عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 26-04-2015, 10:56 PM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي سلّامة وذيل العجوز 8 البحث عن المال والجاه






حكاية شعبيّة


سلّامة وذيل العجوز


(8)



البحث عن المال والجاه


فعثر عليه بعض المحسنين تائها شاردا في الطرقات وحمله إلى داره
وعندما أفاق من صرعة الهوى سأله ذلك الرجل عن شأنه فقال:
أنا ذيل العجوز أصابني الجوع والعطش ففعلا بي ما رأيت
فارجوك اسمح لي بالذهاب إلى أمي قبل أن تقلق عليّ.
فأشترى منه ذلك المحسن حطبه, وضاعف له الثمن وزوّده بالكثير من الزاد
فأنصرف الشّاب شاكرا, وعاد إلى أمه. فلمّا دخل الكوخ وقع على الأرض مغشيا عليه
فصاحت العجوز وولولت, وأخذت تطببه حتى عاد إلى رشده
فسألته مستنكرة: ماذا أصابك يا ولدي؟ فحكى لها عن جمال الأميرة الفتّان, ثم انتحب
فعلمت أنّه قد عشقها, فقالت له موبخة: يا ولدي إنّها ابنة الملك وأنت يتيم فقير
فكيف تفكّر في حبها؟ قال الفتى: ليس الأمر بيدي لكي أفكر, وقد بلغ بي
من الوجد ما ترين, فإما أن أحظى بها أو أموت. فبكت وبكى الشاب حتى ناما
وفي الصباح أرادت العجوز أن تلهي ولدها عن ذكر الأميرة
فأدخلت عليه بعض بنات الحيِّ ليحدثنه ويسلينه
لكنهن فوجئنا بعدم وجوده, فعلمت أنّه قد ذهب إلى المدينة
فحملت غرارتها وعصاها وركبت حمارها تبحث عن ولدها
وكان الشاب قد إِشتدّ شوقه ونازعته نفسه, فلم يطق الإنتظار إلى الصباح
فخرج من توّه بعد أن تأكد من نوم العجوز, وأخذ يجري دون توقّف حتى وصل
إلى بوابة المدينة فوجدها مغلقة بأقفال الحديد
فدار حول السور حتى صار في الحي الذي يقع فيه قصر الأميرة
فقفز قفزة خارقة وضعته على السور, ثم نط بخفّة ورشاقة إلى القاع كأنّه نمر أرقط
وكان شديد البأس مفتول العضلات
وأخذ يهرول إلى أن أمسى تحت الشرفة, فسمع الأميرة تحدّث نفسها قائلة:
إن كان يحبّني حقا فسوف يعود ليراني فقفز ذيل العجوز قفزة رفعته حتى وازى الشرفة
فلمحته الأميرة وهو يهوي بفعل الجاذبية الأرضية فعرفته, فداخلها
العجب والإعجاب, وأرسلت إليه خصلة من شعرها, فتسلّق الجدار
متشبثا بخصلة الشعر إلى أن صار أمام الشرفة فجذبته إلى الداخل
وسألته مختبرة: من أنت؟ وماذا أتى بك إلى هنا في هذا الوقت؟
قال: أنا ذيل العجوز, أتيت لأراكِ
قالت: أولا تعلم عاقبة هذه المخاطرة؟
قال: بلى أعلم, ولكنني لم أطق البعد عنك
قالت: وما أدراك أنني أحبك؟
قال: فأنا أحبك
قالت: ومن أنت لكي تحب بنات الملوك؟
قال: الحب لا يعرف الأنساب, ويسميني الناس ذيل العجوز
قالت: وماذا ستمهرني إن قبلت الزواج منك يا ذيل العجوز؟
قال: روحي. وهي كل ما أملك
قالت: فما رأيك أن تأخذ هذا الصندوق المليء بالذهب والمجوهرات وتنصرف
وتتزوّج من أجمل الجميلات لأنك لن تتزوّجني قط. ولن يقبل بك أبي ولا أمي
ولا أحد من أفراد الأسرة المالكة.
قال: يكفيني إني أحبكِ, وأنك لا تحتقريني, ثم قفز
ونام في السوق إلى الصباح فدخل حبّه قلب الأميرة, وعلمت أنّه لا يطمع في أموال أبيها
وأنّه سيفعل المستحيل ليفوز بها فحزنت على فراقه, وتمنّت أن تراه مجددا
أمّا العجوز فقد دخلت المدينة وأخذت تبحث عن ولدها في الأزقّة والطرقات وتجمعات الناس
فلم تجد له أثر فقالت في نفسها: لعلّه ذهب إلى قصر الأميرة, فتوجّهت إلى هناك
وأخذت تغنّي بصوت مبحوح لتلفت نظر ولدها أينما كان, فسمعتها وصيفات الأميرة
فأردن أن يدخلنها إليها لعلها تستأنس بها وتتسلّى قليلا
فهرعن إليها وأدخلنها القصر, وأجلسنها في الحديقة
وأطعمنها وطلبن منها الإنتظار إلى أن تصحى الأميرة من نومها
فقالت العجوز في نفسها: ليس أحب إليّ من رؤية الوجه الذي سلب عقل ابني
ولم يطل نوم الاميرة اذ أنّ مشغول القلب لا يهناء بنوم
وسرعان ما أنضمّت إلى العجوز والوصيفات, وحين رأتها العجوز مقبلة نهضت
وقد أخذ حسن الأميرة بمجامع قلبها فقالت مثلما قال ابنها: سبحان الله ما شاء الله
فأندهشت الأميرة, وعرفت أنها أم الشّاب العاشق, لكنّها تمالكت نفسها
فجلسن يتحدّثن وفي نفس الوقت كانتا تبحثان عن فرصة لتتحدّثا لوحدهما, فقالت العجوز:
كم أشتهي بعض العصيدةّ هل تستطيع أي منكن أن تعصد؟
فقالت إحدى الوصيفات أنا أعرف, ثم ذهبت لصنع العصيدة, وبقيت وصيفة أخرى
فقالت لها الأميرة: لا تصلح العصيدة بدون العسل, فاذهبي إلى السوق
وأحضري بعضا منه, وحين بقيتا لوحدهما قالت العجوز:
بالله عليك يا ابنتي هل رأيتِ ولدي؟
قالت الأميرة: نعم لقد كان يسامرني, فلمّا عرضت
عليه المال مقابل نسياني غضب وأنصرف
قالت العجوز: يا ابنتي إنّه لن يقبل بحبك ثمنا, فهلا ترحمينه؟
قالت الاميرة: وماذا أستطيع أن أفعل؟ فابنك ليس
من ابناء الملوك ولا الأعيان ولا التجّار, ولن يزوجني أبي إلاّ منهم
قالت العجوز:: هل تحبينه كما يحبّك؟
قالت: نعم ولم أحب غيره ولم يحبّني غيره
قالت العجوز: فساعديه ليصبح من ابناء الملوك
قالت الأميرة: سأفعل, ثمّ أقبلت الخادمتان, وعند الزوال
عادت العجوز إلى كوخها وهي قلقة على ابنها
وكان الشّاب قد عاد إلى كوخه وقلبه ينزف دما, بسبب الجرح
الذي جرحته الأميرة, وعندما وصلت العجوز وجدته
في حالة يرثى لها من الحزن والقهر, فقالت له مبشّرة:
إنّه تحبّك كما تحبّها
قال الفتى: إنّها لا تعرف الحب
قالت: لا تظلمها يا بني. فإنها ملتزمة بعادات وتقاليد
قال: لست أبالي بالعادات والتقاليد
قالت: لأنك من الرعاع, وإلاّ لعلمت أنّ هناك أعرافا يجب أن تحترم
قال الفتى: فأنا لم أسعى لإرتكاب الرذيلة, بل أتمناها زوجة
لي على سنّة الله ورسوله
قالت العجوز: فإنّك لست كفوء لها
قال: وماذا ينقصني؟
قالت: ينقصك المال والجاه, فمتى ملكتهما صرت عدلا لها
فهبّ الفتى واقفا وقال: سوف أرحل يا أمّاه وأجلب المال والجاه, فهل ستنتظرني الأميرة؟
فبكت العجوز ولطمت خدها وشقّت ثوبها, وتوسّلت إليه
ان لا يرحل وأن لا يتركها لوحدها
فقال الفتى: فإني إن بقيت هاهنا أموت كمدا
فسكتت العجوز
فسألها مجددا: هل تظنين أنّها ستنتظرني حتى أعود؟
قالت العجوز متبرّمة: إسألها بنفسك
فشرع في تجهيز إحتياجاته, ثم خرج تاركا العجوز تبكي وتنوح وقد إجتمع حولها
عدد من جيرانها يواسونها, أما الأميرة فقد تحسّرت على تفريطها في القلب الذي أحبها
وندمت ندامة الكسعي على إهانته وتجريحه, وعزمت على زيارته في كوخه
الذي وصفته لها العجوز, وحين أوى الناس إلى منازلهم للقيلولة إمتطت فرسها
بعد أن لبست ملابسها التنكّرية, وتوجّهت إلى الكوخ الذي وصفته لها العجوز
وعندما وصلت لم تجد أحدا هناك, وأقبل عليها بعض الصبية فسألتهم عن العجوز
فذهب بعضهم وأستدعاها, وعندما وجدت الأميرة في كوخها رحّبت بها
ثم صرفت الصبية, وعندما أمستا لوحدهما ولاحظت حيرة
الأميرة قالت لها: لقد رحل يا مولاتي
قالت الأميرة: ولماذا؟
قالت: ليجلب المال والجاه حتى يصبح عدلا لك
قالت الأميرة: ألهذا الحد يحبّني؟
قالت: لو رأيت حزنه عندما أهنته و...
فقاطعتها الأميرة: وكيف أهنته؟
قالت: ألم تعرضي عليه المال
فبكت الأميرة بكاء مرا, وشعرت بسوء فعلتها, ثم قالت:
فوالله لن أتزوّج غيره, وسوف أرافقه حتى يحقق هدفه, ثم أطلقت لخيلها العنان
مقتفية آثاره فجزعت العجوز وأرسلت إلى الملك بخبر ابنته وابنها,
فخرج لوحده على فرسه السبّاق دون ان يشعر به أحد حتى قدم على العجوز فأنبأته بما حدث
فأنطلق يبحث عن ابنته, وقبل المغيب أدركها على شط النهر فناداها:
أنتظري يا ابنتي, فإني سأرافقك إن كنتِ تصرين, فخافت عليه وترجّلت عن فرسها
وعندما وصل إليها رمت بنفسها في أحضانه, وأخذت تبكي حسرة وندما, فقال لها:
هوّني عليك يا حبيبتي, ولكل مشكلة حل, ثم طلب منها أن تقص عليه القصّة من بدايتها
فأخبرته بكل شىء, فسألها: وهل تحبينه؟
فسكتت
فعلم أنها تحبه فقال: إنّه قد أثبت حبّه لك
ولكن عليه أن يثبت جدارته بك, فإن كان كفوء فسيأتي
بالمال والجاه, وإن كان غير ذلك فسيهلك كما هلك عشّاق من قبله
وإن لحقتِ به فستثبطين عزيمته ولن ينجز شيئا
فإن كنتِ تحبينه فأنتظريه إلى أن يعود, فأقتنعت الأميرة
بحكمة والدها وعادت معه, وفي الصباح أرسلت إلى العجوز فأسكنتها معها في القصر
لكنّها لم تتكيّف مع حياة القصور ورغبت في العودة إلى كوخها, فوهبتها جارية تقوم بخدمها
أما ذيل العجوز فواصل ترحاله عابرا أودية متسلقا جبالا سابحا عبر أنهار
قاطعا الفيافي حتى وصل إلى واحة وسط صحراء قاحلة, تقع على مقربة منها مضارب متباعدة
وقد أوشكت الشمس على المغيب, ونال منه الجوع والعطش والتعب والحزن.
فمشى قليلا فأوقعه حظّه بين يدي شيخ عجوز متهالك ادخله داره واكرم مثواه
وأمر زوجته بخدمته, فشكر لهما معروفهما وإحسانهما

يتبع إن شاء الله




التعديل الأخير تم بواسطة ناجى جوهر ; 27-04-2015 الساعة 09:12 PM
رد مع اقتباس