الموضوع: نظرية العامل
عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 11-08-2013, 06:03 PM
الصورة الرمزية يزيد فاضلي
يزيد فاضلي يزيد فاضلي غير متواجد حالياً
عضو هيئة الشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: شرق الجزائر
المشاركات: 1,011

اوسمتي

افتراضي .../...

...أحبُّ-أختي الكريمة مملكة الطموح-أن ألفِتَ النظرَ بادئ ذي بدْءٍ،وقبل الخوض المُبَسَّطِ في شرْحِ ( نظرية العامل ) إلى أن بعضَ المسائلِ العلميةِ-بما فيها قضايَا اللسانيات اللغوية-فيها ما يبدو أنه صعْبٌ ويتسمُ بالثِّقَلِ والتعقيد،وربما حينَ يُطلبُ ممن وعاها واستوعبَها وفهِمَها أن يعملَ على توضيحها بالتبسيط والتذليل ؛ ربما وجدَ صعوبةً جديدةً في التبسيطِ والتذليل..!!

لِمَ..؟؟!!!

لأنه-كما يعرفُ كلُّ الدارسين-هناكَ مسائلُ علمية،لا تخلو فعلاً من بعض الصعوبةِ أو التعقيد..أو هكذا يبدو..ولكنَّ السببَ في ذلكَ لا يعودُ إلى الأسلوب أو الصياغةِ-كما قد يتصورُ البعضُ-وإنما مَرَدُّ ذلكَ إلى طبيعةِ هذه المسائل وموْضوعاتِها،فهي مسائلُ علميةٌ دقيقة ٌبحد ذاتِها،تتطلبُ أول ما تتطلبُ دراسة ًسابقة ًلهذا الفن،ثم إنها تتطلبُ-بالإضافةِ إلى هذه الدراسةِ-دِقة ًفي النظر وأناة ًفي التدبر والفِكْر...

لذا فلربما لوحِظ أن هناكَ صعوبة ًفي الأسلوب والصياغة،والواقعُ أن تلكَ الصعوبة َليستْ في هذيْن ولكنها تعودُ في الأساس إلى الموْضوعاتِ التي تأتـَّـتْ منها...

ومع هذا سنحاولُ-أختي الكريمة-التبسيط والتسهيلَ والتذليلَ قدْرَ الإمكان،واللهُ المُستعان...

فما الذي يُقصَدُ بـ ( نظريةِ العامل في اللغة العربية )..؟؟

ببساطةٍ،يُقصَدُ بها (( أن الجملة في اللغةِ العربية-سواءٌ كانت اسمية ًأو فعلية ً،أو كانتْ بسيطة ًأو مركبة ً-تقومُ عناصرُها الأصلية على أركان ثلاثةٍ،يستوعبُها العقلُ في سياقٍ واحدٍ،فيتمُّ بها المُرَادُ من فهمِ المعنى فيها،وهذه الأركان هي : العَمَلُ – العاملُ – المعمولُ ))...

ما معنى العَمل..؟ وما معنى العامل..؟ وما معنى المعمولُ..؟

لفهم هذه الأركان الثلاثة،نستحضرُ هذا المثالَ البسيطِ من جملةٍ اسميةٍ :

عندما نقول : إنَّ الصِّدْقَ مَنجَاة ٌ..

فـ ( إنَّ ) هنا هي : العاملة،لأنها المُؤثرة في الجملة الاسمية بـ ( النسخ ) أي : بالتغيير والتبديل في أحوالها الإعرابية،فبعدما كان المبتدأ المرفوعُ مبتدأ ًلذاتِهِ صارَ اسماً مرفوعاً لغيْرهِ،وبعدما كان الخبرُ المرفوعُ خبراً للمبتدأ صارَ الخبَرُ المرفوعُ منصوباً لـ ( إنَّ ) العاملة،ثم إن المعنى ذاته تغيرَ من مجردِ الإخبار إلى الطلب بالتأكيد...كل هذا عَمَلٌ قامتْ به ( إنَّ ) الناصبة،فهي إذن ( عاملة )...

و( الصدقَ منجاة ٌ )-الاسمُ المنصوبُ والخبرُ المرفوعُ-هنا هما : المعمولُ،لأنهما اللذان وقعَ عليهما أثرُ العمل ( النسخ ) الذي قامتْ به ( إنَّ )...

و( النصبُ في الاسم والرفعُ في الخبر وتغييرُ المعنى فيهما ) هنا هو : العمَلُ الذي ترتبَ عن دخول الناسْخ ( إنَّ ) على عنصريْ الجملةِ الاسميةِ ؛ المبتدأ والخبر...

إذن :

العاملُ : مصطلَحٌ،يُقصَدُ منه تلك المؤثرات التي تربط جزئياتِ العناصر ببعضها ويكونُ هذا الربط متعلقٌ أساساً بتلكَ المؤثرات..وهناكَ في ( نحْو الجملة العربية ) عاملان : داخلي وخارجي حسبَ الحركة الإعرابية الملفوظة ( للأحرف الصحيحة ) أو المُقدرة ( لأحرفِ العِلةِ الساكنة )...

المعمول : مصطلحٌ،يُقصَدُ منه تلك العناصر التي يظهرُ فيها أو عليها أثرُ العامل المترتـِّبِ عن ذلك التعلق وذلك الارتباط...

العمل : مُصطلـَحٌ،يُقصَدُ منه عملية التأثير التي ترتبتْ عن عمل العامل في المعمول،وبالتالي فالعمل هو تلك العلاقات النحوية ( في الإعراب والبناء ) التي تحددُ المحَلَّ أو الموقِعَ أو الوظيفة َلكل جزئيةٍ من جزئياتِ العناصر ارتباطاً بعاملها...

وإن،فكما تلحَظين-أختي الكريمة-فإن الجملة العربية لا يمكنُ أن تكتملَ في الذهن-لفظاً ومعنىً-إلا بإدراكِ هذه الطريقة التي تنتظمُ فيها-تلقائيًّا-جزئياتـُها بهذا الشكل الذي توارثه العربُ قديماً بـ ( الفِطرةِ و السليقةِ )،وبناءٍ عليهِ وضعوا قواعدَ وأسُسًا قياسية ًفي علوم اللغة الرئيسيةِ ( نحواً وصرفاً وبلاغة ً)..

ونستنتجُ من هذا أن ( نظرية العامل في اللغة ) هي الجوهرُ والأساسُ الذي قامَ عليه الكلامُ العربي-المنطوق أو المكتوب-من حيثُ دِلالةِ المعاني المقصودة في ألفاظه،ومن حيثُ الشكلُ في حركةِ حروفها التي تظهرُ في نطقِها والكتابة..

ومعنى ذلكَ أن أساسَ نظرية العامل يُشيرُ إلى أنه إذا كانَ أحدُ الأجزاءِ في التركيب ( عناصر الجملة الاسمية أو الفعلية ) طالباً للآخر من حيث المقصود والمُرادُ المعنوي ( نصباً ورفعاً وجرًّا وجزماً ) فإنه بالضرورةِ سيتشبثُ به لفظاً من حيثُ الحركة الإعرابية ( فتحة ًوضمة ًوكَسرة ًوسكوناً )،ولا يُمكنُ تصورُ هذه العِلاقة بين المعنى واللفظ إلا هكذا....

فبقاءُ معنى الفاعلية في الفاعل المرفوع يَصْحبُهُ بالضرورة الرفعُ بعلامةٍ أصليةٍ أو فرعيةٍ..وبقاءُ معنى المفعولية في المفعول به يَصحَبُه بالضرورة النصبُ بعلامةٍ أصليةٍ أو فرعيةٍ..وهكذا في أحوال الجر والجزم..وفي كل أحوال الإعراب والبناء...

ومهما تقدمتِ العناصر أو تأخرتْ أو تقدَّرَتْ بالإضمار والاستتارةِ والحذف لدواعي الوجوب أو التقديم أو التقدير فإن الذهنَ سيُدركُ تلقائيًّا الأجزاء التركيبية من عناصر الجملة وسيفهمها ويُحددها دون خلطٍ أو عناءٍ أو التباس...

تأملي مثلاً في الفاعل كيف يبقى فاعلاً مادامَ الأساسُ فيه بين المعنى واللفظ واضحاً داخل شبكة النظرية العاملية مهما حدث تقديمٌ أو تأخيرٌ أو تقديرٌ أو حذفٌ :

شرحَ الأستاذ ُالدرسَ – شرحَ الدرسَ الأستاذ ُ – شرحَ على السبورة الدرسَ الأستاذ ُ- شرحَ الدرسَ على السبورةِ الأستاذ ُ- شرحَ الدرسَ ( الفاعل ضمير مسستر مُقدَّرُ ) -...الخ..

أظن-أختي الكريمة-الأمرَ اتضحَ قليلاً في مفهوم نظرية العامل في الجملة العرابية داخل نسيج اللغة..

ولاحظي-أختي-كيفَ أنني أعفيتـُكِ من مطولاتِ البحث الشاق الذي دار قديماً عند علمائنا-الذين اتفقوا في أشياءَ واختلفوا في أشياءَ أخرى بخصوص نظرية العامل-ومنهم من أنكرَها جملة وتفصيلاً على أساس أن الجملة العربية توقيفية في المعنى وهي تخضعُ لدلالاتِ الجذب والطرد في معانيها على أساسِ أنَّ المعنى في الذهن أسبقُ من اللفظ الذي لا تأثيرَ له-ذاتيًّا-في فاعليةِ العمل بين العامل والمعمول..بل لقد جاء مَن قالَ إن هذه النظرية ( خرافة ) وافتراضٌ ينبغي تجريد النحو منها،ولعلَّ من أوائل العلماء الذين سوَّقوا ذلك ابنُ مضاء القرطبي الذي انطلق في دعاواهُ من أن العوامل المعنوية واللفظية في الجملة العربية ليستْ عِلة ًبذاتها،وراحَ مَنْ يؤيدُه يقول فيما قال ساخراً من الإصرار على نظرية العامل التي تقتضي رفعَ الفاعل وجوباً :

يقولونَ قامَ زيْدٌ وزيْدٌ لم يَقُمْ ** وظنوا بغير الرفعِ زيداً لن يقومَا..!!

فانظري-أختي-إلى الوهم العجيب الذي اعتبرَهُ هؤلاء واستنتجوه في تأثير الفعل في فاعله بالرفع حين توهموا أن رفعَ الفاعل بعلامةِ الضمة-لمن قال قياسًا على قاعدة الفاعل المرفوع-هو الذي جعلَ فعْلَ القيام يَحدثُ،ولما كان هذا غيْرُ صحيح في الواقع،فلماذا الإصرارُ-على حد وهمهم-على الرفع،أي : أن الفاعلَ ( الذي قامَ ) ممكنٌ جدا أن يقومَ ثم يُسجَّلُ في الجملةِ منصوباً أو مجروراً أو مجزوماً بعلامةِ الفتحة أو الكسرة أو السكون..!!!!

وهو وهمٌ عجيبٌ-كما تريْن-لم يفكر فيه لا سيبويه..ولا الخليل..ولا ابن جني..ولا ابن مالك..ولا ابن عقيل..ولا ابنُ آجروم..ولا كل نحاة رواد مدرستي الكوفة والبصرة حين راحوا يبَصِّرون الناس بهذه النظرية على اختلافهم في بعض التفاصيل..ومعنى ذلكَ أن ابنَ مضاء وجماعته-على رسوخهم العلمي في علوم اللغة-جانبَهُمُ الصوابُ إلى مسافاتٍ بعيدةٍ،ويصدق عليهم القول : لكل عالم هفوة ولكل جوادٍ كَبْوة....

مع يقيننا نحن أن ابنَ مضاء-ومَن شايَعَهُ-كانَ مُوهماً ومتوهماً لأشياءَ وأمورٍ لا تكادُ اللغة تستقيمُ عليها إلا بالإيمان اللغوي لهذه النظرية-وهي أشياءُ وأمورٌ يطولُ شرحُها هنا-إلا أن هذا الخلاف اللغوي حول وجود هذه النظرية أخذ أبعاداً أخرى في عصور الأخلاف الحديثة...

والمدخل في ذلك كان بمحاولةِ إلباس اللغة العربية-في نظرية العامل-لبوساً آخرَ من نفس النظرية المنبثقة أصلاً من نسيج اللغاتِ الأخرى-خصوصاً الفرنسية والإنجليزية-وهو الأمر الذي أوقعَ لغطاً كبيراً بين علماء وأساتذة اللغة الكبار المعاصرين حولَ ذلك...

وقبلَ أن أنتقلَ-أختي الكريمة-إلى الحديث حول علاقةِ علاَّمَة اللسانياتِ الأمريكي تشومسكي-بنظرية العامل في لغتنا العربية،وكيفَ تمت الجناية على نسيج لغتنا العربية في قواعدها النحوية...حتى نعرف ذلك لابد على الباحث أن يُلِمَّ-ولو عَرَضاً-بأسرار اللغاتِ الأجنبية الأخرى،في قواعدها،وفي نسيجها المعنوي واللفظي،على الأقل في اللغتين الفرنسية والإنجليزية أو في أحداهما حتى يُدركَ الأمرَ وتتضحَ الصورة جلية ًفي حسه..أما إن كان الباحث لا يَعرفُ الحد الأدنى من تلك الأسرار،فعبَثاً يُحاولُ،وستبقى الصورة غامضة مهما بذلَ من جهدٍ في فهمها وتقريبها لوعيه...

وما أزعمُ أني مُلِمٌّ باللغة الإنجليزية قدر إلمامي بأسرار اللغة الفرنسية التي أعتبرها-بحكم الموروث الاستعماري المفروض وبحكم دراستي الأكاديمية-اللغة الثانية..وعليه باختصارٍ سأقربُ الصورة منهما حتى يتضحَ فيها الأمر...

لو سألتِ-أختي الكريمة-أيَّ إنسانٍ درسَ قواعدَ اللغة الفرنسية الأساسية،في النحو والصرف،في ما يُعرفُ بـ ( أقسام الكلام وقواعده Les sections du discours et de la grammaire )،فلربما ستتعجبين وستستغربين أنهم جميعاً سيقولون لكِ : إنها لغة –مقارنة ًمَعَ قواعدِ لغتنا العربية القياسية في النحو والصرف والإملاء-معقدة ٌفي أشدِّ مظاهر التعقيد الممكنة..!!

فتصريفُ الأفعال في اللغة الفرنسية يقع في ثلاث مجموعاتٍ على ثلاثِ صُوَرٍ وأشكالٍ مختلفة،ثم إن في كل مجموعةٍ شوَاذًّا ينتسبون إليها ولكنْ لا يُصَرَّفونَ مثلـَها..!! ولكل فِعْلٍ-أيًّا تكن المجموعة التي ينتسب إليها-ستة تصريفات مختلفة تمثل صيغ الزمن المختلفة ( لا ثلاثة كما في اللغة العربية : الماضي والمضارع والأمر ) كما أن الهجاءَ فيه معقد ويُخالفُ منطوقـَه،فضلاً عن التأنيث والتذكير وما فيهما من شذوذٍ وطفرةٍ على مستوى النطق والكتابة...

واللغة الإنجليزية قد تكون-كما يعلم دارسوها-أيسرَ من الفرنسية ظاهراً،ولكن التراكيبَ الاصطلاحية فيها-التي تـُعرَفُ بـ idioms-غير قياسية ولا بد من حفظ ِ واستيعاب كل واحدٍ منها على حِدة،وللأفعال فيها سِتُّ صِيَغٍ للزمن-كما للفرنسية-بدَلاً من الثلاثِ الصيغ العربية،والهجاءُ غيرُ قياسي،وبالذاتِ بالنسبةِ لمجموعةِ الحروف ( OUGH ) التي تردُ على ستةِ أنحاءٍ مختلفةٍ في النطق مثل :

Enough-Dough-Cough-Though-Thorough-Through

يكفي أساساً أن يعرفَ الإنسانُ هذه القواعدَ الرئيسة في اللغتيْن الفرنسية والإنجليزية ليُدركَ بعد ذلكَ إدراكاً لا مِراء فيه بأن إسقاط قواعد نظرية النحو التوليدي الذي جاء به تشومسكي-ومدرسته الوصفية-على فهم العوامل في نسيج اللغة العربية لا يكمنُ أبداً،بل لا يَصِحُّ...

ربما تلتقي في نقاطٍ معينة..لكنْ في الأساسياتِ مستحيلٌ..!!

لأن الاختلاف في أساسياتِ النحو والصرف والإملاء وقواعد أحكام النطق يجعَلُ العوامل ( نظرية العامل ) تختلف تلقائياً في طبيعةِ أركانها الثلاثة،بل وحتى في تقديم العناصر وتأخيرها وتقديرها،وهذا سيترتب عليه الاختلاف في فهم الجملة على مستوى الحقيقة والمجاز...

ولعلني-أختي-في الجزء الموالي ستريْن من بعض النماذج التي سأوردها كيفَ أن نظرية العامل عند الغربيين عموماً-بمن فيهم تشومسكي-لا يُمكنُ إسقاطها بالكليةِ على الجملة العربيةِ التي تتميزُ في فحوَاها عن بقيةِ الجُمَل في اللغاتِ الحية الأخرى،وذاكَ سِرٌّ عظيمٌ من أسرارها الربانية الجليلة التي تهيأتْ بها لتكونَ لغة الوحي الباقي الخالد....

( يُتبَعُ إن شاء الله )....
__________________
يَا رَبيعَ بَلـَـــــدِي الحبيب...
يا لوحة ًمزروعة ًفِي أقصَى الوريدِ جَمَـــالاً..!!


التعديل الأخير تم بواسطة يزيد فاضلي ; 12-08-2013 الساعة 02:51 PM
رد مع اقتباس