روابط مفيدة : استرجاع كلمة المرور| طلب كود تفعيل العضوية | تفعيل العضوية

.::||[ آخر المشاركات ]||::.
نـوبـة حنين [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     في محراب الحنين [ آخر الردود : ذكرى - ]       »     لحظه غيابك [ آخر الردود : ياسر الكثيري - ]       »     انتفاضة [ آخر الردود : ذكرى - ]       »     هموم مضت في فضاء الواقع [ آخر الردود : زياد الحمداني (( جناح الأسير)) - ]       »     كفيف [ آخر الردود : زياد الحمداني (( جناح الأسير)) - ]       »     ذكرى شاعرة في ربيع العمر [ آخر الردود : زياد الحمداني (( جناح الأسير)) - ]       »     شوقان [ آخر الردود : زياد الحمداني (( جناح الأسير)) - ]       »     جناح الخير [ آخر الردود : زياد الحمداني (( جناح الأسير)) - ]       »     عودة حميدة نتمناها للجميع [ آخر الردود : وهج الروح - ]       »    


الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء
عدد الضغطات : 3,475ضع إعلانك هنا - ثلاث شهور فقط 25 ريال عماني
عدد الضغطات : 2,733ضع إعلانك هنا - ثلاث شهور فقط 25 ريال عماني
عدد الضغطات : 7,991
دروازة للتصميم
عدد الضغطات : 52,440عدد الضغطات : 52,214عدد الضغطات : 52,320

العودة   منتديات السلطنة الأدبية > منتديات السلطنة الأدبية > القصة القصيرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 14-03-2013, 10:39 AM
الصورة الرمزية مختار أحمد سعيدي
مختار أحمد سعيدي مختار أحمد سعيدي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 583

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى مختار أحمد سعيدي
افتراضي

الجدة: لا تكترثي، وألزمي غرفتك، إني والله أقدر ظروفك، هذه الأعراض لا بد منها في هذه الحالة، الوحم يا بنيتي إبن الجنون.. وأي جنون... ضحكت وضمتها بقوة في حضنها.
- وحده هذا العالم عالمنا نحن معشر النساء، تذكريني لما كنت حاملا بأبيك، لا أقول لك أكثر، وأظن أنني على يقين.
تشم في صدر جدتها رائحة عقد القرنفل والخزامى ممزوجة برائحة البخور، أرجعتها إلى زمن طفولتها المدللة، حين كانت تأوي كل مساء إلى هذا الصدر الحنون الذي ترعرعت في حضنه، صدر كان منبع الحنان ومصدر الحنو، تذكرت أشياء كثيرة كاد الزمن أن يمحيها من ذاكرتها، أشياء بسيطة صنعت سعادتها، وغرست فيها الأمل، تذكرت حكايا الأميرات في ظلام الليل الجميل حول مدفأة الحطب، ولمسات الأنامل على الناصية، وهمسات الجدة والجد نائم والكون كله لهما، امتزج دمع الحسرة بشجون الماضي وقهقهة الصبا التي كانت تر
سمها البراءة على ثغرها، لترسم لها تلك الأحلام التي أفلت.
-إياك أن تفكري في الإنتحار يا بنيتي، إنه خلاص الجبناء وتحاسبك روحك.
-ومن قال لك أنني أريد أن أنتحر؟!
حولت وجهها إلى الباب، وقفت، ولما همت بالخروج قالت:
-هكذا... لا أعرف كيف قلت لك هذا.. المهم كوني بخير. ربما لأني أعرفك أفضل من أمك، هذا الحجر كان مهدك .. وأنت الآن في حضني، تذكرت كل شيء، كنت مشاغبة بامتياز...
إبتسمت، فأعادت لها الإبتسامة، خرجت وتركت الباب مفتوحا... هي الآن هناك في القرية لما كانت مجرد بيوت متفرقة، تفصل بينها الحقول، تذكرت فرن الطين ورائحة خبز الشعير بزيت الزيتون، غناء الديك ودندنة الدجاجات، رنات النحل ورقصة الفراشات، لهث الكلاب وصهيل الجياد، شخير القط وأنين المغلاة، هذه الأوركيسترا التي تجود بها الطبيعة، تتحرك على أنغامها كل النساء آنذاك، لما كانت الطيور على أشكالها تقع، وهي الآن لا تراها إلا رسومات متحركة يقوّلها البشر ما لم تقل، فقدت جمال الطبع وشوهت براءتها، حتى قال الثعلب والله ما أنا بماكر، فقط من الحكمة أن يعتبر المخلوق بكل أخطائه، يحصيها ولا يعيدها، من الغباوة أن تلذغ من جحر مرتين، لا تزال تذكر هذه المقولة التي كانت تسمعها من جدها الذي كانت تراه حكيم زمانه.. ولما انتصف الليل ونام الجميع، فتحت الباب بهدوء وخرجت، فتبعتها، دخلت إلى مكتب أبيها، أغلقت الباب، أوقدت المصباح وفتحت الخزانة، وبدأت تقلب الأدوية، أخذت ثلاث قارورات وانصرفت بهدوء، خبأتهم واستلقت على ظهرها، ووضعت راحتيها على بطنها تحاول أن تلمس شيئا، رأيتها تتمتم، أطفأت الضوء ونامت، أنا بطبعي لا أنام، وقفت على رأس سريرها أستعيد كل ما جرى، أشياء كثيرة ما فهمتها، فقط تأكدت أنها تنوي على فعل شيء، لعله الإنتحار الذي حذرتها منه جدتها، تمنيت لو عرفت معناه، لأنني بدأت أكره المفاجآت، أشعل الضوء في الرواق فخرجت، وجدت أختها الصغرى، دخلت غرفتها و أغلقت بابها ، وضعت شريط.. كنت دائما أراها ملفوفة في تلك القطعة من القماش، منعزلة، لا تتحرك إلا وفي يدها شريط أو كتاب، في صراع مستمر مع الفيلسوف، تلقبه دائما بالزنديق، الكل يناديها الأخت، لا تأكل معهم ولا تجالسهم، قالوا كادت تترك الدراسة بسبب المعاكسات، تشعر بحساسية اتجاه الرجال، فأخلصت نفسها للعبادة كما تقول...
نظام العائلة هنا، كما يقول الجميع ديموقراطي، كن من تشاء، فقط اتركني أكون من أشاء... كانت هي الليلة في حالة أخرى، لأول مرة أنظر إلى الإنسان كما خلق لأول مرة، وبدأت تمارس على إيقاع ذلك الشريط طقوسا غريبة، شطحات وحركات، كأنها راقصة في معبد من معابد الهنود، تفاعلت حد البكاء، انبطحت، رفعت رأسها وابتسمت... ثم قامت مباشرة إلى الكمبيوتر، نقرات فأعادت الحصة على الشاشة بعنوان رقصة الأمازونيات، سهم يتابعها ، يشير مع الشرح إلى هفوات وأخطاء حركاتها ... شكرها المعلق، أثنى عليها وقال:
واصلي لكي تصلي، سرك في أعماق بحرنا.
اختفت صورتها، وظهرت صورة رجل يمارس نفس الطقوس. تركتها في خشوع العابدين وانصرفت، ولما أذن للفجر كانت هي الوحيدة في الموعد، اغتسلت، أظنها صلت وعادت إلى النوم...
وقام الفيلسوف يرتدي بدلته الرياضية، ليقوم بتمارينه كالعادة، ذهب إلى الحديقة العمومية حيث يلتقي ببعض أصدقائه، سيلتحق به عمه ويعودان معا.
العم سياسي حتى النخاع، يعيش وأسرته في الطابق العلوي، في عزلة تامة، يدخل من الباب الخلفي ويخرج منه، يتابع من بعيد كل صغيرة وكبيرة تحدث في العائلة، كالقرش يشم رائحة الدم من بعيد، يلقبونه بثعلب القبور، هو كذلك، ثرثار بامتياز، يتنفس الكذب ، بصنع الحدث و زوجته الصحفية تترية، تكتب باسم مستعار أحيانا للتمويه، هي تجمع الفضائح وهو يساوم، عندهما وجوه للأعداء و أخرى للأصدقاء.
لا تظهر كثيرا هي وأطفالها الثلاث، يكاد البيت يظهر خاليا كل النهار، الأولاد في الروضة، هو حيث الحدث السياسي وحيث الهرج، وهي تلاحق الأخبار وتقوم بالتحقيقات، في المساء يجتمعون على وجبات خفيفة، وينامون باكرا ليقوموا مبكرين، تعودوا على هذا النمط من الحياة. كلهم في نظال من أجل مستقبل أفضل وحياة سعيدة، من أجل التحرر أكثر، من أجل خدمة الوطن، وخدمة الوطن فقط... هكذا يقولون.
العم أسوأ ما خلق الله خلقا وخلقا وأبشع، سأله ابن أخيه مازحا ، بالله عليك يا عم، كيف قبلت بك هذه الجميلة؟ فيرد قائلا: الحكمة في سحنون يا بني وليس في النون، أشياء كثيرة في عمك لا تراها إلا الأنوثة الصادقة، ويضحك حتى تظهر نواجدة...
- أنت الذي لا يتجاوز مستواك التعليمي الإعدادية، استطعت أن تتميز بهذا النفوذ وهذه السمعة، ليتني أعرف سر نجاحك.
- فيقول: إنها ناصية زوجتي المباركة، يوم تزوجتها كنت أبسط مخلوقات الله، بل من أراذلة القوم، أما اليوم كل المفاتيح هي بيدي، بسمتي لا تقدر بثمن... ويضحك، لا تحاول، لن تستطيع أن تدرك سر نجاحي لأنك من طينة أخرى... الدنيا يا بني هي المرأة الأولى، لا تستعبدها إلا بامرأة ثانية أجمل منها، وأنا جمع لي الحظ في هذه المرأة الكثير، لا أزيدك أكثر.
مهدت الأمنية مسلك الطموح بمخالب الغيرة في نفس الفيلسوف، ما ابتلع بعد أن امرأة خريجة جامعة، مثقفة
وجميلة، تبني مجدا لرجل أمي تافه مثل عمه، هو لا يؤمن بالحظ، إلا أن في هذه المرة كاد يصدق أن السعادة أحيانا هي حليفة لأرادلة المحظوظين، رغم أن الحظ لا يباع ولا يشترى، حزّ في نفسه هذا الأمر، وأقسم أن يصل إلى حل هذا اللغز عاجلا أم آجلا...
يتابعها من بعيد كالفرس الجموح، سريعة الحركة، دقيقة الملاحظة، تسمع وتنصت بذاكرة قوية جدا، ذكية جدا، لا تفوتها الحركات ولا السكنات. بدأ يقرأ لها كل ما تنشره ، يطريها ويثني عليها في كل مجلس، يكتب أحيانا في نفس الجريدة على نفس الخط، يحاول أن تتلاقح أفكاره بأفكارها لتزهر المقاصد خلف المعاني، يزورها من حين إلى حين في غياب عمه، تكبره بثلاث سنوات وتظهر أصغر، متكتمة كثيرا، المعلومة عندها تؤخذ ولا تعطى، تستغل قبل أن توظف، وكان ما يجود به الفيلسوف من أخبار وتحاليل مادة دسمة وتفتح شهية ما تقدمه هي من أخبار، وبدأ مفعول القلم الرهيب يفتح له الأبواب التي كانت موصدة في وجهه ومشرعة على الآخرين، واختلط الحبر بالحبر، يستدرجهما مس الكتابة إلى لعبة الصياد والسمكة، لأول مرة تشعر أنها ليست طعما كما كانت، وأن خطها في الجريدة قد تحول، وأن بريق زوجها بدأ يخفت، وطلع نجم آخر يجذب مركبتها بكل قوة، وأنها تقترب بحيث يجب أن تفكر من الآن كيف تنزل بسلام.ليست هي التي نجاريه بهذه السهولة، إلا أنها رأت أنه أذكى، والفلسفة رغم سذاجة أصحابها أحيانا لا تؤمن بالمستحيل، في هذه المرة تستطيع أن تفلت من بين يدي زوجها، وإذا عرفت كيف تنزل قمرها الجديد في منازله... يمكنها أن تتخلص منهما بحجر واحد ، فعزمت على المغامرة...

....يتبع....
رد مع اقتباس
  #22  
قديم 21-03-2013, 01:16 AM
الصورة الرمزية مختار أحمد سعيدي
مختار أحمد سعيدي مختار أحمد سعيدي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 583

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى مختار أحمد سعيدي
افتراضي

لم يتفقدها أحد، خرج الجميع باكرا،وحدها الجدة تلاحظهم جميعا ، وليست من عادتها أن تبقى في الفراش حتى تطلع الشمس، أراها اليوم مستيقظة ولم تقم، سارحة، رأسها على ذراعها، وتعبث بأصابع يدها الأخرى، أظنها توقفت عن العمل، رن الهاتف.
- نعم، مرحبا.. أنا في إجازة.. خمسة عشر يوما.. لا زلت أفكر، ربما.. سأخبرك في الوقت المناسب.. شكرا... سلام.
استوت جالسة، وضعت يدها على بطنها، ضربته بقبضتها وقامت، تفقدت جسدها أمام المرآة، ابتسمت، أعجبت بنفسها، ظهر ذلك على وجهها، فقط لم تكن مغرورة، ولا تعرف كيف تمارس الغنج، لما التقت به لأول مرة تأكدت من حسن نيته بسهولة، طاوعته بدون تردد ولا تحفظ، أما ماضيه لا تظن أن هناك من سلم من الخطيئة إلا نادرا، وما كان ليحاسبها حتى لا تحاسبه، هكذا نصبت للرأي ترويه، و الآن إنها على عتبة اليأس من عودته، وله الحق في ذلك، لأنها أخلت بشرط من شروط الإتفاق، يجب أن تتحمل مسؤوليتها وحدها، وقد جاء وقت الحسم...
أخرجت القارورات الثلاث، ركبت خليطا، وضعته في كأس وجلست تنظر إليه ..كنت أتابع حركاتها بفضول غريب، كأنها تريد أن تحدد مصيري وليس مصيرها، تعجبت، لأول مرة يحدث معي هذا... ثم قالت:
والآن ما بقي بيني وبين الموت إلا هذا الكوب، هل حقيقة لست خائفة؟! الشيء الجميل في الموت على ما أعتقد ، هو تحرر الروح من هذا الجسد المستبد، فيتعفن ويفنى ،ويفنى معه جبروته، أنانيته، حرصه، غروره، وشهواته، وتذهب معه أشياء كثيرة صنعت شقاء الإنسان وتعاسته..
ويبقى السؤال المحير وراء من انتحروا، هل الحياة هي فقط هذه الصورة السوداء القاتمة التي تقودنا إلى الخطيئة ثم الى الموت، وعندما نفقد الأمل نلجأ إلى الهروب ألى الأمام، إلى ما وراء العقل خوفا من عقاب العقل؟ هل الموت حقيقة هو الخلاص؟... وماذا بعد؟.. هل هو هروب من العقاب أم هو بذاته عقاب، إنتقام الذات للذات؟ هل هو جريمة أم به تتطهر النفس من زلاتها وبشاعاتها؟... على كل حال يبقى الموت هو المفر الوحيد من شماتة الأعداء، وهو وحده الذي يستر فضائحنا لأنه أخرص، ماذا سيقول الناس عني وأنا التي أظهر مثلا أعلى، احسد على كل النعم التي أعيشها، سأكون محل سخرية التافهات من بنات الخالة والعمة والساقطات من بنات الشارع، وأبقى لعنة تطارد الجميع، لا، لا، لا، وألف لا، يجب أن أضع لنفسي نهاية وأختفي بسري إلا الأبد، أما أنت أيها الرجل، يكفيك فخرا أنك فقدت بانتحاري في نفسك الشهامة والمروءة، وستنحني يوما رغما عنك من ثقل الدناءة. وداعا.. وداعا..
حملت الكوب بين أصابعها، أفرغته في جوفها واستوت جالسة فوق السرير، تريد أن تتذوق مرارة الموت بارتياح.. أما أنا بقيت أحوم حولها عاجز عن فعل أي شيء، وبدأت روحها تتشكل لتنفصل عنها، أحاول عبثا إعادتها... مالت، ثم سقطت من السرير على الأرض، تتوجع وتتقيأ، تشد بطنها بيديها، اشتدت أعصابها وبدأت كأنها تتقطع، تنقبض حتى تنقبض ثم تنتشر، تزحف نحو الباب وكأنها تطلب النجدة، تريد الخروج.. فإذا بالجدة تدفع الباب وتدخل، بسرعة حملت الهاتف وطلبت النجدة بكل هدوء...وما هي إلا بضع دقائق حتى وصلت سيارة الإسعاف، حملوها ومعها جدتها إلى مصلحة التسمم مباشرة، ومعها القارورات الثلاث، الجميع في سباق مع الموت، بعد عملية الغسل وضعوها تحت المراقبة، وبدأ صراع الحياة مع الموت في جسد فقد كل مبررات المقاومة، وحدها العقاقير تدافع عن البقاء، لا تزال الروح على أبواب كل المناتح مترددة، آلمني ما كانت تقاسيه، فتوسلت إليها للبقاء ولا أعرف لماذا فعلت ذلك، كانت روحها منهزمة، منهكة، منهارة... لم أكن أتوقع أن الروح تسلخ من الجسد هكذا، ما رأيت ألما أشد، كانت صرخات الروح وهي تحاول الخروج تمزق الكون كله، بعد هذا عرفت لماذا سمي الإنتحار جريمة تعاقب عليها كل التشريعات ، لأن الروح ليست ملكا لأحد، وأصبحت الآلات هي التي تتحكم في الحركات والسكنات في انتظار كلمة القضاء والقدر الأخيرة.
و جمعت مصيبتها الأهل والأقارب في تلك الليلة، و كانت فرصة لصلة رحم مزقته المصالح.الأعمام والأخوال والأصهار ومن تبعهم، يتحسسون لمعرفة سبب هذا التسمم كما قيل لهم، وكان اللقاء ثريا جدا، حميميا بين البعض، وجافا قاسيا بين البعض الآخر، منهم من لم يتجاوز نصف ساعة وكما جاء ذهب، ومنهم من أسر على تناول العشاء، ومنهم من شده شجون الحديث، ينتظر من الخبر ما يروي ضمأ فضوله، ومنهم.... الوحيد الذي لم يتكلم هو الأب، وقد رأوه يتحدث إلى الطبيب، جالسا على أريكته يلف ساعده بساعده، يكظم بصعوبة غضبه وتأثره، ولا أحد يجرأ على الكلام معه... الفيلسوف كان همه الوحيد زوجة عمه، هي كذلك كانت عليه بخائنة العين، اغتنمت فرصة انشغالهم بالحديث وأشارت إليه أنها ستعود إليه الليلة، فابتهج وبدأ يحلم بليلة من ليالي السمر الجميل.
انصرف الجميع وبقي الأب وحده يجتر كل الكلام الذي سمعه، وبحكم تجربته، حالات الإنتحار تأتي بسبب تافه، وفي أغلب الأحيان وراءها سر جريمة، الحلقة الضائعة في كل هذا هو أنه كان ينتظر منها كل شيء إلا الإنتحار، ويبقى السؤال يؤرقه حتى وهو في فراشه يصارع الإحتمالات ....
فتحت عينيها فوجدت وجه جدتها يملأ كل المكان، مدت ذراعيها وانهارت بالبكاء، عانقتها الجدة بكل حنو وقالت:
- لا عليك يا بنيتي، حصل خير، لقد تجاوزت مرحلة الخطر، حتى الجنين نجى بأعجوبة، هكذا قال الطبيب، لا تخشي شيئا، حذرته، ولا أحد يعلم، ولكن حذرني من الإجهاض، لا تخافي، إنها سرية المهنة، لقد واعدني.. ارتاحي حتى تقومي عاجلا، أنت بحاجة الآن إلى طاقة و قدرات كبيرة للوقوف...
كانت تنظر اليها بعيون المها ، كأنها رحمة الموت عندما تمسك، أحست بها سندا ملائكيا يغيث مضطرا خانته كل الحيل، وقالت:
- الموت يا جدتي، ما أفظعه، لم أكن أتوقع أنه احتراق بنار بين الجلد واللحم... كأني أعود من الغابرين.
- كنت في صراعك مع الموت قوية جدا، كنت واثقة من نجاتك، ارتاحي الآن ولا تتعبي نفسك بالكلام...
وساد الصمت من جديد يخيم على الغرفة، وغالبها النوم فاستسلمت ووضعت الجدة رأسها على السرير فنامت هي كذلك جالسة على الكرسي، وبدأ القضاء يرسم أفقا جديدا على مد بصر الظن، وعادت الأحلام إلى مواطنها، وبدأت الذات تنشد الأمل...
....يتبع....
رد مع اقتباس
  #23  
قديم 21-03-2013, 03:25 AM
الصورة الرمزية وهج الروح
وهج الروح وهج الروح غير متواجد حالياً
مشرفة الكتابات العامه
 
تاريخ التسجيل: Feb 2013
الدولة: حدودك ضلوعي وانتي الفؤاد ( نبضي سلطاني )
المشاركات: 3,828

اوسمتي

افتراضي

مختار ما زالت اتابع قصتك بكل شغف ما اروعه من اسلوب يشدني كل مرة

لا اعود واقرى ما تبقى من احداث واصل فجمال قلمك لم اجد في احد شكرا

من القلب ع امتاعنا بقلم يجيد فن الكتابة ارقى التحاي لك
__________________
‏"الله لا يُخبرنا بمن يَدعون لَنا سرّاً ويُحاولون حِراسَتنا بالخَفاء؛ لكنَّه يُنير بَصيرَتنا على مَحبّتِهم، فَنتبعُ أرواحِهم دُون إدرَاك منَّا لِماذا نَخصُّهم بِهذا التعلق الروحي"
رد مع اقتباس
  #24  
قديم 22-03-2013, 01:33 AM
الصورة الرمزية مختار أحمد سعيدي
مختار أحمد سعيدي مختار أحمد سعيدي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 583

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى مختار أحمد سعيدي
افتراضي

[quote=وهج الروح;182870]مختار ما زالت اتابع قصتك بكل شغف ما اروعه من اسلوب يشدني كل مرة

لا اعود واقرى ما تبقى من احداث واصل فجمال قلمك لم اجد في احد شكرا

من القلب ع امتاعنا بقلم يجيد فن الكتابة ارقى التحاي لك[/quote
...........................

وهج الروح...أيتها الجميلة.
من القلب أطهر تحية و أطيب أيتها الرفيقة على درب الابداع.
أشكرك على الحضور و المتابعة و الكلمات اللطيفة.
ابقي معي أستند عليك لما تتعبني الأحداث.
تحياتي و تقديري
رد مع اقتباس
  #25  
قديم 27-03-2013, 01:54 AM
الصورة الرمزية مختار أحمد سعيدي
مختار أحمد سعيدي مختار أحمد سعيدي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 583

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى مختار أحمد سعيدي
افتراضي

[
color
="darkred"]إنتصف الليل وسقطت أقنعة النهار وتحركت النزوات والشهوات، واختلى كل واحد بحقيقته، ونزلت زوجة العم كأنها ضيف شرف في سهرة رومانسية، أدخلها الفيلسوف إلى غرفته، طلبت منه كأس ماء بارد، فتركها وأسرع إلى المطبخ ولما عاد كانت هي قد نصبت الفخ، جلس بجانبها على السرير وناولها الكوب، شربت، وسألته:
- ماذا تريد مني؟ أظنك متيقن أنني زوجة عمك!
سؤال لم يكن يتوقعه، إلا أن مخزون الكلام كان أوفر
- يا سيدتي إن الحب لا يؤمن بهذه الخرافات، إنه مثل الطوفان يجرف كل الطابوهات، الحب يا سيدتي هو ذلك الوحش النائم في عمق الإنسان، فإذا استيقظ يكسر كل القيود والسلاسل والحواجز لبلوغ مستقره ومستودعه، الحب يا سيدتي هو ذلك الإحتراق الذي
يتحدى بمعجزاته العقل والنقل، ولهذا أنا أؤمن به، ولا أؤمن بغيره، هي المشاعر الوحيدة التي أقدسها، لأنها تنبعث من عمقي ولا يمليها علي أحد خارج ذاتي، بعيدا عن قناعتي.
- كدت تقول شعرا، ما ظننت أنك رومانسي إلى هذا الحد، مر الكثير من هنا، وأشارت إلى صدرها، لكنهم يختلفون عنك في كل شيء، وأظن أنك ستكون أشد علي من وطأ زمن الجنون... صدّق سأكون معك مختلفة جدا، لأننا نعيش ما وراء المنطق العادي، منطق الجنون، فما أعظم البلاء وما أفظع نوامسه عندما نمارس الأشياء خارج المعقول، سأفشي لك بسر لا يعرفه سواك، أنا لم أكن زوجة عمك وحده أبدا، وهذا سر نجاحه، ولهذا لن أكون لك وحدك أبدا مادام عمك على قيد الحياة، وأضمن لك النجاح الذي تسعى إليه.
- أنا لا أؤمن بالخطيئة لأنه نهي خارج الذات
- أنت أفضل من الذي يؤمن بها مثلي ويمارسها
- وما أرغمك على هذا؟!
- تريد الحقيقة؟ ستؤلمك، وتورطك في آن واحد
- الحقيقة دواء مر، لكنه ضروري للتواصل في الحياة
- عمك هو الذي يدفعني
- غير ممكن، لا أصدق، أعرفه أشد المحافظين
- هذه هي الحقيقة
- هل أنت هنا بعلمه؟
- لأول مرة، لا يعلم، كنت دائما الطعم الذي يصطاد به
- ابتعدي عنه
- مستحيل، لأنه يحتفظ بكل التسجيلات، إستعنت به غصبا لاستعادة أول شريط، فاحتفظ به، تزوجني ولا يزال يستعملني للإيقاع بجميع من تسول له نفسه المساس بمصالحه، صدق أو لا تصدق، أنا مهددة في كل لحظة بالتصفية، حياتي مرهونة بحياته، أنا متورطة مع شخصيات نافذة جدا... أنت أول وستكون آخر من يعلم، هل تستطيع أن تحميني؟!
- عمي يفعل هذا؟ والأولاد
- هم باسمه... فماذا أنت فاعل بي الآن؟ أما أنا فلن أتراجع، لأنك عرفت عني الآن كل شيء.
لم يصدق وظن أن مفعول كأس الريكار الذي تناوله قبل أن تأتي زوجة عمه بدأ مفعوله، إنتابه شيء من الخوف، وأحس أنه ذلك الجبان الذي كانت أمه تصفه، يبحث كيف ينتهج مسلكا للتراجع وهو بين مخالبها، وأخيرا يكتشف أنه مجرد رجل تافه لا قيمة له، عمه أجرأ منه.
وكانت ليلة عرس المذلة، لعبد مجرد من كل المشاعر النبيلة، صنعتها مشروبات روح الإستلاب والمهانة، وقبل الفجر خرج ليقضي حاجته، فاغتنمت الفرصة ودست الكاميرا التي سجلت تلك الليلة بكل تفاصيلها، وضعتها في صفطها، وعادت إلى بيتها بغنيمة ما كانت تحلم بها أبدا، شيّعها وعاد هو إلى غرفته وقد زال سكره يستعيد حديثها كلمة كلمة، كأنه قرأ رواية لكاتب إنجليزي يعرف كيف يحبك عقد السر وفواجع العلانية.
كنت معهما في تلك الليلة، وبدى لي أن كل شيء عادي، وماذا يفعل رجل لا يقيده ضرع ولا شرع بأي امرأة إذا اختلى بها؟ الذي حيّرني هو الحديث الذي جرى بينهما، حديث اجتمعت فيه الكثير من الأشياء التي لا تعكس ما وصلا إليه، وعرفت أن فلسفة الكلام الذي كان يتبجح به، ما هو إلا قناع يخفي قناعات باطلة يعجز أن يبررها السلوك.
ونحن هكذا حتى رن هاتفه...
- نعم.. كيف؟!... لا، ليس صحيحا... لن أغفرها لك... هل يمكن أن أرى الشريط؟.. لماذا؟ لعوب أنت... لا، قلت لعبة دنيئة... لا، لا، أرجوك لا تفعلي، سنتكلم فيما بعد، لست الآن على بعضي... وقطع المكالمة.
وبدأ يصرخ.. لعينة، لعينة، لعينة..
فطرقت أخته على الباب، ثم طرقت، ففتح.
- ماذا بك؟ صحوت فسمعتك تصرخ، هل أنت بخير؟
- لا أبدا، أظنه كابوس نوم
كان عند رأسه منديل امرأة، وقارورة خمر فوق سريره المبعثر، فابتسمت وقالت:
أظنه ناقوس يقظة.
أغلقت الباب وانصرفت وعاد السكون...
انصرفت أنا كذلك وتركته غارقا في وحله حتى العنق.
...يتبع...[/color]
رد مع اقتباس
  #26  
قديم 27-03-2013, 04:43 AM
الصورة الرمزية وهج الروح
وهج الروح وهج الروح غير متواجد حالياً
مشرفة الكتابات العامه
 
تاريخ التسجيل: Feb 2013
الدولة: حدودك ضلوعي وانتي الفؤاد ( نبضي سلطاني )
المشاركات: 3,828

اوسمتي

افتراضي

جزء جميل كم انت مبدع في. سردك وكاني اقرى لها مع كل جزء من روايتك

كم هي خبيثة تلك المراة التي تستغل نقاط ضعف رجل عاجز خارج عن شخصيته

الرزينة المعروفة بالصدق ولكن يبقى. لهمسات الشيطان دور كبير في اغواء من

لا مكان له في عالم الرذيلة ....... ادههشتني تلك الكلمات الصادرة من قلمك الذهبي

اكمل فانا في ترقب لمعرفة ماذا سيحدث وما هي الاحداث المتبقية ..... انت مبدع خوي

مختار
__________________
‏"الله لا يُخبرنا بمن يَدعون لَنا سرّاً ويُحاولون حِراسَتنا بالخَفاء؛ لكنَّه يُنير بَصيرَتنا على مَحبّتِهم، فَنتبعُ أرواحِهم دُون إدرَاك منَّا لِماذا نَخصُّهم بِهذا التعلق الروحي"
رد مع اقتباس
  #27  
قديم 27-03-2013, 10:57 PM
الصورة الرمزية مختار أحمد سعيدي
مختار أحمد سعيدي مختار أحمد سعيدي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 583

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى مختار أحمد سعيدي
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وهج الروح مشاهدة المشاركة
جزء جميل كم انت مبدع في. سردك وكاني اقرى لها مع كل جزء من روايتك

كم هي خبيثة تلك المراة التي تستغل نقاط ضعف رجل عاجز خارج عن شخصيته

الرزينة المعروفة بالصدق ولكن يبقى. لهمسات الشيطان دور كبير في اغواء من

لا مكان له في عالم الرذيلة ....... ادههشتني تلك الكلمات الصادرة من قلمك الذهبي

اكمل فانا في ترقب لمعرفة ماذا سيحدث وما هي الاحداث المتبقية ..... انت مبدع خوي

مختار
............................

وهج الروح....صديقتي القديرة.
حضورك سند و مدد و نفس في اليراع طويل.
ابقي بالجنب أحتاجك.
شكريي تحياتي و تقديري
رد مع اقتباس
  #28  
قديم 01-04-2013, 02:27 AM
الصورة الرمزية مختار أحمد سعيدي
مختار أحمد سعيدي مختار أحمد سعيدي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 583

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى مختار أحمد سعيدي
افتراضي

في صباح ذلك اليوم، طلعت شمس الجميع كعادتها، وبدأ عالم النهار بأقنعته، يتوافدون على مائدة فطور الصباح التي أعدتها الأرملة، بنفس الطبائع، الأب يستمع لنشرة الأخبار قبل أن يخرج، الأم بحركات الحمامة تدندن بالفرنسية، الفيلسوف يبحث عن نظاراته وعلبة سجائره في فوضى البارحة، الأخت الصغرى رتبت كراريسها ولبست حجابها الذي لا ترى منه إلا الوجه والكفين، الجدة بمسبحتها في الصالون تقرأ في عينيها انشغال لم يحدده أحد، تفكر في خروج حفيدتها اليوم، وقبل الضحى لم يبق في البيت إلا الأرملة والجدة التي كانت تستعد للذهاب إلى المستشفى، حملت عصاها، وصلّت على النبي، ولما التفتت وجدت الأرملة واقفة أمام باب المطبخ تستعجل خروجها فوقفت وقالت:
- سيخلو لك البيت، على كل حال أنت شر أهون من أخيك الفيلسوف، حقيقة كان فينا شيء من الشيطان ولكن ما بلغنا بالجرأة ما بلغتن، ولما صلت أمام الباب قالت:
- هذا بيني وبينك، وأمك تعلم... ولدي وحده المغرر به في هذا البيت ويا أسفي...
خرجت وانغلق الباب وراءها بكل هدوء يدفعه ساعد ميكانيكي.
فابتسمت ورقنت الرقم..
- ألو... لهم الليل يا صديقي ولنا النهار، لا تنسى أقراصي، لقد بدأ يمخرني القلق، أرجوك لا تتأخر، الكل يتآكل في جسدي، كأنه الكلب، لم يبق في حوزتي إلا خاتم من ذهب ، سأعطيه لك، أعيش هذه اللحظات على الأعصاب... أرجوك أسرع وإلا سأجن.
كانت هي آخر حلقة أحضرها في هذا الكرنفال، وهاجمتني الأسئلة من كل جهة حد ضيق الفضاء، فالتكن الروح ما تريد، إلا أن تكون بشرا، وسألت نفسي عن سبب وجودي في هذه العائلة، وسكنني الهلع والخوف، أنظر إلى طهارتي ونجاستهم وجشعهم وفظاعتهم ونفاقهم، وأتصور نفسي في جسد نتن كهذه الأجساد التي دنست الوجود، وهل أستطيع أن أرفض؟...
وماهي إلا سويعات بعد الظهيرة حتى اجتمعوا كلهم في غرفتها، على غير ماكانوا عليه، يبدون تعاطفا بدموع التماسيح، يستسمحونها، وضاقت الغرفة بالفواكه والمشروبات والحلويات، وقد قالوا فيها ما قالوا، تغامزوا وتلامزوا وتهامزوا، وحتى الآن لم يصدق أحد أنه مجرد تسمم غذائي، تشعر في أسئلتهم المشبوهة وانشغالهم المبالغ فيه حد الإبتسامة الساخرة نوعا من فضول الشماتة ، تتظاهر بالإرهاق لاستعطافهم للحد من استدراجها إلى ما لا يقال، لقد ضاقت بهم حد النفور، فتفطنت الجدة ،وطلبت من الجميع منحها قسطا من الراحة، فامتثلوا لاقتراحها، وخرجوا كسالى... وضعت الوسادة على سند السرير واستوت جالسة، مائل رأسها إلى الوراء، تنظر إلى الأعلى، فكان الدمع أقرب أنيس، تعض على شفتيها كأنها في مخاض عسير ، وضاعت قدم التدبير في متاهات التفكير، وعادت إلى نقطة الصفر..
أصابتني غفوة، وما شعرت إلا وأنا في مكان مظلم، ضيق، موحش، وكان علي أن أكتسحه أنملة أنملة، شعرت بشيء يدفعني بقوة رهيبة لأنتشر فيه، أحجس أنني على المقاس، أخذت كل نفخة مني مكانها، وبدأ ذلك الجسم ينبض ويمتصني حتى تناسقت النبضات والحركات، كل يوم يتسع أكثر والمكان يضيق حتى تشكلت وأصبحت أسمع وأحس،حينها عرفت أنني بشر، وأن تلك التي كنت ألازمها هي أمي، وأني سبب الشقاء الذي كانت تعيشه ولا تزال، أقرأ في موجات تفاعل أفكارها وأقوالها، حركاتها وسكناتها، إنها امرأة مضطربة لا تستقر أبدا، في غليان داخلي متواصل كأنها بركان على وشك الثوران، وشتان بين باطنها وظاهرها الذي يشبه سطح بحيرة هادئة تبتلع مصباتها الهرهارة في سكون كله هيبة ووقار، أشعر في عمقها بسخطها علي، إلا لأن صرختي ستنزع عنها ذلك القناع ،وتظهرها على حقيقتها أمام الجميع، ولكي أشعرها أنني استيقظت تحركت لأول مرة في بطنها، فاستنفر كل شيء في جسدها...
أنا هنا يا أمي...، وبحركة غير إرادية، قفزت من السرير واستوت واقفة، يد على بطنها والأخرى على فمها، مباشرة فكرت في الإجهاض، تحركت ثانية فظهر عليها القلق، وارتبكت، لبست رداءها وأسرعت إلى الجدة، دفعت الباب ودخلت دون إذن، فوجدتها نائمة، ففزعت وهي تصلي على النبي:
- ماذا أصابك؟
- إنه يتحرك، نعم إنه يتحرك يا جدة، ماذا أفعل؟ إني أشعر به.
فضحكت الجدة، واستوت جالسة فوق فراشها وحضنتها.
- شيء عادي يا بنيتي، هوني عليك، يجب أن أجد لك مخرجا، فقط إهدئي ولا تكترثي، واصبري... حتى الآن لا يظهر عليك أنك حامل، إنتفاخ بطنك يظهر عاديا جدا، مجرد سمنة، وسنتدارك الأمر، لا تخافي
- إني خائفة يا جدتي، إني خائفة... فقدت ثقتي بنفسي وهانت علي.
- أقسم لك أني سأخلصك، ولكني أبحث عن طريقة لا تظهر تعمدنا الإجهاض، وإلا ستصبح فضيحتنا فضائح، الأمر ليس هيّنا ولكنه ليس مستحيلا، فقط إصبري وسأتصرف في الوقت المناسب، اذهبي لترتاحي واتركيني أفكر...
وعادت إلى غرفتها تجر ذيل الخيبة، يدفعها الضياع إلى المجهول الذي يغتال في يقينها كل المحاولات، ويفتح للشر كل الإحتمالات، واختارت أمي أن تقدمني قربانا لجريمتها وتهورها، فتحولت إلى وحش، بل أبشع لأن الوحش لا يأكل أولاده لإخفاء بشاعته...
وأمسيت أنا في زنزانة أنتظر تنفيذ حكم على ذنب أنا ضحيته... يا ما رفضت أن أكون رهين هذه القطعة من اللحم النتنة، ولكن هذا ما جرت به مقادير أرادت للسنن أن تكون هكذا، قطعة لحم خيّر لها أن تنبت من مزيج الحلال والحرام، وتلقّح بأقوال وأفعال وعادات وتقاليد تخالف في أكثر الأحيان الغاية التي نشأ الخلق من أجلها... ووجدت نفسي أتشكل وأتصور بطريقة رهيبة جدا، أكتسب قدرات لو سخرت تكفي لدمار العالم كله، أنا ذلك المخلوق الصغير أستطيع أن أهدد الكون كله... وبدأ صراع من نوع آخر يستوطن ذاتي، أسأل نفسي من سأكون إذا قدّر لي وخرجت من هذا القبو، وطال انشغالي بما ليس لي فيه قيد ولاشرط...
وخرجت أمي إلى عملها كعادتها، في هذا اليوم كان الشارع أطول، والزمن أثقل، وانفتحت ذاتها على الضياع، وانحنت مياسم الجمال التي كانت تصنع عنفوانها، هي لا ترى أحدا ،إنها تمشي على الرصيف وحدها، في خط مستقيم، يتجنبها الرائح والغادي بغرابة ، وابتلع انشغالها الضجيج وأرخى سدائله على الواجهات، تبتلعها الخطى الثقيلة التي لا تريد أن تتوقف، بعثرت صفعات الريح خصلاتها التي تمردت عن الخمار، وعجزت لمسات الزينة أن تخفي آثار الدمار، تبتلع آهاتها وحسراتها في كمد، تصل إلي مشفرة كأنها أشباح لعنة أيقظتها الإنكسارات، يهاجمني الندم وتهاجمني خيبتها ،ويحاصرني قلقها من كل جهة...
أمام باب المحكمة، البواب كعادته واقف يتابعها بخائنة العين، تصعد مرهقة على عاتقها هم الدنيا كله، فرق لها قلبه وهو ينظر إلى عز في شموخ بدأ ينحني نحو الأقوال، دخلت إلى مكتبها، أغلقت الباب، لما رفعت رأسها كان الدوام قد انقضى منذ ساعة، أما هاتف القاضي قد سد عليه العنكبوت بيته وأصبح آية لمن يعتبر، فتنهدت، جمعت أشياءها وخرجت...
في الجهة الأخرىمن الشارع، على الرصيف، وفي نفس المكان، كان واقفا ينتظرها، تأكدت، إنه هو.. لا مجرد سراب.. تأكدت، أصابها البحران، ثم الدوران، فسقطت مغشيا عليها... ولما فتحت عينيها وجدت نفسها على سرير المستشفى، كان جالسا يمسك بيدها كعادته، كانت يده ألطف وأسخن، تنبض فيها الحياة، إبتسم لها ابتسامة أخرى، خالية من الغرور... وقال:
- لا بأس عليك يا حبيبتي، لقد انتهى كل شيء، سنوثق زواجنا وننتظر ثمرة اللقاء، لقد نجى بأعجوبة، إنه ولد، نعم، ولد يا...
وضعت يدها على فمه في صمت، فدخل الطبيب، فحصها، وأذن لها بالخروج وقال له:
- هل بينكم خلافات؟
- نعم بعض الخلافات، ولكن ستزول، خلافات بسيطة
- إعتني بزوجتك أكثر، إنها تمر بمرحلة حرجة
- سأفعل سيدي الحكيم، سأفعل...
أمام باب المستشفى، أشارت إلى سيّارة طاكسي، توقف، ركبت، أغلقت الباب وانطلقت.. لا يزال واقفا حتى اختفت...
...يتبع....
رد مع اقتباس
  #29  
قديم 01-04-2013, 03:03 AM
الصورة الرمزية وهج الروح
وهج الروح وهج الروح غير متواجد حالياً
مشرفة الكتابات العامه
 
تاريخ التسجيل: Feb 2013
الدولة: حدودك ضلوعي وانتي الفؤاد ( نبضي سلطاني )
المشاركات: 3,828

اوسمتي

افتراضي

جميل ان تسافر بخيالك الي اسلوب يعيشك في القصة نفسها

اشخاص رائعون واسلوب اكثر من رائع يسافر بيك لللبعيد

تقرى في تني وتكن في ترقب دائما لاحداث اسلوبك يجعلنا

نكتب النهاية باسلوبنا وقراتنا للاحداث شكرا مختار ع هالابداع

النابض هنا
__________________
‏"الله لا يُخبرنا بمن يَدعون لَنا سرّاً ويُحاولون حِراسَتنا بالخَفاء؛ لكنَّه يُنير بَصيرَتنا على مَحبّتِهم، فَنتبعُ أرواحِهم دُون إدرَاك منَّا لِماذا نَخصُّهم بِهذا التعلق الروحي"
رد مع اقتباس
  #30  
قديم 02-04-2013, 01:21 AM
الصورة الرمزية مختار أحمد سعيدي
مختار أحمد سعيدي مختار أحمد سعيدي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 583

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى مختار أحمد سعيدي
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وهج الروح مشاهدة المشاركة
جميل ان تسافر بخيالك الي اسلوب يعيشك في القصة نفسها

اشخاص رائعون واسلوب اكثر من رائع يسافر بيك لللبعيد

تقرى في تني وتكن في ترقب دائما لاحداث اسلوبك يجعلنا

نكتب النهاية باسلوبنا وقراتنا للاحداث شكرا مختار ع هالابداع

النابض هنا
.............................

وهج الروح...أيتها الفاضلة.
مستأنس بك ...ابقي معي الى آخر المطاف .
فقط لا تجامايني لأني أثق بك كثيرا.
تحياتي و تقديري
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:29 PM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi
جميع الحقوق محفوظة لدى الكاتب ومنتديات السلطنة الادبية