الموضوع: قابيل جديد
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 06-11-2014, 08:41 PM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي قابيل جديد



قابيل جديد






لم يتأثر مطلقا بدموع والدته وهي تترجاه أن يكفّ عن ضرب أخيه
ذلك لآنه قد صهر كل أحقاده في بوتقة الخبث والمكر, وأشبعها
بسائل الحسد, ونقعها في محلول الغل
فتوالدت الضعائن في نفسه, وتأججت نيرانها في أعماق كيانه
فلم تتمكّن دموع الأم من إطفائها, ولم تفلح القيم الأخلاقية في
كبح رعونتها, ولم يكن قلبه طاهرا فيرفض تلك الوساوس الشيطانية.
مرّ في مراحل حياته بمحطات ألم وشجن, وعصفت به زوابع
القسوة والمحن, فنشاء كارها مبغضا ساخطا ناقما.
ولم تؤثر فيه لحظات السعادة, ولا أيّام الهناء والصفاء.
كان أصغر بني أبيه, وهذا المركز ضمن له من الحب والحنان
والعطف والتدليل ما يستوجب نمو مشاعر الرحمة والرّقة
في صدره, لكنه شذَّ وإلى درجة غير معقولة عن هذه القاعدة
ذلك لأن معدنه كان رخيصا, ونفسه كانت لئيمة, وعقله مضطربا
وقلبه قاسيا, وعواطفه جامدة, ومشاعره متبلّدة
فما كان يبالي بمشاعر من حوله ولا يهتم لأحدٍ سوى من
يحقق له رغبته النفسية المتأججة من المدح والثناء وإن كان على غير
إنجازٍ أو إستحقاق.
عندما بلغ سن الشباب كان حبُّ الذات وتقديس النفس قد سيطرا على كيانه
فغدا لا يطيق حديثا ما لم يكن هو محوره, ولا يستمتع بموقف
مالم يكن هو سيّده, ولا يبقى في مجلس ما لم يتصدره
فكثرت إعتداءاته اللفظية على من حوله
وأشتهر همزه وغمزه على الجميع, وصار نموذجا حيا للمغتاب والنمّام
وعرف الكل القاعدة التي يستند عليها صاحبنا في تعامله معهم, وهي
أن من أراد كسب رضاه فعليه مجاراته, وتقديمه على النفس والولد
وتفضيله حتى على الأولياء الصالحين, على الأقل تظاهرا
فقبل البعض بالتعامل معه على هذا الأساس, وتجنبه البعض
أما من يشترك معه في الدم واللحم والأب والأم فلن يرضى له بهذا
الخلل الأخلاقي, وسيعمل جاهد على بذل النصيحة والتوجيه والإرشاد
غير أنّ الأناني إعتبر ذلك تدخلا في خصوصياته, وإعتداءا على شخصيته
فكانت ردة فعله هي الحقد الموصوف أعلاه, ولمّا كان الناصح أقوى جسديا
وأذكى فؤادا وأحبّ إلى الجميع فلم يتمكن الحاقد حينها من النيل منه
لكّنه تمكّن من التخطيط للإنتقام, وبدأ من فوره في تنفيذ خطته
وأخذ يراقب غريمه, ويتابع سلوكه وقوله, فكان يستخدم كل ذلك
ضدّه بعد التعديل والتحوير ونقل صورة مغلوطة إلى أنصاره
فكان يفسّر سلوك وأفعال الأخ الغافل بدوافع ورغباتٍ غير أخلاقية
ويترجم كلماته على أنها شتائم ضمنية وإنتقادات مسعورة
يهدف من وراء ذلك إلى بغض الأخ وبالتالي تقديمه وتبجيله عوضا عن أخيه
ثم شرع في نفث تلك السموم على أمثاله ومحبيه وأعداء اخيه
وقد قيل سابقا: لكل ساقطة لاقطة
فقد وجد بطانة سوء تحتضنه, تبارك شره, وتمدّه بالمعنويات اللازمة.
من سوء حظ الأخ الغافل أن تزوج
ولا بأس في الزواج, فهو سنّة النبي صلى الله عليه وسلّم
ومطلب شرعي وإجتماعي وصحّي وإنساني
للكنّه كان بالنسبة إلى قابيل القشّة التي قسمت ظهر البعير
غير أنه ما كان ليجروء على التعبير عما في نفسه وقتئذٍ
وبعد سنوات طويلة من الزمن, تمكّن من النيل من الأخ العليل الذي أذاب
لحمه وشحمه مرض السكري, وكان لم ينجب
من زيجاته المتعددة لأنه كان عقيم, وشاءت الأقدار أن يعيش
تحت سقف بيت واحد مع أمه, وأن يكون في خدمتها ورعايتها
وفي ذلك اليوم قدم الأناني زائرا, ليس للإطمئنان على أحد, بل للتأكد
من أنّ غريمه لا يقوى على الدفاع عن نفسه
عندئذ إختلق حجّة تبيح له مد يده على شقيقه الأكبر
وبعد أن فقد ذو السكري الوعي, وبعد أن بُحّ صوت أمهما
إرتفع صوت المعتدي مبررا جريمته أمام الناس الذين وصلوا متأخرين فقال:
هذا الحيوان سلبني حياتي, كان يختطف الأضواء مِنّي أينما اجتمعنا
لا أحد يحبني أو يقدّرني أو يحترمني أكثر منه أو مثله على الأقلّ
هوالمحبوب هو المحترم هو الطيّب
هو كل شىء وانا لا شىء بالنسبة إليه
ثُمَّ ختم جرائمه بزواجه من الفتاة الوحيدة التي أحببت في حياتي.
كان الأخ الغافل قد إستعاد وعيه
فتحامل على نفسه حتى وقف أمام قابيل العصر, ثم قال:
أنا كنت أحب الناس وأنت كنت تحب نفسك فقط
انا كنت أوقّر الكبير وأعطف على الصغير, وأنت كنت تعصي الكبير
وتقسو على الصغير
أنا كنت أعطي وأنت كنت تأخذ فقط, فأيّنا أحق بالمحبة؟
أمّا الفتاة التي تدّعي حبّها فماكنت أعلم الغيب.
وعندما أراد بعضهم التدخّل بين الشقيقين قال الأناني
وقد شاهد الجميع دموع الندم تسيل على وجنتيه:
سامحني أرجوك يا أخي, لقد كنت ظالما لك منذ عرفتك
فقال له: سامحك الله, ولكن أمك أولى مني بطلب العفو منها
فأنحنى التائب على قدميها يقبلهما ويمرّغ وجهه تحتهما
فرفعت رأسه بيديها الضعيفتان وقالت:
سامحتك يا بني, فحافظ على توبتك
قال: كيف يا أمي؟
قالت له: بطاعة ربّك وصلة رحمك
فخرج من عندهما إنسان جديد
وبعد أيام سافر معهما إلى مملكة تايلند على نفقته الخاصة


دمتــــــــم ســــالمـين

التعديل الأخير تم بواسطة ناجى جوهر ; 07-11-2014 الساعة 12:42 AM
رد مع اقتباس