عندما تسقط الكلمات خلف أسوار الحقيقة

[حمد السيابي]

عندما تسقط الكلمات خلف أسوار الحقيقة
هذي الذي أكتبه الآن ليس غضبا ولا ثورة بركان حاقد .. ولا زلزلة أفكار متساقطة ، إنه واقع نفس بعثرتها الريح وطمرتها بين صفحات زمن التراب الحقير ..
من يحمي حق الكلمة عندما تتساقط حقيقتها كتساقط الفراش في نار مشتعلة .. هل هناك عقول تمنح الكلمة مكانا في أروقة الحياة .. ؟ وهل هناك عقول تفسح للكلمة مكانا في زحمة البحث عن مكان .. ؟
أي مكان للعقل في زماننا ؟ وأي مكان للكلمة في عقولنا ؟ نحن من أضعنا الحقيقة .. نحن من ساومنا عليها بأبخس الأثمان .. أي نفوس هذه التي تبيع مكانها ؟ وأي نفوس هذه التي تدوس على عقولها ؟ أي فراغ تتركه الكلمة فينا ؟ أي نقص نحسه داخلنا ؟ ماذا علينا لو كتبنا ؟ ماذا علينا لو قرأنا ؟ ماذا علينا لو سمعنا ؟ ماذا علينا لو حلمنا ؟ نحن من طمسنا حقيقة الكلمة .. ونحن من سابق الواقع ليبيع الحقيقة .. قلوب صدئة ونفوس نتنة .. وعقول نسجت عليها عناكب الطمع الحقير خيوطها .. من يمنحني قول هذا إلا ما أعانيه .. ؟ ضياع في عالم يبحث عن صدق الكلمة وعن صدق المشاعر .. نعيش في دوامة من اللاشيء ..
نركض خلف ظلنا .. نلهث وراء مطامعنا .. آه على حقارة الكلمة عندما تسقط في مستنقع الهذيان .. واقع نكذب فيه على أنفسنا ونحن نبعثر كلماتنا هنا وهناك .. واقع إن كنت فيه صريحا باعك الآخرون بأبخس ثمن ..
واقع لا مكان فيه لكلمة الصدق .. كم من الكلمات بيعت وحرقت وماتت معها مشاعرنا .. نحن الذين نكتب الكلمة ولو جرى سمها في شراييننا .. هي ماءنا وخبزنا وهواءنا ..
الكلمة هيجان داخلي يتبعثر بمداد القلم على ورق حياتنا .. يستمد وهجه من كبة اللهب التي تشتعل داخلنا .. يمنح الآخرين حق وجودهم ويسحقنا نحن تحت تراب صراحتنا ..
من يمنحني قول هذا إلا ما أعانيه .. كل يوم يمر هو جلاد يقتادني نحو مشنقة الزمن
كل ليلة تمر تبيعني اللحظات إلى ظلمة القدر .. آه يا دنيا المواجع .. كم بكينا .. ؟ كم سهرنا ..؟ كم كتبنا .. ؟ كم قرأنا .. ؟ دون أن ندري بأن العيب فينا .. نبيع عقولنا .. نبيع ذواتنا .. نبيع أصولنا .. كي نقول بأننا صرنا .. كي نخوض في عباب الخائضين .. هنا تقف الكلمة جريحة بخناجر اللاهثين نحو المجهول .. تنزف حروفها .. تتعثر خطواتها .. ثم تسقط خلف أسوار الحقيقة ..