عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 06-03-2015, 09:43 PM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي سلّامة وذيل العجوز 5






حكاية شعبيّة




سلّامة وذيل العجوز

(5)



الفارس الملثّم





أخذت الأميرة واحدة منها عضّتها
ولفظتها مدّعية أنها فاسدة
ثم سدّدتها بقوّة هائلة إلى الجدار الزجاجي فتصدّع
وشهقت الوصيفة خوفا ورعبا وبلعت ريقها فرقا
ثم أرغت وأزبدت, وهدّدت بإبلاغ الملك دحّام
فأخذت سلاّمة التفاحة الثانية غير مبالية وسدّدتها إلى نفس الموضع
فأزداد تشقق الجدار, عندئذٍ أغمي على الوصيفة من هول المفاجأة
فما كان من الأميرة إلاّ أن تناولت الثالثة قذفتها بكل قوة فتحطّم الزجّاج
محدثا فتحة إندفع منها الضوء والضوضاء, وداعب النسيم خدودها
ولامس النور عينيها فأنبهرت وأبتهجت, وأسرعت فألقت نظرة فإذا بالسهوب الممتدّة
وحقول القمح الذهبية والمروج الخضراء, وقطعان الأنعام تقتات هنا وهناك في هناء وسرور
ونظرت إلى الأعلى فشاهدت السماء بزرقتها
والسحب البيضاء السابحة في الفضاء
فأدارت وجهها شطر المشرق فأبتسم النهر في وجهها
وغنّى لها الموج المتماوت على الشاطىء أغنية الملاّحين
وشاهدت الزوارق تترنّح مترقِّبةً لحظة الإبحار
فولّت قبل الجنوب فهالها العمران الأنيق, والبنايات الفارهة
والأسواق المكتظة, ولمحت الرجال والنساء والأطفال
يموجون روحة وجيئة , وتعاقبت على أذنيها تغاريد الطيور ونغمات الموسيقى
وصياح الأطفال وثغاء الخِراف وخرير الماء وترانيم الشعراء, وصهيل الخيل ودمدمة الطبول
وتسلل القُتار والوضر والعطب وشذى العود والبخور
والعطور إلى أنفها فأغمي عليها, إذ لم تحتمل كل ذلك الضجيج
وما إن إنتبهت الوصيفة حتى رأت الثغرة فعاودها الغشيان
فقاومته بالنواح والصراخ فأستيقظت الأميرة سلاّمة
فأسرعت إلى الوصيفة وكممت فمها ثمّ قالت لها:
أيتها الكاذبة ألم تقولي أنه لا حياة في الخارج؟
ثم عضت أذنها,فشرعت الوصيفة بالصراخ الغير مسموع
فقالت لها: أ تفعلين ما آمرك به أم أعضُّ أذنك الأخرى؟
فأومأت برأسها ودموعها تجري : أفعل إن شاء الله
فأطلقتها وقالت لها: حسنا سوف نسدّ الثقب, ولن يعرف سوانا سره
ولكنني سأخرج متى شئت, ولك عليّ عهد الله وميثاقه أن أعود قبل أن أفتقد
ولن يعلم بالأمر غير الله سبحانه وتعالى
ما لم تفشي أنتِ السّر, فما ردّك؟
قالت: وماذا لو إنكشفنا؟
قالت: سأتحمّل المسؤولية وحدي, ولن أسمح لاحدٍ بإيذائك فأتفقتا على ذلك.
ثمّ أسرعتا وأخفيتا الثقب وكأنّ شيئا لم يحدث
وكان الملك دحّام في تلك الأيّام يشرف على ويشارك في المسابقة السنوية
للفروسية وغيرها من الألعاب الرياضية
وبعد مغيب الشمس إرتدت سلاّمة ملابسا تنكّرية وتلثّمت ثمّ خرجت مع الوصيفة
إلى الأحياء القريبة بعد أن تمكّنت من رشوة الحرّاس, فشاهدت الناس عن قرب
وإستمعت إلى أحاديثهم وإستأنست بهم
ثمّ قررت العودة قبل أن تلفت الأنظار, وفي طريق العودة
سمعت من يتحدّث عن مسابقة الغد في لعبة الكرة والصولجان
فقررت المشاركة فيها, وفي حديقة القصر أمضت الليل تتمرّن على يد أحد الحراس
حتى أتقنت اللعبة, فطلبت منه تجهيز فرس سريع مع أدوات اللعبة
وفي اليوم التالي ظهرا وفي ساحة القصر جلس الملك دحّام على كرسيه
وحوله الوزراء والوجهاء تحيط بهم جموع المتفرّجين ثم نزل المتبارون إلى الميدان
وعندما أطلق المراقب إشارة البدء إنطلق الفرسان يضربون الكرة بصولجاناتهم
وقد إنقسموا إلى فريقين متباريين.
و الأميرة تراقب من مكان خفي, وبعد برهة شاهدت والدها الملك دحّام
يرتدي ملابس اللعب ويستعدّ للمشاركة
فحملت معدّاتها وأنطلقت حتى وقفت مع اللاعبين المنتظرين
فظنّوا أنها بعض خواصّ الملك فوسّعوا لها
وعندما أخرج الملك لاعبا وحلّ محلّه, تقدّمت وأشارت
إلى لاعبِ من الفريق المنافس فخرج وحلّت محلّه
وظنّ اللاعبون أنها وزير أو ما شابه فلم يخالفوها
واستمرّ اللعب , ولكن عندما يستلم الملك الكرة كان الجميع يهابونه
ويخشون الإقتراب منه ما عدا الأميرة
فقد كانت تتحداه في سجالٍ متكافئ بينهما
وأخيرا تشجّع فريقها فسيطر على مجريات اللعب
فأنهزم فريق الملك شرّ هزيمة.
وقبل أن تنتهي المباريات إنسحبت في هدوء, وعادت إلى القصر
وعندما سأل الملك عن اللاعب الماهر لم يتعترف عليه أحد
فأعتقد أن اللاعب يخشى العقوبة فسكت.
وفي نفس الموعد من اليوم التالي إصطفّ الفرسان للمشاركة في سباق الخيل
ووقفت في آخر الصف, وكان الملك دحّام يركب صهوة فرسٍ يسبق الريح
وعندما أرسلت الإشارة أنطلق الفرسان يشقّون الغبار
فشاهد الناس فرس الملك يتقدّم الصفوف, والجميع يحاولون اللحاق به
وبعد قليلٍ رأوه قد إبتعد عن الجميع منفردا, وفي لحظة سريعة
برز جواد الفارس الملثّم يلاحقه
وكلّما دنى منه صاح الملك صيحة طار فرسه على إثرها
وأخيرا إبتعد الملك دحّام والفارس الملثّم عن المتسابقين بعدا شاسعا
وطفق جواد الملثّم يندفع حتى صار موازيا لفرس الملك
فدخله الحماس وأخذ يحثّ فرسه على التقدّم, بينما كانت الأميرة تلهب حميّة جوادها
فأشتدّت المنافشة بينهما, ولا يستطيع أي منهما أن يتحرر من الآخر
وركض الفرسان متجاورين حتى قطعا خط النهاية معا
وسط دهشة المتفرّجين وسعادتهم وإعجابهم بفروسية الملك ومنافسه
فأعلن الحكّام عن تعادل الملثّم مع الملك
ففرح الملك وسر بوجود فارس نبيل في مملكته, وقال:
لو كان لي ولد حي لقلت هذا ولدي, وأراد أن
يتعرّف على الفارس الملثّم وأن يهنيه, لكنه كان قد إختفى.
فتعجّب الناس من ذلك الملثّم الذي يتحدّى وينتصر ولا ينتظر
الجائزة, وحزن الملك واحتار, ثم أمر جنوده أن يرصدوه من الغد
فيحيطوا به ويقبضوا عليه ويأتونه به, غير مفزوع
ثم نادى المنادي: غدا سيتبارى الرماة في الرمي بالنشاب, فمن شاء فليحضر
غير أن الفارس الملثّم لم يحضر, فحزن الملك, وشعر بالضجر
إذ لا فارس يستطيع أن يجاريه غير ذلك الفارس الغريب الأطوار
وبينما كان الناس يصلّون العصر شاهدوه يسدد سهامه
إلى برجاس الملك, ثم ينصرف, وبعد التسليم أسرع الحرّاس
لكشف تسديداته, فوجدوا سهامه قد إخترقت سهام الملك
بكل دِقة وبراعة, فتعجب الجميع من مهارته
وأسفوا لوحشيته ونفوره من الناس, وتجدد أسف الملك دحّام
ثم نادى المنادي: غدا ستقام مباريات المطاعنة بالرماح
فمن رغب في المشاركة فعليه الحضور
وخرجت الأميرة متنكّرة, فبزّت الأقران وجندلت الفرسان
وأعيت الملك وحاشيته الذي فعلوا المستحيل ليقبضوا عليها
ففشلوا حتى في معرفة إلى أين تأوي
فقرر الملك أن يستشير ابنته في شأن ذلك الملثّم
وعندما سألها عن كيفية التصرّف مع ذلك الفارس الغريب قالت له:
الرأي أن تضع جائزة سنيّة للفائز في مباريات الغد
قال: وأي شيء تقترحين؟
قالت: هب له جزءا من مملكتك يحكمه, فإنّه لن يرضى بأقل من ذلك
وفي صبيحة اليوم التالي خرج منادو الملك ينادون ويعلنون عن
المكافأة السخية لمن يغلب الملك في دست شطرنج
فتأهب العقلاء واللاعبون المهرة, والحكماء والوزراء والأمراء
للمشاركة في هذه المسابقة طمعا بالجائزة
وعندما بدأ اللاعبون والمتفرِّجون بالتوافد على الميدان
أقبل أحد حرّاس الأميرة وقد لبس لبسا عجيبا وغيّر من هيئته
فلمّا رآه جنود المملكة قبضوا عليه وأخذوه إلى الملك
فنظر إليه مليا ثمّ قال: لست بالفارس الملثم, فمن أنت؟
قال الحارس: أنا خادمه يا مولاي, وقد أتيت برسالة منه
فقال الملك دحّام متلهفا: هات ما عندك
قال الخادم: إنّ سيدي الفارس الملثّم يشترط أن لا تكشفوا عن شخصه
وأن لا تعترضوا طريقه إن أردتم أن يشارك جلالتكم في هذا المهرجان
وإن أبيتم إلاّ التفضّل عليه
فإنّه سيرحل ولن تروه بعد اليوم, ولن تجد يا مولاي من ينافسك
فقال الملك متحمّسا: له ما أراد, وإن أنا غلبته, فمن حقّي أن أعرف من هو
قال الخادم موافق, فأمر الملك أن ينادى بعدم التعرّض للفارس الملثّم
وأقبل المتبارون والمتفرِّجون من كل حدب وصوب حتى إكتظ بهم الميدان
فشرع المشرفون في توزيعهم إلى مجموعات رباعية
يتأهل من كل مجموعة الفائز على منافسيه الثلاثة
فكان أخ للملك وأحد الحكماء و شاب آخر هم الذين على الأميرة سلاّمة
أن تهزم لكي تصعد الى الدور التالي
فبدأ التحدّي بين الأمير والحكيم, بينما كان
المنافسين الآخرين ينتظران الفائز من هما, فما لبث الحكيم أن
كش مات ملك الأمير بحركة ذكية أذهلت المتفرّجين والمشرفين واللاعبين
فحفظت سلاّمة تلك الحركة, وكان الشاب هو التالي الذي
يواجه الحكيم, وتحرّز من الحركة الخبيثة
لكن الداهية أوقعه في كمين لم يستطع التخلّص منه
فأستسلم الشاب وفاز الحكيم
فكان على الأميرة أن تلاعب عمّها الأمير وهي لا تعرفه
فأمضيا برهة من الزمن حتى كاد أن يهزمها
لكنّها سمّرت وزيره ثم هاجمته بالرخين والنشّاب فأوقعت
ملكه كش مات بعد جولة صعبة
وما لبث الشاب أن أخذ مكان الأمير متخوِّفا ليلاعب الأميرة
فنفّذت عليه خطّ نابليون في غمضة عين فأنهزم مذهولا
وبعد الإستراحة استؤنف اللعب فتقدّم الحكيم بثقة عمياء
وأخذ يهاجم بيادق الأميرة بكل شراسة حتى قضى على معظهم

يتبع إن شاء الله





رد مع اقتباس