عرض مشاركة واحدة
  #28  
قديم 10-09-2013, 02:06 PM
الصورة الرمزية الملتقى الأدبي
الملتقى الأدبي الملتقى الأدبي غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 46
افتراضي

هل الفرح ولادة متعسرة ؟
لـ : علي العريمي

كَـ ذبول الزَهرة هي, تهدلت في تربة أيام ٍمالحة. تستيقظ , يوم آخر, كبَاقي الأيام , لا جديد فيه ؛ فالجديد قَد تطايرت حروفه , وتبَعثرت تقَاسيمه.ترفع جسدها عن السرير متثاقلة , الرؤية أمامها ضبابية , كأن الشمس تبعث في أشعتها سوادًا يملأ المكان.
تَرطم وجهها مرات عديدة بالماء. سرحت بعيدا , كوبَ الحَليب أصبح باردا كـالشتاء, وقطعة الخُبز يبست فأصبحت قاسية كَقساوة صباحاتها . بعد صعودها إلى سيارتها , ترمي بالحقيبة على الكرسي الأمامي , فتصطدم بالذكريات, ماضٍ تَعيس وحُب عَجزت الأيام عن حَبله , وأجهَضته مآسٍ وإخفاقات .

فتآة لَم تَعرف الرَبيع يوما , ظلت مُنسَدلةٌ عَلى نفسها , قابعة بَين شَط البَحر والغروب تَرقب الأحلآم الكَهلة.التفتت عن يمينها وعن يسارها لكي لا يرى أحد ما سال عن وَجنتيها, عيناها محتقنتان بالدمع , و وَجهها يَتَلبسه النَدم . فَهي تَرى في الكُرسي الأمامي لَحظات الحادث , صرخة أمها المُدوية وإنطوائها عَلى أخيها الصَغير خَشيةً عَليه , و في المقدمة ترَى أقواس القُزح الرمادية المتشكلة بفعل الإنارة وإختراقها لحبات المطر. تتذكر عجز شفتاها المعلقتان عن اخراج أي نوع من التهكم ضد سائقي السيارات .

تعصف عَليها حياتها من جَديد وتزداد رغبةً في جلد ذاتها لخدمة من تبقى من أسرتها . بعد عودتها من العمل , تحتضن أخاها الصغير, تتفحصه خوفا من أن تكون الخادمة قد آذته .وتنادي بها لكَي تُحضر الغَداء ..

تتَحدث بصوت خافت :
الحياة لَعنة تَلتهم المساكين , تَغمرهم بالبؤس , تَجعلهم مُمَددين بعجز نحو السماء فاغرين أفواههم ,رافعين أياديهم طلباً للرحمة .
ياه كم أرغب بذاك الشيء ! انتحار بريء , كأن أرمي بنفسي في وسط الشارع وأنا أحمل بين يداي مصحف لكي أترك انطباعاً حسنا واحدا على الاقل.
تتفَقد الهاتف لتَجد رسالة من أمير يَقول فيها :

" انتِ أيتها البارعة , المتفانية في خدمة من هم على سكك الرحيل. لم يبرع أحد في ما أجدته من وَأدك لنفسك. أبارك لَك فأنتِ رويدا رويدا تَندفَنين في الرمل , أخوك يَلهوا فَوقك , يَبني بمكعباته رَجلا، ويغرسُ أقَدَامه فَي وَسط الرَمل. نَعم فَي وَسط الرَمل حَيث أنتِ هناك لازلت تتنَفسين . إلى مَتى وأنت تؤجلين زَواجنا ؟ لما هذا الإصرار على جَعلنا مَحرومين ؟ أخوك الذي تَحرصين على التفرغ له سيأتي يوما لن يتفَرغ لك فيه. قفيني يَوما ! عَلِّي أدلك عَلى الفَرح , سَنعيش معا , سَنقتسم تَربيَته... "
تكتب اليه :

"كَلماتك تنسدل علي كَنوبة برد مسائية , كمَطرٍ حمضي, وتهزني كزلزال.أنت لا تريد سوى التمكن مني , تكسبني الحمى وتذهب , تجعلني أتلاشى , وتزيد من رجفتي حين أستقبل حديثك . تكسبني الخوف عوضا عن الفرح , فأنا عندما أستعد للفرح يغضب الحزن و يشُنُ عَلي غاراتّه , فلا أقوى على ردعه ؛ فأنا أفتقر للسور الحصين. نعم ,أفتقر للسور الحصين , فَفي يوم الحادثة كنت ذاهبة لكي أحضر ثوب زفافك . هل ثمة هناك من رَدع عني الكارثة ؟ أين كنتَ أنتَ؟ أين؟. أرني ردك الآن, هزني بكلماتك , فأنت تُبدع في رمي السهام ولكنك لا تستطيع إلتقافها , فاتركني أكفِّر عن خَطيئتي بتَربية أخي عَلِّي أنال الغُفرآن " .
يرد عليها برسالة وهي مُتَكورةٌ عَلى السرير :
"أنثري الرماد عَلى قَلبك, و انطوي على نفسك , وابقي عَلى حافة الهلاك , كخريف عَقيم"

تسقط هنا ,تلتف على نفسها وتنطوي, تتلعثم و تهذي , يرتد بها الزمان , وتلازم الإسفلت كورقة صفراء .
دموعها مالحة , تخبئ وجهها بيديها وهي ساجدة.
تستيقظ بعدها وهي تذرف الدموع على أصوات الغناء والطبول.
ثوبها الأبيض , زينتها , وباقة الورد , على السرير .
تنتهي من الركعتين وتلتفت إلى أمير وهي تقول:
"هل جميع الولادات متعسرة ؟ "
يبتسم وتحظى هي بأول ابتسامةٍ بدون خوف , تأخذ نفسا عميقا , تعوض به عن جميع الأنفاس الضائعة لتتَفتح بعدها كَالزهرة التي ما كاد أن يأتي رَبيعها إلا وأزهرت غير مبالية بما يأتيها من فُصول .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
رد مع اقتباس