روابط مفيدة : استرجاع كلمة المرور| طلب كود تفعيل العضوية | تفعيل العضوية

.::||[ آخر المشاركات ]||::.
في محراب الحنين [ آخر الردود : ذكرى - ]       »     نبسـط لـك الهوى [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     ذاكــرة أمـواجُ الشـوقِ‏ [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     متى تَلتَئِم الجراح [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     وجوه تهوي بها الأيام فترميها ب... [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     نـوبـة حنين [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     لحظه غيابك [ آخر الردود : ياسر الكثيري - ]       »     انتفاضة [ آخر الردود : ذكرى - ]       »     هموم مضت في فضاء الواقع [ آخر الردود : زياد الحمداني (( جناح الأسير)) - ]       »     كفيف [ آخر الردود : زياد الحمداني (( جناح الأسير)) - ]       »    


الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء
عدد الضغطات : 3,512ضع إعلانك هنا - ثلاث شهور فقط 25 ريال عماني
عدد الضغطات : 2,773ضع إعلانك هنا - ثلاث شهور فقط 25 ريال عماني
عدد الضغطات : 8,232
دروازة للتصميم
عدد الضغطات : 52,480عدد الضغطات : 52,256عدد الضغطات : 52,362

العودة   منتديات السلطنة الأدبية > منتديات السلطنة الأدبية > القصة القصيرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29-05-2014, 09:05 AM
الصورة الرمزية عمر حامد
عمر حامد عمر حامد غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Mar 2011
المشاركات: 92

اوسمتي

افتراضي ســـــــــــــواح

سواح

(1)
فوجٌ من الأسماك تتراقصُ على سطحِ جُزءٍ من لُجينِ ماء البحر الصافي، يُصابُ ذلك الجُزءُ بالقشعريرة لتهتاج النوارس فتشُنُّ هجوما فوضوياً على الفقاريات التي لا حول لها ولا قوّه، وتتحول تلك الطيور إلى ( جَو – مائيات ) في لمحٍ البصر فترمي بأجسادها المثخنةِ بالريش إلى الماء، لتخرُجَ منهُ وفقاريةٌ رشيقةٌ تتراقصُ بين فكّيها، فتنشُطَ غدة الكظر في داخل الشاب وتتقيأ الأدرينالين الذي قرع طبول نبضات قلبه، فيصابُ بنوبة الغضب التي طالما حاولَ السيطرة عليها، وجعلَ يكُرُّ ويفرُّ في مكانه! ، ويصيح بالنوارس : "كفى .. كفى".


ها هي النوارسُ بفوضويتها تُلاحقُ بعضها في سرقة الفقارية من بعضها الآخر, فأربعةُ نوارس تُمارسُ السرقة على بنات فصيلتها وكأنما ذاك الفوج من الأسماك في البحر لا يكفيها، أيُّ سُخفٍ علنيٌّ هذا؟ جعلَ يُتابعها من عالمه السُفلي وهي فوقهُ تسلبُ بعضها البعض وإذ بسمكةٍ تُفلتُ سهواً من فكي نورسٍ تعيس الحظ لتسقُطَ السمكةُ الصغيرةُ بجانبه وهي لا تُصدّقُ بالنجاة! ولكنها تحت قدميهِ على اليابسة الإسفلتية تتلبط! فالتقطَها وقد سُرَّ سُرورا عظيما! وكأنما قد ضَفرَ بسبيّةٍ، وصاحَ بالنوارس: "ها قد نصرني الله".


وجعلت السمكةُ المسكينةُ تتراقصُ بينَ كفّيه وتترجاه بعينينِ حزينتين, فأشفقَ الشابُّ عليها! لتفاجئهُ إحدى النوارس وقد اقتربت منهُ دالقةً فاها! لا يدري حنقاً أم جوعاً, فاقتربَ الطيرُ منهُ أكثر وقد نفش ريشه يُناظُرهُ بحنق، فبادلها التحدي! وعلِمَ أنها تُطالبُ بحقها الساقط من السماء!. فأبى إلا أن يخوض المعركةَ، فخبأ "أمل" في جيبه وكرَّ على الطيرِ الذي فرَّ من أمامه بدوره ضاربا جناحاهُ مُعتلياً يطلبُ أذيالَ السماء!.
تهلّلَ وجههُ مُبتهجاً لضفرهِ هذه المعركة من الحرب المستمرة، تفحّصَ سمكة السردين التي كانت على وشك لفظ أنفاسها الأخيرة ليجزعَ لحالها، فما كان منهُ إلا أن أخرج "أمل" من جيبه –محاولا إنعاش السمكة- صبَّ شيءً منها على جسد الفقارية المسكينة التي بدأت حركتها تقلّ، عندها لم يكُن هناك وقتٌ كي يفكر, فأُعادها سريعا إلى البحر برميةٍ رقيقة آملاً أن تستعيد نشاطها وترجع إلى أهلها.
وما أن لامست السمكةُ لُجّة البحر حتى اقتنصتها إحدى الطيور, فصاح بها وهو يقذفُها بكل ما يُحملُ أمامه : " اللعنةُ عليكِ يا كُرة الريش القبيحة ", فيصادف جنونهُ هذا مركبةٌ يرتادُها بعضُ الشباب ليطل أحدهم من النافذة ويصيحُ به مُستفزا :


  • عاش سوّاح


فما كان منهُ إلا أن أطلقَ عليه رصاصةً من رصاصاته المعهودة :


  • أبوك!.






(2)
في جولته عندما تكونُ الشمس في كبد السماء يختار أحياناً إحدى مقاهي العاصمة المتراصّة -لا ليشرب فنجاناً من الشاي - فكل ما يملك من مال يوفرهُ في شراء زجاجة الأمل الرخيصة ولكنهُ اعتاد أن يجلس مع شلة شباب يلعبون الورق ويرشقون دُخان الأرجيلة، يستأنسونَ بوجودهُ فيجودون عليه بما شاء من فناجين القهوة، إلا أن صاحبنا تردد بالولوج الى المقهى، لعلمهِ التام بأن رفقة المقهى قد وصلهم بلا شك قصة شتمه صباح اليوم للشباب المستهزئين به ورصاصته التي أطلقها (أبوك) -وهم بلا شك- سينتقدون ردة فعله كالعادة في سعيهم أن يخرجوه من عزلته التي جعلته بعيدا عن المجتمع الذي رفضه كإنسانٍ سوي.
قَفَل أخيراً راجعاً إلى الشاطئ بعد تردد، وعقلهُ الباطن يطِنُّ في داخله:


  • لماذا شتمت الناس مُجدداً؟ وما يُضيرك أن عايروك بلقبك -سوّاح-؟ هل جُرِحَت مشاعرك؟ وهل ثمّةَ فيك ما يُجرحُ أصلاً؟.


هزَّ برأسِهِ يُمنةً ويسرةً كالعادة ليُخرس عقله الباطن، وما أن وصل إلى شجرةٍ كئيبةَ المنظر حتى فتح زُجاجة الأمل ليملأ جوفهُ بجُرعاتٍ منها حتى يهرب من واقعه المرير، وحتى ينسى الناس والمجتمع.
"ما أوقَحَ لذّتها!" –صاحَ بهِ عقلُهُ الباطن- فأطلق عليه رصاصة الرحمة بجرعةٍ أخيره عساها تُخرسه، إلا أن سوّاحاً رجعَ إلى نفسهِ ووعوده الكثيرة التي قطعها على نفسه للإقلاع عن "أمل"، كاد أن يُرهقها أرضاً ولكنه قرر في نهاية الأمر بأن يدفنها الى موعدٍ معلوم تحت شجرة الشؤم.





(3)
في مثل هذه الساعة من بعد صلاة العصر كان يُعاقرُ أمل عادةً، إلا إنهُ قرر أن يذهب الى الشاطئ لمتابعة الفتية يلعبون كرة القدم هناك.
يصلُ إلى الشاطئ مُتنفساً الهواء العليل، أعجبهُ طنينُ النوارس على غير عادته و شعر بانشراحٍ كبير وهو يراقبُ صبيةً صغاراً يبنون قلعةً من الرمل، أعجبتهُ ابتسامتهم فبادلهم الإبتسام, فما كان من أحدهم إلا أن أطلقها : " ثوّاح !".
صدمتهُ الكلمة! بل صعقته، وقف مُحدقا بالطفل السمين الأشرم الذي عايرهُ بلقبه، تهيأ الطفلُ كي يجري هربا منهُ، كان بمقدوره ان يلحق بهذه الطفل السمين ويوسعهُ ضربا، بدأ الأدرينالين بالتدفق والغضبُ المهزوم بدى ظاهرا على عينيه.
"هدئ من روعك " – باغتهُ العقل الباطن- فأخذ نفساً عميقا، شعر بشيءٍ من الراحة فسأل سوّاح الطفل عن اسمه إلا أن الطفل الشقي رفض, ولكن أحد الأطفال قال : "اسمه حمد " , فتصنع سوّاح ابتسامةً شقيةً فضحكةٌ جبّارةً وقال : "حمدون الدُب "! وكررها مرارا : "حمدون الدب" ونجحت الفكرة! بدى أن الطفل تأثر, والتقطَ حجراً ينوي أن يرميه على سوّاح ، "اركض" –أوعز لهُ العقل الباطن - فجرى هاربا عن الطفل الذي استسلم بعد عشرين مترا، التفت الى الطفل المستسلم الذي بدأ بالبكاء، انتاب صاحبنا نوعٌ من النشوة، وبدأ يلهث فجثا على رُكبتيه وسلّم الأرض الرملية كفّيه، لقد أفقدتهُ "أمل" الكثير من لياقته.
جلس قريباً من فتيةٍ يلعبون كرة القدم أشارَ لهُ أحدُ الفتية كي يلعب معهم ،فرفض في بداية الأمر، إلا أن الفتى أصر .. ليوعز عقلهُ الباطن : "وما المانع ؟! محاولةٌ جيدةٌ كي تلتحم شيءً فشيءً مع المجتمع كي يتقبلك".
وفعلا خلع سوّاح نعلهُ ورفع ثوبهُ وربطهُ بوسطه، ودخل ساحة الملعب الرملي، كان منظرهُ شاذا نوعا ما، فالفتيةُ الآخرون يلبسون ملابسا رياضيةً، بينما يلبسُ ثوبا، حتى بعضُ الشباب من هم في سنه كانوا يلبسون ملابسا رياضيه .. "ولكن العتب مرفوع" –يقول عقله الباطن - .
لم يلمس سوّاح الكرة كثيرا ولكن كان كلما جرى بها حمّسهُ اللاعبون، فشعر بسعادةٍ كبيرة، ولم ينتبه أحدٌ لدموعه تتلألأُ في مُقلتيه وهو يشاركهم، مُمتناً للفتيةِ الذين يقدمون لهُ من الخدمة ما لا يُقدّرونها! .


  • <LI style="TEXT-ALIGN: center">لا تفرح كثيرا .. إنما هي الروح الرياضيةُ لا أكثر وهي لا تدوم خارج الملعب, بل تنتهي بانتهاء اللعب –حادثتهُ نفسه- , فشعر سوّاح بشيءٍ من التعب !
  • بل هم عامة الناس كلهم يحملون جانباً خيّراً –أخرس عقلهُ الباطنُ نفسه – فشعر بحماسةٍ كبيرةٍ وهو يجري خلف الكره.


ها قد بدأت الشمسُ بالمغيب ووقتُ اللعب على آخره، يُحاول أحد اللاعبين أن يُراوغ سوّاح وهو يُعاكسه، يدخلُ جسمان غريبان إلى الملعب لم يلحظهما سوّاح الذي أخذ الكرة من اللاعب الآخر وأخذ يجري بها، إلا أن أحداً لم يعترض طريقه من الفريق المنافس! ولكنهُ استمر جاريا بالكرة لأنهُ يشعر بجسمٍ يُلاحقه، امتدت يد الشخص الذي يلحقه وكان يظنهُ لاعبا من الفريق الآخر، أمسكت كفّهُ بثوبه وأسقطهُ أرضا !، "ما هذا" سأل نفسه التي لم تُجب عليه .. حاول سوّاح الوقوف .. لكن الشخص ركله ! .. فقام بسرعةٍ هذه المرّة .. ليتفاجأ بوجود الصبي السمين الذي عايبهُ، ومعه والدهُ على ما يبدو، والذي انتهر سوّاح قائلا :


  • <LI style="TEXT-ALIGN: center">لو لمست ولدي مرّه ثانيه بقلع لك عيونك.. تسمع؟
  • ما لمسته ولدك، هو اللي شتمني، أدّب ولدك أحسن لك


لم يتحمل الرجل الكلام! فمن هو سوّاح حتى ينصحه هذه النصيحة ؟! رفع الرجلُ يدهُ عاليا ليلطم سوّاح إلا أن أحد الشبان أمسك بالرجل ودخلَ معهُ في شجارٍ تبادلا فيه بعض الشتائم وساند بعض اللاعبين الشاب الذي دافع عن سوّاح، بينما أخذ شابين بهِ بعيدا ونظراتُ الشفقة تكادُ تُقبّلُ صاحبنا الذي بدا مهروساً من الموقف.
لبس نعلهُ وأنزل ثوبهُ وكانت قدماهُ ترتعشان من الموقف.


  • <LI style="TEXT-ALIGN: center">لقد هَدمَ والدُ الطفلُ كل ما بنيته ! –حادثتهُ نفسه –
    <LI style="TEXT-ALIGN: center">لا، بل قد كَسبتَ اللاعبين الشبان كلهم –قاطع العقل الباطن نفسه – انظر حولك!
    <LI style="TEXT-ALIGN: center">يا سوّاح انت نكرةٌ في المجتمع لا أكثر!
  • بل أنت منهم ولا ينقصك شيء إلا أن تستمر في محاربتك نفسك!


بعد أن هجع الناسُ في بيوتهم ، كان صاحبنا تحت الشجرة الكئيبة التي خبأ تحتها "أمل" ونفسهُ تواسيه بوجودها تحت الشجرة ولكن عقلهُ الباطن يرفض.
أخذ يحفر الجزء الذي دفن فيه أمل ..


  • <LI style="TEXT-ALIGN: center">إياك ! –داهمه عقله الباطن الذي كان صوته خافتاً نوعاً ما–
    <LI style="TEXT-ALIGN: center">لا تهتم لهذا الهاتف السخيف الذي زرعه رفقةُ المقهى في داخلك زاعمين بأنهُ عقلك الباطن ! –جاوبته نفسه ! –
    <LI style="TEXT-ALIGN: center">سمير أنت في الطريق السليم لا تنحرف عن المسار!
  • على الأقل للمرة الأخيرة!


كان جواب نفسه له مُكررا ولكنهُ مُجدٍ في هذه اللحظة من التردد " للمرة الأخيرة" , فتح القنينه وبدأ بالرشفة الأولى شعر بحرارتها تكادُ تُقطعُ أحشائهُ وصاح : "آه " , هذه الـ (آه) .. هل كانت بسبب مرارة وخبث الطعم؟ أم بسبب النشوة؟ هو نفسهُ يجهل الإجابة!.
تمادى الظلامُ في هذه الليلة, وأملُ تُفرغُ آخر ما في جعبتها من جنون إلى جوف سوّاح الذي حاور نفسهُ في هذه الساعة من منتصف الليل : "آه , يا لهذه النشوة! كم هو جميلٌ طعمُ الثمالة, صحيح أن الرشفةَ الأولى تعطيك الحماسة التي لا مثيلَ لها لارتشاف المتبقي من قنينة الأمل الرخيصة, ولكن الثمالة هي التتمة والختام للعالم السرابي الذي تخلقه لي كل يوم" .
قاطع حديثهُ الذي خاطب به نفسه عراك قطط بجانبه, فأمسك بقنينة الأمل الفارغة وألقاها عليها, وكاد أن ينهض اليها ليخوض معها معركةً كتلك التي خاضها مع طيور النورس صباحاً, لو لا أنهُ تجلّد وقال: " إلى متى سأظلُّ على هذه الحال؟ أما آن لي أن أُنفّذ وعدي الذي قطعتهُ على نفسي مراراً وتكراراً؟ أما آن لي أن أهجرك يا أمل؟ أيتها القنينةُ الرخيصة؟ , لقد سبّبتِ لي من المشاكل ما يكفي كي أطلقك ثلاثاً، بل وقد أحططتِ من قيمتي الإنسانية، أيُّ جُرمٍ أكبر من هذا يا أمل؟ كُنتُ أبحثُ عن أسمك دائما (الأمل) سعيتُ لهُ سعي الوحوش للغزالة الشريدة في الغابة, إلى أن انتهى بي المطاف عندك, شربتك كثيرا وها هو أملُـكِ الآن يُرديني على قارعة الطريق".
واستدركَ قائلاً :
- أين أنت يا مرشدي الفاضل؟ أين أنت يا من أطلقوا عليك "العقل الباطن"؟ هل سَكَرتَ أنت الآخر مع ما تقيأتهُ أملُ في باطني؟"
وأطلق ضحكةً طويلة تحت الشجرة الشبح، وغاب بعدها في غيبوبةِ نومٍ كأنها الإغفاءةُ الأخيرة.

يُتبع
يُتبع
__________________
لا لَــيــلَ يـكـفـيـنــا لـنـحـلُـمَ مـرّتـيـن
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 29-05-2014, 09:05 AM
الصورة الرمزية عمر حامد
عمر حامد عمر حامد غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Mar 2011
المشاركات: 92

اوسمتي

افتراضي

(4)
كان الحاج "ناصر" يُهرول للحاق بصلاة الفجر عندما تعثّر بجُثّةٍ على الأرض، وبعد أن تبدد صرعهُ تبيّن الجثة فوجدها فُرصةً بأن يغسل الفتى بروحانيات الصلاة، فأوقظ سواحاً برفق خرير الماء :


  • ولدي سمير مالك نايم هنا الله يهديك قوم معي


"ولدي سمير" .. كان خطاباً زُلالاً، لقد ناداهُ الكهلُ باسمه لا بلقبه، لقد وجّه كلامهُ إلى سمير لا إلى (سوّاح) فما كان من صاحبنا إلا الطاعة.
كان يمشي خلفهُ وهو يحاول التأكد من سلامة خُطاه وعقله على حدٍّ سواء، فاكتشف وهو يطردُ بقايا النوم أن الحاج يمسك بيده، فتأكد إنما الرجلُ يجرُّهُ إلى المسجد ولأي صلاة؟ صلاةُ الفجر!.
هَتَفَ في سِرّه :


  • <LI style="TEXT-ALIGN: center">كيف سيستقبلني الله؟"، فأجابهُ عقلهُ الباطن : "إنهُ غفورُ رحيم".
  • وكيف ستستقبلني أعينُ الناس؟ فأجابتهُ نفسه: "سوف تلتهمك".


دخلا الى المسجد، وطَلَب الحاج من صاحبنا أن يدخل ويتوضأ، فاستجابَ لهُ استجابة الطفل لوالده، ولاحظ ان الحاج ينتظرهُ وكأنما يخافُ عليه من الهرب، وما أن انتهى من وضوءه والماء يتقاطرُ منهُ حتى شَعَر بالروحانيات تعانقهُ وكأنهُ عادَ من سفرٍ طويل.
روحانيةُ الفجر، رائحةُ المسجد، صوتُ الإمام وهو يُقيمُ الصلاة، سكينةُ اصطفاف المُصلين، عواملٌ جعلتهُ يصطف مع المصطفين مُتجاهلاً عيون بعضهم.
وبينما يُساوي المُصلّين أقدامهم بأقدام بعض إذ بالرجل الذي كان على يمين سمير يدفعهُ برفقٍ للإمام كي يتساوى معهُ بالأقدام، نظر سميرٌ إليه نظرةً خاطفةً وما أن جاءت عيناهُ في عينيه حتى بُهِت! فقد كان نفسه الرجل والد الطفل الذي أهانهُ على الشاطئ، لم يرفع سميرٌ نظرهُ إليه مرّةً أُخرى واتخذ من تكبيرة الإحرام ذريعةً ولكنهُ ظلَّ يشعر بأن الرجل لا يزال يأكلهُ بنظراته، فقال في نفسه :


  • ألا يُريد أن يُصلي مع المصلين؟.


مرّت ركعتي الفجر بطيئةً على سوّاح، وقد شابها التفكير في السيناريو المحتمل بالخروج من المسجد إذ سيواجهه الرجل لا محاله، فقرر أن يُطيل الجلوس في المسجد مُتذرعاً بالدعاء كي يتقي الرجل وشرره.
لم يبقى في المسجد سواه وإمام المسجد الذي كان منهمكا في تلاوة القرآن الكريم، فاطمئن صاحبنا ووثق بلحظة الهروب البريء، وبينما يلبسُ نعلهُ خارج المسجد , انتبه لوجود رهطٍ من الشباب, وما أن مرّ عليهم حتى سلّم، فأتته رد التحية من الثلاثة إلا أن واحداً منهم كانت تحيّتهُ بطيئةً لم تنتهي سريعا، ليضيفَ بعدها :


  • سوّاح .. تعال تعال!


تسمّر مكانه! وترددت الكلمة في داخله مراراً (سواح)، تردد في أمره بين كفتي تجاهل النداء وتلبيته، وفعلا رجع إليهم ومدّ يدهُ لمصافحتهم، وكان أولهم نفسُ الرجل والد الطفل، وفعلا تصافحا وقال له بوجهٍ لا يحملُ علامات الغضب ولا ابتسامة الترحيب :


  • اسمي سمير لو تكرّمت!


وعندما أراد سمير أن يسحب يدهُ ليُصافح الرجلين الآخرين وجد أن الرجل لم يُسرّح لهُ يده، فالتقت عيناهما، وعينُ سمير كانت أقرب ما تكون من التحدي، أما الرجلُ فقد كان يرسمُ ابتسامةً تحملُ في طيّاتها الكثير من الخبايا التي سوف يتقيؤها في وجهه، وقبل أن يقرر سمير سحب يده بالقوة , خاطبهُ مصافِحهُ :


  • <LI style="TEXT-ALIGN: center">ما شاء الله تصلي!
    <LI style="TEXT-ALIGN: center">اترك ايدي اولاً لو سمحت
    <LI style="TEXT-ALIGN: center">لا ومُحترم بعد! لا زين زين
    <LI style="TEXT-ALIGN: center">اترك يديني قلت لك
  • طيّب، اسحب يدك! ما تقدر؟


يتدخل هُنا احدهم مُتعاطفا مع سمير:


  • ما لك حاجة يا بو حمد خلي الرجال


في هذه اللحظة يقترب الشاب الملتحي الذي أمّ الناس في صلاة العشاء, وقد تابع ما حدث وهم لا يشعرون، فسلّم ومد يدهُ ليضطرّ الرجل أن يُخلي سراح يد سمير (سوّاح) بعد أن تعمّد أن يعتصرها في آخر لحظة .
" خير يا جماعه! وش عندكم ؟ " –قال الشاب الملتحي-
ليرد عليه بو حمد :
- ما في شي يا شيخ كنّا نمزح مع السوّاح شويه وناخذ علومه
شعر سمير بطعم مرارة الظلم نفسهُ الذي انتابهُ عصرَ أمس, وأحسّ بدموعٍ تكادُ تتجمعُ في مُقلتيه، كاد أن يهجم على الرجل ويقتلع منهُ عين، ولكن الموقف كان أقسى عليه من أن يتخلصّ من تسمُّره!.
يُنقذُ الشاب الملتحي الموقف مرةً أُخرى:


  • بس أنا شفت وسمعت كل شي يا بو حمد بدل ما تشارك الله عز وجل الفرحة بتوبة الشاب, تقوم تحبطه ؟


كان سؤالا صاعقة لولا أنهُ موجه لشخص تأخذهُ العزة بإثمه عندما رد عليه :


  • واحد كما هذا سكير ويضارب الصغيرين ما منه فايده هذا جاي هنا يمثّل علينا عشان نشفق عليه ونعطيه كم بيسه، سواح كم تريد؟


وأدخل أبو حمد يده في جيبه وكرر السؤال :


  • كم تريد؟ أهم شي تبتعد عن هنا لأننا نخاف على أولادنا منك! خبرني كم تريد؟


فخرجت الكلمات تزأرُ من سميرٍ وهو يتوعد أبو حمد:


  • احترمتك كثير وأُقسم بالله العظيم لو طلّعت يدك من جيبك بتشوف شي ما شفته


عندها تقدم إليه أحدهم وقال لسمير بلغة التحدي :


  • أيش بتسوي؟


ليزأر سميرٌ في وجهه :


  • <LI style="TEXT-ALIGN: center">ما كلمتك أنت
  • طيب أيش بتسوي ؟


هنا يتدخلُ الشابُ الملتحي ويهدئ الموقف ويسحب سمير بعيداً، وكاد ينجح في ذلك لولا أن تقدم صديق أبوحمد ووجه لكمةً نالت من وجه سميرٍ أنفه ليسقطَ أرضاً، ورُغم الدوخةِ التي شعر بها مسحَ أنفهُ الذي كان ينزُف واستوى واقفا، وبقوّة شياطين الدُنيا التي تجمّعت في جسده, وثبَ على صديق أبو حمد فأسقطهُ أرضاً وانهال عليه بوابلٍ من اللكمات وهو يجثمُ على صدره، والثلاثةُ يُحاولون أن يوقفوه فلم يتوقف إلا بعد أن أحسّ بخدرٍ في قبضتيه وكاد أن يصُبَّ المتبقي من جام غضبه في أبو حمد، لولا أن قرأ روح الهزيمة في عينيه والخوفِ معا ليُديرَ بعدها ظهرهُ للجميعِ راحلا.








(5)
أدار وجههُ لرهطٍ من الرجال، وأدارَ وجههُ لمجتمعٍ رَفَض أن يستقبلهُ إلا سواحاً، وأدار وجههُ لمسجدٍ كان من المفترضِ أن يكون بيتاً من بيوت الله، وهتف في سرّه :


  • سبحانك اللهم، تساوينا مُصطفّين في بيتك من أكتافنا حتى الأقدام، وما أن خرجنا من بيتك حتى ألبسوني سواح بدل سمير، فبارت الأوصافُ واختلّت الأحكام!.






يمضي في سبيله بثوبه الدامي وأنفه النازف مهزوماً بلقبه وشخصه، ولا يلوحُ النصرُ إلا خَدَراً في قبضتيه اللتين نالت ما نالت من بعض حقٍّ مهضوم، يمضي وهو يحسبُ حسبتهُ في العودةِ إلى (أمل) ومحاولاته الفاشلة للعودة إلى مجتمعٍ لم يحتمل رجوع الشاب سمير إلا سوّاحاً شريد.
__________________
لا لَــيــلَ يـكـفـيـنــا لـنـحـلُـمَ مـرّتـيـن
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 29-05-2014, 01:55 PM
الصورة الرمزية سالم الوشاحي
سالم الوشاحي سالم الوشاحي غير متواجد حالياً
إداري سابق
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,853

اوسمتي
وسام أجمل الردود وسام الإدارة درع الإبداع وسام الإبداع مميز السلطنة الأدبية وسام التميز 
مجموع الاوسمة: 6

افتراضي

كاتبنا القدير عمر حامد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سعيد جداً أن أكون أول الواصلين لهذا السرد الأنيق

والقصة الرائعه ...

وما سواح إلا رجلاً قد كان مقبلاً على الله ولكن المجتمع لم

يرحمة ويفتح له ذراعية حتى يحتوية ...قصة ترمز إلى واقع مؤلم

مُبدع جدًا يا أخي

تقبل احترامي و في انتظار جديدك بشغف
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 30-05-2014, 09:43 PM
الصورة الرمزية زياد الحمداني (( جناح الأسير))
زياد الحمداني (( جناح الأسير)) زياد الحمداني (( جناح الأسير)) غير متواجد حالياً
مشرف الكتابات العامه
 
تاريخ التسجيل: Mar 2011
المشاركات: 2,482

اوسمتي

افتراضي

الأخ الفاضل الكاتب عمر حامد..

ما شاء الله سرد قصصي راقي ، إنساب بشكل رائع بحيث يجعل المتلقي يستلقي لإنتظار الفكرة تلوى الأخرى وعنصر المفاجأة جميل هنا ...

بارك الله فيك أخي وننتظر التالي إن شاء الله..
__________________
سرى البرق في نـــاظــري وأهــتزْ الــشعور

وعانقت غيمة ْعيوني دمعْ وصارتْ سحابه
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 03-06-2014, 02:00 PM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي



كوميديا راقية أمتعتنا بها في مستهلّ القصة المؤثرة
الرائعة معنى ومبنى
تهانينا القلبية على الإبداع في دقة الوصف
و بلاغة النص وجزالة الكلمات
وحداثة الأسلوب وواقعية الأحداث
وأجدك أستاذ / عمر حامد
قد وقفت على موضع جرح دام في جسد الأمة
إنهم المبتلون بأمراض العصر من مسكرات
ومخدرات ومغيبات عقل وشعور
وهولاء تقع مسؤولية إحتوائهم ومعالجة نشازهم
على المجتمع , ولكن للأسف لا يرى الناس
في المرء غير عيوبه , فإن أولئك المبتلون
بأمس الحاجة إلى النصيحة والإرشاد والتوجيه
ولن يزدهم إحتقارنا إلا فسادا وإدمانا على المنكر
وأعتقد بوجوب مد يد العون للمحتاج منهم
إلى التوجيه والرحمة والدفع نحو التوبة
شكرا لك أستاذ / عمر حامد
وتقبل تحياتي




رد مع اقتباس
  #6  
قديم 03-06-2014, 03:12 PM
الصورة الرمزية عبدالله الراسبي
عبدالله الراسبي عبدالله الراسبي غير متواجد حالياً
نائب رئيس مجلس الإدارة ورئيس قسم الموروث الشعبي والتراث
 
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 9,051

اوسمتي
وسام الإدارة وسام أجمل الردود درع الإبداع وسام الإداري المميز وسام العطاء الغير محدود وسام التميز 
مجموع الاوسمة: 6

افتراضي


اخي العزيز والقدير عمر حامد نص في غاية الجمال والابداع
وسرد طيب وجميل
تسلم على هذا الابداع الراقي والجميل
ودمت بكل خير وموده اخي الكريم
وتقبل تحياتي
__________________
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 31-07-2014, 05:44 PM
رحيق الكلمات رحيق الكلمات غير متواجد حالياً
كاتبة مميزة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2011
الدولة: في قلوب أحبتي أحيا بصمت
المشاركات: 2,212

اوسمتي

افتراضي

نص راقي وجميل جد قصة من أرض الواقع صاغها قلم رائع بطريقة متميزة هنا انتقل قلمك الى كل عناصرالقصة بكل تشويق وروعة فناقش مشكلة تستوطن الكثير من المجتمعات وآفة ف فتكت بالكثير من الشباب
نعم يتقبل ربنا التائب ولكنه وآسفاه يهزمه المجتمع
__________________
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 02-08-2014, 09:21 PM
الصورة الرمزية أم أفنان الرطيبيه
أم أفنان الرطيبيه أم أفنان الرطيبيه غير متواجد حالياً
كاتبة مميزة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 1,412

اوسمتي

افتراضي

مجرد الكلام هنا يقف حائرا أمام هذا الإبداع الراقي
سرد جميل وإسلوب أجمل
اقرأ جماليات فكرك وبإنتظار إبداعاتك
مروري المتواضع
أم أفنان
__________________
يمين الله يمين الله لأعلمك التحدي كيف
وأعلمك القصيد شلون يخضع لي وأنا بنيه
وأعلمك السما وشلون تمطر والليالي صيف
وأعلمك المذاهب الأربعة وتبيَت النيه
أنا بقولها لك جد ترى ما ينفعك ياحيف
وإذا إنك إنس يا عمي تراني ساس جنيه
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:45 AM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi
جميع الحقوق محفوظة لدى الكاتب ومنتديات السلطنة الادبية