الموضوع: صرخة الرفض
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 22-02-2013, 06:45 PM
الصورة الرمزية مختار أحمد سعيدي
مختار أحمد سعيدي مختار أحمد سعيدي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 583

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى مختار أحمد سعيدي
افتراضي صرخة الرفض

صرخة الرفض

كنت روحا في فلك البراءة، أجوب أقطار كون لا حد له، كله جمال، كله نقاء، كله صفاء، أتنفس الفضائل من فطرتها الطاهرة، أضاهي العالم الملائكي، أشكر موقعي أينما كنت، وليس لي مستقر ولا مستودع، يدفعني وجودي لأن أكون يوما من الأيام أنا، تتجاذبني أمنيات الفضيلة شوقا، وخلف القصد في الغفلة الخطيئة تغريني، ما كنت أميز بينهما إلا في كوني أنني سأكون، أتيت من بعيد، أقطع كل مسافات الظنون للوصول، لأكون ذلك اليقين الذي يصنع الفرحة حينا، وحينا يصنع الشقاء، ويتنكر لي الشرع والوضع، وأخيرا أظن أنني اهتديت إلى ضالتي وساقني قدر من حيث لا أدري، أطوف كفراشة حول امرأة كشجرة صهرتها السنين، تجاوزت من العمر الثلاثين، بيضاء تسر الناظرين. فاتنة كانت، تطاردها النظرات، فرس جامحة تسعى إلى موردها، جاءت مساء ذلك اليوم في الموعد كعادتها، دخلت، ابتسم لها النادل، جلست في آخر الصالون في آخر طاولة، تنظر إلى الباب، تنتظر وصول الرجل الذي تخلف، كأنه شعر بحمل أثقل ممشاه، لا تزال تجتر الخبر والشك يساورها، بل تتمنى أن يكون مجرد أضغاث أحلام، لا تذكر أنها نسيت يوما تعاطي موانعها. وفي آخر لحظة تراجعت وقررت أن تتكتم على الأمر إلى حين، وجاء ذلك الرجل الذي كانت تنتظره، كان أنيقا وسيما جدا، أطيب من أن يكون صادقا كما يقولون عنه، وأجمل من أن يكون وفيا، لا يتكلم كثيرا، روض ثغره على التعبير بما يريد، يتميز ببرودة أعصاب حد انهيار خصومه، يمزق بمخالب الصمت مكامن التروي، ومن نار الليل يصنع رماد الصباحات، نظراته أوراق بيضاء، حركاته لا تعرف التلقائية، بلغ من الرشد ما جعله يتنزه عن العبثية، لكل شيء في سلوكه مقدار، ضابط لموازين التواصل، بقدر الأخذ بقدر العطاء، بهذه الجدية استطاع أن يكبلها، تدين له بالولاء التام، تكتفي بأنصاف تبسمه لما تضحك، جرأته في فعله، لا يتردد، ولا يندم، لا يعاتب، ردة فعله زخات وشرارات متداولة...
كانت هي جميلة جدا، تتحدى بقوة أنوثتها، وسطوة ضعفها، وتسلط رقتها أي مراس، تطاوع حبل الوصل به، تلين لشدته وتتصلب، شجرة سرو تقاوم كل فصوله، تنحني كالخادمة ولا تنكسر، في نظرتها شيء من مخذر الساحرات، وبصيرة العرافات، تقرأ في ظاهر الممارسات خبايا الذوات، كلما تعرفه أكثر تتعبه أكثر، لاعبة شطرنج تحول بينه وبين مقاصده برفق الساذجة، لا تظهر له مهاراتها في ترويض مشاعره، يرغم نفسه عن الإستغناء عنها، وهي مكرهة كجارية، تعيده إليها برغبة المترفعة وتتركه يمارس جموح رجولته في حلقاتها المغلقة، هي تعرف أنه مقيد بها، وهو يعرف أنها مقيدة به، ولكن من يصل إلى آخر محطتهما منتصرا؟ هذا هو الرقم المجهول في هذه المعادلة التي لا تكاد تنتهي...
جلس وأشار للنادل، يتفحص وجهها، يستنطق ثغرها، ينتظرها أن تنطق، لف ساعده بساعده، وتراجع إلى الوراء لاحتواء صورتها كاملة، وضعت ابتسامة التكلف على محياها ممزوجة بمشاعر تزعم انهزام الكيد أمام المكر، وأخفت سحابة القلق وراء بسمة أخرى، حذر كان هو، لا يزال صامتا، يتابع خطاب جسدها برفق مصطنع أدركته هي بسهولة، صمت اعتادت عليه. إنحنى على الطاولة، ومد يده إلى يدها، أمسك بها، كانت أسخن، ألطف، ألين، جذبها فطاوعته وقال: ماذا قال الطبيب؟
قالت: إرهاق نفسي .. و تعب سؤال ثقيل..
...يتبع....
رد مع اقتباس