عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 15-10-2016, 09:17 PM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي




قصّة طــــــويلة




سبعُ الليلٍ والبئرُ المعطّلةُ




الرحــــــيل





إنّه مبارك الفقعي، لقد وصل إلى الديار منذ ساعة فقط
وحينما وصل سبع الليل أخيرا إلى ملاذه الآمن قفز غير متوقع أن يقفز
أحد بعده، ولكن الشّاب المتعلّم لم يتوقف بل قفز خلفه في شجاعة نادرة وإصرار وعزيمة
بينما تردد رفاقه وأخذوا يتشاورون فيما بينهم، وقبل أن يصلوا إلى قرار حاسم سمعوه يناديهم
من البئر: اقفزوا لا تخافوا، إنه ليس وحشا، إنه ليس جنيا، إنَّه إنسان مثلنا فقفز إثنان منهم
وأمتنع الثالث، لكنه أسرع مع البنات إلى القرويين وبلّغوهم بما يجري، وطلبوا منهم فوانيسا
وحبالا وسلالم، أمّا مبارك فإنّه حينما قفز فقد كان متوقعا وجود دعامة او حاجز يمنع اللص
من السقوط إلى القاع، وفعلا كان الخبيث قد ثبّت شبكة متينة جدا على عمق يسير من الفوهة
وغطّاها بفراش اسفنجي، وكان عندما يقفز تستقبله وتحميه تلك الشبكة المتينة
وبعد أن يطمئن ينزع الساقين الخشبيتين، ثم يصعد متسلقا بمعاونة أعوانه ثمّ يخفون ادواتهم
ويقتسمون الغنائم بعد ذلك في طمأنينة وسلام، وفي هذه المرّة لم يقترب بقيّة اللصوص من البئر
إذ أقبل القرويون بالفوانيس والحبال والسلالم، ففروا كالأرانب، وتركوا زميلهم يواجه مصيره
وعندما قفز مبارك خلفه وجده يعالج ساقيه الخشبيتين، فتصارعا حتى تمكّن من إخضاعه
وأثناء احتكاكه به أصيب الشاب المتعلم بالذهول، فنادى رفاقه ليعاونوه في رفع سبع الليل
وعندما قفزا ووقعا على الشبكة اهتزت ومادت، ثم سمعوا صوت تمزّق من بعض أطرافها بسبب
الثقل، وما لبثوا أن هووا جميعا إلى القاع ولأنَّ الظلام كان دامسا فلم يتمكن الشبان الثلاثة
من العثور على الدرج وأخذوا يلتمسونه بأيديهم ويبحثون عنه، وفجأة سمعوا رشيد ابن الشيخ
يغرغر وقد شرب كمية هائلة من الماء وأوشك على الغرق، فاسرع زميلاه اليه ورفعا رأسه
وأخذا يسعفانه ونسيا أمر الأسير فأستغلّ سبع الليل انشغالهم وأختفى.
وفيما هم كذلك أنزل إليهم القرويون سلّما طويلا مربوط به فانوس منير فاصعدا رشيدا ابن الشيخ
ثم ارادا أن يرفعا الوحش فوجداه قد اختفى، فاندهشا وندما على الغفلة والتفريط
وفور خروجهما من البئر استقبلهما الأهالي المرعوبون غير مصدّقين أنهما نجيا من قبضة سبع الليل
وقبل أن يلتقط الفتيان أنفاسهما هاجمها ابن فرضة رحى متسائلا في خبث وتهكُّم:
وأين هو الوحش الذي قبضتم عليه؟ ثمّ ضحك هازئا ساخرا، فنكّس الشبّان رؤوسهم
لكن الشاب المتعلم قال:ربّما يكون قد صعد الدرج أثناء انشغالنا بإنقاذ رفيقنا
فقال بعض القرويين: إنّ هذه البئر لا درج لها فأصيب مبارك بالدهشة والحيرة. فقال التاجر:
أريتم؟ إنّه عفريت شرير، اختفى من بين أيديهم في غمضة عين وهم ينظرون إليه، يا لك من ولد
أحمق يا ابن الفقعي يا لك من مشاكس ومشاغب كنا نعيش في أمان قبل مجيئك التعيس
فلسوف يصب علينا الوحش سوط عذابه، ويهلك الحرث والنسل، ولا نجاة لنا إلاّ بطردك من قريتنا
أيها المنحوس.
فصاح القرويون السُّذّج: أطردوا هذا المشئوم من قريتنا، إنّه نذير شؤم، ثم افترقوا.
فتصدّى لهم زايد الفقعي وعوض قحمُمْ وبعض المتعاطفين مع مبارك وحدث بينهم احتكاك وتلاسن.
وفي صبيحة اليوم التالي اجتمع الشيخ غانم بن محمود شيخ القرية مع مبخوت الفقعي وولده مبارك وقال:
إنّك يا بني قد أثرت حفيظة سبع الليل، وهيّجته علينا وأصبحنا نخاف أن يهاجمنا نهارا جهارا
فاتكا بمن يجد أمامه، ونخشى أن يحرمنا الماء إلى الأبد وقد أجمع قومك على طردك من قريتهم
ولا حيلة لي في دفعهم، وقال مبخوت الفقعي: لا يمكنني أن أعصي قومي وأطيعك أيّها الولد
ولكنني سأطلب منهم أن يعفو عنك إذا وعدت بعدم التعرض لسبع الليل أو الانتقاص من قدره أو ..
فقال الشاب المتعلم: فإنّ نجوم السماء أقرب إليكم مما تدعوني إليه، ولست بمكذِّب عيني اللتين
رأتاه، ولا يدي اللتين لمستاه، ولست بجاهل يتلاعب به اللصوص الماكرون،
وأؤكد لكما أنني سأقبض على تلك العصابة الدنيئة وأضع أفرادها بين أيديكم.
فغضب والده مبخوت وأراد أن يوبخه، ولكن الشيخ غانم قال: انا أميل إلى تصديق كلامك يا مبارك،
فلقد أكد لي ابني رشيد أنه كان يمسك بناصية ذلك الوحش، وأنها مجرّد امرأة إنسية فهل هي كذلك؟
فضحك مبخوت الفقعي مستهجنا كلام الشيخ، وقال ساخرا: امرأة قال يا لها من امرأة!
فقال مبارك الفقعي: نعم إنها امرأة قوية البنية فارعة الطول، وقد كان الظلام حالكا فلم نتمكّن
من رؤية وجهها ومعرفتها، فقال مبخوت: بل هي جنية أو وحشا يتنكّر في جسد امرأة
وإلا فكيف اختفت من بين أيديكم فجأة؟
قال الشاب: ربما يوجد في البئر منفذا تخرج منه تلك المرأة ولا نعرفه نحن
ثم إن كانت جنيّة حقا فلماذا تستخدم ساقين خشبيتين يا أبي؟
ولماذا لم تنفث النار وتحرقني أثناء صراعي معها؟
وما الذي منعها من أكلي وقد هددتني سابقا؟
فقال الشيخ غانم: صرت أثق بأنك ستنقذنا من هذه المحنة العصيبة.
وعندما أشرقت شمس ذلك اليوم على القرية لم يجرؤ أحد على الدنو من البئر خوفا من انتقام
سبع الليل وخشية عقابه، بعد أن أهانه وهاجمه ابن الفقعي، وقد علم الجميع باختفاءه المريب
وفشل مبارك في القبض عليه، وكان ابن فرضة رحى ومعاونوه قد نشروا الرعب في القرية
بتخويف الناس من انتقام سبع الليل القادم الرهيب، ولا يعلم أحد كيف أو متى سينتقم منهم؟
فأنتشر الهلع، تغذّيه عصابة كبير التجّار بالدعايات الكاذبة، وألقى الجميع باللائمة على مبارك الفقعي
وأضمروا في نفوسهم طرده من القرية عندما تنجلي هذه الكربة ويسكن الوحش
وعندما صار الوقت ضحى ولم يحدث شيء شعروا ببعض الأمان، وخرج نفر منهم
وانضموا إلى شيخ القرية ومبخوت الفقعي، فوجدوهما يصرخان على الشاب ويعنِّفانه
فقال النعمان بن خميس عي جَم وكان عاقلا أريبا: دعونا يا جماعة الخير نلقي نظرة على البئر
لعلنا نرى ما يثبت صحة ادّعاء هؤلاء الفتية، فإنّ ولدي عبدالله يقول أن ذلك المخلوق ليس بوحش
وليس بجني، وتعرفون رجاحة عقله وأدبه. فخرج الشيخ غانم والرجال مصطحبين الشبان الأربعة
فلمّا صاروا في بعض الطرقات تعرّض لهم كبير التجّار ومعه جموع غفيرة من القرويين الغاضبين
يحملون السواطير والهراوات والفؤوس، وانضمّ إليهم مبخوتا الفقعي دون حياء
وعندما شاهدوا مباركا هاجوا وماجوا وبلغ سيل غبائهم الزُبى، يتقدّمهم التاجر قائلا:
أخرج من قريتنا أيها المفسد، أما كفاك عبثا وإفسادا؟
فصاح القرويون: أطردوا المشئوم، أطردوا الكذاب الأفّاك
فأستوقفهم شيخ القرية ثم قال: إنَّ البيّنة على من أدعى، واليمين على من أنكر
وسوف نمنح هذا الشاب فرصة يثبت فيها أنّ سبع الليل ليس بوحشٍ ولا جني ولا عفريتا
فإن فشل في ذلك طردناه شر طردة، فماذا تقولون؟ فسكتوا جميعا وكأنّ على رؤوسهم الطير
لأنّهم رعاع لا يملكون قرارا، بل هم تابعو أيِّ كذاب أفاك، وانتظروا سماع إشاعة يرددونها
أوتلفيقا يتشدّقون به.فقال مبخوت الفقعي: لقد سئمنا من سفاهة هذا الأفّاك الأشر، ولن
نمنحه مزيدا من الوقت ليختلق الأكاذيب، ويفتعل المشاكل فليفارقنا حالا ...
فصاح الغوغاء: فليفارقنا حالا، حالا ... حالا ... أخرج .. أخرج
فغضب مبارك، وتقدّم إلى والده واتباعه الغوغاء وقال غاضبا:
فإنّي تارك قريتكم المرعوبة إلى الأبد، وليهنأكم الجهل والجُبن، ثمّ أقبل
على الشباب وسألهم: من منكم سيرحل معي يا شباب؟
فخرج الشبان الثلاثة وقالوا: نحن معك وانصرفوا إلى منازلهم
وأخذ كل واحد منهم ما يحتاج إليه ثم رحلوا ...



رد مع اقتباس