عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 17-11-2016, 09:06 PM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي





حكاية شعبية




سبع الليل والبئر المعطلّة



في الكهف


قال الراوي:

شيّع العساكر الجبناء الشباب، وسايروهم قليلا وهم خائفين
وعندما غابت القرية عن انظارهم اقنع عوض قحمّمْ بالعودة إلى القرية وترك المطرودين
فسيتكفّل سبع الليل بالقضاء عليهم. كانت منى بنت لبخيت على علمٍ بخطّة مبارك ورفاقه
فقد كانوا يتوقّعون الطرد في أية لحظة، لذلك فإنّها وفور خروجهم أسرعت إلى نزه بنت زايد الفقعي
ثمّ خرجتا معا ومرّتا على ليلى بنت خميسان وزكيّة بنت عاشور وتوجّهن إلى منزل الشيخ غانم بن محمود
فوجدن ابنته جم عت في حالة حزن شديدٍ، وما إن اجتمع شملهن حتّى كشفت لهن منى الخطّة
فشعرن بكثير من الارتياح وبدأن في عمل المطلوب منهن.
أمّا الشبان الأربعة فما إن غاب عنهم المشيعون حتى عادوا إلى كهف قريب
لا يبعد سوى مسافة قصيرة جدا عن القرية، إذ كانوا يسمعون الأذان والاصوات العالية
فهيئوه ليكون مقرا ينطلقون منه. وعندما ذهب بعض القرويين يستقون سمعوا أصواتا مرعبة
تصدر من أعماق البئر، فهربوا لا يلوون على شيء، وانتشر الخبر وأيقن الجميع أنّ الوحش
سيهاجمهم لا محالة، فتحصنوا في المنازل، وأمست الطرقات خالية من المارة.
وعندما علم الشيخ غانم بن محمود بالأمر خرج مع بعض الشيوخ والعساكر يتفقدون البئر
فوجودها قليلة الماء مشرفة على الجفاف، فشعر بحزن عميق، وندم ثقيل على تصديق الشاب المتعلِّم
وحين همّ بالانصراف سمع صوتا غليظا يناديه باسمه من مجاهل البئر، فوقف شعر رأسه
وخذلته قدماه وخرّ على ركبتيه مذعورا، فقال الهاتف ساخطا:
الويل لكم أيها الأشقياء، أهكذا تعاندونني وتسطلّون علي سفهاءكم؟
لقد كنت بكم وبهم رحيما، وقد كان بإمكاني التهامهم في البئر كلقمة صائغة
فقال الشيخ الهلع: سامحنا أرجوك يا سبع الليل يا ابا الفرس والخيل، لقد غرّنا ابن الفقعي
بمعسول الكلام، واغرامنا بالأحلام، وباع علينا فائض الأوهام، وصدّقه أؤلئك البغام
وقد طردنا المارقين من قريتنا، فالحق بهم وخلّص نفسك وخلّصنا من سفاهتهم إن شئت
فسمع قهقهة عالية، فوقف مرتجفا، والتفتَ إلى رفاقه فلم يرى غير آثار أقدامهم، وبنادقهم وسيوفهم
وعصيِّهم وأحذيتهم ملقاة على الأرض، فازداد ذعرا، وخاف خوفا شديدا حتّى كادت روحه تتلف
وسمع الهاتف يقول متلطِّفا: حسنا يا شيخ غانم بن محمود قد عفوت عنكم إكراما للعشرة الطويلة
ولكن لي شرطان. فقال الشيخ غانم: بل أنت تأمر أيها الوحش اللطيف، قال: أولا، لا يخرجّن أحد من
بعد صلاة العشاء، قال الشيخ: أمرك سيدي سبع الليل قال: ثانيا: تذبح كل يوم خروفا سمينا
وتطبخه مع الرز ثم ترسل القدور بما فيها إلى جوف البئر برفق، عقب الغروب مباشرة
فقال الشيخ: حسنا حسنا، أمرك أيها السبع الكريم، فصرخ به الهاتف: اذهب الآن ونفّذ ما أمرتك به
فأخذ يعدو، وتلقّاه الشيوخ والعساكر الخائنون فوبّخهم على فرارهم وتركهم إيّاه وحيدا.
قال الراوي: ما إن انتهى الشبّان من اعداد الكهف حتّى عقدوا اجتماعا طارئا
فسأل رشيد متعجّبا: كيف أفلتت الخبيثة من أيدينا ونحن جميعا نحيط بها؟
قال عبدالله: ربما القى إليه أعوانها حبلا فتسلّقته دون أن نشعر
قال مبارك: لكنّا رأيناها صاعدة، أو لمس أحدنا الحبل
قال محمد: ربما توارت تحت الماء، وعندما انصرفنا صعدت
قال مبارك: أحسنت يا محمد، نعم لقد غطست تحت الماء واتّجهت إلى منفذ تعرفه موجود في البئر
قال رشيد بن الشيخ: وكيف سنعثر على ذلك المنفذ؟
قال عبدالله: يجب أن يغوص بعضنا ويبحث عنه ولكنني لست بغواص ماهر
وأنت أيضا يا محمد لا تجيد الغوص، فماذا عنك يا مبارك؟
قال مبارك: أنا أيضا لا أغوص جيدا، فأصيبوا باليأس والإحباط
غير إنَّ رشيد بن الشيخ غانم فاجأهم بقوله: دعوا الغوص لي
فسأله عبدالله مندهشا: أبعد أن كدت تغرق في البئر؟
قال رشيد: إنِّي غواص ماهر، وفي تلك الليلة وعندما وقعنا في البئر كنت قابضا على ناصية تلك المرأة الشريرة
وفجأة سقطت الشبكة على رأسي والتف جزء منها حول رقبتي، فتركت المرأة وحاولت التخلّص
من الشبكة، لكن الملعونة جذبتني إلى الأسفل معها فلولا رحمة الله وعنايته لكنت من المغرقين.
ومن قبل الغروب كان القرويون قد أحكموا إغلاق ابواب ونوافذ بيوتهم وتجمّع بعضهم في منازل
أكثر أمنا بناء على توجيهات الشيخ غانم بن محمود، فامست الطرقات خالية، وكان الحرّاس
وغيرهم من العساكر أكثر الناس هلعا، فلم تغرب الشمس إلا وقد آووا إلى منازلهم
حينئذ خرج زايد الفقعي وعوض قحمُمْ متخفّين ومن خلفهم البنات الخمس إلى أن وصلوا الكهف
فسرّ الشبّان سرورا عظيما. وعندما التقت عينا منى بنت لبخيت بعيني محمّد بن سِعِدْ إرْ مَغْلِلْ
شعرت بخفقات قلبها تتراقص فرحا، وأحسّت بلطائف الحب تطفئ لهيب الكبر والغرور
وأدركت مدى تفاهة أفكارِها العنصريّة، وخواطرها الجاهليّة وشرعت انسانيتها بالاستيقاظ
وأخذتها أحلام الصبا والجمال في نُزهة رومانسيّة إلى عشّ الزوجيّة البهيج، فسرحت ومرحت
وغرّدت على رياض الحب والجمال، ولم يقطع حبل حلمها الوردي غير صوت عوض قحمُم الأجشّ
وهو يقول: غدا يأتي دوري في حراسة البئر، وسوف أفعل ما يمكن لتسهيل مهمّتكم.
وعندما دخلوا القرية وقبل أن يفترقوا قرر زايد الفقعي وعوض قحمُم والبنات أن يمرّوا بالبئر
فشاهدوا إضاءة متوهّجة، وسمعوا كؤوسا تقرع وموسيقى تعزف، وشمّوا رائحة قبولي طازج
تنبعث منها، فتملّكهم العجب، وقبل أن تصل ليلى بنت خميسان إلى منزلها شاهدت النار تشتعل
في الحي، وشعرت بانقباض في قلبها، وفي احد الأزقّة تقابلت وجها لوجه مع ثلاثة
من فتيان القرية المعروفين بالطيش والرعونة، وقد كانوا ملثّمين
وعندما رأوها وحيدة هاجموها وضربها أحدهم بهراوة على أمِّ رأسها ضربة
افقدتها الوعي، ولم تفق إلاّ على صراخٍ رهيب


يتبع إن شاء الله



رد مع اقتباس