روابط مفيدة : استرجاع كلمة المرور| طلب كود تفعيل العضوية | تفعيل العضوية

.::||[ آخر المشاركات ]||::.
في محراب الحنين [ آخر الردود : ذكرى - ]       »     نبسـط لـك الهوى [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     ذاكــرة أمـواجُ الشـوقِ‏ [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     متى تَلتَئِم الجراح [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     وجوه تهوي بها الأيام فترميها ب... [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     نـوبـة حنين [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     لحظه غيابك [ آخر الردود : ياسر الكثيري - ]       »     انتفاضة [ آخر الردود : ذكرى - ]       »     هموم مضت في فضاء الواقع [ آخر الردود : زياد الحمداني (( جناح الأسير)) - ]       »     كفيف [ آخر الردود : زياد الحمداني (( جناح الأسير)) - ]       »    


الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء
عدد الضغطات : 3,536ضع إعلانك هنا - ثلاث شهور فقط 25 ريال عماني
عدد الضغطات : 2,796ضع إعلانك هنا - ثلاث شهور فقط 25 ريال عماني
عدد الضغطات : 8,297
دروازة للتصميم
عدد الضغطات : 52,501عدد الضغطات : 52,280عدد الضغطات : 52,383

العودة   منتديات السلطنة الأدبية > منتديات السلطنة الأدبية > القصة القصيرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-11-2012, 06:48 PM
هيثم البوسعيدي هيثم البوسعيدي غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Mar 2012
المشاركات: 42
افتراضي مـقـطـع بـسـيط من الـفـصـل الأول لأول مـحاولـة لـي في مـجال الـروايـة بعــنــوان " مـ

مـقـطـع بـسـيط من الـفـصـل الأول لأول مـحاولـة لـي في مـجال الـروايـة بعــنــوان " مــوت حــيـــاة"

"على الرغم من كثب الغمام ألقيت بنفسي في السيارة متناسيا أنني تركت شبح هائم وتائه في دائرة الإرشاد السياحي في الطابق الأول من وزارة السياحة.

طوال الطريق أجري المكالمة تلو الأخرى لكن بدون جدوى فلا أحد قادر على اطفاء نيران مخاوفي، كأن هواتف أبي وأمي وراية اتفقت على إخفاء سر خطير.

درب شاسع حتى أقف أمام الحقيقة، أرى فرق الخواطر وكتائب الأفكار تتزاحم، كنت فيما مضى أقرأ روايات الموت في الوجوه...اقترب لأكتشف الموت وابتعد حتى أبحر في أسراره، لم أصنع حدود بيني وبينه حتى لا أكون في معزل عن التفكير به، كانت جوارحي دوما تحاكي الموت حتى لا تتعرض للصدأ والتآكل.

لكن الموت نجح في اختراق النوافذ، وها هو يوجه سهامه نحوي بسرعة، حواجزه تتوزع في كل مكان، تمرح في شوارعنا، تتصيد أخطاء البشر، تنقض بشراسة على أرواحنا، والسؤال الذي يطفو على السطح: الغلبة لمن؟ هل يتغلب الموت على جنون البشر؟ أم هل تنتصر الحياة على غطرسة الموت؟

في المقابل، تقرر ذواتنا الاتجاه إلى مهاوي التهلكة، فتستعد لكتابة الوصايا على عجل وتتناسى أنها ترعرعت منذ نعومة أظفارها على أن طعم الموت مر كطعم العلقم، عندئذ تمطي بمهارة فائقة قنطرة العبور ثم تنتقل ببساطة وبدون ضجيج إلى عوالم أخرى مجهولة.

أدرك الآن أنني أمام حقيقة الموت، أراني في مقدمات الجزع وانا ألمح نصاله على بعد 200كلم، أجلس على مقعد السيارة وكلي خشوع من مشهد موت الحياة...تضاريس الموت تزلزل الأعماق..تُلزم ذاك الجسد الغالي صمت مطبق، فيتوقف عن ممارسة الحركة والكلام والتفكير، ثم ينحجب الهواء عن منافذ الرئة إيذانا بالرحيل.

يمر الموت على أشلاء جسده، لكنه يأسرني...يحيط بي من كل الجهات، على أعقاب رجفة الموت...يعلن الجميع الاستسلام...نلزم الصمت...نلجئ للبكاء...تختبئ أرواح الكائنات...تهرب الشياطين... ثم يمسك الموت بكل خيوط الأحداث، يتفنن في استباحة حرمات النفس والاستماع برؤية مشاهد الاختناق والانهيار.

حضور الموت مهيب وعظيم، أتأمل عواقبه. أعلم جيدا أنني في انتظار مشهد آخر ألا وهو حياة الموت، أعقد انواع الموت، عند ابوابه تتجدد حكاية الأحزان وينبعث السفر الموحش نحو صحاري قاحلة من الكأبة ، عندئذ لا مفر من المرور بأطوار متقلبة من انفجار النبضات وتصدع الأعصاب وانقلاب التوازن الذي سيفرض مشاهد الألم المتكررة، فتتهاوى بذلك القاعدة التي تدعي أن الاحياء لا يمكن أن يتبنون الاموات".

على مقربة من دوار الملدة ترسو سفينة الخوف، أبعد عن الحقيقة مسافة 90 كلم، على الجانب اليمين يتعثر باص مدرسة، يصطدم بإحدى الاعمدة، ارى الأطفال يحفرون في ذاكرتهم هذا المشهد المأساوي، كأنهم يشهدون على خزي صاحب الباص الذي تخلف عن مهمته النبيلة.

على حين غفلة يغزوني حلم البارحة، لم افهم ان طول الشعر وتكاثره حتى امتلاء الغرفة يعني أن هناك فاجعة بانتظاري، احتاج إلى دواء شافي يقاوم الخوف، أصوات عبدالله اليافعي وخليفة الحيدي ترنو في أذني، أين هي تلك النغمات الحزيمة التي أشتاق إليها كلما ألم بي الضيق والهم؟


على مشارف البيت تنتظرني مجموعة من الوجوه، هذا يلفني وذاك يطلب مني الصبر، لم تقو رجلاي على الوقوف، فهذا خالي حميد أتى من الركة تلك القرية النائية بين الجبال وذاك صديق طفولتي راشد وبجانبه الحاج خميس امام الجامع .

لم احتمل الموقف، أطلقت صرخة في الهواء: وش اللي حصل؟ ومن اللي مات؟ صوت ناصر يطلق شرارة الفاجعة : راية تعرضت هي ومجموعة من زميلاتها لحادث سير فضيع في تقاطع ديل آل عبد السلام...جميعهن فارقن الحياة.

احسست أني أفقد اتزاني، هويت من القمة إلى القاعة، شيء ما يرميني الى الارض، يتهافت الكل للامساك بي... أزحف باتجاه الباب، على مقربة من الباب اكتشف وجود أبي، يلف وجهه بقماش ابيض، يواري حزنه وغضبه على الحياة، لم استطع الاقتراب منه.

في فناء بيتنا الضيق، توضع راية على أرضية صلبة، جمع من النساء يحيطن بجسدها الطاهر، كم هائل من العويل والصراخ يزيد من قتامة المشهد، انظر إلى راية في لحظة وداع أبديه، كانت الاخت والصديقة والأم، عيناها الفاغرتين تهمسان في أذناي كلمات الوداع، ترتمي أشلائي المنهارة على جسدها الطاهر كأنني لم أرها منذ مدة طويلة، دمعة حارقة تتشظى معها مقولة أن الرجل كائن متماسك، فقوة الرجولة تمنع تدفق الدموع، لم استطع إيقاف شلال الدموع ...بكيت بسخاء...صرت أشهق وأغرق في بحر النشيج...ثم أفيق بلا وعي...خيل إلي أن كائنات الردة تصرخ معي..تتضامن معي".
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11-11-2012, 07:33 PM
الصورة الرمزية عبدالله الراسبي
عبدالله الراسبي عبدالله الراسبي غير متواجد حالياً
نائب رئيس مجلس الإدارة ورئيس قسم الموروث الشعبي والتراث
 
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 9,051

اوسمتي
وسام الإدارة وسام أجمل الردود درع الإبداع وسام الإداري المميز وسام العطاء الغير محدود وسام التميز 
مجموع الاوسمة: 6

افتراضي


اخي العزيز هيثم البوسعيدي قصه جميله جدا ورائعه
تسلم على هذا السرد الرائع
وتقبل تحياتي
__________________
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 12-11-2012, 06:05 PM
هيثم البوسعيدي هيثم البوسعيدي غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Mar 2012
المشاركات: 42
افتراضي رد

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله الراسبي مشاهدة المشاركة

اخي العزيز هيثم البوسعيدي قصه جميله جدا ورائعه
تسلم على هذا السرد الرائع
وتقبل تحياتي
الاستاذ الكريم عبد الله

أشكرك جزيلا على التعليق المميز ...مساءك نور وصلاح وضياء
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 13-11-2012, 08:58 AM
رحيق الكلمات رحيق الكلمات غير متواجد حالياً
كاتبة مميزة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2011
الدولة: في قلوب أحبتي أحيا بصمت
المشاركات: 2,212

اوسمتي

افتراضي

[quote=هيثم البوسعيدي;166705]مـقـطـع بـسـيط من الـفـصـل الأول لأول مـحاولـة لـي في مـجال الـروايـة بعــنــوان " مــوت حــيـــاة"

"على الرغم من كثب الغمام ألقيت بنفسي في السيارة متناسيا أنني تركت شبح هائم وتائه في دائرة الإرشاد السياحي في الطابق الأول من وزارة السياحة.

طوال الطريق أجري المكالمة تلو الأخرى لكن بدون جدوى فلا أحد قادر على اطفاء نيران مخاوفي، كأن هواتف أبي وأمي وراية اتفقت على إخفاء سر خطير.

درب شاسع حتى أقف أمام الحقيقة، أرى فرق الخواطر وكتائب الأفكار تتزاحم، كنت فيما مضى أقرأ روايات الموت في الوجوه...اقترب لأكتشف الموت وابتعد حتى أبحر في أسراره، لم أصنع حدود بيني وبينه حتى لا أكون في معزل عن التفكير به، كانت جوارحي دوما تحاكي الموت حتى لا تتعرض للصدأ والتآكل.

لكن الموت نجح في اختراق النوافذ، وها هو يوجه سهامه نحوي بسرعة، حواجزه تتوزع في كل مكان، تمرح في شوارعنا، تتصيد أخطاء البشر، تنقض بشراسة على أرواحنا، والسؤال الذي يطفو على السطح: الغلبة لمن؟ هل يتغلب الموت على جنون البشر؟ أم هل تنتصر الحياة على غطرسة الموت؟

في المقابل، تقرر ذواتنا الاتجاه إلى مهاوي التهلكة، فتستعد لكتابة الوصايا على عجل وتتناسى أنها ترعرعت منذ نعومة أظفارها على أن طعم الموت مر كطعم العلقم، عندئذ تمطي بمهارة فائقة قنطرة العبور ثم تنتقل ببساطة وبدون ضجيج إلى عوالم أخرى مجهولة.

أدرك الآن أنني أمام حقيقة الموت، أراني في مقدمات الجزع وانا ألمح نصاله على بعد 200كلم، أجلس على مقعد السيارة وكلي خشوع من مشهد موت الحياة...تضاريس الموت تزلزل الأعماق..تُلزم ذاك الجسد الغالي صمت مطبق، فيتوقف عن ممارسة الحركة والكلام والتفكير، ثم ينحجب الهواء عن منافذ الرئة إيذانا بالرحيل.

يمر الموت على أشلاء جسده، لكنه يأسرني...يحيط بي من كل الجهات، على أعقاب رجفة الموت...يعلن الجميع الاستسلام...نلزم الصمت...نلجئ للبكاء...تختبئ أرواح الكائنات...تهرب الشياطين... ثم يمسك الموت بكل خيوط الأحداث، يتفنن في استباحة حرمات النفس والاستماع برؤية مشاهد الاختناق والانهيار.

حضور الموت مهيب وعظيم، أتأمل عواقبه. أعلم جيدا أنني في انتظار مشهد آخر ألا وهو حياة الموت، أعقد انواع الموت، عند ابوابه تتجدد حكاية الأحزان وينبعث السفر الموحش نحو صحاري قاحلة من الكأبة ، عندئذ لا مفر من المرور بأطوار متقلبة من انفجار النبضات وتصدع الأعصاب وانقلاب التوازن الذي سيفرض مشاهد الألم المتكررة، فتتهاوى بذلك القاعدة التي تدعي أن الاحياء لا يمكن أن يتبنون الاموات".

على مقربة من دوار الملدة ترسو سفينة الخوف، أبعد عن الحقيقة مسافة 90 كلم، على الجانب اليمين يتعثر باص مدرسة، يصطدم بإحدى الاعمدة، ارى الأطفال يحفرون في ذاكرتهم هذا المشهد المأساوي، كأنهم يشهدون على خزي صاحب الباص الذي تخلف عن مهمته النبيلة.

على حين غفلة يغزوني حلم البارحة، لم افهم ان طول الشعر وتكاثره حتى امتلاء الغرفة يعني أن هناك فاجعة بانتظاري، احتاج إلى دواء شافي يقاوم الخوف، أصوات عبدالله اليافعي وخليفة الحيدي ترنو في أذني، أين هي تلك النغمات الحزيمة التي أشتاق إليها كلما ألم بي الضيق والهم؟


على مشارف البيت تنتظرني مجموعة من الوجوه، هذا يلفني وذاك يطلب مني الصبر، لم تقو رجلاي على الوقوف، فهذا خالي حميد أتى من الركة تلك القرية النائية بين الجبال وذاك صديق طفولتي راشد وبجانبه الحاج خميس امام الجامع .

لم احتمل الموقف، أطلقت صرخة في الهواء: وش اللي حصل؟ ومن اللي مات؟ صوت ناصر يطلق شرارة الفاجعة : راية تعرضت هي ومجموعة من زميلاتها لحادث سير فضيع في تقاطع ديل آل عبد السلام...جميعهن فارقن الحياة.

احسست أني أفقد اتزاني، هويت من القمة إلى القاعة، شيء ما يرميني الى الارض، يتهافت الكل للامساك بي... أزحف باتجاه الباب، على مقربة من الباب اكتشف وجود أبي، يلف وجهه بقماش ابيض، يواري حزنه وغضبه على الحياة، لم استطع الاقتراب منه.

في فناء بيتنا الضيق، توضع راية على أرضية صلبة، جمع من النساء يحيطن بجسدها الطاهر، كم هائل من العويل والصراخ يزيد من قتامة المشهد، انظر إلى راية في لحظة وداع أبديه، كانت الاخت والصديقة والأم، عيناها الفاغرتين تهمسان في أذناي كلمات الوداع، ترتمي أشلائي المنهارة على جسدها الطاهر كأنني لم أرها منذ مدة طويلة، دمعة حارقة تتشظى معها مقولة أن الرجل كائن متماسك، فقوة الرجولة تمنع تدفق الدموع، لم استطع إيقاف شلال الدموع ...بكيت بسخاء...صرت أشهق وأغرق في بحر النشيج...ثم أفيق بلا وعي...خيل إلي أن كائنات الردة تصرخ معي..تتضامن معي".[/quote]

اهلا وسهلا اخي هيثم
شكرا لك لمشاركتنا هذه الرائعة من روائعك
رغم الأ؟لم الجاثم فوق الحروف هذا الشبح الذي دخل اغلب البيوت ... شبح الحوادث إلا ان جمال اسلوبك في الكتابه وقدرتك على اختيار المفردات الملائمة أعطت للنص جمالا فائقا
جمال يجعلني أفخر بتواجدك معنا هنا
بارك الله فيك اخي ووفقك المولى لما يبحب ويرضى
__________________
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13-11-2012, 10:59 AM
الصورة الرمزية سالم الوشاحي
سالم الوشاحي سالم الوشاحي غير متواجد حالياً
إداري سابق
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,853

اوسمتي
وسام أجمل الردود وسام الإدارة درع الإبداع وسام الإبداع مميز السلطنة الأدبية وسام التميز 
مجموع الاوسمة: 6

افتراضي

أخي العزيز هيثم البوسعيدي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تمتلك موهبة رائعه أتخذت منحنى

الجمال والحبكة في السرد

ممتن لحضورك وتواجدك أيها الأصيل

لك أعمق التقدير وجُل الأحترام
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 13-11-2012, 10:39 PM
هيثم البوسعيدي هيثم البوسعيدي غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Mar 2012
المشاركات: 42
افتراضي

[quote=رحيق الكلمات;166955]
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هيثم البوسعيدي مشاهدة المشاركة
مـقـطـع بـسـيط من الـفـصـل الأول لأول مـحاولـة لـي في مـجال الـروايـة بعــنــوان " مــوت حــيـــاة"

"على الرغم من كثب الغمام ألقيت بنفسي في السيارة متناسيا أنني تركت شبح هائم وتائه في دائرة الإرشاد السياحي في الطابق الأول من وزارة السياحة.

طوال الطريق أجري المكالمة تلو الأخرى لكن بدون جدوى فلا أحد قادر على اطفاء نيران مخاوفي، كأن هواتف أبي وأمي وراية اتفقت على إخفاء سر خطير.

درب شاسع حتى أقف أمام الحقيقة، أرى فرق الخواطر وكتائب الأفكار تتزاحم، كنت فيما مضى أقرأ روايات الموت في الوجوه...اقترب لأكتشف الموت وابتعد حتى أبحر في أسراره، لم أصنع حدود بيني وبينه حتى لا أكون في معزل عن التفكير به، كانت جوارحي دوما تحاكي الموت حتى لا تتعرض للصدأ والتآكل.

لكن الموت نجح في اختراق النوافذ، وها هو يوجه سهامه نحوي بسرعة، حواجزه تتوزع في كل مكان، تمرح في شوارعنا، تتصيد أخطاء البشر، تنقض بشراسة على أرواحنا، والسؤال الذي يطفو على السطح: الغلبة لمن؟ هل يتغلب الموت على جنون البشر؟ أم هل تنتصر الحياة على غطرسة الموت؟

في المقابل، تقرر ذواتنا الاتجاه إلى مهاوي التهلكة، فتستعد لكتابة الوصايا على عجل وتتناسى أنها ترعرعت منذ نعومة أظفارها على أن طعم الموت مر كطعم العلقم، عندئذ تمطي بمهارة فائقة قنطرة العبور ثم تنتقل ببساطة وبدون ضجيج إلى عوالم أخرى مجهولة.

أدرك الآن أنني أمام حقيقة الموت، أراني في مقدمات الجزع وانا ألمح نصاله على بعد 200كلم، أجلس على مقعد السيارة وكلي خشوع من مشهد موت الحياة...تضاريس الموت تزلزل الأعماق..تُلزم ذاك الجسد الغالي صمت مطبق، فيتوقف عن ممارسة الحركة والكلام والتفكير، ثم ينحجب الهواء عن منافذ الرئة إيذانا بالرحيل.

يمر الموت على أشلاء جسده، لكنه يأسرني...يحيط بي من كل الجهات، على أعقاب رجفة الموت...يعلن الجميع الاستسلام...نلزم الصمت...نلجئ للبكاء...تختبئ أرواح الكائنات...تهرب الشياطين... ثم يمسك الموت بكل خيوط الأحداث، يتفنن في استباحة حرمات النفس والاستماع برؤية مشاهد الاختناق والانهيار.

حضور الموت مهيب وعظيم، أتأمل عواقبه. أعلم جيدا أنني في انتظار مشهد آخر ألا وهو حياة الموت، أعقد انواع الموت، عند ابوابه تتجدد حكاية الأحزان وينبعث السفر الموحش نحو صحاري قاحلة من الكأبة ، عندئذ لا مفر من المرور بأطوار متقلبة من انفجار النبضات وتصدع الأعصاب وانقلاب التوازن الذي سيفرض مشاهد الألم المتكررة، فتتهاوى بذلك القاعدة التي تدعي أن الاحياء لا يمكن أن يتبنون الاموات".

على مقربة من دوار الملدة ترسو سفينة الخوف، أبعد عن الحقيقة مسافة 90 كلم، على الجانب اليمين يتعثر باص مدرسة، يصطدم بإحدى الاعمدة، ارى الأطفال يحفرون في ذاكرتهم هذا المشهد المأساوي، كأنهم يشهدون على خزي صاحب الباص الذي تخلف عن مهمته النبيلة.

على حين غفلة يغزوني حلم البارحة، لم افهم ان طول الشعر وتكاثره حتى امتلاء الغرفة يعني أن هناك فاجعة بانتظاري، احتاج إلى دواء شافي يقاوم الخوف، أصوات عبدالله اليافعي وخليفة الحيدي ترنو في أذني، أين هي تلك النغمات الحزيمة التي أشتاق إليها كلما ألم بي الضيق والهم؟


على مشارف البيت تنتظرني مجموعة من الوجوه، هذا يلفني وذاك يطلب مني الصبر، لم تقو رجلاي على الوقوف، فهذا خالي حميد أتى من الركة تلك القرية النائية بين الجبال وذاك صديق طفولتي راشد وبجانبه الحاج خميس امام الجامع .

لم احتمل الموقف، أطلقت صرخة في الهواء: وش اللي حصل؟ ومن اللي مات؟ صوت ناصر يطلق شرارة الفاجعة : راية تعرضت هي ومجموعة من زميلاتها لحادث سير فضيع في تقاطع ديل آل عبد السلام...جميعهن فارقن الحياة.

احسست أني أفقد اتزاني، هويت من القمة إلى القاعة، شيء ما يرميني الى الارض، يتهافت الكل للامساك بي... أزحف باتجاه الباب، على مقربة من الباب اكتشف وجود أبي، يلف وجهه بقماش ابيض، يواري حزنه وغضبه على الحياة، لم استطع الاقتراب منه.

في فناء بيتنا الضيق، توضع راية على أرضية صلبة، جمع من النساء يحيطن بجسدها الطاهر، كم هائل من العويل والصراخ يزيد من قتامة المشهد، انظر إلى راية في لحظة وداع أبديه، كانت الاخت والصديقة والأم، عيناها الفاغرتين تهمسان في أذناي كلمات الوداع، ترتمي أشلائي المنهارة على جسدها الطاهر كأنني لم أرها منذ مدة طويلة، دمعة حارقة تتشظى معها مقولة أن الرجل كائن متماسك، فقوة الرجولة تمنع تدفق الدموع، لم استطع إيقاف شلال الدموع ...بكيت بسخاء...صرت أشهق وأغرق في بحر النشيج...ثم أفيق بلا وعي...خيل إلي أن كائنات الردة تصرخ معي..تتضامن معي".[/quote]

اهلا وسهلا اخي هيثم
شكرا لك لمشاركتنا هذه الرائعة من روائعك
رغم الأ؟لم الجاثم فوق الحروف هذا الشبح الذي دخل اغلب البيوت ... شبح الحوادث إلا ان جمال اسلوبك في الكتابه وقدرتك على اختيار المفردات الملائمة أعطت للنص جمالا فائقا
جمال يجعلني أفخر بتواجدك معنا هنا
بارك الله فيك اخي ووفقك المولى لما يبحب ويرضى
أهلا وسهلا بك أختي أنا الذي افتخر بتواجدي هنا..,ارغب في في اعطائي رأي شفاف يساعدني في كتابة نصوص روائية مميزة..تحياتي لك ولحرفك المميز
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 14-11-2012, 09:01 PM
هيثم البوسعيدي هيثم البوسعيدي غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Mar 2012
المشاركات: 42
افتراضي رد

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سالم الوشاحي مشاهدة المشاركة
أخي العزيز هيثم البوسعيدي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تمتلك موهبة رائعه أتخذت منحنى

الجمال والحبكة في السرد

ممتن لحضورك وتواجدك أيها الأصيل

لك أعمق التقدير وجُل الأحترام
الاستاذ الجميل سالم الوشاحي..أشكرك جزيلا على التعليق وأشكرك على وصفك المنمق الذي أعطى النص قيمة لا يستحقها في رأيي فهو ناقص ويحتاج إلى إعادة بناء وتدقيق ..تحياتي الكبيرة أيها الكريم
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 14-11-2012, 09:44 PM
الصورة الرمزية yasmeen
yasmeen yasmeen غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2012
الدولة: سلطنة عمان
المشاركات: 313

اوسمتي

افتراضي

االاخ الفاضل هيثم البوسعيدي بصراحة اجدت وصف الموقف وجعلتنا نعيش تفاصيله

هذا طريق كلنا سالكوه ونسأل الله أن يرحم من سبقونا ونلاقيهم في جنان الرحمن ...


دع الأيام تغدر كل حين ..... فما يغني عن الموت الدواء
__________________
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 17-11-2012, 08:46 PM
هيثم البوسعيدي هيثم البوسعيدي غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Mar 2012
المشاركات: 42
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة yasmeen مشاهدة المشاركة
االاخ الفاضل هيثم البوسعيدي بصراحة اجدت وصف الموقف وجعلتنا نعيش تفاصيله

هذا طريق كلنا سالكوه ونسأل الله أن يرحم من سبقونا ونلاقيهم في جنان الرحمن ...


دع الأيام تغدر كل حين ..... فما يغني عن الموت الدواء
أستاذة ياسمين

أشكرك جزيلا على التعليق المميز وبارك الله فيك وتبقى التجربة في بداياتها وتحتاج لجهد كما أنني أرى النص المنشور يحتاج إلى تقويم ومراجعة وتدقيق
كما أنني نشرت النص حتى أستفيد من الآراء المطروحة سواء على مستوى الفكرة أو على مستوى الأسلوب
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 14-12-2012, 11:22 PM
الصورة الرمزية أم أفنان الرطيبيه
أم أفنان الرطيبيه أم أفنان الرطيبيه غير متواجد حالياً
كاتبة مميزة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 1,412

اوسمتي

افتراضي

نص جميل ومميز اخي هيثم

لي عودة
__________________
يمين الله يمين الله لأعلمك التحدي كيف
وأعلمك القصيد شلون يخضع لي وأنا بنيه
وأعلمك السما وشلون تمطر والليالي صيف
وأعلمك المذاهب الأربعة وتبيَت النيه
أنا بقولها لك جد ترى ما ينفعك ياحيف
وإذا إنك إنس يا عمي تراني ساس جنيه
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:40 PM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi
جميع الحقوق محفوظة لدى الكاتب ومنتديات السلطنة الادبية