مسقط مدينة لها ذاكرة حية تجمع بين عبق الماضي وألق الحاضر

[كوكب المعرفة]

ندعوكم لزيارة المكتبة والإستفادة مما تقدمه من كتب رقمية ومخطوطات ورسائل جامعية وغير ذلك
http://www.al-kawkab.net/


كيف نرسخ القيم الجمالية في تخطيطها الحضري ؟
لقاء: عوض بن مسلم زعبنوت -
ترسخت فكرة الجمال في الفنون عبر العديد من المناهج والنظريات والآراء وعلى مدى زمن طويل وكان لكل من تلك الرؤى وشائج قوية بحركة الحياة والمجتمع في كل زمان ومكان والتي أدت إلى تغيير مفهوم الجمال تبعها تغيير أهداف الفن ووسائله ورغم التحولات التي أوجدت أحيانا فهما متناقضا للفن ومعناه.
وأمام تقاطع الأنساق المعرفية في القرن العشرين والحادي والعشرين وتداخل منظومتها المصطلحية غدا من الطبيعي والضروري تعديل ذلك المخطط الذى يحتل النسق المصطلحي للجمال.
بعد أن أصبحت العلوم والتكنولوجيا والصناعة والإنتاج والتسويق والجدوى ورأس المال تحت مظلة الجمال فقد غادر الجمال إلى الأسواق والحياة الرحبة حيث لم يعد بالضرورة التمتع بالجمال الفني من خلال رؤية لوحة أو تمثال في متحف وإنما مشاهدته في كل ما نتداوله في حياتنا اليومية.
وبذلك وصلنا إلى تأسيس الفلسفة النفعية للجمال من خلال الوظيفة والفائدة والتداول والاستخدام وتعزيز ذلك أيضا من خلال تأسيس نظرية الجمال في التصميم بقيمها المتعددة التقنية والمادية والنفعية والاتصالية حديثا ومستقبلا.
هذا ما يقوله الأستاذ الدكتور إياد حسين عبد الله عميد كلية العلمية للتصميم بمسقط.
والذي سيغادر مسقط إلى باريس للعمل كزميل متفرغ في معهد الدراسات الأوروبية المتقدم في العاصمة الفرنسية وذلك بعد أن تم اختيار بحثه من بين 80 بحثا التي تم اختيار منها 17 بحثا حيث كان العربي الوحيد الذي فاز بحثه بعنوان «نظرية الجمال في فن التصميم. ونتطرق معه في حديثنا الصحفي هذا للوقوف على العديد من الأمور نستوضحها معه كالنظرية الحديثة للجمال في فن التصميم إلى اللمسات الجمالية في التخطيط الحضري والإقليمي في سنوات عمله في عمان طوال ست سنوات ورأيه فيما تحتاجه مدينة مسقط من لمسات جمالية.
عربي بين 17 باحثا
ضمن اهتمام دول الاتحاد الأوربي باستقطاب اهم الأبحاث العلمية في مختلف التخصصات ومنها فن التصميم وقد رشح الاتحاد الأوروبي اكثر من 80 بروفيسورا من مختلف الجامعات لتقديم عروضهم للبحوث العلمية وبعد تقييم عدة جامعات والمجلس العلمي في معهد الدراسات الأوروبية المتقدمة تم اختيار 17 باحثا لزمالة الاتحاد الأوروبي في المعهد الكائن في باريس للتفرغ العلمي الكامل لإنجاز البحوث العلمية التي فازت بهذه الزمالة كان بحثي بعنوان: «نظرية الجمال في فن التصميم» فالمعهد يهيئ كافة الإمكانات العلمية للباحث ويتيح له زيارات العديد من الدول ذات العلاقة لإنجاز هذه البحوث بأفضل طريقة ممكنة يتم خلال البحث عقد جلسات أسبوعية تضم أساتذة من دول الاتحاد الأوروبي المتخصصين في الموضوع لمناقشة البحث وتطويره ثم يتم بعدها مناقشة البحث بصفته النهائية في المعهد.
فلسفة النفعية للجمال
ويتابع أ.د .اياد حديثه بالقول: عندما وضعت كتابي «فن التصميم في الفلسفة والنظرية والتطبيق» ثلاثة أجزاء بعنوان حصلت بموجبه سنة 2010 سنة على جائزة الشيخ زايد وهي جائزة دولية سنوية تمنح لأبرز المفكرين والعلماء عن إنتاجاتهم الفكرية التي تشكل إضافة جديدة للمعرفة والعلوم (فن المستقبل) أحد الإشكاليات الكبرى في الحياة وهي علاقة الفكر بالوجود والوعي بالمادة كعلاقة متطورة تعبر عن حاجة الإنسان إلى التنسيق القيمي الذي تنعكس فيه وعي المجتمعات على شكل منظومة متكاملة من القيم الروحية والمعرفية والجمالية والأخلاقية التي تتداول الجمال في كل جوانب الحياة لتشتمل على ما تنتجه فنون التصميم اليوم كالعمارة والصناعة والتصاميم الداخلية والديكور والأثاث والأزياء والأجهزة والأدوات والمجوهرات والطباعة والأوساط الرقمية المتعددة فن المستقبل ينظر إلى نظرية الجمال بمفهوم عام شامل المنفعة لكافة جوانب الحياة.
6سنوات في عمان
الحديث عن السيرة موضوع متشعب وبه جوانب متعددة أولا على المستوى الإداري عملت عميد كلية الفنون الجميلة جامعة بغداد والآن لي ثلاث سنوات عميد كلية العلمية للتصميم عملي الحاضر.. قبل عملت أستاذ ورئيس قسم التصميم بكلية العلوم التطبيقية بصحار وأستاذ فلسفة التصميم بكلية الهندسة بجامعة ظفار.. الآن مازلت أقوم بإدارة أعمال الكلية العلمية للتصميم الجانب الثاني بشكل شخصي إقامة كثير من النشاطات الفنية على مستوى الأعمال الفنية وإنجازها كذلك في مسألة تفاصيل كثيرة متعلقة بمشاركتي في البحوث والدراسات.
وعن حديثنا عن الكلية العلمية للتصميم ومستقبل التصميم ودراسته في عمان يقول: كلية العلمية للتصميم تعمل كمؤسسة أكاديمية ترعى الكثير من الطلبة من عمان ومن خارج عمان فيها تخصصات عديدة ، فهي تعتبر من الكليات المتقدمة في مجال التصميم والفنون الجميلة.
الحقيقة هي في تقدم مستمر لإجراء تخصصات جديدة على مستوى البكالوريوس والماجستير في وقت قريب إن شاء الله.
مسقط جميلة.. تحتاج!
وعن جماليات المدن يقول الأستاذ الدكتور إياد حسين عبد الله: الحقيقة التي لا شك فيها أن مدينة مسقط من العواصم العربية الجميلة التي لها ذاكرة حية إذ تجمع بين عبق الماضي وألق الحاضر ولكي تنمو باتجاه ترسيخ القيم الجمالية العريقة إضافة إلى نموها الحضري والإقليمي فهي بحاجة إلى كثير من الأعمال الفنية التي تزين مرافقها العمرانية لتعيد ذاكرة التاريخ العريق لهذا الإنسان العماني الأصيل.
تعتبر مدينة مسقط واحدة من اجمل المدن التي تتفيأ سواحل خليج عمان بطبيعتها الجميلة وربما في نظري تحتاج هذه السواحل إلى كثير من الأعمال الفنية للمشاهد السياحية لتوجد تناغما جميلا في مياه الخليج وبيئتها الجميلة النظيفة.
جماليات المدن
وعن الحديث عن اللمسات الجمالية في المدن يقول: نلاحظ انه وعلى المدى الطويل تخضع المدن العربية والإسلامية إلى دراسات مهمة في مسألة التخطيط الحضري والإقليمي. فالمدن العربية تتميز بكثير من الخصوصية التي تختلف بها عن المدينة الغربية خاصة وانه من الناحية الجغرافية والإقليمية تقريبا معظم المدن العربية تقع في أقاليم صحراوية ومناطق حارة.
في موضوع التخطيط الحضري والإقليمي وإذ عدنا إلى المدينة العربية والإسلامية نجد لها شروطا متعددة على مستوى الوظيفي والجمالي وإذ أخذنا بنظر الاعتبار نجد أن المدينة العربية ذات نشأة حديثة وليست ذات نشأة قديمة،خاصة في المدن الحديثة التي اكتشفت فيها ثروات جديدة فقد أسست وفق مقاييس ووظائف مختلفة وبالتالي كان لها مقومات تختلف عن المدينة العربية التقليدية.
خصائص المدن العربية
يواصل الأستاذ الدكتور إياد حديثه عن خصائص المدن العربية حيث يقول:لا شك أن الجانب الجمالي في المدينة العربية والإسلامية.. هي المدينة التي تتبع المحور سواء هذا المحور أفقيا أو عموديا أو مركزيا؛ كما في مدن القاهرة القديمة وبغداد ودمشق وكثير من المدن العربية التقليدية.
المدن الحديثة الآن بسبب اعتمادها على كل التقنيات الحديثة أصبح التخطيط الحضري والإقليمي لهذه المدن يخضع لمقاييس جديدة ومختلفة ذات علاقة وثيقة بالتخطيط الغربي وهذا ما نشاهده في تخطيط العواصم العربية الحديثة الآن بالتالي فقدت كثير من خصوصية المدينة العربية الإسلامية التقليدية بسبب التقنيات الحديثة أو الغربية من هنا تأتي الإشكالية الجمالية التي تقترب أو تبتعد أحيانا عن الطراز العربي والإسلامي وخصوصية المدينة العربية فبعضها حافظ على هذا الشيء الجميل والبعض الآخر انسلخ عن الطراز العربي الإسلامي فاتجه إلى ما يسمى بالعمارة المستقبلية أو التخطيط المستقبلي كما هو الأمر في العواصم الأوروبية كنيويورك وواشنطن وكثير من العواصم الغربية الحديثة.
جماليات التخطيط الحضري
ويتابع الحديث بالقول: لا شك أن هناك منهجا آخر في المدينة العربية هو أن يترك الجانب التراثي أو الجزء التقليدي من المدينة والحفاظ عليه,ويبدأ في تأسيس مدينة عصرية حديثة مجاورة لها كما هو موجود في العديد من العواصم العربية كالقاهرة الجديدة ومدينة فاس وغيرها.
أو قد يتم الحفاظ على بعض المعالم التقليدية كما هو موجود في مسقط حيث تجد مناطق تراثية يتم الحفاظ عليها كما هو موجود في مدينة الشارقة وبعض أجزاء من مدينة دبي حيث يتداخل القديم بالحديث.
تستطيع أن تشاهد العلاقات القديمة المختلفة في كل المدن التراثية تجسد علاقات الإنسان المختلفة لهذه المدن التقليدية، والآن في خضم هذا التطور الكبير فالعمارة المدنية الحقيقية تحتاج إلى الكثير من الاهتمام في موضوع الجانب الجمالي وطبعا هذا الجانب الجمالي لا يقتصر على تجميل ونظافة الشوارع وعلى عملية التشجير والبستنة وترك مساحات خضراء وتوفير مرافق المدن وغيرها وإنما بحاجة إلى إعادة الذاكرة العربية والإسلامية لسكان المدينة عن طريق هذه الملامح المعمارية، فبعض الجداريات تعتبر انعكاسا للذاكرة التاريخية.
فعلى سبيل المثال مشروع تزيين مدينة مكة المكرمة تم اعتماد كثير من الحروف العربية والنصوص القرآنية وبعض ملامح الزخرفة العربية والإسلامية ذات العلاقة في موسم الحج مباشرة حتى تؤدي وظيفة مباشرة بطبيعة المكان،لحاجة إلى تجسيد قصة الكهف والعنكبوت وتجسيد مثلا لدعاء "لبيك اللهم لبيك" الذي ينادي فيه في فترة الحج.
وعمل نموذج مقترح لمئذنة حديثة تتضمن كتابة آية الكرسي بطريقة معاصرة و "حسبي الله في الأرض والسماء" مع بعض أعمال جداريات مقترحة تؤكد مفهوم العمارة الإسلامية في ثقافات مختلفة.
فالحج يجمع المسلمين من شرق العالم الإسلامي وغربه، فنتجه إلى وجود طراز معماري أو طرز معمارية مختلفة من كل هذه الثقافات إنما هي دعوة لتوحيد هذا الفكر على الرغم من أن الفكر الإسلامي هو موجود بحفظ الله سبحانه وتعالى، ولكن على المستوى الجمالي عندما يتذكر السكان كل هذه الفنون المعمارية والفنية تبرز توحيد هذه الطرز الإسلامية ووضعها في مكان واحد بمكة المكرمة هي بالنتيجة دعوة جمالية لتوحيد النظرة والفكرة والرؤية.
معاني الجمال اليوم
إن الجمال ومعناه اليوم اختلف كيف يحقق المصمم أفضل وظيفة جمالية للمدينة.. هذا الشيء الجميل.. فأنت عندما تسعى إلى تحقيق لمسات جمالية للمدينة تواجهك العديد من المصاعب الوظيفية على مستوى النقل والحركة هذه كلها صارت إشكالية ومصاعب تواجه المصمم.
لم يعد الجمال قضية بصرية وإنما الجمال أصبح قضية نفعية تداولية وظيفية استخدامية هذا هو مفهوم الجمال في فن التصميم الآن، لأن التصميم والجمال الآن فيه شراكة مع الصناعة والإنتاج والتواصل والجدوى.

عمان


كوكب المعرفة
http://www.al-kawkab.net/