أخي الكريم-أن نميط اللثام عن هذا التعجبَ أو ذاكَ الاستغرابَ من حيثُ أنه في الحقيقة ليسَ إلا واحدة من النتائج الكثيرة لِمَا استقرَّ في الأذهان-أو في بعضها-من صورةٍ غير صحيحة عن الإسلام ونظرته العميقة للفطرة البشرية..

فإننا لو تساءلنا : هل الحب وهمٌ في فطرة الإنسان أو هو حقيقة موجودة فيها ولا داعي للمكابرة في نفيْها..؟؟

فإنَّ الجوابَ السريع الحاسم الواضح الجازم هُوَ : أيْ واللهِ..إن الحب-كشعور-من أكثر مظاهر الفطرة البشرية وجوداً وتأصيلاً في كيْنونةِ الإنسان،وهو حقيقة واقعة وليسَ وهماً أو سراباً...

وعلينا الآن حتى نفهَمَ حالة كونه شعوراً فطريًّا أن أتصورَ أنَّ أحداً من الناس بادرَنا بإثارة السؤال المنطقي الموالي،وهو :

هل للإسلام-وهو منهجُ حياتنا-حُكْمٌ شرعِيٌّ في ( الحب )..؟؟

فسنجيبُ واثقين :

ولكنَّ الإسلامَ لا حُكْمَ له أبداً في الحب..!!

وأتوقعُ أن السائلَ سيردُّ متسائلاً في استغرابٍ وذهول : كيْفَ ذلكَ..؟؟!!!!

هنا سنقولُ له بما تعلمناه من علمائنا الثقات :

أرأيتَ-يا أخي-إلى الإسلام هلْ يَحكمُ بشيءٍ على الخوف والفرح والحزن والجوع والعطش..؟؟ فهوَ أيضاً لا يَحكُمُ بشيءٍ على الحب...

وبَيَانُ ذلكَ : أن أحكامَ الإسلام إنما هي عبارة عن التكاليف المنوطةِ بالعِبادِ من إيجابٍ وتحريمٍ وندْبٍ وكراهيةٍ وإباحةٍ،وهي إنما تتعلقُ بما يَصدُر عن الإنسان من أفعالٍ اختياريةٍ،لا بما استكَنَّ فيه من انفعالاتٍ ومشاعرَ قسريةٍ،ومعلومٌ عند علماء النفس جميعاً أن الحبَّ من جملة الانفعالات القسرية التي لا سلطانَ للإنسان عليها...

ألاَ نسمعُهُمْ يقولون : الإسلام دين الفِطرة..؟؟

فما معنى ما نسمع..؟؟

الإسلام دينُ الفطرة إنما هو من وصفِ رب العالمين له في مثل قولِه تعالى : (( ..فطرة اللهِ التي فطرَ الناسَ عليها لا تبديلَ لخلق الله ذلك الدينُ القيِّمُ ولكن أكثرَ الناس لا يَعلمون ))...

ومعنى كونِه دينَ الفِطرة،أنه يُلبي كلَّ رغباتِ الإنسان وتطلعاته وأشواقه الأصيلة المتأصلة،في صورةٍ من العدْل والإستقامةِ والتنظيم والجمال،أي أنه لا يَكْبتُ في الإنسان شيئًا من مشاعره وانفعالاتِه ووجداناتِه،ولكنه يُعلمُه السبيلَ الأقوم والأمثل إلى معالجتِها والاستجابةِ لها..

فالإسلامُ لا يقولُ لكَ في شيءٍ من أحكامه : لا تخفْ..أو لا تجُعْ..أو لا تفرَحْ..أو لا تحزنْ..أو لا تكرهْ..أو لا تحِبَّ...

وما سمعنا أبداً-في تاريخنا الفقهي الطويل-أن فقهاءَنا وعلماءَنا أثاروا أسئلة فقهية بالصيغ الآتية : هل شعور الخوف في الإنسان حرامٌ أم حلالٌ..؟؟ هل الجوعُ حلالٌ أم حرامٌ..؟؟ هل الفرحُ حلالٌ أم حرامٌ..؟؟ هل الحزنُ حلالٌ أم حرامٌ..؟؟ هل الكُرْهُ حلالٌ أم حرامٌ..؟؟ هل الحبُّ حلالٌ أم حرامٌ..؟؟ !!

لكنَّ الإسلامَ يقول لكَ : إذا خفتَ فلا تنتحرْ..وإذا جعتَ فلا تسرقْ..وإذا فرحتَ فلا تغترَّ..وإذا حزنتَ فلا تنكسرْ..وإذا كرهتَ فلا تظلِمْ..وإذا أحببتَ فلا تنحرفْ..

ثم إنه يضعُ أمامَ الأمة-أفراداً وجماعاتٍ-لمعالجة الجوع مشروعية الكدح والعمل والمثابرة لتحصيل الرزق،ويضعُ لمعالجة الكراهية نظامَ العدل والمقاضاة في الحقوق،ويضعُ لمعالجة ما يلقاه الإنسان بين جنبيْه من لواعج الحب قانونَ النكاح والزواج...

ومن هنا تعلم أن الإسلامَ لا يُحاسبُ الإنسانَ على شيءٍ من هذه المشاعر والانفعالات التي جُبلتْ عليها النفوسُ،ولكنَّ الإسلامَ إنما يُحاسبُ الإنسانَ على ما قد يجترحه من أفعال غيْر مشروعةٍ بسائقٍ من تلك الانفعالات...أي أنه يحاسبه على ما يترتبُ عن تلك الطبائع القسرية من أفعال اختياريةٍ مَحضةٍ...

غيْرَ أن هذا كله ليسَ إلا جزءًا من الجواب على سؤالكَ الرئيس،وتتمة ذلكَ أن تعلمَ بأنَّ ما قلتـُه لكَ لا يَعني أن تعرِّضَ فؤادَكَ لعواصفِ الحب ولواعجه اللاهبة،ذلكَ لأن التسببَ إلى شيءٍ منه داخلٌ في جملة الأفعال الاختيارية التي تستطيعُ أن تسيطرَ عليها،لا في جملة أصل الانفعال الذي تولـَّدَ في القلب قسراً،ولا قِبَلَ لكَ به...

ومشاعر الحُبِّ والعواطف في كِيَان الإنسان أشبَهُ ما تكونُ بسراجٍ يَتـَّقِدُ في غرفةٍ بليْلٍ،فإنْ أطفأتَ السراجَ نهائيًّا انقلبَ المكانُ إلى عتمةٍ وظلامٍ مُوحِشٍ دامسٍ،وإنْ بالغتَ في رَفـْعِ الذبالةِ ومَدِّ لسان اللهب في فتيلته،تحَوَّلَ السراجُ المضيءُ إلى نار مُحرقةٍ،قد تـُحيلُ الغرفة كلها-بما فيها وبمَنْ فيها-إلى ألسنةٍ من اللهب تأكلُ الأخضرَ واليابسَ..!!

وإنما يكونُ شعورُ الحب في فؤادِ الإنسان بمثابةِ السراج المضيءِ المُنير إذا كانَ الإسلامُ قد هذبَ كيانـَهُ وأقامَه على صراطٍ من العِفةِ والاعتدال والاستقامةِ التي شرَّعَهَا اللهُ له،فلا هو يَضربُ على نفسِه نطاقاً من الكبتِ والحرمان والجفاف والقسوة المتجافية عن هَدْي الإسلام،ولا هوَ يَمُدُّ اليَدَ الحُرَّة والعيْنَ الطليقة إلى كل ما يلوح أمامَه من مظاهر المُتعة والأهواء ويَذهبُ نفسُهُ حَسَرَاتٍ وراءَها... !!

ثم إذا كانَ المجتمَعُ من حولِه مُهَذباً هو الآخرُ بآداب الإسلام العامة،كان هذا السراجُ المضيءُ في قلبه دليلَ سعادةٍ إلى حياةٍ غامرةٍ،تموجُ بعبير الأزاهر وأعباق الرياحين،لا تشوبُها أشواكٌ دامية ولا آلامٌ كاوية ولا جراحاتٌ غائرة،وإنما يبغي الإسلامُ من وراءِ ما يُشرعهُ من تهذيبٍ للفرد والمجتمع تحقيقَ هذه السعادةِ التي لا يُمكنُ تحقيقـُها إلا باتباع منهجه وحُكمه...

أما إن لم يكن المجتمَعُ من حوله متسِماً بآداب الإسلام ومتقيِّداً بحكمه ومنهجه،فإن له من عقيدته الجاثمة في قلبه وعباداته التي تملأ رحابَ وجدانِه ما يَضمَنُ له السمُوَّ فوقَ مُغريَاتِ المجتمَع ومفسِداتِه،ويُعينـُهُ على التقيد بنظام الإسلام ومنهجه...

على أن ذلكَ السراج المُتقِدَ من وراء ضلوعه،قد ينفثُ فيها بين الحين والحين الآخر ضراماً كاويًّا وآلاَماً مُبَرَّحَة،وقد تمتد إلى قلبه خفقاتٌ تـُذهِبُ بنوْم عيْنيْه وراحةِ فِكْره،ولكن اعلمْ-أيها السائل-أن مثلَ هذا الحُبِّ ما التقى في القلب مع عقيدةٍ مسلمةٍ صافيةٍ إلا كان لصاحبه منهما مزيجٌ من السموِّ الروحي العجيب،يُكسبُه نشوة ورضىً،يَجدهُما من خلال دمعه الساخن ويَحُسُّ بهما ضمنَ آهاتِه الصاعدة،وما هذبَ الإنسانَ شيءٌ مثل هذا الحب،وما بصَّرَهُ بأسرار الروح شيءٌ مثل تباريحه ولواعجه..!!

لذا كان أربابُ الوجد الصافي يقولون :

كَمْ في الناس من تعساءَ،إذ حِيلَ بينهم وبيْنَ تطلعاتِ حبهمْ،ولكنهم مع ذلكَ عاشوا سعداءَ بالحب نفسِه.. !!

معذبُون..يقطعون هدأة الليل الطويل في حَسَرَاتٍ كاويةٍ تشفِقُ عليهم منها النجومُ الألاءة في سمائها البعيدة،ولكنهم أسعَدُ بذلكَ العذاب من النائم الذي يَغِطّ مستغرقاً في أحلامه الرائعة.. !!

هائمون..لا يَفقهون من شدو العنادل في الخمائل والرياض إلا رجعَ الأنين المنبعِثِ من صدورهم،ولكنهم أطربُ لما يسمعون من أولئكَ الذين يصغون بآذان مِلؤُها اللهو والمرح الماجن.. !!

وهل في الدنيا كلها عذابٌ أبعثُ على النشوة من عذاب الحب..؟؟ !!

وهل يا تـُرَى سمِعَ الناسُ عن نارتنشرُ-كلما اتقدتْ-مزيداً من عَبَق النعيم غيْرَ نار الحب..؟؟ !!

أوَلمْ تسمَعْ بقيْس بن المُلوَّح العامري،يومَ أن ذهبَ أبوه إلى بيت الله الحرام،بعدَ أن استيأسَ من ليْلاَه وحِيلَ بينه وبيْنها،رَجاءَ أن يَدعُوَ لنفسه بالشفاء من حُبها،فيُجابَ دعاؤه،فلما صارَ عند الكعبة،قال له أبوه : يا بني،تعلقْ بأستار الكعبة واسأل اللهَ أن يُعافيكَ من حُبِّ ليلى،فتعلقَ بأستار الكعبة ولكنه قال :

اللهمَّ زدني لليلى حُبًّا،وبها كَلِفاً،ولا تـُنْسِنِي ذكْرَها أبداً..!!

لكني أقولُ لكَ-أيها السائل-إياكَ أن تـُخطئَ هنا،فتحسَبَ أن هذا هو الحب الذي يتحدثُ عنه كثيرٌ من أدعياء الأدب التحرري اليومَ في كتاباتهم،والذي يمثله الممثلون وأربابُ أفلام المقاولات في أفلامهم،ويتهامس به كثيرٌ من الشبان والشابات في خلواتهم الحمراء...

إن هؤلاء أبعَدُ ما يكونون عن المعنى الذي ذكرناه،وإنما الحُبُّ في حسابهم شيءٌ لا يتجاوز خائنة الأعيُن وتقلباتها المستأذبة..!!

إنهم إنما يَفقهون من الحب،ذاكَ الذي يتسلل حيثُ عيونُ الشرف والدين والعِفةِ والعُذريةِ غافلة،ويَختفي حيث تبدأ قداسة الشريعة وروح الزواج..!!

والحب عندهم ألفاظ وكلماتٌ منمقة بعنايةٍ،تـُصاغُ منها شبكة صيْدٍ،توضَعُ كلُّ أسبوعٍ في طريق ضحيةٍ جديدةٍ..!!

إنه الحبُّ الذي لا يَرى في دنيا المشاعر غيرَ ما وراءها من فحيح اللذةِ وسخونة الجسد المحموم،وما القلبُ في اعتباره إلا ( عابرُ سرير ) كما عَـنـْوَنتْ إحداهُنَّ روايتـَها التحررية التي قدمتـْها لجماهير الأمة في الآونة الأخيرة..!!!

فلو تجسدَ هذا الحُبُّ لمَا رأيتـَهُ تمثـًّلَ إلا في أقبح ما يُمكنُ أن يُتصَوَّرَ فيه القبْحُ والبشاعة والدمامة والامتهانُ.. !!

فإن كنتَ-أيها السائلُ-عن هذا الحب تسألني،فاعلمْ أنه ليسَ إلا لوثة مقنعة في إيهاب شعور،جاءتْ تتسللُ في مَظهَر انفعالٍ متألمٍ خافقٍ.. !!

وأينَ هذا مما قد وصفناه..؟؟!! إن بينهُما شتانَ شتانـَـا...!!!

الحب الذي يشدو به كثيرٌ من أدعيائه اليومَ-إلا مَنْ رحِمَ ربي-ليسَ إلا كلمة غاض كلُّ ما قدْ كانَ فيها من الفضائل،وتجمَّعَ كلُّ ما لم يَكُنْ فيها من الرذائل...

كان الحُبُّ سِرًّا من أسرار القلب يُربِّي فيه فضائله،ويَحوط بالحِفظ كمالاته،ويَغرس في النفس بذورَ الرحمة والإنسانية بعدَ أن يقتلع منها جذورَ الأثرة والأنانية،فكانَ بذلك خيْر مِهادٍ لبناء الأسرة،وأفضل روح لتضامن الأمة،وأقوَى زنادٍ لتفجير ينابيع الحِكمة وإذكاء شعلة الأدب الإبداعي الحقيقي...

أما اليومَ-إلا قليلاَ-فقد غدَا سرًّا من أسرار السعار الوصفي-باسم الأدب والإبداع-يُثيرُ في النفس غرائزَها،ويقتلعُ من الروح فضائلها،ثم إنه عرضة للنهب والسلب،تجد بواعثه الكثيرة في كل سكةٍ وزقاق ونادٍ مزدحم..!! وبذلكَ أصبَحَ أسوأ مُدَمِّرٍ لكيان الفرد والأمة وأعظم خطر على بناء البيت والأسرة والمجتمع ككل..

وبَعْــدُ...

فهذا-أخي الكريم خميس-مُجملُ ما عَنَّ لي..وكما ترى فإن تعليقي-حتى وإن طال-جاء أشبَه بمقدمةٍ عامةٍ عن شعور الحب،نضعها بادئ ذي بدءٍ كأرضيةٍ،نتفق عليها أولاً كمبادئ عامةٍ،نشرَحُ على ضوئها كل الفروع الأخرى كالحب قبل الزواج وكيف يكون بعدَه...

ومرة أخرى..أستأذنك بالعودة...ربما لاحقاً للسعي في استكمال معالم تلك الصورة الشاملة...

وتحيتي لكَ ولباقي الأحبة...
__________________
يَا رَبيعَ بَلـَـــــدِي الحبيب...
يا لوحة ًمزروعة ًفِي أقصَى الوريدِ جَمَـــالاً..!!


التعديل الأخير تم بواسطة يزيد فاضلي ; 08-03-2013 الساعة 10:02 PM
رد مع اقتباس