عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 10-09-2013, 01:50 PM
الصورة الرمزية الملتقى الأدبي
الملتقى الأدبي الملتقى الأدبي غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 46
افتراضي

العصافير تبكي
لـ أحمد الفارسي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العصافيرُ تبكِي
الهواءُ خفيفٌ كقلبي
ثقيلٌ كمروحةٍ
تفتحُ الريحَ للخارجينَ مِنَ الذكرياتِ

العصافيرُ تبكي
خرجتُ مِنَ العمرِ
كنتُ أحدِّقُ نحوَ البعيدِ
هناكَ مَسيحٌ يطاردُهُ قَلْبُهُ

قَالَ لي :
يَا صديقي الحياةُ هُنا ميتةْ
لَا الشوارعُ تؤنِسُ غُرْبَتَنَا
والأغانِي تَقُودُ خُطَانَا إلى موتِنَا
يا صديقي ...
الحياةُ هُنا ميتة

قلت : أَينَ الطريق إلى أيِّ حبٍّ
رَأيتُكَ تَحْفِرُ فِي القَلْبِ
عَلَّ فتاةً تُقاسِمُكَ المَوْتَ

قُلْ لي إلى أين نَذْهَبُ
والموتُ يَصْطادُنُا
دُونَ أنْ نَسْتَعِدَّ له في الشّراشِفِ

يا صاحبي
مُذْ عرفتُ الحقائقَ والقلبُ يخفِقْ
لماذا ظهرنا ؟ لماذا ظهرْ ؟
ولماذا أتينا إلى عالمٍ
ليس عالمنا المنتظرْ ؟


قال لي :
يا صديقي الحياةُ هُنا ميِّتَة
كُنت تشبهني قَبْلَ حينٍ ..
وكنت أَنَاكَ التي ثَقَبَتْهَا الرّياحُ
فأصبحت طيفا خفيفاً ...
أطيرُ .. أطيرُ .. وأنقصُ أكثر ..

قلتُ : العصافيرُ تبكي
الهواءُ خفيفٌ كقلبي
ثقيلٌ كمروحةٍ .. تخنِقُ الروحَ
تخنِقٌهَا ..

يا صديقي
لا أستطيعُ التحورَ ..
تحتي ريحٌ
تُدَغدغُ أوراقَ عُمري وتقطفُهَا ..

في الربيعِ ..
إلى أين نَمْضِي ؟

أكنتُ الذي كان يبحثُ عن صوتِهِ
في شقوقِ القصائدِ ؟
أم في دموعِ الكمنجةِ ؟

كنتُ الذي سوف يخفقُ في الجانبينِ
ويخسرُ نفسَهُ ؟

كنتُ الذي يستعدُّ لأن لا يكونَ نبيذاً وخبزاً
لجيلٍ يَنَامُ حَزِيناً على الأرصفة ؟

أكنتُ الذي لم تكنْهُ
على حافةِ الأبديةِ ..
كيفَ سقطتَ وَلم تلمسِ النارُ جرحَكَ ؟
كَيفَ تعبتَ مِن الخوفِ ؟

قال : الحياةُ هناكَ ..
هُنا فيك نارُكَ ، فِرْدَوْسُكَ الأزليّ ، إلهُكَ ..
كُنْ حَيْثُ كُنْتَ وراءَ الحِجَابِ
وغادرْ عَنِ القافلة ..

قلتُ : العصافيرُ تبكي
الهواءُ خفيفٌ كقلبي
ثقيلٌ كمروحةٍ تستعدُّ لتُطْفِئَ شاعِرَهَا
في سُباتٍ طويلٍ ..

بطيءٌ أَنا مِثلَ رَمْيَةِ نَرْدٍ
إذا ما انتبهتُ لموت أقلْ ..

على حافةِ الأبديةِ أصرخُ
لستُ أقلْ ..

أسيرُ وحيداً ..
أَرى أَخِيَ الطفلَ يركبُ دراجةً
وَأَرَاني بهِ أتذمرُ من شارعٍ ضيقٍ
لا يؤدي إليّ ..

سقطتُ مِراراً ..
أَنَا مَلِكُ الإنتكاسَةِ
لو تَجمعينَ عِظامِيَ لانْحَسَرَ الوقتُ
بينَ الكلامِ الذي سوفَ أَنطقُهُ
بعد حينٍ وبينِي ..

أماميَ عشرونَ موتاً
ورائِي ثلاث وعشرونَ موتاً
ولا أستطيعُ التقدمَ أكثرَ
لا أستطيع التراجع أكثرَ ..


يا لُغتي
أَسْعفيني لأهرُبَ من فتنةِ القالبِ المتكدسِ
بين ثواني الدقيقةْ ..

ويا لُغتي
أسعفيني لكي أعرِفَ الجوهريّ
من الموتِ ، من لسعةِ الذاتِ
حينَ تُنادي تعالَ هُنا خَلفَ هذا الجدارِ
وقُلْ ليَ .. أينَ الحقيقةْ ؟؟

أَماميَ عشرونَ موتاً
ورائي ثلاث وعشرون موتاً
ولستُ أرى فكرتي الآنَ إلا عشيقَةْ ..

خسرتُ من الحبّ أكثرَ مما ربحتُ
ربحتُ من الحبّ أكثرَ مما خسرتُ

أقولُ لنفسي :
تعالي لنشربَ كأساً من الحلمِ
كي يصبحَ القلبُ أخضرْ ..

تقول : تعالَ ...
فتربكني فوقَ أَنْفِي ذُبَابَةْ
كأنّ الزمانَ توقفَ والقلبُ يفتحُ بابَهْ ..

أَسِيْرُ ..
كأني ملاكٌ كئيبٌ يطلُّ على قدرٍ ناقصٍ
وكأني نسيتُ ولا أتذكرْ ..

وراء الجدارِ
أرى شَجَرَ الموتِ يكبرُ أكثر ..
يقول : تعال لكي نهربَ الآنَ منكَ ومني
تعال ..


أقولُ : العصافيرُ تبكي
الهواءُ خفيفٌ كقلبي
ثقيلٌ كمروحةٍ .. ليس أكثر ..


رمادٌ هو القلبُ
واللهُ يرفعُ آلامَهُ فوقَ ظهري

[ تخرجُ أمي من البيتِ
تنظرُ في دفتري
وترى دمي الآنَ يسكبُ في الطاولة ]

تقولُ : بُنيّ الحياةُ الحياةُ أمامَك
دعْ عنكَ شعرَكَ واصْعدْ إلى التلِّ
قلتُ : العصافيرُ ترشفُ من أضلُعِي
حين أصعدُ وحدي إلى اللهِ ..
قالت : وَكيفَ ستأخذكَ الريحُ ..
تلك الفتاةُ يفتتها الحزنُ
قلتُ : هُنا عدمٌ أزرقٌ للعناقِ الطويلِ
سنبكي معا ثم ننسى ..

رمادٌ هو القلبُ
والطيرُ ينقُرُهُ من بعيد ..

[ تدخلُ أمي إلى البيتِ
تنسى .. وتنسى ]

أسيرُ على الريحِ وحدي
أرى وردةً في الجوارِ
تَئِنُّ مِنَ الزمنِ المتدفِقِ فينا ..

أرى جسدي يتقاطَرُ فوقَ البلاطِ
وأبكِي ..


تعبتُ من التعبِ المتكرّرِ يا صاحِبِي

لَيْسَ لي أَمَلٌ في الشفاءِ من الوهمِ
قبلَ القيامةِ ..
لا أستطيعُ الخروجَ من المسرحِ البرزخيِّ
هنالكَ فوقَ السماءِ القصيرةِ
خيطٌ يحركنا كالدُّمى ..

تعبتُ مِنَ الحزنِ
تلك السعادةُ ناقصةٌ
والمرايا تعذّبُنِي
في الطريقِ إلى اللمحةِ المطلقةْ

لَيْسَ لي قدر الحالمين
أرى ولدي يستعدُّ لرحلتِهِ
ويسافِرُ .. لا ريحَ ترجع
للريحِ يا ولدي
قلتُ : كن مثلما تشتهي
فلنا في الحياةِ قصاصٌ
لنا في القصاصِ حياةٌ
لنا ما لنا ، ولنا ما لنا ..

كنتُ طفلاً يراقِبُهُ الموتُ
كانَ المَلاكُ يعد طقوسَ الوفاةِ
وكنتُ أراقِبُهُ في سكونٍ قلق

لا تسلْ عن أبيكَ
وسافِرْ مع القادمين من البيدِ
تعرفُنِي ..سوفَ تعرفُ سربك..

لا تنسَ أمّكَ
في عينِها سَتَرَانِي
ألمّعُ أحلامَكَ المنتقاة ..

ولا تنسَ نفسَك
كن واقفاً كأبيكَ
وكن نرجسياً إذا ما أردتَ الهزيمةَ
كن من تكون ..

متى سوفَ تأتي
متى سوفَ أعرِفُ نفسِي

أَسيرُ على الريحِ وحدِي
أَرَى قلقي يتصاعَدُ فوقَ الدقائِقِ
والذكرياتُ القديمةُ تثقبُ ذاكرتي ..
يتسربُ منها :
سرابُ الولادةِ
خوفي من البحرِ
دقاتُ قلبي أمامَ الرسائِلِ
طيفي القريبُ
هروبي من الجنِّ
"طيفورُ" يصرخُ في العمقِ
سورةُ يَاسِينَ
رائحةُ الكسلِ المتدافِعِ
صوتُ الفتاةِ الغريبةِ
ضيقُ المرايا ..

أَسيرُ على الريحِ وحدي
أرَى مَن هُناكَ
الأساطير تسجُدُ لِي ..
وأرى الأصدقاءَ يغنون :

[ أَيُّها الطّبّاخُ
هَلْ تطهُو كمالاً للبشرْ
غرةُ الأكوانِ قِدْرٌ في يَدِيكْ
وَالوجُودُ المحضُ طعمٌ للعِبَرْ

أَيُّها الطَّبَّاخُ
هَلْ تَطْهُو كمالاً للبشرْ .. ]

فأُجيبُ : أَنَا مَنْ أَنَا !
لَيْسَ غيري سِوَى صُوْرَتِيْ
تفتحُ الدربَ نحوي

يقولون : لستَ سواهُ ..

أقولُ : العصافِيُر تبكي
الهواءُ خفيفٌ كقلبي
ثقيلٌ كمروحةٍ لا تدورُ ..

تدورُ ..

ولكنني ..
سوفَ أرحلُ وحدي وراءَ الجدارِ
وأنسى وأنسى ..
رد مع اقتباس