روابط مفيدة : استرجاع كلمة المرور| طلب كود تفعيل العضوية | تفعيل العضوية

.::||[ آخر المشاركات ]||::.
في محراب الحنين [ آخر الردود : ذكرى - ]       »     نبسـط لـك الهوى [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     ذاكــرة أمـواجُ الشـوقِ‏ [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     متى تَلتَئِم الجراح [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     وجوه تهوي بها الأيام فترميها ب... [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     نـوبـة حنين [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     لحظه غيابك [ آخر الردود : ياسر الكثيري - ]       »     انتفاضة [ آخر الردود : ذكرى - ]       »     هموم مضت في فضاء الواقع [ آخر الردود : زياد الحمداني (( جناح الأسير)) - ]       »     كفيف [ آخر الردود : زياد الحمداني (( جناح الأسير)) - ]       »    


الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء
عدد الضغطات : 3,499ضع إعلانك هنا - ثلاث شهور فقط 25 ريال عماني
عدد الضغطات : 2,759ضع إعلانك هنا - ثلاث شهور فقط 25 ريال عماني
عدد الضغطات : 8,200
دروازة للتصميم
عدد الضغطات : 52,466عدد الضغطات : 52,242عدد الضغطات : 52,348

العودة   منتديات السلطنة الأدبية > منتديات السلطنة الأدبية > القصة القصيرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22-02-2013, 06:45 PM
الصورة الرمزية مختار أحمد سعيدي
مختار أحمد سعيدي مختار أحمد سعيدي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 583

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى مختار أحمد سعيدي
افتراضي صرخة الرفض

صرخة الرفض

كنت روحا في فلك البراءة، أجوب أقطار كون لا حد له، كله جمال، كله نقاء، كله صفاء، أتنفس الفضائل من فطرتها الطاهرة، أضاهي العالم الملائكي، أشكر موقعي أينما كنت، وليس لي مستقر ولا مستودع، يدفعني وجودي لأن أكون يوما من الأيام أنا، تتجاذبني أمنيات الفضيلة شوقا، وخلف القصد في الغفلة الخطيئة تغريني، ما كنت أميز بينهما إلا في كوني أنني سأكون، أتيت من بعيد، أقطع كل مسافات الظنون للوصول، لأكون ذلك اليقين الذي يصنع الفرحة حينا، وحينا يصنع الشقاء، ويتنكر لي الشرع والوضع، وأخيرا أظن أنني اهتديت إلى ضالتي وساقني قدر من حيث لا أدري، أطوف كفراشة حول امرأة كشجرة صهرتها السنين، تجاوزت من العمر الثلاثين، بيضاء تسر الناظرين. فاتنة كانت، تطاردها النظرات، فرس جامحة تسعى إلى موردها، جاءت مساء ذلك اليوم في الموعد كعادتها، دخلت، ابتسم لها النادل، جلست في آخر الصالون في آخر طاولة، تنظر إلى الباب، تنتظر وصول الرجل الذي تخلف، كأنه شعر بحمل أثقل ممشاه، لا تزال تجتر الخبر والشك يساورها، بل تتمنى أن يكون مجرد أضغاث أحلام، لا تذكر أنها نسيت يوما تعاطي موانعها. وفي آخر لحظة تراجعت وقررت أن تتكتم على الأمر إلى حين، وجاء ذلك الرجل الذي كانت تنتظره، كان أنيقا وسيما جدا، أطيب من أن يكون صادقا كما يقولون عنه، وأجمل من أن يكون وفيا، لا يتكلم كثيرا، روض ثغره على التعبير بما يريد، يتميز ببرودة أعصاب حد انهيار خصومه، يمزق بمخالب الصمت مكامن التروي، ومن نار الليل يصنع رماد الصباحات، نظراته أوراق بيضاء، حركاته لا تعرف التلقائية، بلغ من الرشد ما جعله يتنزه عن العبثية، لكل شيء في سلوكه مقدار، ضابط لموازين التواصل، بقدر الأخذ بقدر العطاء، بهذه الجدية استطاع أن يكبلها، تدين له بالولاء التام، تكتفي بأنصاف تبسمه لما تضحك، جرأته في فعله، لا يتردد، ولا يندم، لا يعاتب، ردة فعله زخات وشرارات متداولة...
كانت هي جميلة جدا، تتحدى بقوة أنوثتها، وسطوة ضعفها، وتسلط رقتها أي مراس، تطاوع حبل الوصل به، تلين لشدته وتتصلب، شجرة سرو تقاوم كل فصوله، تنحني كالخادمة ولا تنكسر، في نظرتها شيء من مخذر الساحرات، وبصيرة العرافات، تقرأ في ظاهر الممارسات خبايا الذوات، كلما تعرفه أكثر تتعبه أكثر، لاعبة شطرنج تحول بينه وبين مقاصده برفق الساذجة، لا تظهر له مهاراتها في ترويض مشاعره، يرغم نفسه عن الإستغناء عنها، وهي مكرهة كجارية، تعيده إليها برغبة المترفعة وتتركه يمارس جموح رجولته في حلقاتها المغلقة، هي تعرف أنه مقيد بها، وهو يعرف أنها مقيدة به، ولكن من يصل إلى آخر محطتهما منتصرا؟ هذا هو الرقم المجهول في هذه المعادلة التي لا تكاد تنتهي...
جلس وأشار للنادل، يتفحص وجهها، يستنطق ثغرها، ينتظرها أن تنطق، لف ساعده بساعده، وتراجع إلى الوراء لاحتواء صورتها كاملة، وضعت ابتسامة التكلف على محياها ممزوجة بمشاعر تزعم انهزام الكيد أمام المكر، وأخفت سحابة القلق وراء بسمة أخرى، حذر كان هو، لا يزال صامتا، يتابع خطاب جسدها برفق مصطنع أدركته هي بسهولة، صمت اعتادت عليه. إنحنى على الطاولة، ومد يده إلى يدها، أمسك بها، كانت أسخن، ألطف، ألين، جذبها فطاوعته وقال: ماذا قال الطبيب؟
قالت: إرهاق نفسي .. و تعب سؤال ثقيل..
...يتبع....
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 22-02-2013, 07:28 PM
الصورة الرمزية سالم الوشاحي
سالم الوشاحي سالم الوشاحي غير متواجد حالياً
إداري سابق
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,853

اوسمتي
وسام أجمل الردود وسام الإدارة درع الإبداع وسام الإبداع مميز السلطنة الأدبية وسام التميز 
مجموع الاوسمة: 6

افتراضي

أخي العزيز مختار سعيدي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عوداً احمد إن شاء الله .....

نص جميل يدور بجمال اللغة والحبك

ويسرد قصة لم تكتمل ,.....

تحياتي لك بعمق
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 22-02-2013, 08:40 PM
الصورة الرمزية عبدالله الراسبي
عبدالله الراسبي عبدالله الراسبي غير متواجد حالياً
نائب رئيس مجلس الإدارة ورئيس قسم الموروث الشعبي والتراث
 
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 9,051

اوسمتي
وسام الإدارة وسام أجمل الردود درع الإبداع وسام الإداري المميز وسام العطاء الغير محدود وسام التميز 
مجموع الاوسمة: 6

افتراضي


اخي العزيز مختار سعيدي تسلم على هذا النص الجميل والرائع
وسرد رائع وتقبل تحياتي
__________________
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 22-02-2013, 11:43 PM
الصورة الرمزية نادية السعدي
نادية السعدي نادية السعدي غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Sep 2011
الدولة: في قلب الوطن
المشاركات: 85

اوسمتي

افتراضي

نص جميل اعجبني اسلوبك الراقي في صياغة القصة وحديث الذات

كل التقدير
تقبل مروري
__________________
وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 23-02-2013, 12:06 PM
رحيق الكلمات رحيق الكلمات غير متواجد حالياً
كاتبة مميزة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2011
الدولة: في قلوب أحبتي أحيا بصمت
المشاركات: 2,212

اوسمتي

افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مختار سعيدي مشاهدة المشاركة
صرخة الرفض

كنت روحا في فلك البراءة، أجوب أقطار كون لا حد له، كله جمال، كله نقاء، كله صفاء، أتنفس الفضائل من فطرتها الطاهرة، أضاهي العالم الملائكي، أشكر موقعي أينما كنت، وليس لي مستقر ولا مستودع، يدفعني وجودي لأن أكون يوما من الأيام أنا، تتجاذبني أمنيات الفضيلة شوقا، وخلف القصد في الغفلة الخطيئة تغريني، ما كنت أميز بينهما إلا في كوني أنني سأكون، أتيت من بعيد، أقطع كل مسافات الظنون للوصول، لأكون ذلك اليقين الذي يصنع الفرحة حينا، وحينا يصنع الشقاء، ويتنكر لي الشرع والوضع، وأخيرا أظن أنني اهتديت إلى ضالتي وساقني قدر من حيث لا أدري، أطوف كفراشة حول امرأة كشجرة صهرتها السنين، تجاوزت من العمر الثلاثين، بيضاء تسر الناظرين. فاتنة كانت، تطاردها النظرات، فرس جامحة تسعى إلى موردها، جاءت مساء ذلك اليوم في الموعد كعادتها، دخلت، ابتسم لها النادل، جلست في آخر الصالون في آخر طاولة، تنظر إلى الباب، تنتظر وصول الرجل الذي تخلف، كأنه شعر بحمل أثقل ممشاه، لا تزال تجتر الخبر والشك يساورها، بل تتمنى أن يكون مجرد أضغاث أحلام، لا تذكر أنها نسيت يوما تعاطي موانعها. وفي آخر لحظة تراجعت وقررت أن تتكتم على الأمر إلى حين، وجاء ذلك الرجل الذي كانت تنتظره، كان أنيقا وسيما جدا، أطيب من أن يكون صادقا كما يقولون عنه، وأجمل من أن يكون وفيا، لا يتكلم كثيرا، روض ثغره على التعبير بما يريد، يتميز ببرودة أعصاب حد انهيار خصومه، يمزق بمخالب الصمت مكامن التروي، ومن نار الليل يصنع رماد الصباحات، نظراته أوراق بيضاء، حركاته لا تعرف التلقائية، بلغ من الرشد ما جعله يتنزه عن العبثية، لكل شيء في سلوكه مقدار، ضابط لموازين التواصل، بقدر الأخذ بقدر العطاء، بهذه الجدية استطاع أن يكبلها، تدين له بالولاء التام، تكتفي بأنصاف تبسمه لما تضحك، جرأته في فعله، لا يتردد، ولا يندم، لا يعاتب، ردة فعله زخات وشرارات متداولة...
كانت هي جميلة جدا، تتحدى بقوة أنوثتها، وسطوة ضعفها، وتسلط رقتها أي مراس، تطاوع حبل الوصل به، تلين لشدته وتتصلب، شجرة سرو تقاوم كل فصوله، تنحني كالخادمة ولا تنكسر، في نظرتها شيء من مخذر الساحرات، وبصيرة العرافات، تقرأ في ظاهر الممارسات خبايا الذوات، كلما تعرفه أكثر تتعبه أكثر، لاعبة شطرنج تحول بينه وبين مقاصده برفق الساذجة، لا تظهر له مهاراتها في ترويض مشاعره، يرغم نفسه عن الإستغناء عنها، وهي مكرهة كجارية، تعيده إليها برغبة المترفعة وتتركه يمارس جموح رجولته في حلقاتها المغلقة، هي تعرف أنه مقيد بها، وهو يعرف أنها مقيدة به، ولكن من يصل إلى آخر محطتهما منتصرا؟ هذا هو الرقم المجهول في هذه المعادلة التي لا تكاد تنتهي...
جلس وأشار للنادل، يتفحص وجهها، يستنطق ثغرها، ينتظرها أن تنطق، لف ساعده بساعده، وتراجع إلى الوراء لاحتواء صورتها كاملة، وضعت ابتسامة التكلف على محياها ممزوجة بمشاعر تزعم انهزام الكيد أمام المكر، وأخفت سحابة القلق وراء بسمة أخرى، حذر كان هو، لا يزال صامتا، يتابع خطاب جسدها برفق مصطنع أدركته هي بسهولة، صمت اعتادت عليه. إنحنى على الطاولة، ومد يده إلى يدها، أمسك بها، كانت أسخن، ألطف، ألين، جذبها فطاوعته وقال: ماذا قال الطبيب؟
قالت: إرهاق نفسي .. و تعب سؤال ثقيل..
...يتبع....
اهلا بك أخي مختار السعيدي
عودا جميلا الى شواطئ القصة
فلقد اشتاقت الشواطئ لخطوات قلمك الجميل
( صرخة الرفض) عنوان ناطق بمحتوى أكبر من العنوان ذاته
انسيابية جميلة لفكرة الصراع الدائم بين حواء وآدم
قصة اجتماعية رائعة بحبكة ننتظر نهايتها بحماس جميل
لي عودة هنا
تحيتي
__________________
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 24-02-2013, 01:26 AM
الصورة الرمزية مختار أحمد سعيدي
مختار أحمد سعيدي مختار أحمد سعيدي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 583

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى مختار أحمد سعيدي
افتراضي

ابتسمت أنا لأنني اكتشفت ما كان يشغلني من حيرة وتعجب، إنه السؤال الذي يحتمل جوابه الصدق والكذب وأشياء أخرى، ما كنت أعرفها...
وجاء النادل يحمل طبقا عليه كوبين من نفس اللون تقريبا، البارد لها والساخن له، أشعل لفافة مالبورو واحتفظ بالثقاب في يده، كان الدخان يخرج من فيه أسود، يدفعه ببطء، يتشكل ثم ينقشع تاركا وراءه للسؤال حيرته. ليتني أستطيع أن أتحكم فيه، هكذا قالت في سريرتها، تفطن لها، شعرت بذلك، فقالت: هل توحي إليك هذه الأشكال بشيء؟
قال: فلسفة الحياة، مثل سؤالك الثقيل...
ابتسم، رشف ومزج بين لذة الشراب واستعداده لتلقي السؤال... كنت أرفرف حولها، فوقفت فوق رأسها، أنتظر أنا كذلك سؤالها بشغف، إلتزمت هي الصمت، تحاول إثارة فضوله إلى أقصى درجة، تحافظ على استمرار بسمتها بكل ما أوتيت من براعة التمثيل، لا يزال احتمال انتصار الخيبة يتغلب في اعتقادها على الأمل، بل أكثر من ذلك، ربما سيكون الموجة التي تكسر حبيبات الماء لتعود زبدا...
قال: أعطاك مقويات وفيتامينات ومنشطات... كعادته
قالت: لا أظنها تنفعني في هذه المرة...
أطرق ينظر إلى بخار شرابه، سحبت يدها من يده، أخذت الكأس، كان الشراب باردا، شعرت به يرد رغبة السؤال الذي ملأ صدرها، وضعت الكأس فارغا، حملت سفطها و وقفت.
قالت: هيا بنا، نواصل حديثنا في الطريق، لقد تأخرت اليوم كثيرا.
ترك نصف شرابه وقام متثاقلا، كان جو المساء لطيفا جدا، وضع نظاراته السوداء ، نظر إلى نفسه في زجاج الواجهة، أنيقا جدا كان، كانت هي أجمل، عانقت عضده فزاد ذلك في روعة منظره وأهبته حد الغبطة والحسد، كأنه الملك بخطاه الواثقة، تشد عضده جارية لينة الطرف قاصرته، تحادي السادية في إخلاصها له، حتى لا يكاد يرى الناس إلا هو، تنظر إليه وهو ينظر إلى أفق الشارع الطويل، إلى زرقة السماء الجميلة، إلى جماليات الهندسة المعمارية وفنون الزخرفة على الأبواب والواجهات، كأنه خريج مدرسة الفنون الجميلة.
قال: كم هو الجو منعش في هذا المساء، كأني لأول مرة أمر من هنا.
قالت: لهذا فضلت الخروج
لم يبال بها، وسقطت كلماتها دون أن ترد الصدى، أحدثت دوائر في طويتها، كان حينها يضغط على ساعدها بعضده، لا يريدها أن تتكلم حتى لا تفسد عليه متعته... سحبت ذراعها وتوقفت، وقف ينظر إليها بعيون وسنى وابتسامة صفراء فارغة...
قالت: إقتربنا كثيرا، يجب أن نفترق، لا أستطيع أن أذهب معك الليلة كما وعدتك، عندنا ضيوف، إبن خالتي عاد من المهجر وهو ضيفنا الليلة، تجب علي خدمته...
طبع على جبينها قبلة باستحياء، وانصرف يحمل ابتسامته على ثغره، لم يلتفت، رمت ثلاث خطوات أو أربع، وقفت قليلا قبل أن تلتفت وتراه يمشي على إيقاع سمفونية الأبطال، تنهدت، وواصلت طريقها تكظم سؤالا تعذرت صياغته إلى حين...
لا زلت أنا قابعا فوق رأسها... دخلت إلى البيت، ذهبت إلى غرفتها، غيرت ملابسها وعادت إلى الصالون حيث كان الجميع هنا، يتجاذبون أطراف الأحاديث، نظرت إليها الجدة، وقبل أن تستعيد كليا طبيعتها قالت: خير ما وراءك يا بنيتي؟
قالت: هل بدى علي شيء؟
قالت الجدة: الأم يا بنيتي تنظر إلى ابنتها بعيون الكبد، فاعذري تطفلي أحيانا
قالت: أبدا يا جدتي، نعب قال الطبيب وإرهاق، وهو زائل إن شاء الله.
قالت الجدة: أتمنى لك برنوس الستر، يقاسمك هم الطموح قبل فوات الأوان.
قلت في نفسي ماذا تقصد الجدة ببرنوس الستر، وما دخله بهم الطموح؟ ...هذا كلام لا أفهمه... آه، نسيت أنني لا زلت لم أكن بعد.
أشياء كثيرة كانت تحصل أمامي لا أجد لها تفسيرا، ولا أفهمها، غريبة علي... بحثت عن ابن الخالة لم أجده، أراهم في الخفاء في صفات وممارسات غير التي هم فيها في الظاهر، أقول في نفسي ربما هي الحياة هكذا...
الجميع ملتزم هنا، تنافس كبير على التميز بسمو الفضائل، والتزين بالحكمة والإعتدال، والمثالية المترفعة عن الجهالة والبداءة، ملتقى احتكاك الثقافات والمعارف، وقياس سلامة الذوق، لا يخرج الحديث عن قضايا الوضع الراهن وانتقادات لسلوكيات المجتمع وسلبيات الطبقات والمشاهير، يرتقي المجلس بهم حيث تتكامل وجهات النظر وتتلاقح الأفكار، عالم ملائكي فرض نوعا من التواضع والإحترام المتبادل لا نظير له، لا يختلف كثيرا عن عالم الأرواح قبل أن تسكن الأجساد ، أسعد كثيرا لما أحضر هذه الجلسات الحميمية الراقية...
تناولوا العشاء، وانصرفوا جميعا ، كل إلى غرفته، وخلدت هي إلى الراحة في خلوتها، تمددت على السرير، أراها تتخبط كأنها حية أكلت سمها، وفجأة أسرعت إلى دورة المياه، تبعتها، تقيأت وعادت، لم تكترث، فقط بدى على وجهها شيء لم أفهمه، جلست القرفصاء فوق سريرها، في الظلام تشد رأسها بيديها، شعرت بشفقة عليها حد الإنهيار، كأنني أنا المسؤول عن هذا الذي تعاني منه، ليتني عرفت ما يدور بداخلها، غريب أمرهم ، عندما يختلي البشر يرجع كل واحد إلى نفسه، إلى حقيقته، ليعطيها شيء من الحرية، يمكن أن ينتحر من أجلها في الحلم أو في اليقظة وحيدا ومع غيره يبيعها بأبخس ثمن، وما بين الحقيقة والخيال في العقل إلا برزخ الإرادة. استوت على سريرها، عانقت وسادتها، وانهارت تبكي في صمت ، تبتلع الشهقات في كمد، ترى ما الذي يبكيها وهي التي كانت عند العشاء تضحك ملأ فاها!!.. ليتني أستطيع أن أصبر أغوارها. جسدك أيتها المرأة سبب شقائك، ليتني أستطيع أن أساعدك للعودة إلى ما كنت عليه من روح دون جسد، ليتني أستطيع أن أخلصك من هذا المستبد، من هذا السجن، من هذا الجلاد، تحاصرك جنوده من كل جهة... يا ليتني...
وطال الليل رغم قصره في صنع المبهم ، ورسم الضياع بكل ألوان الظلام، وضاع من تعقلها الطريق. يقال أن الصواب يمهد له اللسان قبل خروج مطيته، فإذا خرجت يصعب ترويضها وتفترسك، أراها تسترجع تلك اللحظات التي يفقد العقل سيطرته على الذات، و تستحوذ الرغبة على النفس فتعزلها لتستبد بها وتنزلها إلى اللاوعي الضال، إلى مكمن الندم لتوقظه فيفترس ما خلفته الخطيئة لما تستفحل في البشر. هكذا مرت ليلتها، مناجاة ومنولوج في فراغ لا يرحم .
في الصباح قامت كأنها خلقت من جديد، وكأن شيئا لم يكن، كان النهار قد رفع ستائر الليل عن الكون، تنفست أزهار الحديقة، وغمر وهيجها غرفتها، تحمله نسمات مارس اللطيفة إلى عمق الذات . جلست على حافة السرير، تثاءبت، نظرت إلى ساقيها ورجليها الصغيرتين، كانت الساعة متوقفة ، تنعلت ودخلت إلى الحمام، كادت تنام في دفء الماء الذي غمر جسدها، يرد صدى نبضاته إلى داخلها كأنها ضربات على صناجة لإثارة الأعصاب.

....يتبع....
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 24-02-2013, 06:26 AM
الصورة الرمزية سالم الوشاحي
سالم الوشاحي سالم الوشاحي غير متواجد حالياً
إداري سابق
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,853

اوسمتي
وسام أجمل الردود وسام الإدارة درع الإبداع وسام الإبداع مميز السلطنة الأدبية وسام التميز 
مجموع الاوسمة: 6

افتراضي

الأستاذ مختار سعيدي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ولازلنا نتابع جمال السرد وروعة

الطرح ....

ونحن بين جمال اللغة والحبك

لك تحياتي وشكري العميق
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 25-02-2013, 01:14 PM
الصورة الرمزية أم أفنان الرطيبيه
أم أفنان الرطيبيه أم أفنان الرطيبيه غير متواجد حالياً
كاتبة مميزة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 1,412

اوسمتي

افتراضي

اعجبني جدا إسلوبك في النص
متابعه للنهايه...
__________________
يمين الله يمين الله لأعلمك التحدي كيف
وأعلمك القصيد شلون يخضع لي وأنا بنيه
وأعلمك السما وشلون تمطر والليالي صيف
وأعلمك المذاهب الأربعة وتبيَت النيه
أنا بقولها لك جد ترى ما ينفعك ياحيف
وإذا إنك إنس يا عمي تراني ساس جنيه
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 25-02-2013, 01:15 PM
الصورة الرمزية أم أفنان الرطيبيه
أم أفنان الرطيبيه أم أفنان الرطيبيه غير متواجد حالياً
كاتبة مميزة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 1,412

اوسمتي

افتراضي

اعجبني جدا إسلوبك في النص
متابعه للنهايه...
__________________
يمين الله يمين الله لأعلمك التحدي كيف
وأعلمك القصيد شلون يخضع لي وأنا بنيه
وأعلمك السما وشلون تمطر والليالي صيف
وأعلمك المذاهب الأربعة وتبيَت النيه
أنا بقولها لك جد ترى ما ينفعك ياحيف
وإذا إنك إنس يا عمي تراني ساس جنيه
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 27-02-2013, 12:16 AM
الصورة الرمزية مختار أحمد سعيدي
مختار أحمد سعيدي مختار أحمد سعيدي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 583

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى مختار أحمد سعيدي
افتراضي

تتلاشى شدتها رويدا رويدا حتى عادت إلى وتيرتها العادية، وتركت فسحة لتنهيدة خرجت من العمق... وبعد، هل هو الطوفان؟ لست الأولى، ولن أكون الأخيرة، والحل موجود، والوقت لا يزال في صالحي، سأتخلص منه ولن يعلم أحد، فقط يجب أن أصل بأمان إلى هذه القناعة حتى لا يسجنني ضميري، وأتحول من ضحية إلى مجرمة تعيش كابوس فعلتها كل الحياة...
أمام المرآة، تحاكي الحظ، تقاضيه، وتحتفظ بالحكم، يبتسم لها بسخرية العنيد، هو كذلك يمارس عليها القهر بالصمت، والتحدي بالتقليد، إنه صورة طبق الأصل له، وصمت منه بدأ يتشكل في ذاتها، يرغمها على التكتم، وممارسة التروي في صمت، الصمت يحاصرها من كل جهة...
في غرفتها، سرير مبعثر، ودولاب رتبت فيه ملابسها بذوق خاص ، على الجدار أمامها لوحة لعصفور في قفص، مجلات وكتاب فوق طاولة فوقها مصباح وكوب... تهيأت للخروج، الساعة الآن السابعة صباحا، مرت على المطبخ، تناولت قطعت من كعكة كانت في طبق على الطاولة، زادت عليها جرعة حليب، وخرجت على غير عادتها باكرا... بدأ الشارع يتحرك باستحياء،
يحدث للإنسان أحيانا أن يمر بمكان أو بشارع عشرات المرات ولا ينتبه لكثير من الأشياء، هكذا هي اليوم، كأنها تمر من هنا لأول مرة، كثيرة هي الأشياء التي تغيرت، محلات جديدة، واجهات أخرى، ديكور آخر، لوحات ومساحات إشهار، حتى أرضية الأرصفة أعيد تبليطها، عجيب! كل شيء تغير، كأنها كانت في غيبوبة، كان همها الوحيد رؤيته قبل دخولها إلى العمل، وفي المساء تحجب عنها نشوة اللقاء كل الأشياء فتعود إلى البيت ولا هم لها سواه . أما اليوم، فإنها تتمنى أن لا ينتهي هذا الشارع، ويمتد مع الزمن، ويبتعد مكان العمل، ويمنحها من الوقت ما يجعلها تسترجع كل قواها لصياغة السؤال الللغز، سؤال الحيرة الذي يغذي الأرق، تحاول ترتيب أوراق الحدث في نفسها بطريقة تعطي للتلقائية حقها في الوصل ،والتروي مقامه في الحديث، لعلها تتمكن من رسم خريطة للخروج معه من هذا المأزق بأقل ما يفرضه الواقع المر... إنها في السنة الثالثة بعد قراءة الفاتحة سرا، تنتظر ترسيم الزواج وإعلانه في حفل زفاف يحقق لها الحلم الجميل الذي وعدها به، يحفظ ماء وجهها، وتخرج إلى نور الحياة من بابها الواسع، تريد أن تفجر السؤال لتوقظ أملها من هذه الغيبوبة التي دخلت فيها من حيث لا تدري... هي التي كافحت كثيرا لأن تكون صورة غير صورة أمها، رغم ما تتميز به العائلة من شكليات المحافظة، وتقديس الروابط الأسرية التي أريد لها أن تؤسس لاندماج متحفظ خشية الذوبان في مجتمع لا يثمن النسب، ولا في ميثاقه للأصول بنود. تمنت أن تكون سيدة من ثمين الإعتدال، وجمال السوية في كل شيء، تفرض وجودها دون أن تكسر السياج مثل أمها ، لأن السياج كما يقول المثل يوضع للعاقلين، إعتنت كثيرا بمظهرها، أمام بنات الخالات وبنات العمات، حضورها يربك الجميع، حتى الجارات ينظرن إليها بعين الحسد...
إنها الآن أمام المحكمة، لا المكان ولا الزمن طاوعها للوصول إلى ما تريد ، ليست الأشياء الجميلة هي وحدها التي تشغلنا، بل الهم الذي يبكينا هو نفسه الذي يضحكنا، كان هو واقفا أمام المقهى المقابل، يد في الجيب والأخرى بين أصبعيها سيجارة، في شموخ هامة لا تنحني وخد مائل مصعر، مجسد رجل عليه بذلة في واجهة للعرض، نزع نظاراته، فوجدها أمامه، قررت أن تفرغ له ما بجعبتها.
- طاب صباحك
- طاب صباحك
أخذها من يدها وقال: سأتغيب بعض الوقت، أنا ذاهب في مهمة لا أعرف كم ستدوم.
فقالت: أنا، أنا حامل... ماذا أفعل؟ صدقني كانت هفوة، لا أعرف كيف حصلت.. كانت خطأ..
صعدت على ثغره تلك الإبتسامة المبهمة كعادته، ضغط على يدها، تراجع قليلا إلى الوراء، أسدل يديه وانصرف...
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:00 AM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi
جميع الحقوق محفوظة لدى الكاتب ومنتديات السلطنة الادبية