روابط مفيدة : استرجاع كلمة المرور| طلب كود تفعيل العضوية | تفعيل العضوية

.::||[ آخر المشاركات ]||::.
نـوبـة حنين [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     في محراب الحنين [ آخر الردود : ذكرى - ]       »     لحظه غيابك [ آخر الردود : ياسر الكثيري - ]       »     انتفاضة [ آخر الردود : ذكرى - ]       »     هموم مضت في فضاء الواقع [ آخر الردود : زياد الحمداني (( جناح الأسير)) - ]       »     كفيف [ آخر الردود : زياد الحمداني (( جناح الأسير)) - ]       »     ذكرى شاعرة في ربيع العمر [ آخر الردود : زياد الحمداني (( جناح الأسير)) - ]       »     شوقان [ آخر الردود : زياد الحمداني (( جناح الأسير)) - ]       »     جناح الخير [ آخر الردود : زياد الحمداني (( جناح الأسير)) - ]       »     عودة حميدة نتمناها للجميع [ آخر الردود : وهج الروح - ]       »    


الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء
عدد الضغطات : 3,475ضع إعلانك هنا - ثلاث شهور فقط 25 ريال عماني
عدد الضغطات : 2,733ضع إعلانك هنا - ثلاث شهور فقط 25 ريال عماني
عدد الضغطات : 7,979
دروازة للتصميم
عدد الضغطات : 52,440عدد الضغطات : 52,213عدد الضغطات : 52,320

العودة   منتديات السلطنة الأدبية > منتديات السلطنة الأدبية > القصة القصيرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #61  
قديم 27-05-2013, 03:57 PM
الصورة الرمزية مختار أحمد سعيدي
مختار أحمد سعيدي مختار أحمد سعيدي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 583

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى مختار أحمد سعيدي
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وهج الروح مشاهدة المشاركة
احداث لا تتوقف وقلم مميز في عالم القصص



خوي مختار ابدعت
احداث متنوعة اكمل فانا في الجوار
............................
وهج الروح ...
نعم الرفيق على طريق الحكا .
دام وصلك الجميل
تحياتي
رد مع اقتباس
  #62  
قديم 27-05-2013, 03:57 PM
الصورة الرمزية مختار أحمد سعيدي
مختار أحمد سعيدي مختار أحمد سعيدي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 583

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى مختار أحمد سعيدي
افتراضي

كان الأولاد ينظرون إليه حيرة ، سجلوا الموقف استفهاما بمشرط الوشم المؤلم على الذاكرة ليوم الجواب، أرادوا أن يقبلوه كعادتهم، فدفعهم و صرخ في وجوههم..
-اذهبوا مع أمكم لست أب أحد.
كانت الصغيرة تشد على سرواله و تعانق ساقه و تبكي ليحملها كعادته و يقبلها و يمسح دمعها، إلا أنه في هذه المرة كان جافا، غليظ القلب، قاسيا، فدفعها برجله الى أمها، دخل و أغلق الباب، كان صوت بكائها يبحث في ذاته عن تلك المشاعر التي ادعت يوما الحب و التضحية و الحنو، يطاردها من القلب إلى الكبد إلى الظمير، إلا أن كل هذه الأبواب كانت موصدة بأمر من الأنانية الجشعة التي حولته إلى وحش تريد أنسنته بما يخالف فطرة كل الكائنات .
في طريقها إلى بيت صديقتها رأت الفيلسوف يحمل محفظته أمام باب المدرسة يتحدث إلى تلميذاته ، فرسمت على ثغرها آخر ابتسامات هذا لفصل من عمرها، واختفت هي كذلك في وسط الصخب البشري الذي تلتهمه فوضى شوارع المدينة ...تنثرت عقد الوصل و ذهب كل واحد إلى شأنه يقكر بما شاء و القضاء يدبر في الخفاء ما يشاء ..
كانت في ذلك اليوم قاعة الجلسات مسرحا لقصة حب بدأ أفلاطونيا و تحول مع مر الزمن إلى مأساة، خلفت الكثير من الدمار و البؤس، و حطمت الطموحات و الأمنيات، و أسست للشقاء مجرة يدور في فلكها الكثير، و كأن على رؤوس الحضور الطير لما بدأت تروي تفاصيل الحكا، يتابع الجميع ما يعرضه الواقع على لسان الأسطورة،و رغم صرامة القاضي و جديته التي ترفض الخوض في الحيثيات الصغيرة،وجدته يتابع الأحدات باهتمام كبير ، كأنه يقرأ رواية لكاتب داهية ، و من أدهى من الزمن لصنع العجائب، واستطاعت أن تكون صادقة بالقدر الذي يشد انتباه الجميع و يتأثر بها ، وأحدثت اعترافاتها تفككا كبيرا وشرخا بين قلوب الرحمة و سيف القانون ، و خاصة لما ختمت مرافعتها بقولها ..
-سدي القاضي ، أنا لا أطلب الرحمة بجرأتي هذه، و لكن أريد أن أعترف لكم في الأخير، أنها و لا شك لعنة أبي الذي بزقت في وجهه و هو يموت ، و جاءت بي إلى هنا لتقتص مني و أخسر الجميع، فدونكم سيدي هذا العمر والتفعل الإجراءات الجزائية به ما تشاء، لأكون عبرة، و رحمة بي ليشعر ظميري بشيء من الإرتياح، و لهذا ألتمس من سيادتكم قصاص الحياة...
سكتت و خيم الصمت، وأعطى القاضي الكلمة إلى المدعي العام، فأنزل سيفه دون رحمة و لا شفقة، و رفعت الجلسة للمداولة، جلست على كرسي الإتهام،كان الإعتراف أشد عليها من مخاض الوضع، و أحست بالراحة االتي تسبق الموت،فابتسمت لدمع حار كان يسقي وجنتيها، تنظر إلى الزوج المدعي بعيون الفريسة المستسلمة بين مخالبه، تغير لونه و ظهر الإرتباك عليه ممزوجا بشيء من الخجل، في عجالة من أمره يستعد للخروج.
و حكمت المحكمة عليها بخمس سنوات سجن نافذة، و حجبتها من التصرف في أموال الوصية بقوة القانون، و حكمت على زوجها الفار غيابيا بسبع سنوات سجن و غرامة مالية تقدر بمائة ألف دينار،وإعادة تسجيل الطفل بإسم أبيه الحقيقي و إلغاء العقد الأول، و نقل كل أموال و ممتلكات الطفل تحت وصاية الأب و الولي الشرعي ، يتصرف فيها بموجب ما تسمح به الوصية و القانوانين السارية المفعول...و رفعت الجلسة وانصرف أعضاء المحكمة .
وضع لها الشرطي القيود، يقودها إلى سيارة السجن، وقبل أن تركب توقفت، فطاوعها الشرطي ،كأنها تنظر النظرة الأخيرة إلى المجتمع، تجول بنظرها محيط المحكمة، الجدة تحمل الطفل على الرصيف أمام الباب، بعض القضوليين ينظرون إليها ، المكان الذي كان ينتظرها فيه يقف فيه رجل آخر، لعله ينتظر هو كذلك امرأة ، و ربما يعيد الحدث نفسه مرة أخرى ...فصرخت بكل ما أوتيت من قوة..لاااااااااا...دفعها الشرطي داخل السيارة ، وأقلعت في اتجاه السجن...

...يتبع...
رد مع اقتباس
  #63  
قديم 30-05-2013, 10:54 AM
الصورة الرمزية مختار أحمد سعيدي
مختار أحمد سعيدي مختار أحمد سعيدي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 583

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى مختار أحمد سعيدي
افتراضي

لا تزال الجدة تنتظر الأب الجديد على الرصيف ، لتسلمه إبنه على مضض، لقد تعلقت به كثيرا و لا تستطيع فراقه، تنتظر أن يحضنه و يقبله بحرارة الوالد الحنو، و يصنع بذلك لقاء من فيض العاطفة، يمزق قلوب الفضول، لقاءا مأثرا و مليئا بالحنان، أب يستعيد فلذة كبده بأعجوبة، حدث لا شك يهز القلوب، و يفتت المشاعر ، تقشعر له الأبدان، و تظرف له العيون الدمع الحار...
مرت ساعة أو أكثر و هي تتهيأ لتلك اللحظة التي ستتمزق فيها، و لما جاء تنتظره أن يطردها شر طردة، و ينتزعه منها انتزاعا، و يأخذه غصبا، فإذا به يقول لها
-الآن خذي إبنك واذهبي به إلى البيت، سأتصل بك لاحقا .
أدخل يده في جيبه، أعطاها ما أخرجته يده من أوراق نقذية و انصرف في عجالة من أمره، ركب سيارته و ذهب...
لقد فصلوه من العمل بقرار إداري ، و منعوه نهائيا من مزاولة أي عمل له علاقة بالقضاء.
عادت به فرحة، و لما دخلت إلى البيت وجدته موحشا، يرد الفراغ صدى الحركات كلها، جلست، وضعته في حجرها تنظر إليه، تنهدت و قالت
-بئس الحظ حظك، لا أظن أني أصل معك حيث تريد، إني أقرأ في عينيك يا ولدي عز الشقاء و هول النهايات، الهم ينصب عند الجميع و عندك يبني ..
كانت كلماتها تصلني منهزمة منكسرة، أما أنا فكنت بارد المشاعر، غنيا عن حضور الجميع بتواجد هذه الجدة الحنون، أراها تبكي شفقة علي و رحمة بي ، و أنا حزين رحمة بها و لا حيلة لي ، لأنها وحدها مؤنستي وحضن الدفء الذي كان يحتويني ، عندما تقول لي أمك ،أبحث عنها في كل قواميس لغات الألسنة و الأجساد فلا أجد إلا أما كالسلحفاة تلدهم بيضا و تهجرهم، تسلحفوا أو موتوا، أتجول ببصري أينما كنت، أكتشف أشياء كثيرة تصنع في ذاتي السؤال المحير و أحيانا جوابها يكون أغرب، لا أميز بين الثابت و المتغير، أبكي أضحك عندي سواسية، لأنهما مجرد وسيلة، أنام و أستيقظ، أصبح شيئا عاديا أن أبكي لما تتأخر عني الجدة بالحليب، و لا يهمها بكائي، أعرف هذا، فقط لما أكون مريضا تنشغل و يظهر عليها القلق، أسمعه لما يكلمها، يسألها عن كل شيء إلا عني، و بدأ يبعد بين المكالمة و المكالمة، و الزيارة و الزيارة، و لا يراني إلا نادرا، و لا حملني يوما في حضنه أبدا، و لا قبلني، كنت أبكي لما أراه و أندس في حضن الجدة، هكذا حتى اختفى نهائيا، بحثت عنه الجدة في كل مكان، و أخيرا بلغت النيابة و عادت إلى البيت، استنجدت في الأول ببعض الجيران، و كلما حاولت إستعطاف حفيذها الفيلسوف أو إبنها، رهنا احتضانها بالتخلص مني فترفض، احترفت المسألة في الخفاء، ثم عادت إلى قراءة الكف و الفنجان، وتقول بحول الله ستكون كذلك، تضحك على أذقان المغفلات، و أصبحت قبلة الكثير من النساء الثريات، تكذب عليهن فيتعافين و يصدقونها، واستطاعت أن توفر لنا الأكل و الشرب و اللباس، عندما تتضايق تجلسني أمامها و تحكي لي جميع همومها، و معاناتها، تعاتبني برفق أحيانا تقول، لم أتيت إلى هذه الدنيا المليئة بالشر؟.. لم...لم.. ؟..
كنت أراها كشمعة في آخر لحظاتها، تقاوم الذوبان لتضيء أطول مسافة من عمري، تضيء عتمة وجودي بذلك البصيص من الأمل الذي كانت تنظر به إلي، أطعمتني كل أعشاب الدنيا لأكبر كما قالت بسرعة ....و في آخر السنة الثالثة من عمري شعرت بشيء غريب يريد أن يسلبني شيئا من ذاتي، ودخلت في صراع مع هذا الشيء الخفي الذي أراد أن يمسح كل هذه الأشياء التي جمعتها ذاكرتي ، و عزمت أن أكون الإستثناء، و أحتفظ بكل هذه التفاصيل، أحتج بها أمام كل تحول في حياتي يسوقني إلى غير وجهتي، واستطعت أن أتحدى و أحتفظ بذاكرتي، و تجاوزت تلك المرحلة بعناء كبير، و في الرابعة من عمري جاءت الفاجعة، لا زلت أذكر تلك الليلة، رأيتها تصلي فهرولت لأركب فوق ظهرها كالعادة، و أتخذها فرسا، و تبقى هي ساجدة ما بقيت أنا فوقها، ولما أنزل ترفع و أجدها تبتسم، لكن في هذه المرة لم ترفع، و بقيت على حالها، دفعتها بيدي فمالت على يمينها، كانت تنظر إلي و هي تبتسم، وضعت يدي الصغيرتين على رأسها أهزها..دادة..دادة..دادة.. ركبت فوقها أضربها لتقوم ،لم تتحرك، ولا تزال تبتسم إلي، ناديتها مرة أخرى..دادة..دادة..و بدأت أبكي و هي تبتسم لي، لم تستجيب، فخرجت أمام الباب لتتبعني كعادتها، رأتني الجارة و قد طال بكائي فأسرعت إلي، حملتني و دخلت و هي تناديها ، فوجدتها على سجادتها نائمة و تبتسم، هزتها فلم تجب، نظرت إلي بعيون همعة،حضنتني بكل قوة، حملتني و أسرعت بي إلى بيتها، ما رأيت أطيب من تلك المرأة أبدا، و جاء زوجها و هو يحولل و يقولل، طلب الشرطة و الإسعاف ، و أدخلني ثانية إلى بيته، أذكر قد بكاها الجميع رغم أنهم كانوا كلهم يكرهونها، و شعرت بشيء في تلك العائلة، شيء كالدفء و الأمان، كانت تلك المرأة الشابة لا تشيه أمي،و ضعتني بين أولادها، و بقيت عند رأسي حتى نمت، و في الصباح قام الجميع، تناولنا الفطور، و بدأنا نلعب، حضرت لنا الغذاء، ثم وضعت الصغيرة في حجرها تطعمها كالعصفورة، مثل ما كانت تفعل معي الجدة، و هي تراقبنا و نحن نأكل، فتذكرت العجوز و بكيت، وضعت إبنتها جانبا و حملتني في حضتها، أقسمت لي أنها سافرت، و سنلتحق بها في يوم من الأيام، و أنها تنتظرنا هناك في أجمل حديقة في العالم، فيها كل الأشياء الجميلة التي نتمناها هذه الحديقة لا يدخلها إلا الطيب، و لهذا إذا أردت أن أذهب عندها يجب أن لا أبكي، و أبتسم، و أكون طفلا مؤدبا و طيبا، كنت أنظر إلى تلك المرأة الطيبة وكأنها ملاك رحمة جاء في وقته، فصدقتها، و هي تتحدث معي عانقتها، و نمت في حجرها، وذهبت عند الجدة، وجدتها في الحديقة كما قالت تلك المرأة الطيبة، و سررت كثيرا.... لما استيقظت وجدت نفسي في حضن امرأة أخرى في سيارة، صرخت و حاولت أن أهرب، فمسكتني بقوة، ضربتني و سكنني الخوف، فانطويت و سكت، توقفت السيارة و دخلنا إلى ساحة فسيحة و حديقة ليست كحديقة الجدة، أدخلوني إلى قاعة كبيرة فيها أطفال كثر، أحسبهم كلهم مثلي، سافرت داداهم...و نساء بمآزر بيضاء كأنهن دجاجات، بكيت في أول الأمر، ثم سكت، رأيت طفلة صغيرة كبنت تللك المرأة الطيبة، تجلس وحدها ، فذهبت إليها كأني أعرفها، جلست بجانبها وهي تنظر إلي بغرابة، أردت أن ألمسها ضربتني فضربتها، وعاقبتني تلك المرأة التي ترتدي المئزر الأبيض و فرقت بيننا، و هكذا بدأت أندمج شيئا فشيئا، حتى أصبحت مثل جميع الأطفال أكره المئزر الأبيض، وأنتظر أن أكبر بسرعة لأنتقم لنفسي، سمعت المديرة تقول أنهم يبحثون عن أبي الذي هرب، فقلت لعلى كل هؤلاء الأطفال هرب أباؤهم، ما رأيت أجمل منهم، ولكن لماذا يهرب الأباء من الأبناء، سألت المعلمة يوما فقالت ، لأنكم مشاغبون...
مقابل مركز الأطفال ، هناك مركز آخر للمسنين يحتضن الكثير من أمثالها الذين فقدوا أو إفتقدوا الصدور الحانية و الأهل و الأقارب، جاءوا من جميع أحياء المدينة، و من بعض القرى المجاورة، بقدر ما تقاربوا في السن و الثقافة، بقدر ما اختلفوا في المزاج و الشخصية، الساخطون على أولادهم و ذويهم و المجتمع الذي لفظهم ،يحاولون عبثا استرجاع الزمن الفائت لينتقموا هم كذلك... وجدت نفسها في وسط لا يحسن الإستماع، و لا يقبل من يخالفه، و لا يرضى بالتفاوت مهما كان، كلهم يعيشون على الماضي، و يصارعون بوادر الموت البطيء، يحاربون اليأس بردود فعل واهية وانطبق عليها المثل القائل، يا داخل مصر منك الألوف، واشتد عليها الخناق، تقضي يومها كله في صمت، واعتزلها الجميع و أصبحت تعيش في زنزانة نفسية تتحين لحظة الهروب من هذا السجن الذي وضعت نفسها فيه، و أصرت أن تخرج من هنا تمشي على قدميها .
...يتبع...

التعديل الأخير تم بواسطة مختار أحمد سعيدي ; 31-05-2013 الساعة 02:31 AM
رد مع اقتباس
  #64  
قديم 31-05-2013, 02:48 AM
الصورة الرمزية مختار أحمد سعيدي
مختار أحمد سعيدي مختار أحمد سعيدي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 583

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى مختار أحمد سعيدي
افتراضي

تقوم بتمرينات و حركات عضوية، ترويضات نفسية، تمارس اليوقا، تحاول من حين إلى حين مخادعة حالتها لتقوم من سريرها فجأة ، فلا يتحرك فيها شيء، تقوي عزيمتها بتشديد الإرادة وقتل اليأس، يجب أن تقف لتنتقم وتستعيد هيبتها ومنزلتها، وقعت عدة مرات على الأرض، ونصحها الطبيب بالإبتعاد عن هذه الممارسات التي لن تفيدها في شيء، بالعكس ستأزم حالتها أكثر ، وأن حالتها تستدعي استعدادات نفسية تحت ضغط ظروف استثنائية تحدث صدمة مضادة حادة وقوية غير منتظرة... رغم هذا واصلت على نفس التمارين التي تختمها دائما بالبكاء و سب وشتم قدرها ، وهجرها الصبر وسكنها القلق والسخط...
في ذلك المساء أحست بشيء من الإسترخاء، أتعبها التفكير فاستسلمت لحلم اليقظة تأخذها السنة بعد السنة والغفوة بعد الغفوة حتى رأته يدخل غرفتها كالشبح، أغلق الباب، وانقض عليها يحاول خنقها، يشد عنقها بأصابعه الرهيبة ويضغط بكل قوة، وهي تدفعه بيديها وتحاول أن تصرخ، لما رفعته قليلا عن جسدها، إستعانت برجليها ودفعته مرة واحدة، فسقط وقامت، فتحت الباب وهربت، تبعها وهي تجري وتصرح... الغيث.. الغيث.. إني أمشي، إني أجري... جرى ورائها الأعوان ، إلا أنها كانت للموت أسرع، كالسهم تشق الريح لتصطدم أمام باب المركز بسيارة فألقتها على جذع شجرة فشخج رأسها وسال الدم من أنفها وفمها، عندما وصل الأعوان وجدوا الدمع قد اختلط بالدم ، فقالت في غصة:
- أراد أن يخنقني فهربت
- قال العون: من ؟
- قالت: الأعرابي النذل، زوجي، انظروا إنني أمشي
هلكت، ولم يبكها أحد.
حضر جنازتها الفيلسوف والأرملة وشيعها إلى القبر بعض الفضوليين من قاطني المركز، وقبل أن ينصرفوا قال الفيلسوف:
- هي طبيعة الحياة، دخلت كما خرجت أول مرة، مسكينة أمي، رحلت وتركت رمادا..
نظرت إليه الأرملة، همت بـ... أشاحت بوجهها وذهبت، ينظر إليها حتى التهمها امتداد الشارع، ولما وصلت كانت الأمازونية فوق الخشبة كالساحرة المخدرة تأخذ بالألباب، في جسدها شيء من أمها، وقفت أمامها وقالت:
- ماتت أمك.
إبتسمت وتحجر الدمع في عينيها، وواصلت تتلوى كالأفعى في طواعية النغم إلى آخر دقة، توقفت واختفت.
في نفس اليوم وفي نفس الوقت كانت امرأة واقفة أمام باب السجن، ترى الشارع لأول مرة بعد خمس سنوات، يا للعجب ومن كان يقول!!.. لم يتغير شيء، دخلت وكان السجن علبة صغيرة، فأصبح معتقلا كبيرا بأجنحة أضيق، خرجت ولا تزال المدينة على حالها، نفس الشوارع، نفس المحلات، نفس المقاهي، ونفس الوجوه، نفس الحركات، ونفس السكنات، ونفس الممارسات، رجال كثر ينتظرون على الأرصفة، ونساء كثيرات قادمات وأطفال تشردوا يتسولون ويتصعلكون، في طريقها إلى البيت كأنها نامت دهرا،لما وصلت كان الشارع خاليا والباب مغلقا كأنه لم يفتح منذ عشرات السنين، الجيران ينظرون إليها من فجوات النوافذ كأنها عائدة من وراء الزمن، يستعيدون الحدث بتأويلاتهم، ينظرون إليها بنفس العين التي كانت تنظر إليها منذ خمس سنوات، كأنها كانت بالأمس فقط، فتحت، دخلت وتركت الباب ورائها مفتوحا، نشر الغبار غطاءه على كل شيء، لا يزال شال الجدة على المسند، وعلى المائدة قارورة ماء وكوب، الساعة توقفت وهي تشير إلى زمن يعيد نفسه حتى وهي متوقفة، رائحة الرطوبة العكرة تملأ المكان والعنكبوت بدأ ينسج خيوطه في كل مكان، لا تزال السجادة والنعل والعصا في محطة الموت... شعرت بقشعريرة تغزو جسدها، فأسرعت تفتح النوافذ وتزيح الستائر ليتجدد الهواء ويدخل الضوء، ويخرج الظلام ويتنفس البيت، فاستظهرت خبايا من الزمن الماضي ونفخت في شجونه قبس الحياة، هنا الكل يرد الصدى والوقع لا يرحم، حضر الزوج، وجاءت الجدة، واستيقظ الطفل، وبدأ العرض، أدارت وجهها إلى الحائط، انحنت، وأغلقت براحتيها أذنيها، وأغمظت عينيها، وخنقتها العبرات، في هذه المرة كان الصمت يتكلم، مرت إلى المطبخ، لا ماء ولا كهرباء ولا غاز، خبز يابس في الخزانة، بعض التوابل لا تزال في حافظاتها، أواني فوق المغسل، والمزهرية خاوية فوق الطاولة، تذكرت أن في الوجود ورود، تذكرت المزرعة والقرية وأشياء كثيرة كاد أن يلتهمها النسيان، جلست على الكرسي تنظر من النافذة إلى ما مر من زمن العمر، وضجيج الأيام التي خلت في هذا البيت، يملأ الفضاء، كأنها تحررت واستيقظت هي كذلك من جديد، زارت كل الغرف وتوقفت في غرفة الجدة، كأنها كانت هنا وخرجت، عجيب ! وحدها هذه الغرفة لا غبار فيها ولا عنكبوت، لعل بابها ونوافذها كانت محكمة الغلق، رائحة القرنفل والخزامى، والبخور، لا يزال عقدها معلق هناك، في درج طاولتها علبة كحل، وقشور شجرة الجوز كانت تمضغها فتظهر شفتيها غليظة وبنية اللون قاتمة كالكبد، مسبحتها الأخرى، وحزامها المطرز بالأصفر والأحمر، وبعض المناديل، من طبيعتها هذه الأشياء تضعها في متناولها بجانب المرآة الكبيرة، احتضنتها الغرفة، وحدها كانت تراها وفية... في غرفة النوم هاجمها العتاب والندم، السرير عش سعادة ووكر شقاء، ما أفظعه ! في الدولاب سر الأقنعة، الطاولة، الكرسي، الأريكة، المصباح، اللوحة، صورتها، التلفاز، المدفئة، الستائر، كل شيء على حاله، فتحت الدولاب، ملابسها كما تركتها، صندوق الزينة، قارورة عطرها، منذ دخلت لم تلمس شيئا، لكل شيء هنا حكاية، أسطورة، أو دراما، كأنها في متحف لا تريد أن تبعثر لمسات الزمن، وقفت أمام المرآة، نعم إنها هي، لكن بوجه آخر، كأنها غابت عن نفسها عشر سنوات، تقرأ على وجهها آثارا خلدتها أحداث مرت من هنا، ابتسمت، لم تجد الإبتسامة المكان المناسب، لبسط روعتها، مكفهرا كان الثغر يرفض كل دخيل... بدأت تسمع نبضات قلبها تحترف كلام الصمت الذي تغلغل في نفسها، واكتسح تلك الذات التي صنعت له في عمقها ذات يوم مأوى يجتر فيه أجمل الأحلام، كان في هذه المرة موحشا تسكنه الأشباح...
قضت ليلتها في غرفة الجدة، في ذلك الظلام الجميل الذي افتقدته كل مدة السجن، واستغربت لجمال الظلام، لأول مرة تكتشف روعة تعاقب الليل والنهار، وأن لباس الليل هو أحلى لباس يرتديه الكون بكل تناقضاته ليعيش كل واحد نفسه.
في الصباح، قامت باكرا تنفض الغبار، تنظف وترتب البيت من جديد، وقبل أن تخرج طرق الباب طارق، فتحت، إنه شرطي، ارتعدت، كادت تسقط، طمأنها، تأكد من هويتها، وسلمها استدعاء عاجل إلى محافظة الشرطة المركزية، لم يحدد السبب، يحمل عبارة "لأمر يهمك"، ذهبت تجر جسدها جرا، دخلت إلى المحافظة كرها، طرقت ودخلت، سلمت له الإستدعاء، نظر إليها، باديا على وجهها القلق والإرهاق
- تفضلي، إجلسي
أخرج من الدرج ملفا، وبعد إطلالة قصيرة قال لها:
- ولدك في الحضانة، أهمله أبوه وهو حتى الآن محل بحث، أمرتنا النيابة بإرجاعه لك فور خروجك من السجن، هذا الإجراء يراعي فيه القانون مصلحة الطفل.. هل عندك مانع؟
هزت رأسها وقالت:
- وأين الذي ادعى أنه أبوه؟
- باع كل ممتلكات إبنه واختفى، عندما نلقي عليه القبض نستدعيك، والآن هيا بنا إلى دار الحضانة، نسلمه لك وتمضي على محضر الإستلام، الملف الصحي والتربوي جاهز
- لم تشعر بأي شيء عندها، ولما دخلت دار الحضانة ورأت أولائك الأطفال الضحايا، أحست بغربة ووحشة أكثر من تلك التي كانت تحس بها في السجن، تنتظر أن ترى إبنها بشيء من الفضول، وهو أمامها في مكتب المديرة برفقة المربية، كان وسيما جدا وفي عينيه تقرأ مكر البراءة بحيله، يظهر ذكيا هذا الطفل ومشاغبا، تنفر منه النفس من فرط جرأته، إنتظر الجميع أن تحضنه بمجرد أن تراه، ولكن لم يحصل شيء من هذا، وأولها الجميع بتأثيرات السجن، فبادرتها المديرة قائلة:
- - إنه إبنك
اعتمدت على ركبتيها أمامه، تشده من منكبيه، وتنظر إليه بعمق في عينيه وهو يصرف نظره يمينا وشمالا، يخشى أن تكتشف فيه شيء لا يعجبها، يتساءل من تكون هذه المرأة وماذا تريد منه، تنكر لها وتمنى أن لا تكون تلك المرأة التي يرسمها من حين إلى حين لما يفتقد أما.
فقالت المديرة:
- إنه يشبهك كثيرا
ضحكت، وابتسم الجميع، وبدأ ينظر إليها، لم ير ذلك الشبه... ولا يريد أن يكون إبن هذه المرأة ولا يعرف السبب...
ابتسمت له وقالت:
- لقد أصبحت رجلا، أستطيع أن أعتمد عليك لتكون رب البيت
- لماذا؟ أنت ما عندك بابا؟ أم ذهب وتركك كما تركني أبي؟
- أنا ماما يا حبيبي
- أنا لا أعرفك، ستبقي هنا معنا، نحن كلنا هنا ليس لنا مامات، كلهن سافرن ولن يعدن، هكذا قالت طاطا المعلمة
- ها أنا عدت من السفر وجئت لآخذك معي إلى البيت
- وأين ماماة جوهرة وفؤاد، وحنان؟
- لم يكن معي لقد سافرن بعيدا
- لماذا سافرت أنت وتركتني؟ ماذا فعلت لك؟
- أنا تركتك عند بابا يا حبيبي
تنظر إلى المربية وإلى المديرة، تتنهد، تهز رأسها
- في البيت عندك بابا، وأختي الصغيرة والدادة والدبدوبة؟
- من قال لك هذا؟
- في الرسوم المتحركة كلهم كذلك
- في البيت أنا وأنت فقط، وسنكون أحلى الأصدقاء، سترى، والدبدوب البطل...
- يعني يغلبهم جميعا، هو عنيف ومشاغب مثلي
تنظر إلى المعلمة... تهز رأسها إيجابا وتبتسم
- كل الأطفال هنا مثله؟
- تقريبا وبتفاوت، أول شيء نعلمه لهم هو الجرأة حتى نكسر الحاجز الذي بينهم وبيننا، أولا لنعيش معا في نفس العالم والذي بينهم وبين المجتمع حتى لا يعيشوا العزلة والإنطواء والكبت، لا تهمنا طبيعتهم بقدر ما يهمنا ما ينطوون عليه، عندما نحدد مجال تفكيرهم نعرف أين يتحرك الطفل فندخل في المكان والوقت المناسب، إننا نرعاهم من بعيد ونتفاعل مع ظاهرهم أكثر من باطنهم الذي يتكفل به مختصون في علم النفس، لأن مهمتنا تربوية أكثر
- أشكركم، سأحاول أن أتواصل معه بنفس الطريقة
- هيا بنا يا رجل
أخذته من يده وخرجت
- لماذا أنت وحدك في البيت؟ هل عاقبك أبوك؟ عندنا عندما نفعل شيئا يعزلونا ولا يكلمنا أحد..
كالظل يطاردها بأسئلة تحرجها أحيانا وأحيانا أخرى تضحكها، وفي اليوم الموالي حملت شهاداتها وذهبت لتسجل إسمها في مكتب التوجيه والتوظيف، وهي على يقين أن مؤهلاتها وخبرتها تعطيها الأسبقية والحق في العمل كمستشارة قانونية مثلا، في أي شركة سواء عمومية أو خاصة...
في الإستقبال كانت شابة جميلة وأنيقة، عارفة بإدارة الحوار في مجال التوظيف، وحقيقة أعجبت بمستواها ومسارها العلمي والمهني، ورشد سنها وخبرتها فوجهتها إلى شركة خاصة تتميز بسمعة مرموقة، فاستقبلوها أحسن إستقبال ووظفت كمستشارة قانونية، كلفت بمتابعة كل الملفات ذات الطابع القانوني، كان المكتب جميلا جدا ومجهزا بكل ما تحتاج إليه لمزاولة مهامها على أحسن وجه، بأجرة مميزة، جلست، إسترخت في عمق الكرسي وبدأ الحلم من جديد.. جاءتها الكاتبة بكل الملفات، حينها، وضعتهم فوق مكتبها وانصرفت، رتبتهم حسب الأولويات، قدمت عملا متقنا أظهرت فيه حنكتها ومهارتها وكفاءتها، فأعجب بها رب العمل كثيرا، قدم لها تشكراته، وأكد لها حرصه على الإحتفاظ بها وترقيتها في الوقت المناسب، أدخلت إبنها إلى مدرسة تحضيرية يقضي فيها يومه كله، وفي المساء تمر عليه تأخذه وتذهب إلى البيت، لا يجمعها به إلا الليل والعطلة الأسبوعية، واستعادت ثقتها بنفسها، وتميزت المؤسسة في تسييرها لشؤونها القانونية بفضل تفانيها وسهرها على القيام بكل الإجراءات المطلوبة في كل علاقاتها وصفقاتها، وجنبتها متاعب كثيرة كانت تقع فيها من حين إلا حين وخاصة مع مصلحة الضرائب... وبعد ثلاثة أشهر، قرر صاحب العمل ترقيتها ومنحها أجرة تحفيزية وتشجيعية جزاءا بما قدمته من خدمة راقية ومميزة للمؤسسة، ولكن هي الرياح لا تهب دائما بما تشتهيه السفن، فاستدعاها إلى مكتبه إلى جلسة خاصة، فتعطرت، إبتسمت للمرآة، وذهبت وفي يدها بعض الملفات التي تحتاج إلى استفسارات منه، ولما جلست، قرأت على وجهه لونا من الأسى والأسف، ابتسمت، تنتظر أن يتكلم أو يأذن لها بالكلام، إلا أن في هذه المرة وكأن الصمت هذا العدو الذي اختفى وظهر من جديد ولكن بطريقة أشد، وخالطه الحرج، وحتى تكسره بادرته قائلة:
- هل من جديد؟ أننا الآن نتحكم في جميع أمورنا، لقد تداركنا كل الملفات التي كانت معلقة، وما علينا الآن إلا المتابعة... وبدأت تشرح له بإسهاب تفاصيل ما قامت به خلال كل هذه الفترة، ولاحظت أن اهتمامه كان أقل مما كان عليه سابقا، وأنه منشغل بأمر لا يزال يخفيه عنها، وشكت أن الأمور بدأت تأخذ منعرجا آخر، فسكتت وأخذت تنظر إليه، فأجبرته على الكلام فقال:
- - أشكرك على هذا الجهد الكبير والخدمات القيمة التي قدمتيها إلى الشركة بإخلاص وتفان ومهارة، وقد كنت في مستوى تطلعاتنا، وكم تمنيت أن أحتفظ بك مددا وسندا ولكن هي الظروف في بعض الأحيان تحول بيننا وبين ما نشتهي وما نريد... ولا شك أن مثلك أدرى بالآليات والفلك الذي تدور فيه المؤسسات وحرصها على غلق كل الثغرات التي يمكن أن تمس بالسمعة التي أريد لها أن تكون عليها، وليس لنا الخيار لأننا ملزمون، بل محكوم علينا أن نتشكل وفق تقاليد القطاع الذي ننتمي إليه، ونظرا لحساسية مشاريعنا والعلاقات التي تربطنا بهذا المحيط فإننا مجبرون على التحفظ في بعض الأمور، والإبتعاد عن كل الشبهات...
...يتبع...
رد مع اقتباس
  #65  
قديم 31-05-2013, 03:30 AM
الصورة الرمزية وهج الروح
وهج الروح وهج الروح غير متواجد حالياً
مشرفة الكتابات العامه
 
تاريخ التسجيل: Feb 2013
الدولة: حدودك ضلوعي وانتي الفؤاد ( نبضي سلطاني )
المشاركات: 3,828

اوسمتي

افتراضي

خوي مختار



احداث. محزنة. واخذ كل شخص جزاءه ماجعلني اتالم الطفل والجدة


وما حدث لهم ......... اسلوبك مبهر وما زالت اردد بانه يشيبه اسلوب


الكاتبة المبدعة اجاسي ..... ما اروع تلك الاقلام المميزة التي تشعرني بتعطش


لقادمها وبفارغ الصبر. .......شكرا لك ولتواجدك في عالم القصص مبدع مبدع



ما زالت اترقب الاحداث وسوف اكون بالقرب .......
__________________
‏"الله لا يُخبرنا بمن يَدعون لَنا سرّاً ويُحاولون حِراسَتنا بالخَفاء؛ لكنَّه يُنير بَصيرَتنا على مَحبّتِهم، فَنتبعُ أرواحِهم دُون إدرَاك منَّا لِماذا نَخصُّهم بِهذا التعلق الروحي"
رد مع اقتباس
  #66  
قديم 31-05-2013, 06:24 PM
الصورة الرمزية مختار أحمد سعيدي
مختار أحمد سعيدي مختار أحمد سعيدي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 583

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى مختار أحمد سعيدي
افتراضي

..........................................................................................................................................................................................................................................
في حقيقة الأمر القوانين السارية المفعول تتحفظ كثيرا في توظيف من كانت له سوابق عدلية ،وخاصة الذين تعرضوا إلى العقوبة بالسجن، وأنا لا أجرمك بالعكس، ما رأيت أشرف ولا أصدق منك، ولكن هي قوانين البلد وحكم المجتمع والمحيط الذي لا يرحم، و لا يعرف التوبة، ويبقى في نظرهم المجرم طول حياته مجرمأ، وهذا يا سيدتي يمس كثيرا بعلاقتنا وسمعة المؤسسة... أعتذر لك باسمي وباسم جميع زملائك، إننا مجبورون على توقيفك، لتعويض هذا الضرر قررت المؤسسة منحك مبلغا محترما من المال، وشهادة حسن السيرة والسلوك عرفانا منا وإكراما لك، المبلغ حول صباح اليوم إلى حسابك الخاص.
- أشكرك...هي لعنة يا سيدي لا تزال تطاردني ولا أظنها ستكتفي حتى تهلكني... أشكركم على ثقتكم وإحسانكم ودمتم بخير...
خرجت وقد ضاقت عليها الدنيا بأكملها، وتيقنت أنه لن يكون لها في الوظائف نصيب ما دامت ذات سوابق و دخلت السجن... شعرت بشيء من الضغط لا يخففه إلا المشي، تأبطت سفطها وراحت تجوب شوارع المدينة، في واجهة نهاية ذلك الشارع لافتة كبيرة مكتوب عليها الأمازونية، تحتها، المتعة في العودة إلى الأصل... دفعها الفضول فدخلت، جلست، فتحت سفطها، فإذا بامرأة تكاد تكون عارية تقف أمامها، تحمل وردة بيد وقدحا من كوكتال الفواكه الإستوائية باليد الأخرى، ابتسمت لها وأخذت الوردة، فوضعت المرأة القدح على الطاولة وهي تنظر إليها دون أن تكلمها، فجأة كأنها أرادت أن تتدارك شيئا فاتها، رفعت رأسها بسرعة، كانت المرأة قد أدبرت في اتجاه الباب الذي خرجت منه، واختفت، ساورها ظن أنها الأرملة، هكذا ظهر لها ولم تتبين ، كانت القاعة عبارة عن معرض للنباتات الإستوائية، وصور أشجار تزين منصة العرض، شربت، كان لذيذا جدا، شعرت بلذته وهي تخرج، أخذت إبنها من المدرسة وذهبت إلى بيتها، أحست بدوران في رأسها، شكت في المزيج الذي تناولته عند الأمازونية، وعادت تلك الصورة فنفتها من ذاكرتها.
كان لها ما يشغلها في تلك الليلة عن التفكير في الأرملة أو في غيرها، يجب أن تجد مخرجا لوضعها الحرج في العاجل، لأن سباقها مع الزمن لا يرحم، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تعود ثانية إلى المسكنة.... وصامت عن الكلام، وأحس الطفل بغربة قاتلة لم رآه من عصبية أمه، لا يزال يكتشف فيها غلظة وقساوة مربية ومديرة الملجأ، وبدأ يشعر أنه من الأسباب التي حولت أمه إلى هذا الوحش الذي لايرحم، لما تنبهت له وجدته قد نام قبل العشاء، أحست بشيء من الذنب، فذهبت تستسمحه إلا أنه كان قد تركب عنيدا، ولم يغفرها ، لها وأصر على المبيت طاويا، هي كذلك كانت تشعر أنه يناديها أمي بمشقة، وأحيانا يقول لها معلمة، ولم تستقر الصلة الحقيقية بينها وبينه، طفل ينام وحده، ويستيقظ وحده، ويخدم نفسه بنفسه كما علموه في دار الحضانة الإعتماد على النفس في كل شيء ، فأصبحت العاطفة آخر مطلب، وإذا جفت النوق فمن يحنو على أولادها... كما يقول المثل، وتعود على الذهاب إلى المدرسة وحده ويعود وحده ويتدبر أموره من أكل وشرب وحده، وساعدها هذا السلوك فانشغلت أكثر فأكثر بنفسها، وتخلص شيئا فشيئا من وصايتها، ومع مر الزمن كان يعمل بالليل وفي أيام العطل ويدرس في النهار، واتخذ أصدقاء من كل أصناف المجتمع بسرعة اندماجه، وتعدت طموحاته سنه، وما عاد يهمه إلا الإعتناء بنفسه، لا تهمه رائحة الكسب ولا لونه، نضج بسرعة و تميز، كان يظهر أكبر من سنه، ذكي حتى أبهر، داهية حتى أدهش، وماكر حتى أفجع، كالريح يدخل من جميع الفجوات ويخرج من جميع الفجوات، وأصبح لا يلتقي مع أمه إلا نادرا، متى تدخل إلى البيت تجد ما تشتهيه النفس وما لذ من مأكولات، ومشروبات، تذهب إلى غرفته تجد أفخر الملابس وأجملها، أشرطة، أجهزة، نقود... تأكل، وتشرب وتأخذ ما تحتاج إليه من نقود... كانت هي تعمل في فرن يصنع حلويات الأعراس والمناسبات، أغلب دوامها في الليل وتعود إلى البيت مرهقة يغالبها النعاس والتعب، فتنام ولا تستيقظ حتى منتصف النهار، تتغذى على الجاهز الذي تركه إبنها، وقبل العصر تلتحق بعملها، تعيش في دائرة مغلقة لا يعرف أحد ما يدور حولها و لا ما بداخلها... فقدت الثقة في الجميع، أغلقت كل منافذ المشاعر، وأصبحت آلية في كل شيء، لا تريد أن تفكر، ومسحت الذاكرة، وتقوقعت، تعيش بجسدها الصقيع مغلقة، عبوسة كانت لا تستبشر ولا تبتسم كالقلعة المهجورة موصدة الأبواب...
انتظرها أمام الباب حتى خرجت، لم تنتبه إليه، ووقفت على الرصيف تنتظر قدوم طاكسي، فتقدم ووقف بجانبها، إدعى الفضول وسألها:
- إلى أين يا سيدتي؟
- إلتفتت، لم تصدق، لعله الشبح، ابتعدت فتبعها
- أنت؟ ماذا تريد؟.. هيا انصرف لحالك، لو يراك إبني لن يرحمك
- كنت في السجن وخرجت اليوم فقط
- ما عاد يهمني أمرك
- لقد ألقوا عليه القبض و هو الآن يدفع ثمن جرائمه
- من؟
- القاضي، واعترف بكل شيء، سيستدعوك في الجلسة القادمة... تعالي معي وأحكي لك تفاصيل قضية هذا الشيطان.
- لا أصدق، كيف حصل هذا؟
- تعالي معي نذهب إلى مكان هادئ ونتحدث
كأنها تلقت حقنة هدوء وسكون، فطاوعته وذهبت معه رغم التعب والنعاس، تحاول أن تصلح ذلك الخلل الذي أحدثته مايسميه الناس بلعبة الأيام، تقذفها وتقذف لها وتقذف بها، عطاء بيد وأخذ باليد الأخرى، تتساءل لماذا تأتيها الأشياء دائما بهذا الوجه المقنع، وتختفي لتعود بقناع آخر، حقيقة يمكن للإنسان أن يتسبب بسذاجته، وبكل ما يحمل من سوء الطوية في كثير من المصائب التي تحطم كيانه، ولكن لم تصدق أنها قضاء كله شر... هنا في واجهة البحر، جو جميل، نسمة منعشة، حيث نختلي الأرواح الرومانسية التي تلاطف المشاعر، وتحول الأحاديث إلى شجون حالمة، ويصدق الإنسان أن جمال الدنيا كله في دمعة شوق فوق بسمة حنو، وأن الأمل هو البلسم الوحيد الذي يصنع السعادة بعد الألم، لهذا نجد دائما راحتنا بعد البكاء رغم أن الأشياء لا تزال جاثمة على صدورنا... هل كان عبقريا إلى حد التحكم في مواقع الحديث، التي تدفع بالرفق أشرعته في عمقها إلى ما يشتهي الوصول إليه؟ ! أم هي الأقدار لما تريد أن تحدث تتموقع وتسوق الإنسان إلى حيث تريد لتفعل به ما تشاء.. وقفت تنظر إلى البحر، وشعرت بانتعاش غريب واستعداد لسماعه من أول كلمة إلى آخر حرف.
وبدأ يروي لها كيف أفلس القاضي، و كيف تورط في قضايا فساد...رشاوي وتحويلات ومخادعات، وكيف ألقي عليه القبض، واعترف أن الطفل ليس إبنه، وأنه زور التحاليل، واستعمل نفوذه ليجعله يختفي... وأن القضية بدأت منذ أن أخبره إبنه المحامي أن الطفل إبن أمينة الضبط ، يعني بها هي، قد كتب باسمه جده ثروة هائلة، فتذكر أنها أخبرته بحملها وأنه ردعها وأبعدها... فوجد أن الصدف قد أعدت له فرصة العمر، ولو بقي قاضيا مائة سنة لن يستطيع أن يجمع مبلغا كهذا، ففضل التضحية بمنصبه وسمعته والظفر بهذا المال الذي كان يظهر له مهدورالأنه إرث لقيط...لم يكن يعلم أننا تزوجنا زواج عرف، وأتممتا أركانه بالولي لما تهيأت الظروف بموافقة أبيك رغم أنه كان مكرها، سترا للعار، عملا المثل الشعبي القائل"الهم دواه الغم، والسترة ليه مليحة رد الجلفة على العظم تبرأ وتولي صحيحة" وبارك زواجنا.... كان حينها يضع ذراعه فوق كتفيها، أحست بالدفء فالتسقت به أكثر، وكان ولدها ينظر إليها من نافذة المقهى التي تطل على البحر، فقال له صاحبه:
- كأنها أمك، يا لروعة العشق عندما يستولي على العجائز، وضحك حتى بانت نواجده،
فأدخله بهذه الكلمات إلى زنزانة مظلمة باردة، وقهره الموقف، وشعر بغربة عزلته عنها أكثر فأكثر، يفكر كيف يهجر المدينة أو يطرد هذه المدينة من ذاكرته إلى الأبد، تلك المدينة التي لا تهتز لأحد.
ولما انصرفا، ذهب إلى مكانهما، وقف أمام البحر، نظر إلى الأسفل كان سحيقا، وعميقا، فوق أعالي الجرف استوت هذه الشرفة وتزينت لمن يريد الإنتحار، هكذا قال في نفسه، حرمه هذا الرجل من حقه في أمه، تلك الأم التي لم تحضنه مرة واحدة في عمرها، كانت تختزن كل هذا الحب والحنان لرجل لا يعرف من أين أتى، تعمق الجرح وازداد النزيف، لما رأى أنه كبر كتلك النبتة الطفيلية ، واجتث لأتفه الأسباب، بعد ثمانية عشر سنة يستيقظ من نوم على كابوس يطارده وربما إلى الأبد، فحز في نفسه ذلك حد الإحباط و تلبسته لحظة غياب...رجع إلى البيت وليس من عادته، لما دخل سمع قهقهة أمه وصوت رجل ، عرف بأنهما هنا، فعاد أدراجه، خرج مسرعا، إشترى خنجرا وعاد، دخل بكل هدوء إلى غرفته، ينتظر اللحظة المناسبة، كان الرجل يداعبها وهما كطفلين صغيرين، أكلا وشربا، وجاء وقت القيلولة فسكنا إلى الراحة، فدفع الباب ودخل عليهما في سريرهما فجأة، وتعطلت مداركه كلها، طعن الرجل طعنة واحدة، وطعن أمه ، فقالت وهي تشهق آخر الشهقات:
- أقسم أنه أبوك، إنه أبوك، أسامحك فهل تسامحني؟ حاولت أن تعانقه ولكن يأبي القدر ذلك ،ويسقط ذراعها وينهار هو عليها بالبكاء، تذكر فعاد إلى أبيه فوجده قد لفظ أنفاسه... فطعن نفسه وأراد أن يهرب، فخرج من البيت يجري، لا يعرف إلى أين، ، حتى وصل إلى المكان الذي حجز فيه لحظة غياب ، نظر إلى المدينة، إبتسم، ورمى بنفسه... لم تهتز المدينة كما توقع ، وكأن شيئا لم يكن..
تمت


التعديل الأخير تم بواسطة مختار أحمد سعيدي ; 31-05-2013 الساعة 06:28 PM
رد مع اقتباس
  #67  
قديم 01-06-2013, 04:37 AM
الصورة الرمزية وهج الروح
وهج الروح وهج الروح غير متواجد حالياً
مشرفة الكتابات العامه
 
تاريخ التسجيل: Feb 2013
الدولة: حدودك ضلوعي وانتي الفؤاد ( نبضي سلطاني )
المشاركات: 3,828

اوسمتي

افتراضي

نهاية لم اتوقعها بصراحة قبل نهايتها ذكرت باحدى الفصول بان النهاية

باتت معروفة ولكني انذهلت من نهايتها ......... تفاصيل وحبكة رائعة. في

سرد القصة ...... وشخصيات البعض احببتها وعشت تفاصيل القصة لحظة


بلحظة ........ استمتعت بقراءة لمبدع ولا اقولها مدح او ثناء ولكني اكتب راي


في رائعة من روائعك باسلوب شيق وجميل شكرا خوي مختار ابدعت بكل جدارة
__________________
‏"الله لا يُخبرنا بمن يَدعون لَنا سرّاً ويُحاولون حِراسَتنا بالخَفاء؛ لكنَّه يُنير بَصيرَتنا على مَحبّتِهم، فَنتبعُ أرواحِهم دُون إدرَاك منَّا لِماذا نَخصُّهم بِهذا التعلق الروحي"
رد مع اقتباس
  #68  
قديم 02-06-2013, 02:27 AM
الصورة الرمزية مختار أحمد سعيدي
مختار أحمد سعيدي مختار أحمد سعيدي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 583

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى مختار أحمد سعيدي
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وهج الروح مشاهدة المشاركة
نهاية لم اتوقعها بصراحة قبل نهايتها ذكرت باحدى الفصول بان النهاية

باتت معروفة ولكني انذهلت من نهايتها ......... تفاصيل وحبكة رائعة. في

سرد القصة ...... وشخصيات البعض احببتها وعشت تفاصيل القصة لحظة


بلحظة ........ استمتعت بقراءة لمبدع ولا اقولها مدح او ثناء ولكني اكتب راي


في رائعة من روائعك باسلوب شيق وجميل شكرا خوي مختار ابدعت بكل جدارة
.....................................

وهج الروح...أيتها الفاضلة.
كنت أجمل رفيق في هذا السفر الأدبي ، والسند و المدد.
أشكرك ..أشكرك..أشكرك.
أبقي بالجنب يا صديقتي أحتاجك .
تحياتي و تقديري
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:19 AM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi
جميع الحقوق محفوظة لدى الكاتب ومنتديات السلطنة الادبية