روابط مفيدة : استرجاع كلمة المرور| طلب كود تفعيل العضوية | تفعيل العضوية

.::||[ آخر المشاركات ]||::.
نـوبـة حنين [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     في محراب الحنين [ آخر الردود : ذكرى - ]       »     لحظه غيابك [ آخر الردود : ياسر الكثيري - ]       »     انتفاضة [ آخر الردود : ذكرى - ]       »     هموم مضت في فضاء الواقع [ آخر الردود : زياد الحمداني (( جناح الأسير)) - ]       »     كفيف [ آخر الردود : زياد الحمداني (( جناح الأسير)) - ]       »     ذكرى شاعرة في ربيع العمر [ آخر الردود : زياد الحمداني (( جناح الأسير)) - ]       »     شوقان [ آخر الردود : زياد الحمداني (( جناح الأسير)) - ]       »     جناح الخير [ آخر الردود : زياد الحمداني (( جناح الأسير)) - ]       »     عودة حميدة نتمناها للجميع [ آخر الردود : وهج الروح - ]       »    


الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء
عدد الضغطات : 3,475ضع إعلانك هنا - ثلاث شهور فقط 25 ريال عماني
عدد الضغطات : 2,733ضع إعلانك هنا - ثلاث شهور فقط 25 ريال عماني
عدد الضغطات : 7,991
دروازة للتصميم
عدد الضغطات : 52,440عدد الضغطات : 52,214عدد الضغطات : 52,320

العودة   منتديات السلطنة الأدبية > منتديات السلطنة الأدبية > القصة القصيرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 08-05-2012, 05:20 AM
زاهية بنت البحر زاهية بنت البحر غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 134
افتراضي بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)20


في إحدى زيارات سراب وأم عادل لوالدة أحمد، التقت هناك بخطيبته لمى التي أقامت عند خالتها منذ وصول الجثة ولم تفارقها إلى بيت أهلها إلا نادرا، وللضرورة الملحة خاصة وأنهما تعيشان في حارة واحدة.
تحدثن كثيرا عن أحمد وعادل، وعن عمق الصداقة التي ربطت بينهما.
روت سراب عن رحلتهما الأخيرة الشيء الكثير بإلحاح من لمى وأم أحمد التي أرادت أن تسمع كل شيء عنه صغيرا كان أو كبيرا، فلم تبخل عليهما بالقص، مما جعل الابتسامة تعود إلى محياهما بما روته عن بخل القبطان خاصة فيما يخص الطعام رغم انه كان يأخذ من مالك السفينة أضعاف أضعاف مايصرفه أثناء السفر كما يفعل بسعر الوقود، وهذا كما قيل معروف عن بعض القباطنة الذين يصبحون من الأثرياء بل من أصحاب البواخر في مدة قصيرة من الزمن، عدا عن السرقات العامة التي تتم عندما يعلن أحدهم أنه سيشتري باخرة، والباب مفتوح لمن يريد مشاركة الناس له.
يُحدد القبطان ثمن السهم مبلغا معينا من المال لمن يريد الشراء.. يتهافت عليه الأهالي تهافت الفراش على النور، ولِمَ لا فهم يعرفون كرم البحر.. تبيع النساء مصاغهن.. يستدين الفقراء ثمن ربع أو نصف أو حتى ثمن عشر سهم.. تضع الأرامل واليتامى ما معهم من صدقات المحسنين ثمنا لجزء من سهم أيضا، وآخرون يضعون تحويشة العمر وحتى حصة ميراثهم من أمواتهم على أمل الربح العميم.. ويتم جمع المال.
تبدأ الأحلام الوردية تأخذهم إلى عوالم شتى يجدون بها أنفسهم في ثراء وهناء، وقد قبروا الفقر والعوز إلى الأبد.
أحلام كبيرة وآمال براقة بخيال جامح، ولكن سرعان ما يتهاوى كل شيء عندما يعلن القبطان بعد عدة أشهر من استغلال الباخرة في التجارة البحرية خارج البلد، بأن الديون قد تراكمت عليها، وأنه سيبيعها بسعر بخس لتحصيل مايمكن الحفاظ عليه من ثمنها، وقد يعيد للمبخوسين ربع أموالهم أو ثلثها دون أرباح إلا ماندر.
بعد مدة من الزمن يفاجأ الناس بأن القبطان قد اصبح مالكا لباخرة خاصة بحمولة كذا طن، وهو الآن يشيد فيلا ستبهر عيون القبطان فلان وتقلع عيون علان وخو يدري بأنها ستحرق قلوب الفقراء الذين سرق أموالهم بطرق يظنها مشروعة ناسيا أن الله له بالمرصاد، ولكنه وأمثاله لايتعظون، ولا يريدون أن يقروا بأن معظم من استغل طيبة سكان الجزيرة وقطف أحلامهم أصابه الله بسهم أحنى ظهره، ولكنه لم يرجع عن ضلاله متحديا صحوة الضمير ولو للحظة عابرة.
تركت هذه الزيارة أثرا طيبا في نفس سراب، وأسعدها التعرف على لمى فهي شابة جميلة، مهذبة تحب أم أحمد قبل أن تخطبها لابنها، وازدادت لها حبا بعد الخطوبة، وتعمقت المحبة بينهما أكثر بعد رحيل الخطيب.
في عيني لمى بريق يخطف الأنظار، ولها ابتسامة حزينة تزيدها جمالا غريبا ينطق بالألم رغم صمت صاحبته شبه الدائم.
تمنت سراب لو كان لها أخ فتزوجه منها، ولكن علية لم تنجب إلا الإناث فضيعت فرصة التمني على ابنتها.
لمى أصغر منها سنا وأجمل أيضا، هي اعترفت بذلك بينها وبين نفسها لكنها لم تقل لها بأنك أجمل مني، فليس الوقت مناسبا لمثل هذا، ولا يليق بها أن تتكلم بموضوع ليس له مبرر على الأقل في مثل هذه الظروف، بل ولا حتى في غيرها.
أحست بشيء من لوم النفس دون أن تدري لماذا راود رأسها هذا الأمر، ربما كان من باب الشفقة عليها، فرأتها كما لم تكن لتراها في ظروف عادية، ولكن ماالعمل فيما همست لها به نفسها؟!!
كلمة حق بهمسةٍ دافئة قد تفتح أمام الآخرين أبواب السعادة ما لم تستغل مصيدة لكسب مأرب لا يتوافق هدفه مع مكارم الأخلاق، وليس لهمسة نفسها مايعارض ذلك لكنها آثرت الصمت.
بقلم
زاهية بنت البحر
__________________
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
مدونتي


http://zahya12.wordpress.com/2010/09...4%d9%87%d8%a7/
رد مع اقتباس
  #22  
قديم 11-05-2012, 09:29 PM
زاهية بنت البحر زاهية بنت البحر غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 134
افتراضي 21


آذار.. الرّبيع موسم التفتح والجمال، طقس التفاؤل والعطاء، ولكنه مختلف بالنسبة للصيَّادين، دائماً يأتي بوجهين، يوم مشرقٌ، بحرُه هادئ يغري بخوض غماره صيدا وسفرا ونزهة، والسعادة ترفرف فوق الجزيرة بأجنحة النوارس وغاقاتها البديعة، وبزقزقة الأطفال فوق الصخور، ونصب الشباك فوق الأسطح والساحات لصيد النُّفُّج، وآخر غائمة سماؤه، هائجٌ بحرُه يوحي باليأس من فرج قريب.
في أحد هذه الأيام الرمادية، المتشحة بالبؤس خرج عادل من البيت منزعجا وفي رأسه الكثير من التساؤلات.
مشى في الحارات التي تملأ الجزيرة على غير هدى.. لم يكن يقصد هدفاً معيناً، فقط يريد أن يمشي عبر الأزقة الضيقة التي لا يتسع بعضها لمرور شخصين دون مواربة، هكذا تعود منذ الصغرعندما يحس بالضيق يمشي في الأزقة بعض وقت ثم يعود إلى البيت وقد استعاد شيئًا من الراحة النفسية. كانت أمه تلومه على ما يقوم به لكنه لم يترك هذه العادة وظلت مرافقته حتى اليوم.
عادل يحب جزيرته ولاعجب في ذلك، فهو رغم زيارته لعدد كبير من مدن العالم، وبعض الموانئ الشهيرة ومشاهدته لمظاهر الحضارة فيها، والتي تفتقد جزيرته الصغيرة الوادعة إلى أقلِّها تطوراً، فإنَّه كان يحب أزقتها الخانقة حباً جماً، ولكنَّ حبه الكبير هذا كاد اليوم أن يتحول كرها عندما رأى جمهوراً غفيراً من القطط، وقد تجمَّعت حول أكوامِ القمامة الملقاة خارج البيوت دون أكياس، والذباب والبعوض يحوم حولها بشكل مقزِّز، ورائحة كريهة تنبعث منها جعلته يحسُّ بالغثيان والاشمئزاز، فأغلق أنفه بإصبعيه، والذباب يحيط به كأنَّه وليمة شهيَّة له ، وأسرع باجتياز الحارة التي اشتهرت بعدم نظافتها بخلاف بيوت سكانها، والتي تسبب حرجاً لأهالي الجزيرة أمام السُّيَّاح.
رفع أصبعيه عن أنفه بعد ابتعاده عن رائحة الأوساخ وتراجع الذباب عنه.. استنشق الهواء بملء رئتيه هرباً من الاختناق، وسرعان ما تجدد شعوره بحب الجزيرة فحدَّث نفسه:
- آه لو كنت رئيساً للبلدية.
- وماذا كنت ستفعل ياشاطر، إن كان الأهالي قد تعودوا رمي الأوساخ قرب بيوتهم؟
أجاب نفسَهُ: أفعل الكثير، الكثير.
- كلُّهم يقولون مثلك في البداية، ثم يصابون باليأس من الإصلاح، فينسوا ويطنّشوا ليبقوا في البلدية.
- ولكنَّني لن..
- حتى عمال النظافة يهربون..
- سأحـاو…
- لن تصل إلى ما تريد، فلا تتطاول كثيرا.
- صدقت ومن أنا كي أتطاول كثيرا أو قليلا؟!!
خرج من دائرة الأسئلة والأجوبة ليجد نفسه مواجهاً للبحر غربَ الجزيرة.
امتطى صهوة صخرة عالية قديمة التاريخ مجهولته وجلس فوقها مبهوراً بعظمة الأمواج الصاخبة التي راحت تضرب الشواطئ والصخور بثأر لا يعرفه.
حاول اكتشاف المجهول بنظرة إلى الصخور المجاورة، والبعيدة يستطلع منها ملابسات الثأر، ولكنَّه فشل في استدراجها للاعتراف.
جثا صامتاً.. حائراً تتقاذف الأمواج أفكاره ثمَّ تلقي بها فوق كتل الأوابد القاسية.. الصامدة فتكسرها بالعناد.
أحس بالبرد يأكل عظامه، فوقف يحرك رجليه كجندي أثناء التَّدريب ليطرد البرد من شرايينه قبل أن تتجمَّد فيها الدماء، أعجبته الحركة فكررها كثيرا وسرح بأفكاره بعيدا متمنيا لو أنه خدم في الجيش وجرَّب حياة العسكربكل مافيها من نشاط وقوة، لكن للأسف لم يتسنَ له ذلك لأنه وحيد، ومن كان وحيدا لأمه يُعفَ من خدمة العلم.
شعر بشيء من الحرمان.. توقف عن المراوحة وبعض دفء يسري في داخله، وعندما ترجل عن صخرته قدَّمت له الأمواج بغتة هدية غريبة جعلت جسده يرتعش لدقائق كادت خلالها أطراف لسانه تقرض تحت أسنانه المضطربة عندما فقد السيطرة على مشاعره وهو يرى كرم البحر يستقرُّ فوق الصخور خارج الماء.


بقلم
زاهية بنت البحر
__________________
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
مدونتي


http://zahya12.wordpress.com/2010/09...4%d9%87%d8%a7/
رد مع اقتباس
  #23  
قديم 11-05-2012, 09:31 PM
زاهية بنت البحر زاهية بنت البحر غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 134
افتراضي 22

قبل أسبوع اشترى عادل في طريق عودته إلى البيت ديكا سمينا ذا عرف أحمر جميل من (العنيدي بوصطيف) كان يعرضه للبيع في إحدى أزقة الجزيرة بعد أن طردته والدته مع ديكه المدلل الذي أفسد عليها حديقة البيت الصغيرة وما فيها من مزروعات، وأزهار وورود، وأصيص القرنفل الذي يذكرها بزوجها الراحل وكيف كان يحب أن يرى القرنفل المخملي الخمري يزين شعرها، فأقسمت ألا تسمح له بدخول الدار إن هو عاد ومعه هذا العفريت المؤذي.
كل تفاصيل الحدث الجميل تظل متقدة في الذاكرة مهما طالت قامة الوقت واتسعت مساحته ..ربما تهرب لحظة خجولة من حضن العمر، فتختبئ خلف عيون الذاكرة بإحساس طفلة بريئة المشاعر، تنتظر رفة جفن تعيدها إلى داخل الإطار، فتبدو أكثر وضوحا عندما تتبختر في طريق العودة.
رحبت أم عادل بالديك الجميل فأنزلت القن القديم عن سطح المطبخ وهيَّأت له موضعا في الزاوية الغربية من حوش البيت، فصار المنبه الطبيعي لها في أوقات السحر، يوقظها من النوم بصياحٍ أحبت سماعه، فكانت تتوضأ.. تصلي قيام الليل.. تسبح الله كثيرا.. تحمده.. تؤدي صلاة الفجر.. تقرأ جزأ من القرآن.. تحتسي قهوة الصباح ثم تجلس مع الديك.. تطعمه وتسقيه.. أكثر من مرة سمعتها سراب تحدثه.. بداية خافت أن تكون حماتها قد أصيبت بمس في عقلها، لكنها سرعان ماتراجعت عن خوفها عندما رأتها تحدثه أمامها.. تلاعبه كطفل صغير، وهو ينظر إليها بلا فهم، وذات مناوشة بينهما نقر أصبعها.. تألمت، بلعت على مضض تأوها كادت تطلقه.. ضحكت بتصنع تلافيا لشماتة سراب التي كانت تراقبها عن كثب بابتسامة خفيفة في محاولة لإخفاء ضيقها من الديك المزعج لها بالصياح، وعندما كانت تبدي ذلك لحماتها كانت تقول لها: إنه يسبح الله بلغته ياابنتي، فلا تتضايقي منه.
تضحك سراب فهي تعلم أن كل شيء في الكون يسبح الله عزَّ وجل بلغته، وهي لاتحتج على ذلك وإنما احتجاجها فقط على كثرة الصياح، ثم تعود فتسبح الله وتروض نفسها على سماع تسبيح الديك فتحس بالرضا..
بالأمس ذبحه عادل، وطلب منها أن تحضره لعشاء اليوم. أحست العجوز بالحزن على الديك فقد تعودت عليه، وبات يؤنسها ويشغل حيزا محترما من اهتمامها عندما تشعر بالفراغ.
فراغ نهش كبدها لسنوات طويلة بينما أحست سراب بارتياح كبير لذبحه، وعودة الهدوء إلى البيت.
تباين المشاعر بين امرأتين لم ينحت أثرا مزعجا في صدريهما وإن لم تستطع أم عادل الاحتفاظ بنسائم فرح عابرة مرَّت في أجوائها النفسية بمؤانسة الديك المطرود من بيت امرأة أخرى، هذا قدره مالبث أن لقي به حتفه في بيت شرَّعت له فيه سيدته الأبواب والنوافذ.


بقلم
زاهية بنت البحر
__________________
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
مدونتي


http://zahya12.wordpress.com/2010/09...4%d9%87%d8%a7/
رد مع اقتباس
  #24  
قديم 11-05-2012, 09:34 PM
زاهية بنت البحر زاهية بنت البحر غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 134
افتراضي


عندما تبتسم الشمس صباحاً فوق خدود الورد تبدأ قطرات الندى تجفّ وشذاها فواح ينعش المارين بحدائق الوعدِ في يومٍ ربيعي طال انتظاره تزفُّه تغاريد الطيور.
هكذا كان صباح درة في هذا اليوم، أحست بقوة تنبت في جسدها، فنهضت للعمل بهمة تفوقت بها على بنات العشرين، ولمَ لا؟ فهي لم تستسلم لآلام المفاصل ووجع الظهر، بل ظلت تتحداهما بقوة ونجحت في المحافظة على لياقتها بينما فشلت الكثيرات ممن هن في مثل سنها لاستسلامهن للألم فهزمهن بخبث لعين.
درة تحدت ظروف حياتها الصعبة بكل شيء دون أن تتطاول على الزمن ولم تتدعِي يوما مالا يحق لها لقناعتها التامة بأن من يرتدِي ثوباً فضفاضاً أو ضيِّقاً سيظهر عيوبه لأنه لا يليق به غير ثوبه الذي فُصِّلَ له بمقاسه، وقد ينزوي ذات وقت صاغراً في ركنٍ جانبي بعد أن جعل نفسه موضعَ سخرية للآخرين.
درة تفكر قبل أن تقرر فلم تندم على شيء قامت به طواعية حتى في هذا اليوم عندما اختلفت مع ابنها في نقاشٍ خاص يحدث بين أي أم وأولادها، فترك البيت وخرج بضيق لم ترده له لأن الأرزاق بيد الله وعلى الإنسان أن يعمل دون يأس من رحمة ربه، فما حُرم منه اليوم قد يأتيه غدا أو بعد غد، ولكن ابنها كان اليوم على غير عادته، تركته يفكر عله يصل لشيء يريحه بفكرة ما.
قبل أن تذهب إلى بيت ابنتها في زيارة مستعجلة تلبية لدعوة وجيهة لها في أمرٍ هام، نظفت الديك (ملطته) وحشته بالرز واللحم المفروم وبعض المكسرات، ثم أخاطته ( وكتفته) جيدا بالخيطان، وقلَته بالسمن، ثم وضعته في طنجرة فيها الماء والملح وورق الغار وبعض حبات الهيل، كانت سراب تشاهد حماتها وهي جالسة على الأرض فوق (طراحة) تعمل بجد ونشاط- افتقدتهما سراب في أشهر الحمل الأخيرة- إلى أن انتهت من عملية طهيه وبات جاهزا للعشاء، تركت الطنجرة مغطاة ورائحة الديك المحشي تملأ أجواء البيت وتفوح منه إلى البيوت الملاصقة لبيتهم، ثم لبست ملايتها وذهبت إلى بيت وجيهة، بينما دخلت سراب إلى غرفتها لتشاهد دِيارة المولود( ثيابه) التي أرسلتها لها أمها صباحا مع أختها الصغرى مروة بعد أن هيأت نفسها لاستقبال زوجها لتناول بعض الطعام من بواقي غداء الأمس لأن حماتها قد تأكل عند ابنتها.
فرحت سراب بجهاز الصغير فرحتين أولا لأنه من والدتها، فقد تعودت نسوة الجزيرة على تجهيز المولود الأول لبناتهن، وإن كانت حالة الأب جيدة تجهز جميع أحفادها، وفرحت ثانيا وهي ترسم صورة وليدها بهذه الثياب، ولم تبخل برؤيته أيضا بما أحضره له والده من ملابس، فرأته وليدا ورأته يمشي وجمح بها الخيال فرأته عريسا.
تمنت أن تطول بها لحظات الحلم الجميلة لكنها سرعان ما تنتهي برفة جفن.. تهرب إلى المجهول.. تحاول اللحاق بها.. تفشل، ويظل الفرقُ شاسعًا بين لحظةِ دخول الحلم، ولحظة الخروج منه.
سراب تجيد امتطاء صهوة الحلم، وتعرف كيف تقوده دون أن تهوي فيه، فمن يمتلك خيالا جامحاً صوب المنى تنبت له أجنحة قوية تتحدى الريح والمطر ومطبات القلق، ولكن ليس كل خيال يصلح للتحليق، ولحسن حظها ففد حظيت بخيال كان متمرسا على اجتياح الصعاب بقلب قوي، ونية صافية تستمد نقاءها من إيمانها بالله العلي العظيم.

بقلم
زاهية بنت البحر
__________________
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
مدونتي


http://zahya12.wordpress.com/2010/09...4%d9%87%d8%a7/
رد مع اقتباس
  #25  
قديم 11-05-2012, 09:36 PM
زاهية بنت البحر زاهية بنت البحر غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 134
افتراضي


قبل مغادرتها الحارة كانت الطريق خالية من المارة إلا منهما، رفعت منديلها الأسود عن وجهها، نظرت إليه بعينين واجفتين، ودقات قلبها تخفق بشدة، اقتربت منه، مدت إليه يدها.. أسرع إليها وأمسك بها بكلتا يديه، مرت لحظات صمت بينهما.. تعلقت عيناه بعينيها، حاولت أن تبتسم.. ارتعشت شفتاها بعجاف السنين.. فشلت.. حاولت ثانية فخذلت بها أيضا.. لماذا تهرب منها في وقت حاجتها لها؟ ولماذا لم يقبض هو على ابتسامة يرطب بها قلبها الحزين عليه؟!!
أحياناً تموتُ البسمة ُفوقَ شفتي ِطفلٍ صغيرٍ.. تنوبُ عنها دمعة ٌفي عينيهِ كانت تلوبُ بوجعِ الحرمانِ، وفقدِ الأملِ فيما يريد، فلاهي تهمي فتطفئ حسرةً، ولا هي تختفي فتريح من وقدٍ مؤلمٍ لا يحسِّهُ إلا البؤساء.
خانته ابتسامته في وجهها، لكن دموعه كانت سخية فوق ظهر يدها وهو يقبلها.
- تعالَ يا صغيري.
- مشى معها وهي تمسك بيده، لم تشعر بالغثيان من ثيابه المتسخة، ولم تبعد يدها عن يده المعفرة بالتراب.
سألته: مضى زمن لم أرك فيه، أين كنت غائبا.
- لم تسمح لي بالخروج من البيت.
- وكيف خرجت اليوم؟
- ذهبتْ لزيارة أمها.
- من ساعدك بالهروب؟
- عثمان السلاوي عندما ناديته.. انتظرها حتى خرجت من الحارة فنزل إلي في حوش البيت من على سطح مطبخهم، فك قيدي وهربنا معا.
- سيكون عقابك شديدا عندما تعود إلى البيت..
- لن أعود إليها.
- لا مأوى لك غير منزل أبيك.
- فيه حية سامة، سأنام في الجامع.
- تقفل أبواب الجامع بعد صلاة العشاء.
- أنام فوق السطح.
- مازال الطقس باردا، وجسمك الضعيف لن يحتمل البرودة.
- لن يكون أشد برودة من حوش البيت.
- سأعيدك إليها في طريق عودتي.
- لن تفعلي ذلك، فهي ظالمة.
- سأشفع لك عندها.
- وعندما تذهبين ستعيدني مقيدا إلى الحوش والصراصير، والفئران.
- لا لن يحدث هذا بعد اليوم، اطمئن ياصغيري.
أدخلته وجيهة الحمام وأعطته ثيابا نظيفة من ملابس أولادها. وعندما خرج منه نظيفا أسرع إليه الأطفال وراحوا يلعبون معه بينما جلست وجيها تحدث أمها بصوت منخفض في ركن جانبي من الغرفة.
تحدثتا طويلا واتسع وقت الحديث لأكثر من فنجان قهوة وكأس شاي، كانت تحضرها لهما راوية ابنة وجيهة البكر.
قالت أم عادل: لا تخبريه شيئا قبل التأكد من صحة الخبر.
تأكدت منه من عدة مصادر.
- تمهلي قليلا.
- لا أستطيع.
- على أية حال إن كان مانُقل إليك صحيحا فهو لم يتم بعد، وبشيء من الحكمة يمكن غض الطرف عنه.
- جل ما أخشاه أن تقع الفأس بالرأس بين ليلة وضحاها.
- لاتخبريه شيئًا، سأتدبر الأمر بمعرفتي.
- لن تستطيعي منعه صدقيني، فهو إن وضع فكرة في رأسه واقتنع بها فلن يتركها مهما حصل.
- إلا إذا اقتنع بما يسمع من كلام محدثه.
- ولكنه لن يفعل، وأنا بصراحة لن أسكت بعد اليوم وسأضع حدا لكل شيء.
- إياك أن تفعلي ذلك، وإلا ندمتِ.
- لماذا سأندم وأنا على حق؟
- علَّمتني الحياة ياابنتي أن أجد للآخرين عذرًا كي لاأجرح شعورهم بكلمة أو عملٍ لايليق بي، وعلَّمتني أيضًا المرونةَ في وقت الشِّدة والصلابةَ في وقت الخطر، وعلَّمتني أن أسمع نصائح من هم أكثر مني علمًا وتجربة في الحياة .
- نِعمَ ماعلمتك الحياة ياأمي، ولكن هل أتركه يجرح شعوري بكل غلظة وقسوة ويخرب بيتي بما علمتك الحياة؟ّ!! أنا زوجة وأم ولي كرامة.
- وهو رجل وله أيضا كرامة، لم يكن تعدد الزوجات يوما من الأيام انتقاصا لكرامة الزوجة، فلا تحرمي ما أحلَّ الله.
- إذا وجدت الأسباب التي تبيح التعدد أما إذا لم….
- التعدد مباح شئت هذا أم أبيتِ، فاعقلي ولا تنغصي عليك حياتك.
- لن أسكت والله ولو وصل بنا الأمر للطلاق.
- دعيني أتدبر الأمر، فإما أن أقنعه أو يقنعني. طعامك اليوم زائد الملوحة.

بقلم
زاهية بنت البحر
__________________
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
مدونتي


http://zahya12.wordpress.com/2010/09...4%d9%87%d8%a7/
رد مع اقتباس
  #26  
قديم 11-05-2012, 09:38 PM
زاهية بنت البحر زاهية بنت البحر غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 134
افتراضي



بصمت وانتباه كانت تقرأ ما يختلج في صدره من خوف رهيب؛ تشي به ارتعاشة يده الجاثمة في قبضة يمناها؛ وهي تعود به إلى بيت أبيه.
ترى هل سمعت مواساة الأزقة الضيقة له بحيطانها العتيقة؛ وشبابيكها المغلقة هروبا من صفير الريح الممتقعة وجها؛ بما تحمله من بقايا القمامة التي نثرتها في أماكن شتى من مساحة الجزيرة الصغيرة؛ فَهَمَتْ من عينيها بعضُ دموع؟
ربما أحست بها، استشفت ذلك من خلال تعاطف من هم خلف الحيطان مع الصغير منذ رحيل والدته وهي تضعه فجاء الى الدنيا لطيما..
جميلٌ أن تجدَ قلوباً نقية تحبك بصدق وإخلاص.. تقف جانبك وقت الضيق.. تبتسم لك عندما تكون بحاجة لمن يدخل السعادة إلى نفسك.. تحملك لراحة الفكر والجسد، وتضيء لك درب الحياة بقنديل الأمل.
كان مولده مؤلما للجميع، وازداد تعاطف الناس معه بعد رحيل والده قبل سنتين غرقا في البحر، فبقي في عهدة زوجته رضوى المالكة الشرعية للبيت الذي كتبه لها الراحل عوضا عن المهر، لكن رضوى لم تعامل اليتيم اللطيم رزق كما أمر الله وكما أوصاها والده، فأساءت إليه ولم ترسله إلى المدرسة، وحبسته في حوش الدار في غرفة صغيرة باردة في الشتاء، حارة في الصيف بحجة ضيق البيت خاصة بعد زواجها في العام الماضي من سعفان الفذي، الذي قيل بأن شرطه الرئيس للزواج منها كان عدم السماح للصغير بالعيش معه تحت سقف بيت واحد كي لايذكره بوالده، فآثرت له العيش في الحوش دون الطرد خشية أن تلوكها ألسنة الناس على فعلتها النكراء تلك، بعد أن رفض خال الطفل وخالته حضانته بحجة أن بيت والده هو الأَولى به من بيوت غيره، فظل في الحوش ينام ويأكل البائت من الطعام فليس له جد ولا عم يرعى طفولته في زمن تسيدت فيه على عرش حياته امرأة ظالمة لاتخشى الله في عمل ولا في قول.
قبلت رضوى بسعفان وقبل بها فهي تريد طفلا وهو يريد مالا وجمالا، هي امرأة جميلة وشابة تستحق التضحية بالزواج منها حتى لو عارضته زوجته، وتصنعت الضيق، وذهبت إلى بيت أهلها، فلاشيء يهم مادام سيريح نفسه من صراخ الأطفال ونق المرأة متفرغا لعبِّ السعادة في شهر العسل مع رضوى، وفي النهاية ستعود وصيفة مع أولادها إلى البيت لعدم قدرة أهلها على القيام بواجباتهم تجاههم تماما.
(رزق) الطفل اليتيم اللطيم جميل الصورة، ذكي، نبيه وصبور يحمل في أحضان أعوامه التسعة قلب رجل كبير جرعته الحياة باكرا كؤوس البؤس والحرمان، وكثيرا ما كان يلجأ إلى بيت أم عادل قبل وفاة والده يشكو لها ظلم زوجة أبيه، وبخلها الشديد، وعدم اهتمامها بنظافة جسمه وملابسه، وعدم السماح له بالخروج من البيت ولقاء الأطفال إلا نادرا، وإرهاقه بأعمال البيت رغم اعتراض والده على ظلمها وإهمالها لطفله اللطيم، فكانت تهدده بطردهما من المنزل إن هو ألح عليها بالكلام، فيصمت مرغما فهي سيدة البيت ومالكته، وليس هناك مكان آخر يأوي إليه مع طفله المسكين.
وظل رزق بعد وفاة والده يلجأ إلى أم عادل، فقد كانت له الصدر الحنون الذي وجد فيه شيئا من الدفء الذي افتقده منذ مولده. لم ترزق رضوى بأطفال من والد رزق، فظنت بأنه أصيب بالعقم بعد الحادث الذي وقع له في إحدى السفن التجارية، وكثيرا ماكانت تعيره بعقمه دون أن تزور طبيبا لمعرفة من العقيم منهما.
بعد رحيله بعام أرسلت لسعفان من يقنعه بالزواج منها. كانت فرحتها عارمة عندما علمت بموافقته، فرضيت بكل ما أملاه عليها من شروط، وقبل ليلة الدخلة قبض منها مبلغا كبيرا من المال احتسبته ثمنا لطفل قد ترزق به من سعفان الفذي، وحتى اليوم لم يتحقق حلمها، ولم تعامل رزق بما يرضي الله .



بقلم
زاهية بنت البحر

__________________
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
مدونتي


http://zahya12.wordpress.com/2010/09...4%d9%87%d8%a7/
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:29 PM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi
جميع الحقوق محفوظة لدى الكاتب ومنتديات السلطنة الادبية