الموضوع: صرخة الرفض
عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 27-02-2013, 12:16 AM
الصورة الرمزية مختار أحمد سعيدي
مختار أحمد سعيدي مختار أحمد سعيدي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 583

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى مختار أحمد سعيدي
افتراضي

تتلاشى شدتها رويدا رويدا حتى عادت إلى وتيرتها العادية، وتركت فسحة لتنهيدة خرجت من العمق... وبعد، هل هو الطوفان؟ لست الأولى، ولن أكون الأخيرة، والحل موجود، والوقت لا يزال في صالحي، سأتخلص منه ولن يعلم أحد، فقط يجب أن أصل بأمان إلى هذه القناعة حتى لا يسجنني ضميري، وأتحول من ضحية إلى مجرمة تعيش كابوس فعلتها كل الحياة...
أمام المرآة، تحاكي الحظ، تقاضيه، وتحتفظ بالحكم، يبتسم لها بسخرية العنيد، هو كذلك يمارس عليها القهر بالصمت، والتحدي بالتقليد، إنه صورة طبق الأصل له، وصمت منه بدأ يتشكل في ذاتها، يرغمها على التكتم، وممارسة التروي في صمت، الصمت يحاصرها من كل جهة...
في غرفتها، سرير مبعثر، ودولاب رتبت فيه ملابسها بذوق خاص ، على الجدار أمامها لوحة لعصفور في قفص، مجلات وكتاب فوق طاولة فوقها مصباح وكوب... تهيأت للخروج، الساعة الآن السابعة صباحا، مرت على المطبخ، تناولت قطعت من كعكة كانت في طبق على الطاولة، زادت عليها جرعة حليب، وخرجت على غير عادتها باكرا... بدأ الشارع يتحرك باستحياء،
يحدث للإنسان أحيانا أن يمر بمكان أو بشارع عشرات المرات ولا ينتبه لكثير من الأشياء، هكذا هي اليوم، كأنها تمر من هنا لأول مرة، كثيرة هي الأشياء التي تغيرت، محلات جديدة، واجهات أخرى، ديكور آخر، لوحات ومساحات إشهار، حتى أرضية الأرصفة أعيد تبليطها، عجيب! كل شيء تغير، كأنها كانت في غيبوبة، كان همها الوحيد رؤيته قبل دخولها إلى العمل، وفي المساء تحجب عنها نشوة اللقاء كل الأشياء فتعود إلى البيت ولا هم لها سواه . أما اليوم، فإنها تتمنى أن لا ينتهي هذا الشارع، ويمتد مع الزمن، ويبتعد مكان العمل، ويمنحها من الوقت ما يجعلها تسترجع كل قواها لصياغة السؤال الللغز، سؤال الحيرة الذي يغذي الأرق، تحاول ترتيب أوراق الحدث في نفسها بطريقة تعطي للتلقائية حقها في الوصل ،والتروي مقامه في الحديث، لعلها تتمكن من رسم خريطة للخروج معه من هذا المأزق بأقل ما يفرضه الواقع المر... إنها في السنة الثالثة بعد قراءة الفاتحة سرا، تنتظر ترسيم الزواج وإعلانه في حفل زفاف يحقق لها الحلم الجميل الذي وعدها به، يحفظ ماء وجهها، وتخرج إلى نور الحياة من بابها الواسع، تريد أن تفجر السؤال لتوقظ أملها من هذه الغيبوبة التي دخلت فيها من حيث لا تدري... هي التي كافحت كثيرا لأن تكون صورة غير صورة أمها، رغم ما تتميز به العائلة من شكليات المحافظة، وتقديس الروابط الأسرية التي أريد لها أن تؤسس لاندماج متحفظ خشية الذوبان في مجتمع لا يثمن النسب، ولا في ميثاقه للأصول بنود. تمنت أن تكون سيدة من ثمين الإعتدال، وجمال السوية في كل شيء، تفرض وجودها دون أن تكسر السياج مثل أمها ، لأن السياج كما يقول المثل يوضع للعاقلين، إعتنت كثيرا بمظهرها، أمام بنات الخالات وبنات العمات، حضورها يربك الجميع، حتى الجارات ينظرن إليها بعين الحسد...
إنها الآن أمام المحكمة، لا المكان ولا الزمن طاوعها للوصول إلى ما تريد ، ليست الأشياء الجميلة هي وحدها التي تشغلنا، بل الهم الذي يبكينا هو نفسه الذي يضحكنا، كان هو واقفا أمام المقهى المقابل، يد في الجيب والأخرى بين أصبعيها سيجارة، في شموخ هامة لا تنحني وخد مائل مصعر، مجسد رجل عليه بذلة في واجهة للعرض، نزع نظاراته، فوجدها أمامه، قررت أن تفرغ له ما بجعبتها.
- طاب صباحك
- طاب صباحك
أخذها من يدها وقال: سأتغيب بعض الوقت، أنا ذاهب في مهمة لا أعرف كم ستدوم.
فقالت: أنا، أنا حامل... ماذا أفعل؟ صدقني كانت هفوة، لا أعرف كيف حصلت.. كانت خطأ..
صعدت على ثغره تلك الإبتسامة المبهمة كعادته، ضغط على يدها، تراجع قليلا إلى الوراء، أسدل يديه وانصرف...
رد مع اقتباس