روابط مفيدة : استرجاع كلمة المرور| طلب كود تفعيل العضوية | تفعيل العضوية

.::||[ آخر المشاركات ]||::.
في محراب الحنين [ آخر الردود : ذكرى - ]       »     نبسـط لـك الهوى [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     ذاكــرة أمـواجُ الشـوقِ‏ [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     متى تَلتَئِم الجراح [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     وجوه تهوي بها الأيام فترميها ب... [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     نـوبـة حنين [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     لحظه غيابك [ آخر الردود : ياسر الكثيري - ]       »     انتفاضة [ آخر الردود : ذكرى - ]       »     هموم مضت في فضاء الواقع [ آخر الردود : زياد الحمداني (( جناح الأسير)) - ]       »     كفيف [ آخر الردود : زياد الحمداني (( جناح الأسير)) - ]       »    


الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء
عدد الضغطات : 3,532ضع إعلانك هنا - ثلاث شهور فقط 25 ريال عماني
عدد الضغطات : 2,793ضع إعلانك هنا - ثلاث شهور فقط 25 ريال عماني
عدد الضغطات : 8,293
دروازة للتصميم
عدد الضغطات : 52,498عدد الضغطات : 52,277عدد الضغطات : 52,380

العودة   منتديات السلطنة الأدبية > منتديات السلطنة الأدبية > القصة القصيرة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-02-2013, 01:25 AM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي حكاية في رواية _ "أبو البنات السبع"

حكاية في رواية

"أبو البنات السبع"
كان يا ما كان في سالف العصر والأوان, أخوان شقيقان
أحدهما صياد ماهر, و أخوه الأكبر رجل ثري تاجر
وذات يوم, و بعد أن يئس من الحصول على المزيد من أسماك البحر
طوى شبكته المُهترئة الخالية
ثم القى بجسده المنهك النحيل تحت ظِلِ قاربٍ مُتهالك
محتميا من لظى الهجيرة المستعر, ناشدا الإستظلال والإستبراد
وإلتقاط الأنفاس
كان العرق يتصبب بغزارةٍ على جبهته, فالنهار قد إنتصف
والشمس متوهجة في كبد السماء, وسياط لهيبها الحاِرقة تجلد بدنه بوحشية
وقد أوهاه وأعطَشه تكرار رمي الشبكة في البحر, وجرها فارغة إلى اليابسة
ثم تناول قربته الرثَّة, إجترع منها شربة ماء صرد(بارد) أطفأت نار الظمأ في جوفه
رفع بعدها كفيه في ضراعة, وقال مُبتهلا : لك الحمد يا رب البحر, ويا ربَ السماء
على ما رزقتني من خير كثير, وقد أنجيتني من المهالِك, وأبقيتني أسعى على بناتي
ثم قرَر العودة إلى المدينة, فكوخه الطيني يبعد ميلا
فركِب حِماره الأعرج الهرم
ولما أضحى في السوق, باع بعض السمكات, وأبقى على البعض منها, كوجبة غداء لإسرته
إنّهُ "أبو البنات السبع" الشقيق الأصغر"لأبي ساعِدة"
و قد رَزَقه الله بنات سبع, كأنّهنَّ أقمار سبعةَ
بيض الوجوه, أسيلات الخدود, ممشوقات القوام, ساحِرات العيون
ولو أنَّ التوأم سعدِيّة و سعيدة كانتا بدينتان, بطينتان, لا تأخُذهما بالطعام رأفة ولا شفقة
لكن حُسنهما البديع لا يخفى على عين راءٍ, ودماثة خُلُقهما جلِيةٌ على الأوجان المحمّرة حياء
أما سعاد وسعادة و مِسِعدة فإنهن شَبهن أمَّهن المولَّدة في اللُطف والرِقةّ وحُب الجمال
وكنَ مولعات بالحياة, يرغبن بالغالي والنفيس من المُقتنيات, ويعشقنَ المرح والسرور
بينما كانت سعدة وسعدى وهما الأصغر سنا, قد شبِهتا أبيهما في سمرة بشرته
وحَمَلتا عنه الذكاء الحاد, والجُرأة
علاوة على ما كسبتاه من طبائع أمهما الفضيلة, من بِرٍ و تقى, و رحمة بالضعفاء
ولدت "أم البنات السبع" في "كهف طيق" (يوجد في جبل سمحان, في ولاية مرباط)
وقد أرضعتها إحدى جنيات الكهف الصالحات, مع أبنائها فصارت أمها
بعد ذلك كان الجن إخوتها من الرضاع, يساندونها في كل شدة
فلمّا توفيت عطفت الجن على بناتها السبع. وإهتمت بهن, وخدمتهن, وساعدتهن
على تجاوز الكثير من المحن, بفضل الله و إرادته, إلا أنّهم كانوا لا يحضرون دائما
عندما وصل الصياد إلى كوخه الطيني المُتهالك, وهو مُعنتٌ (مرهق) مُنهك
إستقبلته بناته بالبشر والسرور, وحملن أمتعته القليلة وتبادرن إلى خِدمته
وبعد أن تناولوا تلك السمكات القليلة التي جلبها, وحمدوا الله وشكروُه
أحاطت البنات بأبيهنَّ إحاطة السور بالمعصم, وجلسن حوله, يُسلينه ويُشجعنه
فنسي الوصب (العذاب) الذي كان يُكابِده (يُقاسيه) في البحر, وحمد الله على القناعة
إرتفعت ضحكات الصياد و بناته السبع, وهم يُثرثرون في هناء وغِبطة (سرور)
كأنهم قد حازوا أيوان كِسرى, أو عرش بلقيس
فوصلت ضحكاتهم إلى مسمع أخيه "أبي ساعِدة" القابع في نافذة من نوافذ قصره
مهموما كئيبا, ساخِطٌا ناقِما
كان"أبو ساعِدة" قد إستولى على تركة أبيهما, ولم يترك لأخيه الأصغر شرو نقير
بل تخلىَّ عنه وهو طفل, فتولت خالاته تربيته ورعايته وحفِظه, حتى صار رجلا
ثم تزوّج "أبو ساعِدة" من "أم ساعِدة" وهي كريمة كبير تُجارالمدينة, فزادت ثروته
ونمت تجارته, وأنجبت له سبعا من البنين, ولكنّه أهمل تربيتهم وتهذيبهم وتعليمهم
و أسند أمرهم إلى "أم ساعِدة" التي أرضعت ولدها الإستعلاء والغرور, وإزدراء الفقراء
وعلَّمتهم قطيعة الرحِم, وكراهية عمهم وبناته السبع, وجعلتهم أعداء, وخصوم
وحين شبَّ الصِبية السبعة أغدقت عليهم الأموال, وأفسدت أخلاقهم بفرط الدلال
فلمَّا بلغوا مبلغ الرِجال كانوا عديمي الحيلة, فاقدي المروءة, وهاة العزيمة
و بعد أن عرفت خبث معدن زوجها, وجوره على أخيه, وظلمِه له
تسلّطَت عليه, وأستعبدته, فأستسلم لها زوجها وأستكان
وخاف الفضيحة والعار, ولم يخف الله ثم النار
وقد حرّضته على أخيه, فزعمت أن "أبا البنات السبع" يسعى للانتقام منه
و يحتال لأخذ حقَّه من الميراث
فصدَّقها "أبو ساعِدة" , و حقد على أخيه, وأبغضه, وأبطن له سؤ النية
وفي ذلك اليوم وحين سمع ضحكات أخيه وبناته السبع
أغتاظ غيظا شنيعا, وزاد شقاؤه ونحسه
فصاح على خادمه ياقوت الذي جاء مسرعا, والحُزُن بادىٍ عليه
فقال له آمِرا : أدعو لي إبني ساعِدة في الحال
إنصرف الخادم, وعاد بعد قليل لوحده
فسأله "أبو ساعِدة": الم آمُرك أن تأتي بابني ساعِدة ؟ ... فأين هو ؟
قال الخادم : لقد أبى أن يأتي يا سيدي ...
قال "أبو ساعدة" : ولم ؟ ماذا يفعل ؟
قال الخادم : إنه يأكُل يا سيدي
فهمهم "أبو ساعِدة" : لا شبِعت بطنه ...
ثم قال : إذن فأدعو لي سعد أو سعيد أو أي من أبنائي السبعة
خرج الخادم على الفور, ثم مكث طويلا قبل أن يأتي, و وقف بعيدا لا يتكلّم
فلما رآه "أبو ساعِدة" قد عاد لوحدة, قال غاضبا : إنهم جميعا نائمون, اليسوا كذلك ؟
هز الخادم رأسه مُوافقا, فتمتم بكلمات, تُنِمُ عن الغيظ الذي ملأ صدره
ثم قال : فلتذهب أنت إذن يا ياقوت إلى "أبي البنات السبع" ...
وأمنعه من الضحِكِ, وأمره أن يسكت, وليُسكِت بناته اليائسات
فإني أبغض ضحِكهم, ولا أحتمل سماع أصواتهم
ذهب الخادم, وبعد قليل قرعَ باب الكوخ مُترددا
فتلقّته سعدى وهى أصفر أخواتها, وكانت ذكية جريئة
فلما رأته واقفا منكِّس الرأس, علمت بما جاء من أجلِه
فقالت له : إنّه عمي "أبو ساعِدة" يأمرنا بالصمت, كعادته كل يوم
لا عليك سوف نصمت...!!
فأنصرف الخادم
لكن صدر "أبي ساعِدة" إمتلأ غيظا وحنقا, فأخوه وبناته, لم ياتمِروا بأمره, ولم
ينصاعوا لرغبته, وهم بالخروج من قصره, والتوجُه إليهم, ليُسمِعهم سِبابه
وشتائمه, لكن ضخامة جسمه, وعِظم بطنه منعاه من ذلك, خاصة وأنه قد تناول
طبقا مليئا رُزا, وصحنا من العصيد, وخضم ثلاث دجاجات سِمان, كما إلتهم فخذ
عِجل قد شُوِيت على الفحم, , وقوالب, الفالوذج والخبُز المُحلى بالعسل
فضلا عما شربه من الماء الممزوج بالسُكر
فثقُلت رأسه, وخارت قواه, فأرتمى على سريره
مغموما نكدا
ثم أنه أغمض عينيه, يريد القيلولة, ولما أحسَّ بحلاوة النوم تسري في بدنه
هبَّ فجأة من على فراشه مذعورا ...
محمرة عيناه, ضيق صدره, حائر فكره
فقد سمع أصواتا مزعجة مرعبة مخيفة, كأنها هدير الرعد, تهز أركان القصر
فخرج من غرفته فزعا, يلتمس مصدر الصوت وهو مرتبك مضطرب, وأخذ يتتبعه
حتى عرف أنّه ينبعِثُ من غرفة إبنه ساعِدة, فأقترب على حذر, ومشى الهوينى
خِشية أن تراه "أم ساعِدة", فتمنعه من الدخول, ولا تسمح له بمعاقبة أو بمعاتبة ولدها
وعندما وصل بأمان تام إلى الغرفة, التفت يمنة ويُسرة, فلمّا أطمأن إلى عدمِ وجودها
دفع الباب بكل ما أوتي من قُوة, فوجد أبنائه الخمسة
ساعِدة, سعيد, سعد, سعود, و سعدي قد إجتمعوا في الغرفة
أمّا ساعِدة فكان رابطا طبلا ضخما إلى حقوه ( خيط يربط حول الخاصره)
يقرعه بقوة وحماس, وهويُغنيِّ أُعنية بلهاء
بينما كان الأربعة الآخرون يرقصون في صفين مُتقابلين
وهم يلبسون لباسا مهلهلا ومُوحّدا, وقد صبغوا وجوههم بِطلاء, كما يفعل الزِنج
فذُهِلَ والدهم, والجمه المشهد, لكنه سيطر على ثورة غضبه
وأنتظر ردة فعل أبنائه حين يلاحظون وجوده, لكنهم لم يحفلوا به
وتجاهلوا حضوره, وأستمروا في لهوهم, لا يعيرونه أدنى إهتمام
فكان إذا حاول أن يفتح فمه, يأتون بحركة جديدة
ولكنه عندما رآهم يتمايلون بأجسادهم, ويهزّون رؤوسهم و مؤخراتهم
في خلاعة و ليونة, إحمرت عيناه غيظا ولم يُطِق الصمت
وعزم على تعنيفهم, وزجرهم, وتأديبهم, وإرشادهم إلى سوى السبيل
غير أنَّ الطبل والرقص توقّفا بغتة, وسمع صفيرا عاليا, وتصفيقا حارَّا من خلفه
فلمّا إلتفت رأى "أم ساعِدة" وقد أشرق وجهها غِبطة, وهي واقفة تحيي بنيها, فهابها
وأخذ يصفق مكرها, ثم إبتلع ريقه, وسأل إبنه بهُدوء وسكينة : ماذا تفعلون يا بُني ؟
قال ساعِدة بِفخر وإعتزاز: إننا نُمرِن أنفسنا, على رقصة, نؤديها أمام إبن الوزير ورِفاقه
بمُناسبة يوم ميلادِه. فما رأيُك في رقصتنا يا أبي ؟
لم يجرؤ أبوه على قول ما يتوجب عليه قوله, بل قال : إنها رقصة رائعة
ثم أنصرف مسرعا قبل أن ينفذ صبره, ويتفوّه, بكلا م يُغضب "أم ساعدة"
فإستوقفه إبنه ساعِدة قائلا : إنّ أخوي سعدون و سعدان
قد رفضا مُشاركتنا في مُجاملة إبن الوزير, فهلا عاقبتهمايا أبي ؟
عندها كاد أن يُغمى على "أبي ساعِدة" وهو يسمع هذا الكلام المُهين
قخرج ذليلا
وفي غرفته جلس يبكي بحُرقةٍ, وقد رأى بام عينيه, سُخف بنيه وتفاهتهم
ساعِدة وهو أكبر إخوته سنا, وقد بلغ تسعا وعشرين سنة من العمر
كان شابا مُدللا بطىء الفهم, قاصر الهمة, على الرغم من طوله الفارع, يحب اللهو
لا يُخالط أقرانه من الفتيان إلا نادِرا, فغدا ضعيف العقل, عديم الحيلة مسلوب الإرادة
وتأثر به إخوته, فكان كل من سعيد, سعد, و سعود يعتمدون عليه و يقلدونه في كل شىء
أما سعدون وهو خامس إخوته, وفي الثالثة والعشرين من العمر, فكان قصيرا دميما
بطين بدين شره, سليط اللسان, خبيث النفس, شرب كأس اللؤم مترعة من طبع أمه
سعدي وهو آخر العنقود وأصغر الأخوة, كان شهما نبيلا, تقيا ورِعا, في قلبه رحمة
بعد عصر ذلك اليوم أراد "أبو ساعِدة" أن يخرُج إلى السوق, و وقف يرتدي ملابسه
فحانت منه إلتفافتة إلى كوخ أخيه القريب من القصر, فجذبه مشهدُ أخيه وبناته السبع
وهم يُرممون كوخهم الطيني بهمة ونشاط, ولاحظ أن البنات قد شددن ثيابهن البالية
وشمّرن عن سواعدهن النحيلة, وهن يساعدن أباهن, ويفعلن فِعل الرِجال
فأغتم "أبو ساعِدة", من ذالك المشهد, وضاق صدرُه, ثَّم تنهَّدبمرارة وحسرة
وعقد مُقارنة سريعة, بين بنيه المائعين, المُدللين, التافهين, المُرفهين
وبين بنات أخيه الشبيهات بالرجال الأسوِياء, فشعر بالحزن يعتصِر قلبه
ولكن سرعان ما عادت إليه إبتسامته, عندما تذكّر إبنيه سعدون و سعدان
اللذين لم يكونا مع الراقصين, وقد ظنّ انهما أفضل حالا من الآخرين, فشعر بالرضاء
لذلك نادى خادمه, وقال له : أتني بإبنيّ سعدون و سعدان في الحال
فبحث عنهما الخادم, حتى عثر عليهما يلعبان في حديقة القصر
ولمّا أبلغهما برغبة أبيهما, ردا عليه بكل وقاحةٍ, وقلة أدب, وقال سعدون :
دعه يأتي إلينا إذا رغِب في رؤيتِنا, فإننا مشغولان ...
نزل "أبو ساعِدة" مُسرعا, وهو فرحانا مسرورا, لانه ظنّهما مشغولان بأمرٍ هام
وقال في نفسه : ليست بنات أخي وحدهن, من يشغلُهُ الجليل من الأمور ...
وحين وقع نظره على إبنه سعدون رآه واضعا على رأسه ما يُشبه عرف الديك
فتعجب من ذلك, وبينما هو في دهشته وذهوله, سمع نقيقا يشبه نقيق الدجاجة
فلما إلفت شاهد ولده سعدان الذي يبلغ السادسة عشر من العمر
يجلس القرفصاء على الأرض, فداخله الريب والفضول
وسأل إبنه سعدون : ماذا يفعُل أخوك ؟
فرد على أبيه بحزم : إنه دجاجة يا أبي, ألا تسمعه ينِقّ ؟
قال "أبو ساعِدة" وقد خاب رجاؤه : وأنت الديك, اليست كذلك ؟
قال سعدون : بلى يا أبي ألا ترى عرفي العظيم ؟
كتم "أبو ساعِدة" غيظه, وأنصرف لا يلوي على شىء ...
ثم خرج لائذا بالصمت و قد اختلجت في صدره مشاعر اليأس و القنوط
فصب جام سُخطه على أخيه المسكين و على بناته السبع, دون ذنب أو سبب
ليس إلا الحسد له على ما هو فيه من قرة عين و طمأنينة و سكينة, وتآلف
فركب حصانه الجرشع(الواسع البطن), و خرج من قصره, مصطنِعا العظمة, يحّفُ به الخدم
فكان كلما مر من طريق أو من زقَّاق, يرى الأطفال والصبية يفرون من أمامه في هلع
و يُلاحظ أنَّ الناس لا تحفل به, ولا تعيره أدنى اهتمامه, فقال في نفسه :
إنّ هولاء الرجال قد حسدوني, على ما أملكه من مال و بنين, ويتمنون زوالهما
وأمّا الصبيه, فإنّهم إنّما يوسعون لي الطريق, إحتراما وتقديرا, فهم يعلمون من أكون
أقنع نفسه بهذه الحجج الواهمة, ولكّن الحقيقة إن الناس لا تكن له ذرة احترام
والصبية إنما كانوا يهربون خوفا من بطش خدمه, و وحشِيّتهم وجبروتهم
عندما وصل "أبو ساعِدة" الى السوق وجد التجار قد سبقوه, وانتظموا في مجالسهم
وسمِعهم يتحدثون, فلما أنضم اليهم ساد الصمت, وأنصرف معظمهم. وبقي نفر قليل منهم
وبينما كان "أبو ساعِدة" يحادثهم لَمَحَ اخاه الصياد يأتي ماشيا على قدميه الحافيتين
و كان "أبو البنات السبع" كلما مر على ِمجموعة من الناس رحبوا به وحيوه وضاحكوه
ودعوه إلى الجلوس معهم, ثم شاهده يجلس مع بعض الصيادين في حلقة صغيرة
وبعد برهة لاحظ أنَّ عدةِّ حلقات قد إنضّمت الى مجلس إخيه, و أحاط به الصيادون
فكاد "أبو ساعِدة" أن يموت كمدا وتعاسة, و لم يطق السكوت
فسأل زملائه : ما بال أولئك الصيادين البؤساء قد إجتمعوا في مجلس واحد ؟
رد عليه أحد رفاقه : إنهم يستمعون الى أحاديث أخيك "أبي البنات السبع" الشيِّقة
قال "أبو ساعِدة" هازئا : و ماذا يعرف ذلك السفيه ؟!
إنه مجرد صياد جاهل ...
قال صديقه : لا يا "أبا ساعِدة" ان اخاك رجل حكيم, عذب الحديث, يُحبه الناس
قال "أبو ساعِدة" ساخِطا : أحبهم الموت, انهم تافهون مثله, لا يجيدون سوى الكلام الفارغ
فإنّك لو دخلت كوخه الحقير, لن تجد فيه عُشر مِعشار ما في قصري
إنه يائسُ مُعِدم, و بناته بائسات دميمات, و أنا رجل ثري أمتلك بستانا في قصري
و بساتين في القرى المُجاوِرة, و متاجر كثيرة. فضلا عن سفنى الراسية
والصافنات الجياد
و أبنائي السبعة من خيرة شباب المدينة, بل هم الأفضل والأمثل, والأحكم والأحذق
عندما ذكر "أبو ساعِدة" أبنائه تضاحك القوم, وتمتموا في سخرية و إزدراء
فأستشاط غضبا, و صاح في وجوههم ناقما : ما بالكم تضحكون من حديثي ؟
رد عليه أحدهم قائلا وهو يضحك :
أمّا وإنّك قد ذكرت أبنائك, فإنك تعلم كما نعلم, إنهم اقل شأنا مما تصف وتدَّعي
فأستبسل "أبو ساعِدة" في الدفاع عن ولده قائلا :
ما أعلمه ان أبنائي هم النّخبة من شباب المدينة
وإن أردت أن أدعوهم إليك لتنظر إليهم فعلت
قال الرجل متحديا : فأدعهم, و لكن لا تتدخل حينما أخاطِبهم أو أسألهم عن شئ !
قال "أبو ساعِدة": لك ذلك. ثم صاح بخادمه : أقبل يا ياقوت
فلما مثل بين يديه, ساره طويلا, ثم انصرف الخادم راكضا
انتظر "أبو ساعِدة" ورفاقه و قتا غير قصير, قبل أن يحضر أبناؤه السبعة
راكبين خيولهم الأصيلة, و قد ارتدوا من الملابس اغلاها, ومن التيجان اجملها
و تقلدوا سيوفهم الهندوانية المذهبة, و تخنجروا بالخناجر العمانية
و وضعوا العمامات الديوانية, و تمضخوا بالعود والغالية
فلما رأهم أبوهم مقبلين هب واقفا, وأخذ يصفق بيديه, وعلامات السرور بادية عليه
وشمخ برأسه عتوا وعُجبا
و لما وصل ساعِدة واخوته إلى المجلس, إستقبلهم والدهم إستقبال الفاتحين
وأخذ يرحب بهم, و يمتدحمهم, و يثني عليهم قائلا:
أهلا بالغر الميامين, مرحبا بصناديد المدينة, أهلا بفخر الشباب ...
كان رفاقه يغالبون ضحكهم, فلما قال : اهلا بالتقاة الأبرار, أهلا بحماة الديار ...
عجَّوا الناس بالضحك, فغضب "أبو ساعِدة" من سخريتهم, و إغتاظ من إستهزائهم
وقال لهم ساخطا : اما والله لأرينّكم العجَبَ ... ثم سألهم :
هلا نظرتم الى ما يرتدون ؟ هل رأيتم مثل هيئتهم النبيلة ؟
الا تنظرون إلى التيجان المرصعة و السيوف الهندية و السواعد الفتية ؟
اليست هذه الرجولة ؟ اليست هذه الفخامة ؟ اليست هذه الشهامة ؟!
قاطعه أحد رفاقه وهو يضحك : ليس الرجل بمظهره, و لكن بمخبره
فسكت "أبو ساعِدة" مندهشا, ثم سأل : ماذا تقصد ؟ّ!
قال الرجل : دعني آمرهم وانهاهم واسألهم. فان أحسنوا كانوا كما تقول
و إلا فلتعلم أنَّ قيمة الإنسان إنَّما تحددها أفعاله و أخُلاقِه
وافق "أبو ساعِدة", وهو واثِق كل الثِقة من أن أبنائه سيفحمون السائل, قولا وفعلا
قال الرجل : أُدنو مني يا ساعِدة, فدنا منه وهو مذهول مرتعِش, مبديا خوفه
فهي المرة الأولى التي يقف فيها أمام جمع كبير من الناس, وأخذ يلتفت إلى أبيه و إخوته
قال له الرجل : إني أرى ذبابة واقعة على عين القاضي النائم هناك, وتؤذيه
أريد منك يا ببُني أن تخلصه منها
فكر ساعِدة دهرا, ثم مشى على أصابع قدميه, حتى جلس
خلف القاضي منتظرا مجىء الذبابة
وعندما حطّت و أستقرت على أنف القاضي, صفعه ساعدة صفعة
أطارت النوم من عينيه, و أخذ يحكُّ خدّه متوجعا
بينما جلس ساعدة أمامه حائرا, وعندما سكن القاضي من الهلع
سأله : ماذا دهاك يا بُني ؟
فتلجلج ساعدة وضحك الناس
ووقف ساعِدة واضعا أُصبَعَه الإبهام في فمه, لا يفهم لم هم يضحكون
فغضب أبوه غضبا شديدا, وأعتذر إلى القاضي
ثم قال لإبنه : عد إلى أِمك لا بَارَك اللهُ فيك...!!
أمّا الرجل فإنّه نادى سعيدا, وهو الإبن الثاني "لأبي ساعِدة", وسأله :
قل لي يا بُني, كيف رفعوا هذه المِئذنة العالية؟
وأشار إلى مئذنة الجامع
طال تفكير سعيدٍقبل أن يهتدي للإجابة, وفجأة صرخ قائلا :
لقد عرفت يا عم, لقد عرفت ...
فقال له الرجل : هيا ... أخبرنا يا بني ...
قال : سعيد: لقد بنوها على الأرض, ثم جبذوها بالحبال, فأنتصبت كما ترى
فضحك الناس, وضحك الرجل حتى إستلقى على قفاه
فتقدم أبوه منه, وأمسكه من عضده, قائلا : عُد إلى أمِك لا بارك الله فيك
وضحك الناس حتى سالت أدمع أعينِهم, وأستلقوا على أقفيتهم
وعجبوا لهولاء الفتية, وقد لبسوا اغلى ما يُلبس, وظهروا على أكمل هيئة
ولكنهم, لا يُحسنون قولا ولا فعلا, وأدركوا أن لاخير في مظهر الإنسان
ما لم يكن له عقل وحكمة, وحُسن تصرُّف ...
و أيقن "أبو ساعِدة" أنّه قد أضاع بنيه بإهمال تربيتهم, وتركهم دون تهذيب أورعاية منه
وأن دلال أمهم المُفرِط, قد أفسدهم, فأمسوا ضعاف العقل, عديموا الحيلة
بُلهاء, حمقى, أعماهم الغرور, وفتنهم الترف, و أضاعهم المديح الكاذب
ومع ذلك, فقد أراد أن يُداري فضيحة أبنائه, وأن يُبررعجزهم وإخفاقهم
برمي الفشل على أخيه, وبناته السبع, حسدا وكيدا, ولم يشاء أن يقوم بنيه
فصاح بالرجل, الذي فضحهم, وكشف معدنهم, قائلا :
إن أبنائي لم يروا هاهنا من يماثلهم في سداد الرأي والحنكة, فأرتبكوا وخجلوا منكم
فلو بعثت إلى "أبي البنات السبع", و جلب بناته, ليناظرن أبنائي, لوجدتهن أقلُّ شأنا منهم !!!
إندهش الرجل من كلام "أبي ساعِدة", وسأله مذهولا :
وما شأن أخيك و بناته بالأمر ؟ إنَّ أخاك لاعلم له بما يدور بيننا
قال "أبو ساعِدة" : بل له شأن, فلقد أحرجت أبنائي, و أضحكت عليهم الصيادين
ولم تُتِح لهم فرصة إظهار براعتهم, والإفصاح عن مخزون عقولهم من الحكمة
فمن الإنصاف أن يستردوا كرامتهم, أمام القضاء, وبحضور جميع الناس
ولن نرضى إلاَّ بمناظرة البنات السبع, فهنَّ عدلهم في الأصل والنسب
و إلاَّ شكوتك إلى القاضي
فصاح أخوال ساعِدة, وأصدقاءُ أبيه, وجُملةٌ من ذوي الأغراض السقيمة, وقالوا :
نحن نشهد عليك مع "أبو ساعِدة", فإنك قد سخرت من بنيه, والحقت بهم العار وأحرجتهم
و إمتنعت عن إنصافهم, ومكرت بهم, وأنكرت حقهم, وأضحكت الناس عليهم, فتُحبس لهذا
أسقط في يد الرجل, وحار في أمره, فقال له "أبو ساعِدة" متوعِدا :
موعدنا غدا في دار القضاء, وهولاء الناس جميعا شهودٌ على عدوانك وبغيك
ثم أنصرف مع بنيه مُبتهجا
ذهب الرجل بعد مغيب الشمس, إلى "أبي البنات السبع", يجر رجليه جرا
وقد تمكن منه الإحراج والخجل, و ندِمَ على إستفزاز أولئك الطُغاة القساة
كان ذلك الرجل أحد أصدقاء "أبي البنات السبع" ألأوفياء, وجاره الجنب
لذلك لم يكن من السهل عليه ان يُورِّط جاره في هذه المناظرة, أو أن يزُجَّ ببناته
في منازعات الرجال وخصوماتهم, ولكنه يعلم تسلُّط و نفوذ "أبوساعِدة" وأصهاره
ويعرف قدرتهم على شِراء شُهود الزور, لذلك قصد صديقه وجاره وكاشفه بالأمر
فأراد "أبو البنات السبع" أن يجنِّب بناته هذه المواقف, وأن يسلم من الفتنة, فبكى الرجل
وشكى إليه خوفه وحزنه, وتوسَّل إليه وأستعطفه فرحمه ورثي لحاله, ووعده خيرا
عاد "أبو البنات السبع" إلى كُوخه بعد المغرب, وكان مُغتما حزينا, مشغول البال
لكنه يظهر البِشر و الإنشراح, و يكتُمُ الهم, فإستقبلته بناته فرِحات مُستبشرات كعادتهن
ولم يلاحظن ما بِهِ من غم, لكن إبنته الصغرى سعدى, وكانت ذكية أريبة, حادة الفهم
متوقِدة الذِهن, أدركت ما به, و لم تشاء أن تدخل الحزن على قلوب أخواتها الغافلات
فتركتهن حتى نمن, ثم تسللت إلى أبيها وسألته عما به, فأخبرها بكل شىء
فقالت له واثقة : لا عليك يا أبي, نم قرير العين, و دعني أتصدى لأولئك الحمقى
و مع أذن الفجر ايقظها "الجن" الصالح, وأيقظت هي أباها وأخواتها , ثم جمعتهم
و طلبت منهم ان يتركوا لها حرية التصرف, فوافقوا جميعا, لثقتهم بها
ثم خرجت البنات السبع برفقة أبيهن إلى دار القضاء, بعد شروق الشمس
فكانوا أول من وصل, و بينما كانوا ينتظرون قدوم الناس, و بدء المناظرة
أقبل ذلكم الرجل المسكين, وأخذ يعتذر اليهن, فكلمته سعدى من خلف الحجاب قائلة :
إّنك يا عم قد أوقعتنا في شراك "أبي ساعِدة", دون ذنب إقترفناه, وتعلم خبثه ومكره
فمن الإنصاف ان تضع عليه غرما, اذا نحنُ غلبنا أبنائه, وتفوقنا عليهم, فماذا تقول؟
قال الرجل : صدقتي يا بنتي ولك علي أن اثقل كاهله بشرط مذل, فماذا يرضيك ؟
قالت البنت : يرضيني أن يمنح أبي حمارا فارها و قاربا واسع
و أن يرسل إلينا ثيابا تستر أجسادنا
سمع القاضي شروطها, عندما دخل فقال : و أنا ضامن ذلك إن شاء الله
إجتمع الناس, وأستعدوا لبدء جلسة المناظرة, و لكن "أبو ساعِدة" و بنوه لم يحضروا بعد
ثم أقبل "أبو ساعِدة" وحيدا, منكس رأسه, يبدو عليه القلق, فلما أخذ مجلسه سأله القاضي :
أن أبناؤك يا "أبا ساعِدة" ؟
سكت "أبو ساعِدة" و تجاهل سوال القاضي
فصاح به القاضي غاضبا : الا تسمعني يا "أبا ساعِدة" ؟ لقد سألتك فلم لا تجيب ؟
قال "أبو ساعِدة" خائفا : معذرة يا سيدي... سيأتون ... سيأتون حالا
إنتظر الناس مدة طويلة و لم يأتي الأخوة السبعة, عندها وقف القاضي و نادى حاجبه
ثم قال له :
خذ معك بعض الرجال, وأذهب إلى قصر "أبي ساعِدة", وإتني بأبنائه على أية حال وجدتهم
نفذ الحاجب أمر القاضي وأحضر الإخوة السبعة وهم مذهولون, و لما دخلوا دار القضاء
شخصت إليهم الأبصار, فرأى الناسُ ساعِدة قد وقف مستترا خلف أبيه, يرتعد خوفا
و ذاك سعيد يتثاب بشدة, بينما إنزوى سعد وسعود و سعدي في زاوية المجلس
يغالبون النُعاس, وبقي سعدان وسعدون ينتبهان مرة, ويغفوانِ مرّة أخرى
كان بنو "أبي ساعِدة" قد أمضوا ليلهم سهرا, حيث إستقدموا بعض المُغنين
فأحيوا حفلة غناء, ورقصوا, حتى الفجر, وعندما أراد أبوهم إصطحابهم
للمناظرة, منعته "أم ساعِدة", فأتى لوحده, مقهورا
ثم خاطب القاضي "أبا ساعِدة", فقال :
أنظر الى ولدك يا "أبا ساعِدة", فلما رآهم على تلك الحالة لطم خديه
فسأله القاضي : أتكتفي بما تراى أم تحب أن نكمل المناظرة؟
البقية تتبع
إن شاء الله
كتبها/ ناجى جوهر
سلطنة عمان
رد مع اقتباس
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:41 AM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi
جميع الحقوق محفوظة لدى الكاتب ومنتديات السلطنة الادبية