عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 31-07-2013, 04:04 PM
الصورة الرمزية فهد مبارك
فهد مبارك فهد مبارك غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2010
المشاركات: 1,479

اوسمتي

افتراضي قراءة في الزاوية الثانية ( الطارج ) من قصيدة ( رائحة وزوايا أربع ) للشاعر حميد خالد



قراءة في الزاوية الثانية ( الطارج ) من قصيدة ( رائحة وزوايا أربع ) للشاعر حميد خالد البلوشي ( الجزء الأول )

2- الطارج : " .. يقال إن الأغصان المحترقة تدمع بخلسة في حضن الموقد عندما تسمعه "
(أ)
لمّا يتدثر يابس الليل .. بالسيح
تحضر جروح ....
ويدمع النجم ظلمة
دله تفوح .. النزف ...
والنزف حارق
وهذا الغناء قنديل .. ما يشبه الا الهيل
..الهيل ومضة ...
الهيل ومضة ونغمة ..

الهيل ومضة ونغمة ..وطارج
***
( ب )
يا صوت نسناس المسيله سألتك ..غنّ
غربني عن وجهي .. ليله
بس القى ببرادك .. وطن
كل السمع يتكحلك .. كل السمع سارق
والصوت كحل..
الصوت كحل .. وسالفة
الصوت .. كحل وسالفة .. وطارج


هذا النصّ ..
الشاعر هنا يحاول أن يتلمس علاقته الحميمة مع الطارج كفن ونزف ، لذلك يتضح أن النصّ تعبير عن حالة نفسية لها تراكم سنوات من عمره ، حيث نلاحظ أن الحنين كان له دور في خلق هذا المونولج الداخلي في حواره مع الطارج كحالة وككيان ..
وهنا لا يمكن أن نقول أن النصّ هو شكل جديد أو تجديد لشكل ولغة وصور فن الطارج ، إنما هو حوار داخلي (مونولوج) بين الشاعر وهذا الفن ، إذ لا بدّ أن تتضح هذه الرؤية حتى نستطيع التعاطي مع النص كقراءة نحاول أن نجد أرضية من خلالها نستطيع الوصول إلى إشكاليات هذا العلاقة .

الجسد الأثيري للنص ..
المقصود هنا هو الروح الثانية للشاعر التي تتحرك وتعيش المشاهد وتخلق اللغة والصور الشعرية وذلك بوجود الحالة النفسية التي هيأت ذلك وابتكرته .. بمعنى أن الشاعر وهو في حالة الكتابة إذا صحّ التعبير يتحرك جسده الأثيري ( روحه الثانية ) من الحاضر إلى الماضي كزمان ومن المكان الحاضر إلى أمكنة الماضي ، فيحدث تخاطر بحضور زمانين ( الحاضر والماضي ) والأمكنة التي تمثل أرضية للعناصر والأشياء والعلاقات ..، فيتشكل لدينا الزمان والمكان اللذين يمثلان العناصر الرئيسية للتشكّل الأولي للنصّ وهذا الاستدعاء للماضي جاء نتيجة قوة جذب جعلت من الجسد الأثيري للشاعر يتحرك إلى الماضي ليشاهد ويعيش ذكرى في ذهنه لتتولد اللغة التي خلقت النص وجعلته يقول ما هو حاصل فتشكل النصّ نتيجة ذلك .. وهنا يمكن أن نمثل بما قاله الشاعر في النصّ :

لمّا يتدثر يابس الليل .. بالسيح
تحضر جروح ....
ويدمع النجم ظلمة
دله تفوح .. النزف ...
والنزف حارق


وهنا الشاعر استدعى كل العناصر التي أراد أن يوضح ما أرادت اللغة التعبير عنه ، حيث نشمّ رائحة الماضي في حضرة السكون وبوجود الزمان والمكان والأشياء والعناصر ، فالزمان هنا الليل وعناصره الظلمة والنجم ، والمكان هنا هو السيح الذي يمثل المكان الفسيح والفضاء الممتد في الصحراء . ووجود هذه العناصر هو ما جعل الشاعر يعبر عن حالته النفسية عندما يبدأ صوت الغناء بفن الطارج حيث عبّر الشاعر عن الطارج ب( النزف ) الذي يخلق حالة شعورية يختلط فيها الحزن بالحنين ، والشجن بالحياة الجديدة ، والحب بالألم ..


البناء الفني يؤدي إلى الطارج ..
البناء الفني للنص يتشكل بناءا على فن الطارج بمعنى وجود تسلسل للعناصر والصور والتراكيب والأسلوب تنصب وتوصل إلى الطارج ككيان يحيي ويحرك كل العناصر .
لو نلاحظ السطر الأول من كل مقطع نجد أنهما يبدأن بمكان الحدث :
يقول في المقطع الأول :
لمّا يتدثر يابس الليل ..بالسيح
وفي المقطع الثاني :
يا صوت نسناس المسيله سألتك ..غنّ

وفي السطر الثاني والثالث من المقطعين نجد توّلد حالة نفسية وشعورية عند الشاعر عند سماعه لفن الطارج وأنين صوت المغنيّ لهذا الفن :

يقول في المقطع الأول :

تحضر جروح ....
ويدمع النجم ظلمة


وفي المقطع الثاني :
غربني عن وجهي .. ليله
بس القى ببرادك .. وطن


وهكذا يتدرج بنا الشاعر حتى نصل إلى الأسطر الأربعة الأخيرة من كل مقطع حيث إنها تمثل بناءً هندسيا مستقلا رغم أن النصّ بأكمله بناء هندسي استنتاجي ، بمعنى أن الشاعر بدأ بالتفاصيل والعناصر المشكلة للنص حيث بدأت تقودنا تدريجيا إلى النتيجة النهائية وهي أن كل هذه التفاصيل والعناصر والأشياء كل منها يؤدي إلى الاخر وفي النهاية نصل إلى أن الطارج كنتيجة لكل هذا البناء ، حيث أدخلنا الشاعر في حتميات منطقية كبناء فقط وليس كتجربة شعرية شعورية ، أي أنه استفاد من المنهج الاستنتاجي المنطقي في بناء جسد أو هيكل النصّ ولكنه لم يؤثر أبدا على الجانب الشعوري سلبا بل ساعد على أهميّة هذا التوظيف لخدمة الشعر ، وكأنه إثبات من الشاعر لتبني هذا المنهج . كما أن هنالك نصوص أخرى استخدم الشاعر فيها البناء الهندسي هذا مثل قصيدة ( وعد البرد ) ..
وإذا ما رجعنا إلى الأسطر الأربعة الأخيرة من المقطعين :

سوف نجد أن هنالك بناء واحد بينهما أي نفس الهندسة والهيكل ونفس الفكرة ولكن اللغة عبّرت بأسلوبين مختلفين بناءً على التشكل الذهني أو تشكل الصورة الذهنية وحركة الجسد الأثيري ضمن ومضة زمنية ( زمن آني وزمن ذهني ) ..
وهنا نصل إلى نتيجة وهي أن الشاعر مهتمّ جدا بالبناء الهيكلي وفنياته في إخراج النصّ ولذلك نلاحظ أن الشاعر اشتغل كثيرا على هذا البناء محاولا تأكيد منهجيّته المستقلة في كتابة النصّ ومحاولة لإيجاد مسار معين يتميز به ..

( يتبع ..)
__________________


لا أملك إلّا نفسي ، وباستطاعتي أن أتحكم فيها في حالات الوعي ، أما في حالات أخرى فلا استطيع ، ورغم أنها سوف تقع في الخطأ ربما حسب مقياس المجتمع للخطأ فلن ألومها أبدا ، وستستمر الحياة سواء بالملامة أو بدونها
رد مع اقتباس