عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 14-09-2011, 09:06 AM
الصورة الرمزية حمود الحجري
حمود الحجري حمود الحجري غير متواجد حالياً
شاعر
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
الدولة: شق فجرك ظلامي وانجلت عتمتي 2012
المشاركات: 465

اوسمتي

افتراضي ديرة الشمس لحمد هدوب الهاشمي

ديرة الشمس(1)
ضوء:
" الشاعر حمد هدوب واحد من الشعراء الذين تركوا أثرا وفراغا في غيبتهم الطويلة ، وغيابهم الذي طال حتى ظننا أن الشعر اعتزله ، فإذا به يفاجئنا بنص مدهش ، مغاير ، ومختلف ، لا يختلف اثنان على جماله ، وتفرده ، يعود محملا بروح جديدة ، وبنفس لم يفارق خياله الذي غاب ذات يوم ، تاركا وراءه الكثير من الحب " .
مسعود الحمداني
العنوان :مدلول أول :
العنوان ، وهو مركب من مضاف ( ديرة ) ومضاف إليه ( الشمس ) ، يكرس للمفارقة المؤلمة !!
فبمجرد ذكر مفردة ( ديرة ) تفيض الروح بالسكينة والطمأنينة والدعة .
بيد أن كل من هذه الفيوضات المنعشة تأخذ بالإنحسار ، بل وتولي هاربة بمجرد إضافة المفردة الأخرى التي تنظم إلى ( ديرة ) لتكوين عنوان النص ألا وهي ( الشمس ) .
حيث أن حمد هدوب أتى بمفردة ( ديرة ) النكرة مضافا إلى مفردة ( الشمس ) المعرفة .
والشمس كمفردة تحيلنا بمجرد سماعها إلى معطيات مثل : البعد ، الأشعة الحارقة ، الهجير ، النهار ، وغيرها . هذا عدا عن معان غير مباشرة ورمزية مثل : الحقيقة ، الطهر ، الانكشاف ، الوضوح ، ومعان أخرى .
لكن العنوان يذهب بك وأنت تقرأ البيت الأول إلى مدلولية البعد بمدلوليه ( الزماني ، والمكاني ) والنأي والسفر البعيد .
عودة السرب .. كهرباء الصدمة :
سرب الحمام اللي رحل ديرة الشمس
ما جاء على جنحه صبايا وأحلام
سـنـيـن أنـتـظــره وجــاني قـبـل أمس
يرمي ربيــع العمر في قبــر الأيام
كنت أحسبه لا جاء على زفه وعرس
وأثريه جـاي وداخلـه غربـة أيتام
خمس السنين أحلم ولا فادت الخمس
ما كنت أحسب كلها تصبح أوهام
كان سرب حمام ورحل إلى " ديرة الشمس " ، بعيدًا ، بعيدًا ، بعيدًا ...
وعندما عاد " قبل أمس " بعد سنين من الانتظار " ما جاء على جنحه صبايا وأحلام "!! و " لا جاء على زفة وعرس "!!!
في هجير الانتظار كان الحلم شجرة فارعة ، وارفة الغصون ، داكنة الخضرة ، كان الحلم حاضرا ( خمس السنين أحلم – نخيل الحلم ) .
كان يفرش كل تلك السنوات ، ويوّشيها بالحلم ، لكنها تبخرت في غمضة عين ، وتبخر الحلم ، واستحال وهما ، هباااااااااااااااااااء
كان سرب حمام ورحل إلى " ديرة الشمس " ، بعيدًا ، بعيدًا ، بعيدًا ...
وعندما عاد " قبل أمس " عاد " يرمي ربيع العمر " الذي عمرته بالحلم ، وحرثت نخله بعناية فائقة ، " في قبر الايام " عاد " وداخله غربة أيتام " .
أحرث نخيل الحلم وأطمن النفس
اليوم يثمر .. بعد بـاكر .. بعد عام
طافت سنين العمر أتأمل الغرس
ما شفت به عذق اتعنى لـه أقدام
أكذب على قلبي (أيا قلب به لبس
باكر يعود السرب وعيونك تنام )!!
الين عاد السرب ظامي بلا حس
ما في عيـونه غيـر دمعــة وآلام
حاولت أخبي قبل ذي الليلة النحس
أن الوهم في داخل عيوني أكوام
حاولت بس أسأل عسى صوت أو همس
نخل الحلم يالله ميت من أعوام
ما به عذوق ولا أمل منتهي يبس
باكر ريــــاح العمر تذريه قدام
وتأخذ الصدمة ، أو الهزّة الشاعر من نقطة النهاية ، من لحظة العودة ، عودة سرب الحمام ، العودة المخيبة للآمال ، والتي كان ينتظرها بفارغ الصبر ، ينتظرها فرحا مدّويا ، يطفئ عطش الأيام والسنين ، حيث كان يمني النفس " باكر يعود السرب وعيونك تنام " ويطمئنها ..ربما السرب / النخل يعود/يثمر ( اليوم .. بعد باكر .. بعد عام ) وهنا يضعنا الشاعر أمام دال سيميولوجي يتمثل في النقطتين المتتابعتين ، فعدا الوظيفة الترقيمية ، توحيان بالكثير من الدلالات الضمنية ، فما يبذله من جهد برهاني مطمئنا نفسه بنهاية مرغوبة يجعله بحاجة إلى توقف لأخذ نفس قليل ، عدا أن النقطتين المتتابعتين ، وهما تتخللان تراتبية الزمن هذه ( اليوم / بعد باكر / بعد عام ) تشعرانك بثقله وهو يرزح على صدر الشاعر ، عطفا على ما يثيرانه من شعور بالتردد والسهوم والتوهان والتوجس .
وجراء هذه الصدمة غير المتوقعة ، المعاكسة لعقرب الحلم ومؤشره ، جراء هذه الهزة العنيفة يبدأ التداعي ، ويبدأ الانثيال ، ويبدأ الرجوع للوراء ( الفلاش باك ) تحقيقا ، لا شعوريا ، لشيء من التوازن .
وتحت تأثير هذا الخدر ، الأشبه بالتنويم المغناطيسي ، يعود بنا الشاعر إلى المال(2) ، حيث يقضي سحابة نهاره ووقته في العناية بنخيلاته ، وتأمل غرسه الذي غرس " طافت سنين العمر أتأمل الغرس " .
وبرغم النداء الخفي الذي كان يلح عليه " أن الوهم في داخل عيوني أكوام " نجده يحاول إخفاء هذه الحقيقة السافرة ، ويؤول قرائنها لتصب في خانة الحلم ، متشبثا ، حاله حال الحالمين ، ببصيص الأمل .
ظل طيلة هذه السنوات " يكذب على قلبه " ...
لكنه أمام هذه العودة ، التي طعنت الحلم في مقتل ، تنسكب دماء المرارة والحرقة ، دون أية مواربة ، فلا مجال لأي تعمية " نخل الحلم ( يالله ) ميت من أعوام "
وكما تخرج هذه الـ ( الله ) حارقة ، ممطوطة ، متشنجة ، تستمر التنهدات والتأوهات ...
مسكين يا قلبي على كثر ما دس
كنت أخدعه وأثريه عارف ومنظام!!
هو عاد يعذرني على أيامي الغلس
هو عاد يغفر لي عذاريب وآثام
هو عاد يوثق بعد ما استوعب الدرس
هو عاد يتبعني ولو دربي غمام
مثل انتظر مسكين واستقبل العكس
نار الوهم تحرق به عروق وأنسام
صلى صلاة الموت واستأصل الرجس
كبر وكسر داخل ضلوعي أصنام
ويتواصل التداعي المر ، والاسترجاع الموجع ..
إنها الحقيقة ، عندما تتجلى كشمس ، ولا تدع ثمة مجال لتأويلات ، ولا ثمة مهرب لظل .
إنها المكاشفة إذاً ...
المكاشفة ، التي تسلط كشافها بحزمة ضوء باهرة ومركزة ، بعد إطفاء الأضواء عن آخرها ، على خشبة المسرح .
دائرة الضوء الساطعة مسلطة على هذا البائس الجميل في نوبة هذيان داخلي ( مونولوج ) مُر ، كسيلٍ ، يجرف في طريقه فلول الرجس والأوهام ، التي ربّاها طوال هذه السنين الخمس .
العنوان :مدلول ثان :
هنا تتكشف لنا مدلولية أخرى للعنوان ، فالحقيقة الساطعة ، موطن الوضوح السافر ، الذي لا يدع مجالا لشك أو وهم أو زيف ، هي " ديرة الشمس " التي قادنا إليها الشاعر عبر هذه القصيدة المترابطة ، والتي يأخذك كل بيت فيها للبيت الذي يليه .
الحقيقة مهما بدت جارحة ومؤلمة .
الحقيقة الموجعة كنصل ، القاطعة كشفرة حادة .
وأخيرا ...
نقول هكذا هو حمد هدوب الهاشمي ، يغيب كثيرا ، وطويلا ، لكنه عندما يأتي ، يأتي محملا بغنائم الشعر الجميل ، النابع من الشرايين القصية ، فلجـًا تتراقص على سواقيه الفراشات ، وتغرد العصافير .
فشكرا حمد .. شكرا لنزفك

الهوامش :
(1) النص المنشور في جريدة عمان تاريخ 16 مارس 2010 م .
(2) درج العماني على تسمية بستانه بـ ( المال ) .
__________________
للريييييييييح


ما
لعثم
ندااااا ااا اااااه
رد مع اقتباس