الموضوع: ليتني أعلم
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 08-06-2016, 10:54 AM
الصورة الرمزية زهرة السوسن
زهرة السوسن زهرة السوسن غير متواجد حالياً
شاعره
 
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,764

اوسمتي

افتراضي ليتني أعلم

وقفت في أحد المستشفيات المرجعية في طابور المنتظرين للمصعد؛ حتى تصل إلى الطابق الثالث، وبعد حين نزل المصعد، فدخلت مسرعة، وإذا بأحد المنتظرين ينطلق كالسهم من بين الناس، ليستقر معها في المصعد، ومن شدة الدهشة، وهول المفاجئة، لم تستطع الكلام ضغضت على زر الطابق الثالث متجاهلة ذلك المتطفل السمج، فعلق بكلمتين فيهما من الاستفزاز ما فيهما، ولكنها فضلت الصمت المطبق، فالصمت إن ضاق الكلام أوسع، كان الوضع مخيفا بالنسبة لها، ومقرفا في ذات الوقت، كتمت أنفاسها، ولكنها لم تستطع كتم ضربات قلبها المتسارعة، فزاد وجهها الشاحب شحوبا، وبدأت الدماء تتدفق باتجاه أطرافها السفلى، لتستطيع الهروب من أمام هذا الخطر المحدق بها، ولكن لا مجال للهروب ، من هذا التابوت الفولاذي، فانتظرت بشغف عظيم توقف المصعد، وكان الزمان يمر بطيئا جدا، وكأنما قد قبض، وكأن المصعد واقف في مكانه لا يتزعزع.
في هذه اللحظات، كادت عينه أن تلتهمها التهاما، مع تلك الابتسامة المبهمة المعاني ، ولكنها شدت من عزمها، وانزوت جانبا، في حنق شديد، فتمنت حينها أن تمتلك سلاحا، أوأن تؤاوي إلى ركن شديد، ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، وفجأة توقف المصعد وفتح الباب، فأطلقت ساقيها للريح، على الرغم مما كانت تشعر به من الوهن والألم القاسي، الأمر الذي استدعى أن تكون نزيلة المستشفى؛ لتخضع لعملية جراحية.
وصلت إلى الغرفة التي ترقد فيها في المستشفى، فوجدت زوجها يحاول جاهدا اسكات طفلتها التي لم تبلغ الأربعين يوما بعد، انتزعتها من بين يديه، وضمتها إلى صدرها؛ مهدئة من خوفها، وهي تحاول في ذات الوقت التقاط أنفاسها، وبقيت صامتة مسترجعة ما حدث لها قبل قليل في ذلك المصعد، فبدأت تستجمع تلك الملامح، لذلك الرجل الذي بدا كأنما هو من سراة القوم، في ملابسه المنظمة البيضاء، ووجهه المدور الممتلئ حيوية ونشاطا، وهنا فز قلبها، فقد تذكرت أين التقت ِبهذا الرجل، إنه ذات الرجل التي كانت تجده، كلما خرجت في رحلة مع صديقاتها، في السنوات الخالية، إنه هو ذلك الشبح الذي كان يخيفها، كلما وقع نظرها عليه في المتنزهات، والحدائق العامة، ذات الملامح، وذات الابتسامة الغريبة، والأغرب من ذلك، ملامحه التي بقيت كما هي، دون أن يطرأ عليها أي تغيير يذكر. من يكون؟ لماذا يطاردها؟ أين اختفى في تلك السنوات الماضية؟ لماذا عاد من جديد؟ أهو إنسي أم جني ؟ مجموعة من الأسئلة المحيرة، التي تبحث لها عن جواب، ومن يومها وحتى الآن لم تلتقي به، ولم يقع بصرها عليه في أي مكان، مع مضي ثلاثة عشر عاما، على هذا الموقف الذي ظل وسيظل أبد الدهر ماثلا في ذهنها. استعاذت بالله من شر الشيطان، وأودعت سر هذا الرجل في صندوق الأسرار الخاصة، ورددت بينها وبين نفسها، قائلة: ليتني أعلم من يكون؟

التعديل الأخير تم بواسطة زهرة السوسن ; 10-06-2016 الساعة 02:55 PM
رد مع اقتباس