انطلاق مهرجان الفنون التقليدية بمنافسات قوية وتبارٍ بالسيف والكلمات

[فاطمه القمشوعيه]

عاشت مدينة صور، عشيقة البحر، أمس ليلة استثنائية على صوت قرع الطبول والتقارع بالكلمات حينما استضافت فعاليات النسخة الثانية لمهرجان فرق الفنون التقليدية الذي تنظمه وزارة التراث والثقافة.
ووسط حضور جماهيري جيد وبحضور صاحب السمو السيد هيثم بن طارق آل سعيد رعى معالي السيد سعود بن هلال البوسعيدي وزير الدولة ومحافظ مسقط فعاليات افتتاح المهرجان والليلة التنافسية الأولى الذي شاركت فيها ثلاث فرق من أصل تسع تتنافس على جوائز المسابقة.
وخصصت الدورة الثانية للمهرجان للتنافس في ثلاثة فنون هي العيالة والميدان والبرعة. ومثلت فن العيالة في الليلة الأولى فرقة صقور الخابورة للفنون التقليدية، فيما مثلت فن الميدان فرقة الأجيال للفنون التقليدية، ومثلت فن البرعة فرقة المجد للفنون التقليدية. وتمنح وزارة التراث ثلاث جوائز لكل فن من الفنون بمجموع ثلاثين ألف ريال عماني.


وقال السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي مدير المهرجان خلال كلمة له في الحفل "ان المكون الثقافي العماني غني بتراثه الموسيقي ، وعليه فان وزارة التراث والثقافة لا تألو جهدا لتهيئة المناخ المناسب الذي يستطيع من خلاله هذا الجيل ممارسة ما اكتنزته الذاكرة العمانية من فنون وآداب، وان ينهل من ذلك الإرث الثقافي". مؤكدا أن المهرجان جاء "ليلامس واقع الثراء الفني الذي عرفت به ولاية صور العريقة، ويلبي الطموحات والآمال نحو استمرارية الإبداع الفكري للإنسان العماني".
وتتميز السلطنة بثراء كبير في الموروث التقليدي، إلا أن لكل ولاية من ولايات السلطنة ما يميزها في ذلك.
وتختلف الفنون الواحدة في طريقة تأديتها من محافظة إلى أخرى. إلا أن جوهرها يبقى ثابتا في الكثير من الأحيان.
وعرض في حفل افتتاح المهرجان فيلم وثق لتفاصيل المراحل التمهيدية للمهرجان وكيف وصلت الفرق المتأهلة إلى النهائيات.
وكانت الوزارة قد نظمت تصفيات تمهيدية في وقت سابق نتج عنها تأهل تسع فرق للتنافس خلال ثلاث ليال.
وأدت فرقة صقور الخابورة التي مثلت فن العيالة بشكل جيد من خلال وصلتين تميزت بالأداء الجماعي والحماسة بما يتناسب مع فن العيالة. وكان السيف والطبل مصاحبين للفرقة طوال فترة أدائها الذي زاد على النصف ساعة. حدث كل ذلك أمام مرآى ومسمع لجنة التحكيم التي ظلت ترصد وتترقب كل التفاصيل.
تلي ذلك دخول فرقة الأجيال التي مثلت فن العيالة في يوم المسابقة الأول. وأبلت الفرقة بلاء حسنا وظهرت متناغمة في كل تفاصيلها الأمر. وكان واضحا التلاعب بالكلمات والتوريات والبلاغة خلال وصلة فن الميدان.
وبنفس الحماس وبنفس الحضور الجميل دخلت فرقة المجد للفنون التقليدية والتي مثلت فن البرعة الذي تشتهر به محافظة ظفار.
ولا ينظر العمانيون إلى فنونهم التقليدية بوصفها أداة للتسلية فقط، بل تلقى أهمية خاصة بوصفها تراثاً ثقافياً غير مادي يعكس العديد من مظاهر الحياة و الجوانب الاقتصادية والثقافية والفكرية للمجتمع العماني. كما تعبر هذه الفنون حين تأملها عن حياة الفرد وعاداته وتقاليده في الأفراح والأتراح.
ويمكن من خلالها إجراء دراسة الأنثربولوجيا، بل حتى يمكن أن تدخل في دراسة مثيولوجيا السلطنة.
يذكر أن فن العيالة من الفنون الرجالية الحماسية التي يصاحبها الطبل وهز السيوف والتباري بالكلمات الحماسية والمدحية. ولا بد أن يصاحب العيالة وجود أنواع مختلفة من الطبول مثل الرحماني والرحماني الطويل.
أما فن البرعة والذي تشتهر به ولايات محافظة ظفار فيؤدى عندما يجلس الراقصان على رؤوس أصابعهم أمام الفرقة ويلتقطون الخناجر التي توضع عادة على الأرض عند المُغني، وعند دق الطبل يقفان، ويمسك كل مؤد بمقبض الخنجر في يده اليمنى، ويكون نصل الخنجر في اتجاه الجمهور، حفاظا على سلامة المؤدي، حينما يرفع الخنجر وينزلها في اتجاه الكتف الأيمن حسب حركة صعود القدم عن الأرض ونزولها، بينما تمسك أصابع اليد اليسرى بوسط الدشداشة مع لفها، حتى يصبح زي المؤدي متناسقا وأنيقا، للحفاظ على المظهر الحسن أمام المشاهدين الذين يحكمون على أداء الراقص ويسمون (النُقاد). أما فن الميدان فهو من الفنون العريقة في السلطنة التي تعتمد بشكل خاص على فكرة المبارزة بالكلمات واستخدام فنون التورية. وتعتبر مدينة صور وبقية ولايات المنطقة الشرقية من أكثر الولايات التي يشتهر فيها فن الميدان.

وقد اقيمت صباح اليوم ندوة حول التأثير والتأثر الحضاري في الفنون التقليدية العمانية، باعتبار السلطنة أيضا تقع عند مفترق الطريق الحضاري الذي يربط الكثير من الحضارات الإنسانية وذلك في قاعة الهناء, حيث يدير الشاعر والاعلامي سالم السعدي الندوه والتعقيب مابعد الندوه.


فالبداية تحدث الدكتور سعيد الهاشمي عن محور التأثر والتأثير الحضاري في الفنون الشعبية العمانية




ثم قدمت الدكتورة عائشة الدرمكي ورقة في الندوة بعنوان "الهوية العمانية في أزياء الفنون التقليدية العمانية"


فيما قدم الباحث مسلم الكثيري ورقة بعنوان "الايقاعـات الموسيقية في الفنون التقليدية العمانية".


واقيمت على هامش المهرجان الكثير من الحوارات الثقافية والنقاشات التي من شأنها أن تبلور رؤية عميقة في كيفية الحفاظ على الموروث التقليدي العمانية وكيف يمكن أن يستثمر الفن التقليدي في المرحلة الحضارية التي تمر بها السلطنة.



وفي مساء اليوم تستكمل تصفيات المهرجان حيث ستعرض فرقة المثالية للفنون التقليدية ممثلة فن البرعة لفنونها، تليها فرقة السليف للفنون التقليدية ممثلة فن العيالة وتختتم فرقة الاختيار منافسات اليوم الثاني حين تقدم وصلة تنافسية من فن الميدان. يذكر أن الفرق المتأهلة للتصفيات النهائية هي فرقـة الاختيار للفنــون التقليدية من محافظة جنوب الشرقية وفرقـة الاجيال للفنون التقليدية من محافظة جنوب الشرقية أيضا.
وفي فن العيالة تأهل فرقة السليف للفنون التقليدية من محافظــة الظاهــرة، وفرقة صقور الخابورة للفنــون التقليدية من محافظة شمال الباطنة وفرقة قصبية آل بريك للفنون التقليدية من محافظة شمال الباطنة.
وفي فن البرعة تأهلت فرقة المجد للفنون التقليدية من محافظة ظفار وفرقة شباب الاشخرة للفنون التقليدية من محافظة جنوب الشرقية وفرقـــة المثاليـة للفنون التقليدية من محافظة مسقط.
وتتنافس الفرق التسع على ثلاثة مراكز في كل فن يمنح الفائز بالأول فيها مبلغا ماليا قدره 5000 ريال والمركز الثانـي 3000 ريال والمركز الثالث 2000 ريال بمجموع إجمالي وقدره ثلاثين ألف ريال عماني.
ويستضيف المهرجان الدكتور ناصر الحميري من دولة الإمارات العربية المتحدة والدكتور علي عبدالله خليفة من مملكة البحرين والدكتور مـحمـد البيالي من المملكة العربية السعودية.

وأعلنت الوزارة عن تشكيل لجنة تحكيم ضمت راشد بن مسلم الهاشمي رئيس قسم الفنون الموسيقية بوزارة التراث والثقافة، ومبارك بن مسلم الصلتي، وإبراهيم بن سالم المنذري، وحمد بن سالم اليعقوبي مسؤول ومدرب فن العيالة بالفرقة السلطانية الأولى للموسيقى والفنون التقليدية، والشاعر خميس بن جمعة المويتي والشاعر راشد بن سعيد الشامسي، وراشد بن جمعة العزاني والشاعر والملحن سعد بن رجب المغني والشاعر أحمد بن سالم العبري، ومنير بن فرحان بيت كليب.
وأكد أعضاء لجان التحكيم بعد أول ليلة تنافسية أن الفرق قدمت أداء جيدا يدخلها حيز المنافسة إلا أن الصورة لم تتبلور بعد بسبب مشاركة فرقة واحدة حتى ليلة أمس من كل فن. وقال أحد أعضاء لجنة التحكيم أن الليلة الثانية "الليلة" يمكن أن تبدأ في بلورة صورة أكثر اكتمالا، مع تأكيده أن المنافسة مستمرة حتى الليلة الأخيرة التي يمكن أن تقلب الأوراق رأسا على عقب بحسب قوله.