عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 25-01-2015, 10:58 PM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي ملوك الراس لحمر الجزء الخامس والعشرون





وقعت هذه الأحداث في عام
1979ميلادية

حكاية رائعة



ملوك الراس لحمر




الجزء الخامس والعشرون


جزء تنشيطي




ثّم إنفرد بي عمّي يُوسُف حُجّةُ الدِّينِ وقال:
إنّ عمّتك يا بُنيَّ تعاني من هذا المرض منذ سنوات عديدة
وقد عجز الأطباء عن معرفة سِرّه, فهل تعرف ما ينفعها؟
ففكّرت طويلا ثم قلت: أعرف دواءً نافعا بإذن الله لكل عِلّة
قال: فأذهب الساعة وإتِ به إن كان موجودا هنا
قال حَمُود بَرْغَبْرَى: فسألت بعض الأنوناكي إن كانت توجد
في المدينة مزارع خيول, فقال لي أحدهم: توجد مزارع البهائم والمواشي
في المدينة الزراعية القريبة, فأتصلت بالنائب أطغآي ذي الجدائل
وطلبت منه إسعافنا بكمية من حليب فرس حديثة الولادة
فلم يمضي نصف ساعة حتى كان الحليب الطازج بين يدي
فسكبت كأسا منه إلى عمّتي زمزم وطلبت منها شريه
بعد البسملة ففعلت
ولمّا وقع الحليب في جوفها سبب لها رعدة ورعشة, ثُمّ شعرت برغبة
شديدة في التقيوء, قذفت معها ما كان في جوفها من مرارة
ولم تلبث بعد ذلك أن نامت
وحين نهضت من النوم وقفت على قدميها لا تشكو بأسا
فسر عمي يوسف حجة الدين وابنته نور سرورا عظيماوشكراني على ما فعلت
وبعد عدّة أيّام من عودتنا اجتمع بي أخي سليمان وعدد من إخوتي البشر
وناقشنا مشكلة جديدة وقعت لنا, ذلك إن أخواتنا الآدميات فقدن الصبر
على البعد عن ديارهن وأسرهن, وعدت بعضهن بعضا بعدوى الشوق
وإستشرت موجة الشوق والحنين في قلوبهن, ودامت أعينهن دامعه
ومقلهن ساهرة,وأفئدتهن حزينة, والسنتهن رطبة بذكر الأهل والوطن
ورفضن عروضنا في التسرية عنهن بالسفر في أرجاء هاشا باشا وما سواها
من مدن وحواضر العالم الثاني, وأبين دعواتنا للتنزّه والتجوال والتّسوُّق
وأصررن على طلب واحد وهو العودة إلى عالم الإنس مهما كان الثمن
فوقعنا في مأزق خطير, وموقف محرج, ذلك لأننا كنا قد خاطبنا النائب أطغآي
ذا الجدائل بهذا الشأن, فأعتذر إلينا بأنّ النفق الرابط بين عالمينا لا يزال تحت
الصيانة, وأنّه متى تم إصلاحه فسوف يرافقنا بنفسه إلى عالم البشر
فهبنا أن نفاتحه في هذا الموضوع لقرب العهد والوعد منه
ولم نجد بدا من مخاطبة الحاكم العام لمدينة هاشاباشا
فكان منه موعد نجتمع فيه مع حكماء وعقلاء المدينة
وفي اليوم الموعود حضرنا نحن البشر رجال ونساء وأطفال
وحضر شيوخ ووجهاء المدينة, فتحدّث أخي سليمان وأستعرض
مواقف الأنوناكي الشقر المشرفة, وأثناء عليهم ومجّد سلوكهم
الحضاري الرفيع, ومعاملتهم الراقية, منوها إلى طبيعتهم الخيرة
وفطرتهم النقيّة, وسليقتهم الطاهرة, ثمّ تطرّق إلى هاجسنا ورغبتنا
في العودة إلى دنيانا وعالمنا وحياتنا الطبيعية, فشكره الحاكم العام
وأراد أن يأمر بتيسير وتسهيل سفرنا
فقام النائب أطغآي ذو الجدائل غاضبا وأستهلّ كلمة بقول الله تعالى:
(إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا *إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا*)
سورة المعارج الآية 19 ـ 20
ثم قال: إنّكم لضالون مضلون يا بني آدم, الم يكن بيننا إتفاق؟
ألم أوَضح لكم ما أعاق سفركم؟
أنى لنا ولكم أن تعودوا إلى الأرض من غير تلك الطريق؟
قال حَمُود بَرْغَبْرَى: فشعرنا بالخجل والإحراج, غير أن أخي سليمان كان
أشد مني بأسا وأرشد عقلا , فقاطع النائب قائلا:
مهلا أيها النائب, نحن لم نطلب منك ترحيلنا على الفور
ولم ننكر وعدك, لكننا أحببنا ان نؤكد على رغبتنا في العودة إلى ديارنا
فهل في هذا ضير؟
فقال النائب أطغآي ذول الجدائل: لم يمضي على لقائي بكم سوى أيّام قليلة
وها أنتم أولاء تثيرون الجدل مجددا, فهل قصّرنا في خدمتكم؟
هل أسأنا معاملتكم؟
ثم شرع يعدد هبات وصلات قومه, مبديا فخرا وسرورا
وسعادة بتقديم الخدمات الجليلة للبشر الضيوف المبجلين
راجيا منّا الصبر والتروّي والتعقّل.
ثم نهضت رئيسة مجلس النواب والقت كلمة عاطفية أسالت الدموع وأشجت القلوب
ذلك لأنها ذكرت فضل بني آدم, وتسخير الخالق العظيم مخلوقاته
لخدمتهم, متمنيّة أن يتصل قومها بالبشر إتصالا تكوينيا
فتحمّست ونهضت وقد أثّرت في كلمتها وقلت مندفعا:
إنّه ليشرّفنا أن تختلط دماؤنا بدمائكم, وأن نكون وإيّاكم على قلب رجل واحد
فهتف الأنوناكي الشقر فرحا:
الله أكبر الله أكبر
فجذبني أخي سليمان جذبة شديدة كدت أقع على إثرها أرضا
فلمّا التفت إليه أشار لي أن أجلس, فجلست حائرا
فقال لي: ماذا فعلت ياحمود؟ لقد سمحت لأنوناكي الشقر بالتلاعب بدمائنا
وتغيير خصالنا وطبيعتنا البشريّة
فقلت له: وكيف ذلك؟ قال سترى نتيجة تسرّعك في مقبل الأيّام أيها الأحمق
ثم نهض وغادر غاضبا, وقبل أن يخرج من القاعة إعترضه الحراس
الغلاظ ومنعوه من المغادرة, فأخذ سليمان يرفع صوته مهددا وقد غضب
فأنتبهنا وأنتبه الأنوناكي الشقر, فأرتفعت الأصوات وأختلطت الصيحات
وكثر الهرج والمرج, حينئذ صاح الحكم العام صيحة منكرة خشعت لها الأصوات
ثم أمرنا جميعا بالجلوس والهدوء, فجلسنا مرعوبين
فقام الرجل خطيبا وقال:
لن أذكر ما قدّمناه لكم من خدمات أيها البشر, لأنّكم تستحقون ذلك
ولكن لنا رجاءا واحدا فقط, فبقدر رغبتكم في العودة إلى وطنكم نرغب في بقائكم معنا
لكننا لا نستطيع إجباركم على المكوث والبقاء معززين مكرّمين بيننا
لذلك فإنّ طلبنا بسيط بالنسبة لكم ولكنه جليل جدا بالنسبة لنا
ولن يضرّكم شيئا بإذن الله, وأعدكم بأن لا يتأذى منه أحدا أبدا
قال حَمُود بَرْغَبْرَى: فأخذت مني الأريحية كل مأخذ وأردت أن أنهضت
فجذبني أخي سليمان مرة أخرى وقال لي: أقعد أيها الأحمق فقعدت
ثم نهض وقال: نحن نشكركم على كل ما فعلتم لأجلنا, لكننا لا نستطيع
أن نتخلى عن ديننا ولا عن أخلاقنا ولا عن طبيعتنا البشرية
فإن كان ما تطلبونه منا لا يتعارض مع أي من هذه الأمور
فلن نبخل به عليكم, حتى ولو لقينا الموت في سبيل رد جميلكم
ثمّ إننا نتوق لرؤية النفق والنظر إلى ما تمّ إصلاحه, لتطمئن قلوبنا
وترتاح أفئدتنا,
فهتف الأنوناكي الشقربأصوتهم المهيبة: مرحى مرحى
ثم نهض الحاكم العام مبسوط الأسارير وقال: شكرا لك أيها الآدمي النبيل
وإن شاء الله لن يكون هناك ما يسوء أبدا, ونحن إنّما نطلب منكم أن تختلط دماؤنا بدمائكم
وعرقنا بعرقكم وجنسنا بجنسكم قبل أن ترحلوا.
أمّا زيارة النفق فأعدكم بتنفيذ رغبتكم حالا, لكنني أحذٍركم
من مشقّة الوصول إلى هناك, وأتمنّى أن تصرفوا النظر عن هذه الفكرة
ولكم عهد الله وميثاقه أن ترحلوا إلى عالمكم عندما يتهياء النفق
قال حَمُود بَرْغَبْرَى: فلمّا سمعت نساؤنا كلمة الرحيل فرحن فرحا عظيما وأخذن يزغردن سعادة وحبورا
فنهضت وقد إمتلى جوفي حماسا, وقبل أن أنطق جذبني أخي سليمان قائلا:
إهدأ يا حمود وتمالك نفسك, فإنا لا ندري ماذا يقصد هذا الرجل
فجلست حزينا, ونهض أخي سليمان وقال متسآئلا:
وعلام ترغبون في خصائص البشر؟ ونحن أصغر أجساما, وأقل صبرا
وأكثر عدوانية, وأسرع غضبا, وأبطأ تفكيرا, وأشد حرصا, وأبخل عطاءا
وأفسد مزاجا, وأبخس حلما منكم؟
فعمّ القاعة السكون عندما سمعوا كلماتي, وما لبث الأنوناكي الشقر ان دخلوا في نوبة بكاءٍ
مريعة لا أعرف سببها
فخفنا أن نبدي أية ردة فعل, ولبثنا مطرقين, بينما كان بكاؤهم
يتصاعد ونشيجهم يتحول تدريجيا إلى نواح وعويل

يتبع إن شاء الله






رد مع اقتباس