عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 19-05-2015, 12:03 AM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي رياح التغيير الجزء الثالث





رياح التغيير



الجزء الثالث

النفاذ


ومع بزوغ كل فجرٍ جديد، يكتشفان مدخلا سرّيا إلى السعادة، فكانا كفرسي
رهان، يتواثبان في تفانٍ وغبطة وإجتهاد، لفتح ذلك الباب أمام شقيق الروح
فإذا بلغ الشروق مرحلة الإفصاح عن كل خافٍ، إنطلقا على صهوتي جوادين
أصيلين من خيول العشاق، فقطعا الفيافي المقفرة في غمضة عين القلِق.
وعلى بوّابة الواقع، ينتظران كبقيّة البشر نصيبهما من الحلوى التي توزعها
الأيّام والليالي، بإمرٍ من القدير. ثمّ يعودان عاجلا إلى القصر المنيف.
وفي ذلك اليوم الضبابي، لم يكن في خلد أي منهما أن صُرّة الحلويات ستفرغ
يوما ما، وأن نصيبهما من الحنظل ينتظرهما. ولو علما ذلك لتناصحا
على الأقل، حتى يتجلّدا لتحمل مرارة العلقم.
لكنهما أقبلا على البوابة فرحين، تسبقهما الأماني، فحدث ما لم يكن في حسبانهما
إذ تلقيّا جرّة فخّارية حُبلى بما تكتئب منه النفوس، وتصطلي الأكباد، وتنفطر القلوب
وتتسمم الأبدان، وتثور المخاوف إلى درجة الهلع.
فرفضا إستلامها، وأمتنعا عن حملها، وأستعارا كل الفاظ الرفض
والإحجام عن قبول نصيبهما المكتوب لهما منذ الآزال.
وقد ظنّا أن إحتجاجهما على خط سير القدر سيغير المصير المحتوم
فتفننا في الإعراب عن الاستياء، وبالغا في الشجب.
فقال الموكل على توزيع العطايا: أنظرا في وجوه الناس، وأقراءا ما رسمت الأقدار عليها
فإن عثرتما على وجه لم تصفعه يد الألم، ولم تذب نضارته دمعة الشجن
فعودا إلي لأبدل جرّة الشقى بزير هناء مقيم. فخرجا لا يلويان على شيء.
فلمّا كانا في بعض الطرقات، ناداهما من شرفة قصرٍ فخم رجل وسيمٍ
بهيّ المحيّا، تبدو عليه أمارات السعادة، وعلامات السرور.
وقال لهما وقد أدرك سبب عجلتهما: هلما إلى رجاءا. فلدي ما تبحثان عنه.
فأسرعا، وصعدا إليه، تحذوهما الأمال في أن يكون ذو الوجه
الصبوح فأل خير، فعلى ما يبدو لم تلفح خدوده نيران العسر مطلقا.
فطفقا يجريان وقد طغت عليهما الفرحة بوجود المنقذ.
كان ذو الوجه الصبوح يستحثّهما على الإسراع في الوصول إليه
وفعلا لفياه حيث يجلس. فكانت المفاجأة
نعم إنه مليح الوجه، وسيم أنيق، لكن نصف جسده مشلول
فتوقفا عن الجري، وهمّا بالإنصراف، فقال الوسيم:
مهلا مهلا إنكما لم تقراءا غير عنوان واحد فقط من عناوين الشقى.
فبهتا، وتجرعتا غصتي رعب مرّة، ونظرا إلى بعضهماـ فلم يمهلهما
بل أمر من أقعدهما أمامه قسرا، ثم قال:
لقد كنت مثلكما تماما. عضّني البؤس، وأمضني البلاءـ ثم رأيت يسرا ونعيما
وحين أيقنت أن لا زوال، هاجمتني النائبات بلا رحمة.
قالت وقد لبست رداء قحة بغيض: إنّك لم تكابد مثلما كابدت أنا.
قال العاشق: وماذا رأيت أنتٍ مقارنة بما مرّ بي؟
فقال المشلول: لست أعلم بما مررتما. ولكنني ولدت يتيما
ثم تيتّمت مرة أخرى في عمر الثالثة عشر. فتولاّني عمُّ ظلوم
إستولى على تركة والدي، وزوجني من ابنة له غصبا. وعندما هويها
ابن وجيه أجبرني على تطليقها. ثم طردني من بلادي، ولم يعطني شيئا من حقّي
وفي الغربة عملت بيدي، حتى تمكّنت من بناء منزل، فتزوّجت من امرأة فاضلة
ولدت لي جملة من البنين والبنات.
فحسدني بعضهم، وقدّم ضدي بلاغات كاذبة، فحبست ظلما.
وأصابني الكساح لقلة الحركة. وعندما إمتنع أبنائي عن زيارتي، وسألت عنهم
قيل لي أنّ أكبرهم قد أصابته عين فجنّ، فهجم ليلة على أمّه وإخوته فذبحهم
كما تذبح الأغنام. فقبض عليه وأعدم في ساحة الإعدامات.
فلمّا أوشكت على الانهيار أفرج عني، وحملت إلى داري. فكنت أزحف
لقضاء حوائجي، وذات ليلة سمعت طرقا على الباب، فزحفت إلى أن فتحت،
فإذا بما لم يكن يخطر على قلبي مطلقا.
إنّها ابنتي عمّي وطليقتي. فلمّا رأتني على تلك الهيئة أمرت خدمها بحملي،
ثم قصّت عليّ قصة أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع ....

يتبع إن شاء الله



رد مع اقتباس