عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 01-10-2012, 07:10 PM
الصورة الرمزية فاطمه القمشوعيه
فاطمه القمشوعيه فاطمه القمشوعيه غير متواجد حالياً
كاتبة مميزة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: In someone's heart
المشاركات: 2,581

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى فاطمه القمشوعيه
افتراضي

ما ليس له قصة

o القصة الفائزة بالمركز الثاني

الصمتُ يعمُّ المكانَ، قطراتُ ماءٍ تنزلُ بانتظامٍ موسيقيٍّ غريبٍ، بردُ الشتاءِ ينخرُ عظامَهُ ليخبرَهُ بأنّ الدفْء ليسَ لَهُ.
كَانَ يشعرُ بالضياعِ، ففي الصمتِ يتجلى عجزُهُ بأقصى قدرتِهِ.
قال لنفسة بأسى: " أَينقضي اليوم ايضاً دون أن يأتي أحدٌ إلى هُنا؟"
مَدَّ يديهِ إلى العُلبةِ المعدنيةِ آملاً أن يجَدَ بها ما يعينهُ على إسْكاتِ صراخِ معدتِهِ.
أَعادَ يدَهُ إلى مكانِها، وقالَ لمعدتِهِ " اصبري ليومٍ آخر فالصبرُ ليسَ بجديدٍ عليكِ"
خُطواتٌ صغيرةٌ تقتربُ بخجلٍ، صوتُ ارتطامٍ بالمياهِ، ابتعدتِ الخطواتُ مسرعة.
قال لنفسه:" لا بُدّ أنه طفلُ يرمي الحجارةَ في البحيرةِ"
أخذتِ الأصواتُ تتصادمُ مع أصدائِها وتمتزجُ في مخيلتِهِ لتكونَ له ما ليس له.
شعرُها طويلٌ وناعمٌ ويستطيعُ أن يسرحَه بيديهِ بكلِّ سهولةٍ، أما بشرتها فهي ناعمةٌ وطريةٌ تشعره بخدرٍ لذيذٍ بمجردِ ملامستِها. أما صوتُها فهو سماويٌّ يشعره بأنها ملاك قادم من السماءِ، لذا قام بتسميتِها ملاكا.
تخيلَها تعودُ من مدرستِها راكضة إليهِ، يسألُها "ماذ فعلتِ اليوم؟" فتخبره كيف تفوقت على جميع أقرانها، وكيف أثنت عليها المعلمة.
تقبلُ جبينَه وتقول له أحبك يا با.....
تُعودُ الخطواتُ مسرعةً بعدما ألقت بخجلِها بعيداً، وتنتشله من أحلام يقظتِهِ.
هَا هِيَ ملاك تأتيهِ راكضةً، لتغفو بين أحضانِهِ، وقف ليستقبلها.
تتعثرُ الخطواتُ، صوتُ سقوطٍ ويتبعه صوتُ بكاءِ صبيٍ صغير.
قال لنفسة بحسرةٍ : " لو كنت أبُصِرُ لعرفتُ بأنه فتى وليس فتاة" ومن ثم عاد للجلوسِ في مقعدِ البلاطِ الباردِ.
صوتُ خطواتٍ تقتربُ بهدوءٍ وتناغم.
"حبيبي أحمد هل تأذيت"
كان صوتها رقيقاً وناعماً، وأيقظ بداخلِه مشاعر حُرمت على من هم مثله.
مرة أخرى تصادمتِ الأصواتُ مع أصدائها وامتزجت في مخيلتِهِ لتكوّن له ما ليس له.
لقد كانت امرأة من الأحلامِ لذا سماها أحلاما.
أمسكت يديهِ، أخذت تداعبُ وجهه بلطف ورقة.
لمستُها تنسيهِ كلَّ شيء .. آلامه، وحدته، عجزه.
همست في أذنه : " أنا لك وحدك يا حبيبي"، قبلها و ......

"لنذهب يا عزيزتي أخشى أن تمطر" صوتٌ خشنٌ وغليظٌ هدمَ كل شيء ، وأعاده من أحلام يقظتِهِ إلى حيث لا شيء له.
عصفت المشاعر بصدره، فاقتلعت الماضي وبخرت المستقبل.
"لماذ أخذهما مني؟ ألا يحق لي أن أكون كغيري ؟ لما علي أن أعاني بينما هم يتمتعون بكل شيء ؟"
سمع صوت المرأة تقول لزوجها: "عزيزي انظر إلى ذلك المشرد المسكين، انه هناك منذ أن أتينا يرتجف من البرد "
خطوات ثقيلة تقترب نحوه، علم بأنه هو المقصود هذه المرة، صوت ارتطام معدني.
في تلك اللحظة بالذات أصبح أحب الأصوات إلى قلبه أبغضها إليه.
أراد أن يقول له: خذ نقودك واذهب خذ نقودك وأعد إلي ملاكا وأحلاما، أعد إلي زوجتي وابنتي. أراد أن يصرخ بكل قوته إلى أن تتشظى السماء وتسقط عليهم جميعاً. لكن صوته في هذه اللحظة بالذات قرر ألا يكون له.
لا شيء له: لا زوجة تضمه بحب وحنان ، لا ابنة تركض نحوه لتغفو بين أحضانه، لا عينان ليرى بهما ، ولا منزل يقيه برد الشتاء.

لوحة أخيرة
جميع القطرات الباردة تلسع جسمه، باستثناء قطرة واحدة دافئة، كانت تسير على خده بلطف وحنان. هذه القطرة هذه القطرة فقط قد كانت له.

حسام بن ناصر المسكري
__________________
رد مع اقتباس