الموضوع: طريق الورد
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 05-05-2010, 08:05 AM
الصورة الرمزية حمد السيابي
حمد السيابي حمد السيابي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
المشاركات: 199
افتراضي طريق الورد

طريق الورد
عندما التقيتك ذات نهار ممطر في ذلك اليوم وأنا أعبر رصيف الذاكرة و أحث الخطى باتجاه ساحة الزهور ..
كان المقهى وكنت على موعد معك فيه دون سابق معرفة .. ذلك المقهى القابع في الناصية الشرقية من طريق الورد .. أنت كنت هناك مبللة الأجنحة كيمامة .. تشاكسين الجمال بجمالك وأنت على المقعد الأجمل في ركن تم اختياره لك بعناية .. بالقرب من النافذة المطلة على حديقة الذاكرة ..
دخلت المقهى أسابق المطر الذي بدأ يهطل بغزارة .. أخذت أقلب النظر في أروقة المكان باحثا عن مقعد خال أرتمي فيه ريثما ينقطع المطر ..
أنت وحدك بدون مسامر .. تقلبين الصفحات على شاشة جوالك .. الأزرار تأن تحت أناملك .. تجولين بعينيك في الوجوه كمن يبحث عن مفقود .. صدفة ألمحك تنظرين إلي .. أبتسم وأنا أطلب كوبا من الشاي .. ترفعين يدك مرحبة .. أبادلك التحية .. كانت الجريدة المبللة سببا في التواصل المفاجئ ..
أجلس قبالتك على تلك الطاولة .. كان لعينيك وقع السحر ولابتسامتك صهيل الخيل . أتأملك وأنت تتحدثين في كل شيء وعن أي شيء .. كانت عباءتك السوداء مبللة بماء المطر .. وكانت أطرافها المطرزة بخيوط فضية تنم عن ذوق رفيع .. وكان غطاء رأسك ثقيلا رغم قماشه الحريري الخفيف .. خصلات شعرك تتساقط على جبينك وكأنها شلال في ظلمة حالكة السواد .. ورغم محاولاتك لإعادته إلى مكانه إلا أنه ينحدر أحيانا ليغطي عينك اليسرى ..
كنت تتحدثين بذوق وكنت أستمع بلا وعي .. كنت تبعثرين داخلي كل شيء وكنت ألملم ما تبقى من كلمات ..
يضع النادل كوب الشاي أمامي وأسألك إن كنت ترغبين في كوب مماثل .. تهزين رأسك بالإيجاب .. أرتشف الشاي وأنا ألمح السكر يقطر من شفتيك ..
نغادر المقهى بعد أن توقف المطر قليلا .. أتسكع معك على رصيف طريق الورد ..
يدور النقاش بيني وبينك حول تسمية الطريق بهذا الاسم .. تجيبين وأنت تتأبطين ذراعي بأن التسمية سببها وجود أكثر من محل لبيع الورد والزهور ونباتات الزينة تتساءلين عن سبب تسميتي له بطريق الورد بينما الاسم الحقيقي هو شارع الورد
أجيبك مبتسما إنها تسمية قرأتها ذات يوم في رواية لم تكتب بعد ..
أعبر معك إلى الجهة الأخرى من طريق الورد .. هناك حيث منتزه الياسمين ..
كان عبورا سريعا نحو جسر الذاكرة .. الذاكرة المزدحمة بغبار الماضي ..
ها أنا اليوم أعبر بدونك رصيف الذاكرة في طريق الورد .. تغير كل شيء .. لم تعد الأشياء ولا الأمكنة كما كانت .. المكان موحش إلى حد الذعر .. المقهى أصبح ذاكرة من الماضي الجميل .. نباتات الزينة ميتة أمام المدخل .. الأبواب محطمة ونوافذه تهشمت .. ومقاعده قلبت رأسا على عقب ..




كل شيء تغير بعدك أيتها العابرة جسر الذاكرة .. كل شيء فقد رونقه وجماله وعذوبته ودهشته بعد رحيلك .. حتى الرصيف الذي مشيناه ذلك اليوم لم يعد يهتز كما كنت تعبرينه وأنت في طريقك إلى ساحة الذاكرة بالقرب من تقاطع الحلم ..
محلات بيع الزهور والورود هجرها أصحابها والورود ذابلة حزينة .. فتشت عن باقة ورد كي أضعها على ذلك الكرسي الطويل الذي جلسنا عليه ذلك اليوم الماطر لكنني تعثرت بأكوام الورود والزهور اليابسة ..
تعالي لنعيد للأشياء رونقها .. للمكان حكايته .. للمطر روعته ..
تعالي نتسكع كالأطفال بين بقايا الذاكرة ..
تعالي نهمس للورد كي تعود نضارته ..
تعالي نكتب حلمنا فوق مياه نافورة الذوق ..
تعالي نشعل للمكان أنواره المطفأة ..
تعالي نلملم داخلنا ما تبقى من صور وكلمات ..
تعالي ننشد أنشودة الجمال برفقة الطيور والزهور تحت المطر ..
أفتقدك .. أفتقدك كثيرا هذه الأيام .. أفتقد غرورك .. أفتقد ابتسامتك .. أفتقد عطرك . أفتقد حضورك .. أفتقد كلماتك .. أفتقد ذوقك .. فلماذا تختبئين خلف الأشياء ؟ ..
رد مع اقتباس