الموضوع: صرخة الرفض
عرض مشاركة واحدة
  #52  
قديم 30-04-2013, 04:11 PM
الصورة الرمزية مختار أحمد سعيدي
مختار أحمد سعيدي مختار أحمد سعيدي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 583

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى مختار أحمد سعيدي
افتراضي

ولما أرادوا أن يغسلوه وجدوا في جيبه مبلغا من المال ورسالة يأمرهم بإبلاغ المحامي الذي كلفه بتنفيذ الوصية فور موته، واستعمال المال الذي في الظرف لمصاريف جنازته، وبدأ ينظر بعضهم إلى بعض، وسلبت الحيرة عقولهم، وتمزقت قلوبهم حسرة وندما على إساءتهم لأبيهم في آخر لحظة من عمره، مات وهو يتجرع دموع الذل والهوان، مات تحت وابل الإهانات والشتم وأبشع أنواع العقوق، مات وبزاق ابنته على وجهه، وعظمت في نفوسهم بشاعة ما فعلوا، وصعد نداء الفطرة الذي أيقظ الضمائر الميتة، استصغروا أنفسهم واستعظموه، ثلاثة أيام أيام مضت ولا يزال الجميع تحت الصدمة، وأخيرا جاء المحامي، جمعهم في الصالون، إنه ابن القاضي الذي كانت تعمل تحت إشرافه أختهم، غريب ! يا للصدف ! وفتح الغلاف المختوم فيه ورقة رسمية مكتوب عليها " أوصي بجميع أموالي وممتلكاتي لحفيدي فلان من إبنتي فلانة"
هكذا جاءت الفاجعة، ضربة قاضية أخرى أكثر من أختها، فحملته أمه وهربت به خوفا من انتقامهم، وانصرف المحامي ليقوم بالإجراءات اللازمة لتحويل الأموال والممتلكات إلى وارثها الشرعي... كان العقاب أفظع وأشد بأسا وإهانة، ووجد الجميع أنفسهم في العراء، أخبرتهم الممرضة بأنه كان على علم بقرب أجله، بل عاش أكثر مما توقعه طبيبه، فزاد حقدهم و كرههم له، أما إبنته ضاق عليه الفضاء، و حتى الدمع شنقته الحسرة و لم ترحمها، يتمزق داخلها بمخالب و أنياب الندم، تستعيد صورة الخزي و العار التي مات عليها أبوها، و بزاقها على وجهه و هو يحتضر، و من يغفر لها ذلك، تبحث عن أي شيء تكفر به عن ذنبها، حتى تمنت لو أن لعنته تطاردها حتى الهلاك. الجدةغاضبة من فعلتها، جالسة و في حجرها الطفل، و يدها على فمها في صمت موكب جنائزي...
يجب أن تفعل في أي شيء إنتقاما لأبيها من نفسها ، و بدأ الجنون يحل محل التعقل، ستختنق إن لم تفعل شيئا، كانت أشدهم مقتا لأبيها ، و بغضا و كرها، كم آلمها لما عرفت لماذا كان يضحك، و لما بزقت في وجهه بكى و مات ، عرفت لمن كان يبتسم و هو ينظر إليها وهي تحمل ولدها في دراعها ..و أصرت صورة مهانتها لأبيها الوقوف أمام عينيها ، تتحدى تهربها خلف أي سبب، تحاكم جرأتها، عجزت أن تواجه أسف و أسى تهورها، وانهارت أمام فظاعة قساوتها ، و جشاعة المال التي سكنت نفسها المريضة، تريد أن تترسج فيها هذه الصورة إلى الأبد، وتتحول إلى كابوس يطاردها على امتداد العمر كله، حتى تعترف أنها كانت هي سبب موت أبيها ، أما إخوتها فحملوا كل ما جرى على أنه مجرد مسرحية رتبت فصولها بليل، يبحث الجميع عبثا عن إجراء يستعيدون به أموال أبيهم التي كتبها كما قالوا باسم لقيط، شيء لا يصدق ، شيء لم يكن أن يتوقعه أي أحد، من أغرب الغرائب، تلك هي الكلمات التي تتداول على الألسنة كلما أثاروا الحديث عن بسمة و بكاء أبيهم في الإحتضار ، يقول الفيلسوف دائما ...ما أهونك يا أبي بقساوتك و أنت تموت تحت لعنة أولادك و على وجهك بزاق إبنتك ...

...يتبع...
رد مع اقتباس