عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 14-09-2010, 05:58 AM
الصورة الرمزية خالد الريسي
خالد الريسي خالد الريسي غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
المشاركات: 34
إرسال رسالة عبر MSN إلى خالد الريسي
Lightbulb حيث كنا نتسامر..

جديدي قصة قصيرة متواضعة أرجو التقييم والتحليل والمشاااركة وعدم الاكتفااااء بالقراءة..



حيث كنا نتسامر..

اليوم أحمل كؤوسي الممتلئة وبراكيني التي لم تخمد للحظة.. لكي أبحث عنكَ يا سيدي ، عن سيفك القاتم الذي عرف كيف يستل شرارة براكيني .. ولم يعرف كيف يخمد حممي.. أتجول في بغداد التي شهدت لقائنا قبل عشرين عاما، استعرض الوجوه.. علّي أصادف وجهك مجددا أيها الخليفة ، لكنني لا أرى وجهك المعقد بينها ، لا أرى موكبك المعتاد ..

وقفت أمام مآذن بغداد ، فلم أرى المواكب تمر ، ولا الجند يستعدون لزفاف يومي.. حين زرت قصرك، لم أجد أي امرأة فيه..أين كنتَ وأين كانوا؟..

وقفتُ بجانب سريركَ الضخم الذي كانت له عدة سلمات للصعود إليه ، أتلمس الحرير الذي كان يكسوه..في المسجد لا شيء يوجد سوى الباب الخشبي المحطم وبقايا مئذنة تقف صامدة أمام البيوتات العتيقة المتهدمة وعدة مصاحف..
كنت أحن إلى لياليك أيها الخليفة ، اشتاق إلى كل ما فيها من طرب وشراب وحديث صاخب ، حيث يغلب الهذيان بين النبيذ والشمع والأضواء، وحيث تموت كل نساءك الأخريات وأنت أنت دائماً الرجل..كنت ترمقني بنظرات خبيثة ثم أستعجلك للنوم ثم نفترق..

***

تبدأ ليلتنا الثانية..
إنها ليلة اجتمع فيها أقاربي في قبو قصرك اللؤلؤي.. من الليالي التي سفكت فيها دم وزيرك لأنه تحدث إلي..أيها الغجري الذي لم تشتهيه امرأة من قبل لماذا أنت مغرور بذاتك..أنت لم تتحرك فيك مشاعر الإنسان الذي لا تطأطئه رؤوس الأخرين.ط .

تدرك أنك كنت نسيا منسيا ، وأنني كنت مغنية تلتهب عيونها ببريق غامض يومض مثل نجم ، مثل طوفان ، مثل ذئاب نهمة تلتهم الحجارة.. كل الذين أحببتهم تلاشوا أمام جبروت حبك ، كل من هاموا بي لا يزالون يركعون تحت قدمي ، حتى أنصرف عنهم إلى نهر دجلة ، أتذكر مياهه الباردة ، فيركضون نحوي حين يخلو قصرك من الجواري كي احتسي قليلا من الشاي بحضورك.. مع نغمات من الموسيقى التركية العريقة..

كنت وقتها جارية وأما وأختا لك ، اللصيقة بخباء قصرك..كنت بحرا لنهر أحزانك..كنت سماء لطغيان أرضك..وجنة لنيران ظلمك.. أجثم على صدرك كحجارة القبر ، تدفأ أجساد الموتى ، هكذا كان قدري أيها الحجاج.. كنت تراني طفلة مسكونة بالخبث والمكر..
كانوا يغتسلون بنيران أحقادك ، كانوا يحبون طقوس الموت لديك ، وأنت وحدك يا حجاج عرفت كيف تخمدهم بسيوفك الظالمة ،عرفت كيف تقتلع جذورهم وتحولهم إلى ديدان تزحف وتزحف.. بيديك أشعلت فيهم حقدا عليك ، كنت تتحول إلى أرض من الثلج الموقوت كي يغرسون فيك جذورهم اللينة ، وقتها كنت أغفو بين عينيك أغنية ثكلى ، وحين تناديني-يا عاتكة- أفتح عيني في غفوة وأتمتم :
-لبيك يا مولاي .....
ثم أتحول راكضة و أهمس:
- لماذا لا تتركني أنام في عرشك؟
-لمن هذا السرير البصري ، والعرائش البابلية ، والأكاليل الآشورية؟

كنت أقول أن النوم بجانبك معصية كبرى ، لكن التهامس معك وبقبضة من يدي على خدك لن تردعني..وككل زيارة ألبي نداء الروح ، حين يشتد صهيلها المعتم..
- ما زلت لا تأبه بنداء روحي.. هاك جسدي إنه بغداد الأخرى..

سوف أتطاير حمماً من فوق صدرك ، أجدني أسبح بين فراشات قصرك.. وياسمين حدائقك..وأسماك حوضك.. كساحرة تمضي وهي تنثر من حولها المعاصي والخطايا لتغوي وتفتن حراسك..لكنك تقتلهم جميعا لمجرد نظرهم إلي..حين أصحو ، أجدك يا حجاج العاشق تصب لي الشاي بيديك العاريتين إلا من رائحة الدم ، وتطهو لي أعشاب اليانسون ، وتبعد الستائر الحمراء عن السرير..
تجري في تلك الدماء المختلطة بالطهر أرواح كل الذين قتلتهم.. ، فتنثر وردها فوق أجساد الأرض ، فأمرر أصابعي بين ثيابك أبحث في غواياتك عن الحروب التي خلفتها على جسدي ، هذه الآثار التي لا يمكن أن تندثر تحت طين معبدك..
بعد قرون طويلة ، هأنذا اليوم يا حجاج أبحث عنك ، أزور قصور بغداد فلا أجدك ، أتجول في المدينة فلا أجدك.. لا أجد فندقا آوي إليه لأنتظر جيشك الأموي القادم ، تثور على الدنيا ، تزرع الخوف في قلوب المتخاذلين..

- أتراني ما زلت في قصرك مختبئة ، أتركْ حروبك الغبية والتفت إلي..إلى كلماتي التي لا زالت تصطرخ لتدون في أذني:
- من أي نطفة جئتِ يا لهب الأرض؟
فأرد ضاحكة :
- من سفاح بين شيطان وشيطانه..
-أنت تقتل وتضحك في آن واحد..رقيق كالفيروز وصلب كالماس..أحن إلى فيروزك..وأخاف من ماسك، أنت تنثر العطر بيدي وترى رؤوسا قد أينعت فتقسم أن تقطفها.. هكذا أنت يا مولاي..
- هكذا كل الملوك يا حبيبتي..
- إلا أنت..
- ولم أنا إذا كان سيفي يضج ليل نهار..
- ليس الملك بالسيف..وكذلك الحب..
- لا يموت ..
-إذاً أنا ملكتك نهاراً وجاريتك ليلاً..

في الليلة الأولى ، رفضت أن تراني في قصرك ، لقد كنت قادمة لتوي من حدائق الجليد الخرساء.. محمولة في هوادج الياسمين ، أحن للنوم ، والظلال التي تفتح كل مدائن ونوافذ بغداد..
كنتَ هادئا جدا عندما وقفنا عند باب المدينة وأنت تنظر إلى البعيد بعين ملؤها المكر ، كنتَ مجنونا بما يكفي لموت الجميع ، ولم أكن أدري أنك تتفرس في الأوجه وتعرف أسرار القلوب وما تحمل.. لم أكن أدري أنني أمام عاشق بائس يخضعه سحر النساء..

- ماذا تريد يا حجاج؟
أحمر وجهك حينها وقذفتنا بحمم مدوية..كنت على يقين بأنك ستشتاق لي وستأتي زحفا إلي..أي نار أشعلتَها في عروقي وذهبت أيها الملك..
تقدمتَ بجلال وكبرياء معهود عنكَ..كان القصر يغرق في عتمة لم يستطع بريق عينيكَ أن يبددها :
- إجلسي هنا..
تسمّرتُ في مكاني وانقشعتْ فوق رأسي غيمة سوداء أمطرتني بقلق دفين.. توتر جسدي وأحسستُ برغبة طافحة في أن أهرب ، أن اهرب من بين أصابعك..وتقدمت نحوي بابتسامة خبيثة وأنا أرتعش، وجلست إلى جانبي لتهدئتي ، ونظرت طويلا ، تفحصت ثغري ، وشعري ، ثم رفعت رأسي بإصبعك المدججة بالخواتم..
ثم قمت من مكانك مخلفا ورائك طوفانا من الكبرياء والعطر والخوف ثم قلت:
- هل يوجد في سلالتنا من هو بحسنك يا أميرة؟
ثم ذهبت بعيدا..


... وها أنذا الآن بعد شهور أتجول في المدينة ، أمر بجوامع بغداد..أراقب الجموع بصمت وهي تشق دهاليز السوق.. السوق الذي لم تعد تعبره مواكبك وجيوشك يا مولاي ، أمر بالمتحف القديم والسور الذي كنا نجلس قبالته نتسامر وأطلال قصرك الذي سرقه لصوص الأموي..أمر فلا أسمع صوتا غير صوتك ً، ولا أشم رائحة غير رائحتك.. ولا أسمع ضحكا غير قهقهتك..أنظر كيف انقلبت بنا الأيام؟
- حينها صاح بي والدي..هل أنتِ مجنونة..
- أين يمكن أن أجد الحجاج يا أبي؟
- الحجاج مات منذ قرون يا ابنتي..
- كيف مات...؟
- مات جالسا..
- هذا غير صحيح فقد كنت معه البارحة.. إنني أسمع صوته ، أشم رائحته..
حين وصلت رسالتك الأخيرة إليّ..
وقف أبي وقال:
-إن هذا التافه الذي تتكلمين عنه كان عبدا ، قيل أنه جاء به النخاسون من أرض الروم ، و قيل من مملكة العبيد ، وقيل من أرض فارس ، وقيل انه أسر في إحدى الغارات ، وقد أصبح الآن ملكا..تحول العبد إلى ملك.. ومع ذلك يقسم الملوك أنهم يرون كل ليلة رجلاً يخرج باحثاً عن امرأة يناديها بأسماء عديدة ، وعندما يناديها "ليلى" تأتي زاحفة وتركع تحت قدمه.. رجل له صفة الملوك واسمه الحجاج..


nn
__________________
لا تبكي على أي علاقة في الحياة
لأن الذي تبكي من أجله لا يستحق دموعك
والشخص الذي يستحق دموعك
لن يدعك تبكي أبداً ܔ҉

بقايااا مملكة ضائعة
+حب انتهت فصوله
رد مع اقتباس