رماد يا أمي1

[نوال الحجري]

رمادٌ يا أمي 1
كالعادة أنهض صباحا لأحتسي قهوتي سريعا حاملة حقيبتي .. متجهةٌ إلى عملي ..
كنت ألهف للموعد الذي يجمعني مع عملي .. بين أصدقائي .. أوراقي .. أقلامي .. خلف مكتبي ..
وما أجمل تلك الشمس وهي تزيدني فرحا وتألقا لنافذتي ... قهوتي اليوم بالحليب فأنا أحبها هكذا دوما .. لذيذٌ طعمها والألذ حين أسرح لتسبح صورة وجهي على صفحتها في الفنجان .. فتختفي لتأكلها دوامة السكر وأنا أقلبها مع القهوة بالملعقة الفضية الصغيرة ..
أوقفت التحريك ... قلبي منقبض اليوم .. وحرارة جسدي ليست طبيعية .. تنهدت .. ووضعت يداي الصغيرتان إلى صدري .. دقات قلبي سريعة ..
ابتسمت .. تذكرت هدى وهي تقول .. قد دق العشق بابك يا أميرة ...
كنت عندها أقهقه بصوت عالٍ .. نعم أعشق الكلمات .. ياااه يا لها من أيام ...
اليوم يا أمي .. أنا كبرت ..
وزاد في عمري .. سنة واحدة .. أمضي في بداية العقد الثالث ولم أكمله بعد ..
أتعلمين ..أشخاص كثيرون في حياتي .. لهم مكانة خاصة .. وأحبهم كإخوتي .. ولا أريد التفريط بهم ..
يحبون الخير لي .. وأحب الخير لهم .. كلهم يزيدون أيامي جمالا وحلاوة ..
أما أوراقي فقصتهم قصة رومانسية أخرى .. هي قصة تعانق كل الأبجدية ولا ترضى بالأقلية ..
هي تنسج كلمات مني .. وترسم الجمال لتهديه لي .. أقلامي هي منبع حريتي النرجسية في الكتابة .. أحب أن أتألق دوما .. قلمي هو جماد يتنفس .. يتنفس .. يتنهد .. يبكي .. يضحك عشقا بي أنا ..
أما مكتبي .. فهو السند لي .. ما أحلى تلك اللحظة وأنا أجلس عليه .. ألملم أفكاري لموضوع سأبدأ العمل فيه .. أو عندما أتخذه لأسند رأسي عليه راحلة في التفكير .. لأرفعه وأكتب قصة نار جميلة أنوارها !
خضراء هي بساتين الأمل .. بل أمل العشاق ليس كل أمل ..
أحب أن أكتب في الحب .. لا أعرف لم يتغلغل هذا العشق في شرايين حروفي ..
صباحات جميلة أرتمي إلى أحضانها .. دافئة هذا الصباح .. وأدفأ في كل الصباحات .. فالدفء عندي سيد الأوقات .. ليس أي دفء ... إنه دفء جميل .. يمدني بالنشاط ..
أنا يا أمي اليوم لست مثلما كنت بالأمس .. أجدتُ تغيير الحال لأصل إلى المنال .. هنا أنا في هذه الدار .. أرسم للأحلام منحنى آخر .. هذي عبارتي دوما يا أمي .. أتذكرين ..
أتوق شوقا وحنينا ليديكِ يا أمي .. ورائحة الخبز الحار يلثم العسل في راحته ..

جميلة هي الأيام وهي ترنو إليّ أحداثها .. أجاريها رغم كل شيء .. والأجمل مساندة أصدقائي لي .. موسيقى الحروف تتنحى جانبا من حياتي .. وأجيد عزفها ؛ ولأزيد إعجابا بنفسي .. أعزفها كما يعزف بيتهوفن مقطوعته ..
أنا أنثى يتشربني الغرور لأناملي .. فلا أقبل أن يشابهني أحد فيها .. فهي تجيد العزف والرسم والكتابة وكل شيء ..!



تنهدات : نوال الحجري.