روابط مفيدة : استرجاع كلمة المرور| طلب كود تفعيل العضوية | تفعيل العضوية

.::||[ آخر المشاركات ]||::.
في محراب الحنين [ آخر الردود : ذكرى - ]       »     نبسـط لـك الهوى [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     ذاكــرة أمـواجُ الشـوقِ‏ [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     متى تَلتَئِم الجراح [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     وجوه تهوي بها الأيام فترميها ب... [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     نـوبـة حنين [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     لحظه غيابك [ آخر الردود : ياسر الكثيري - ]       »     انتفاضة [ آخر الردود : ذكرى - ]       »     هموم مضت في فضاء الواقع [ آخر الردود : زياد الحمداني (( جناح الأسير)) - ]       »     كفيف [ آخر الردود : زياد الحمداني (( جناح الأسير)) - ]       »    


الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء
عدد الضغطات : 3,537ضع إعلانك هنا - ثلاث شهور فقط 25 ريال عماني
عدد الضغطات : 2,798ضع إعلانك هنا - ثلاث شهور فقط 25 ريال عماني
عدد الضغطات : 8,313
دروازة للتصميم
عدد الضغطات : 52,502عدد الضغطات : 52,281عدد الضغطات : 52,385

العودة   منتديات السلطنة الأدبية > منتديات عامة > الحـــــــوارات والأخبـــار وجديد المــوقع

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #31  
قديم 10-09-2013, 02:08 PM
الصورة الرمزية الملتقى الأدبي
الملتقى الأدبي الملتقى الأدبي غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 46
افتراضي

الرسالة المفتوحة
لـ : أحلام الحضرمية

في السكة رقم ثلاثة، رأيتها من بعيد والرياح تطير بها إلى محاذاة الشارع، ركضت إليها، استطعت التقاطها، قبل نهاية الشارع، ظرف الرسالة مفتوح، متوسط الحجم، لونه أبيض، ومن الداخل الورقة مخططة بالأسود – ذكرتني بدفتر المدرسة- كأنها مقروءة من قبل، جرني فضولي لقرائتها، ولكنني لا أستطيع.. طفقت باحثة عن صاحب لها فلتت من يديه، الرسائل جدا مهمة، خصوصا إذا ما كانت من شخص قريب بقلبه، بعيد بجسمه.. جلست على طابوقة بجانب الشارع أنتظر.. لم يأتِ أحد!!
مضت ربع ساعة وأنا أبحث، ولم أر في الطريق شخصا باحثا عن الرسالة هذه، أو أخرى تشبهها على الأقل.. من المؤكد أن أجد صاحبها ، فليس من المعقول أن لا صاحب لها!!
الشمس توشك أن تغرب، سأعود أدراجي إلى المنزل، ولكن أأترك الرسالة حيث وجدتها، أم آخذها معي، وأعود غدا للبحث عن صاحبها؟
اليوم الثالث:
ألهذه الدرجة، الرسالة غير مهمة؟! وليس لها صاحب، كل من سألته، إما أن يستفزني على اهتمامي بها، وإما أن يرمقني بنظرة غريبة!! لا أستطيع تركها، قد تكون سقطت من صاحبها، وهو يحتاجها..
اليوم الثامن:
قررت أن أفتح الرسالة، علها تخبرني عن صاحبها، فأوصلها إليه.. فتحتها، فإذا هي جملة واحدة تقول: "الكنز تحت الطابوقة".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رد مع اقتباس
  #32  
قديم 10-09-2013, 02:09 PM
الصورة الرمزية الملتقى الأدبي
الملتقى الأدبي الملتقى الأدبي غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 46
افتراضي

" حُ ــــقْنَةْ "
لـ : أحمد الكلباني

أشعة الضوء الساطعة لا زالت تسكب ظل القضبان على أرضية الزنزانة .
" في هذا المكان لا زالت تنمو أفكاري السمينة " ابتسم وهو يفكر لوحده، " الفرار ؟ ..هه لم يعد في العمر بقية كافية لمحاولة أخيرة حتى ، ربما سيمنح غيري هذا الشرف العظيم ! ". يقف بثقل بالغ متمسكا بعمودين حديديين باتجاه الضوء :" ترى كم الساعة الآن ؟ " يصغي مليا " الهدوء العذب هذا واللذعة اللذيذة الّتي تحك جسدي لا يأتي بها إلا .."‘ قرر أنها ربما تكون الساعة السابعة صباحا ، الوقت المناسب لأن يقوم بما اعتاد عليه ، ولم يبقى له إلاه حتى ! ، كي يمارسه دائما - على الأقل - من أجل إطالة أمد هذا الجسد العجوز .
الجري ، " لا يهم .. ركضت سريعا أو بطيئا .. لا يهم ، المهم أن تركض " قال لنفسه "أركض .."
".. أركض .."
صدى الكلمة المتكررة يدفع به في دوامة مغرقة التفكير ،و المسافة اللامنتهية من الركض كانت دائما بداية هذه الدوامة ..
***
أُركض ..
الأسرة كانت دائما همَّا جميلا ، إرث العائلة العملاقة وتقاليدها العظيمة أيضا ..
أُركض..
العمل المستمر والدؤوب ، أزقة المدينة المخيفة ، المألوفة! ، رائحة الماضي .
أُركض..
الهجرة الجماعية ، الترهيب .
أركض ..
أُركض..
أُركض..
الأصوات المتداخلة أكثر صخبا هنا ..الإبر هنا أشد وخزا من أي شيءٍ آخر .
****
لا تنفك تنهكه هذه الإغماءة البسيطة .. المثقلة بالذكريات ،
" قلت لك توقف عن الجري .." قال لنفسه ، ونهض متثاقلا ليستند بالقضبان " الصمت المغدق يجب أن يتبدد ولو بـ ... ، لا توجد أشياءٌ كثيرة لنفعلها هنا ، فقط نجري ونهرب .. منَّا إلينا ، دون توقف !! " يلتفت إلى زاوية أخرى "هه.. نأكل ونشرب ما يُريد الغير أن نأكلْ . كم هي مملة!".
ينهض مديرا ظهره للزنزانة ، مستقبلا العالم الخارجي ، ينظر إلى نقطة ما باتجاه الضوء القادم ، ظلال القضبان تلون وجهه العجوز ،عيناه المتسعتان أكثر من اللازم تقرآن شيئا ما في البعيد!.
كان فتيا متزنا بشدة عندما هاجر مع بقية العائلة إلى جزءٍ موحشٍ آخر من مدينة أخرى ، بعد الموجة العارمة من المداهمات القانونية ، كانت أعداد ضحايا العائلة كبيرة جدا ولكن تبقى الكثير - كما هو حال الأفكار العظيمة لا تنتهي أبدا – الكثير الذي قرر الهرب من أجل بداية جديدة ، الطمأنينة المنزوعة كانت تعود بين الحين والاخر كبقية الأرق والندم الّذَين يراودان الجماعة الّتي فقدت الكثير من إرث العائلة بيد الغير !.
" إرث العائلة ؟؟!" قال لنفسه وضيق ما يعبر عينيه ، استغرقت الهجرة زمناً طويلا ، فالتنقل في الخفاء يحتاج لأكثر من أن تكون حذرا . فمسؤوليةٌ كبيرةٌ هي الملقاة على عاتقه مع الصغار الذين لم يكبروا بعد ! ،
المكان الجديد كان أكثر قذارة من سابقه ولكنه كان خفيا أكثر . قرر الجميع بأنه المكان المناسب لإتمام مشيئة الحياة ونسيان ما حدث ، هكذا هي الحياة كما اعتقد الأب .
الساعة الثامنة صباحا موعد المداهمة الجديدة الذي لم يعرفه أحدٌ غيرهم بل يستحيل ذلك ، فالعائلة لا تملك لغتهم حتى لتتجسس عليهم !!! ... آخر ما كان يذكره هو هالات الدخان العملاقة الّتي كانت تلتهم الجميع ، الصغار والكبار على حدٍّ سواء دون أدنى قدرة على القتال ، فقط الهرب .. والهرب لا غير! .حتى أخذته هو الآخر إلى دوامة ضبابية .
الصحوُ المشؤوم هو أن تستيقظ قسرا على أضواءٍ بالغة القوة ، كان يشعر بذلك بشدة لا سيما وأنه اعتاد على الظلمة أكثر من أي شي آخر ، كما لم يعتد الوجوه الأكبر حجما !. والقيد أيضا .. القيد الذي كان يملؤه شللاً على بياضٍ ما . كان وخز الإبرة الأولى مؤلماً جدا .
بين القيد والزنزانة مسافة بين الضوء والظلمة وبين الضوضاء والصمت في كل توقيت جديد كانوا يأخذونه للقيد والبياض مجددا من أجل حقنة جديدة .
الحقنة الأخيرة لم يعد يرى بعدها إلا الظلام الدائم ! .
" اللعنة على تلك الحقنة !" قالها وهو يطبق برأسه على الزنزانة بشدة . ثم فكر في أمرٍ آخر " مر زمنٌ طويل منذ تقاعدت من الخدمة .. ترى هل مرَّ الجميع بذلك ؟ هل تقاعدوا هم أيضاً ؟! هل أصبح الجميع أعمى مثلي أم أني الفأر الوحيد المتبقي الآن ؟!!".
أغلق عينيه البيضاويتين وتنفس بعمق " لا يهم " قال لنفسه .
ورغم أنه كان يكره الضوء إلا أنه لم يعد يكترث فلونه المفضل بات يسكنه ، استرخى جسده وهو يعانق القضبان متلذذا بلذعة الشمس اللذيذة " كل شيء سيتبخر .. المهم أن تشعر بهذا الدفئ ، فالزنزانة لم تعد تمنح إلا الظلمة والبرد !!." قال لنفسه.
صوتٌ قاسٍ يغلق النافذة!!!!!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تمت ــــــ
رد مع اقتباس
  #33  
قديم 10-09-2013, 02:10 PM
الصورة الرمزية الملتقى الأدبي
الملتقى الأدبي الملتقى الأدبي غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 46
افتراضي

"يَا حُلمُ لقد جئتَ شيئًا فريَّا"
لـ : أسماء الشامسية


(العام 2008)

ينزاحُ ستارُ المسرح ،ترفعُ الموسيقَا، ويؤذنُ للغنَاء الهبوط ، الحضورُ كان كثيفًا جدّا ، إذ حضَر هذا العُرس الذي يحتفي بالحناجرالشّابة طُلابٌ وطالبات ، معلمون ومعلّمات ، وبعض مسؤولي الإدارة التربوية في المنطقة، كانت القَاعَة تكتظُ حضورًا وأوتَارًا ، والموسيقَا بانتظَار من يرشح منها المقطوعَات المغنّاة،يتقدّم أحد المُشاركين ليؤدي دَوره، يغنّي .. تتدحرجُ طبقَات صوته في أجواء التّلاطم الموسيقي ويتناوب الصّوت بعد الصّوت ،الغنَاء بعد الغنَاء
أمّا مريم ، التي وصلت المسابقة لتوّها،كان عليها أن تتفرسَ المكان والحَاضرين ، ولأوّل مرّة تجسّست من خلف السّتَار لتتفحّص الحُضور،اتّسعت حدقتاهَا إلى أقصَى دَهشَة وبدَا احمرارًا مَا يزحفُ باتّجاه وجنتيهَا المتورّدتين ، قالت مشدوهةً : رجَال طلبةُ مدَارس .. لم يخبروني بذلك!

العام (2001)
في سن الحادية عشرَ تمامًا، أنبتَت الفطرة في وجود مَريم حُب التأليف والغنَاء إذ ذاك كتبت أغنية لا تفوق قامتها البريئة كثيرا، أغنيةً عن العصافيرمَا كانت تدرك تقهقرَ لغتَها الركيكة أمَام عالم الكتابة المتراكب وشديد التّعقيد ، كان مطلعها : "عصفوري عصفوري .. قد أقبل مسرورا..مع كُل الطيورا "
ذات فِكرة دَعت أختها وبنت خالتها ليكونَا كُورَال حفلَة مصطنعَة ،نفَضت فستانَها،ثمّ شرّعت يدها اليُمنَى إلى الفراغ ويدها اليُسرى تُشد تموجات الفستَان بقبضةٍ لطيفة وهيَ تجترُّ جسدها يُمنةً ويُسرَة كما لو أنّها تُحاكي عُصفُورًا يفرشُ جناحيه ليطير،وحثّت رفيقتيها أن تفعلاَ مثلما تفعل،استنشقت هواءً نقيًّا خدَشَ اللهَاة وهو في طريقهِ ليزفَر الأغنيَة،غنّت ومعها غَنّتَا،وسيفعلنَ الأمر ذاته حتّى يُصبحَ الغنَاء عادةً يوميّة..وشيئًا آخر أكبر فيما بَعد.
في ذلك الوقت كانت مريم نجمةً تُحاول الانفجَار كما لن تفعل لاحقًا، كانت تطربُ كل من يطلبُ أن يرطّبَ مسمعهُ بالغناء، تحشدُ حولها صديقاتها لتغني لهن أوقات الفسحة المدرسية ،كنَّ يستمتعن،لا شيء ينغص هوى الطفولة في ممارسة الحدّ الأقصَى للسّجية، الطفولة هيَ الطّبيعَة كما يجب أن تكون.

العام (2002)
كبرت مريم ،بدأت تُشارك في احتفاليّات المدرسة والإذاعة المدرسية ، صَدَحت أغانٍ بصوتِ طرقِ الموسيقَا وبدونه ، بعضًا منها كانَ مخاضَ وعيها البِكر في التأليف وبعضًا منها مما حفظته من منشدين صاعدين ذلك الوَقت..
ذَات حَفلٍ مدرسيّ،وقفت مَريم تنشدُ أمَام مجموعةٍ من الرّجال المسؤولين الذين زاروا المَدرسة لغرضٍ تربوي، بَدَت متوتّرة ومُحرَجَة مَا إن استقرّ بصرها باتّجاهِ مجموعة من الرّجال كان بينهم رجُلٍ تتدلّى لحيتهُ أكثَر من اللازم ، ولسبب مَا لأوّل مرّة عبرَ مخيّلةَ مريمَ وهي تغنّي مقولةً لا تدري أين سمعتها :"صوتُ المرأة عَورة".

العام (2003)
امتّدَت مُشاركاتُ مَريم في الإنشَاد لتشمَل مسابقَات خارجية وأمسياتٍ رمضانيّة.
الذينَ عرفُوا مَريم منشدَة سيعرفونَها بعد ذلك مُغنيّة حين اقترحت عليها أستاذةُ الموسيقَا الانضمام لجماعتها الطلابيّة،وهُنَا لأوّل مَرة ستُكسَى كلمات مريم العَاريّة من أي صَخبٍ ثوبَ الإيقاع الموسيقي!
مريَم الآن تصاحبُ حُلمًا مَا يأخذُ مسيرهُ إلى الصّقَل والتكوين،وتُفكّر أن تواصَل مشوارهَا إلى ما هُو أبعد من الفضَاء المدرسي الضّيق هذا.
"ثمّة عَالم آخر في الجامعَة،عندما أتخرّج من المَدرسَة سأنضم لجماعة الموسيقَا،سأغنّي..نعم سأغنّي سأثبت للجميع صَوتي الذي يستحقّ الظهور،سأقفُ ذاتَ حُلمٍ على خشبةِ مسرحٍ شامخ ، وبرقّة صوتيَ الممشوقُ سأغنّي "
حَلُمَت مَريم.
العام (2004)

تعلنُ مديرية المنطقة (س) عن إعلان مسابقة الإنشاد بالشروط الآتية:

1- أن يكون المشترك أحد طلبةِ مدارس المنطقَة ولا يُسمحُ لغير المنتسبين لها.
2- ألا تخلّ القصيدة بالأخلاق العامّة وأن تحتوي كلمات هادفَة.
3- أن يشارك المتسابق بأنشودة واحدة فقط.
4- يُمنع مشاركة الإناث منعًا باتًّا.

قرأت مريم مُلصق الإعلان ، بدَت سحنتها خائبَة ، أطلقَت حسرةً غائرة وغَادرت .


العام (2005)

صوت الموسيقا كان يتنافرُ في المكانَ هادرًا من غرفةِ الموسيقَا ليذرعَ الممرات متسلّلاً صفوف الطّالبات ومُحدثًا ربكةً مُزعجة في ظل سير عمل الحصص الدراسية، فجأة صُفِقَ مصراع البّاب مَا أرعَشَ صلابةَ الحائط ، بدت أستاذة التربية الإسلامية متجَهّمَة وهيَ تباغتُ الدّخول وتطلقُ نظراتٍ ساخطَة في وجوهٍ تتشبّث بالذّهُول ..
"يا أستاذة حنان قللوا شوي من هذي الموسيقا ، الموسيقا ما زينة .. حرام .. حرام وصوتها واصل لحد الفصول" قالت تخاطب أستاذة الموسيقَا
ثم التفتت لمريم وقَالت كمن ينتصرُ لمبدأ : أيواا..أيواا مريم حتى إنتي معهم!

انكمشت شفتا مريم وتقلّص وجهها المشدود مثلَ طفلةٍ وبختها أمّها للتّو
عندما غادرت معلمة التربية الإسلامية قالت الأستاذة حنان وهي تتمتم بحنق : واللهِ أصل الموسيقا لا حرام ولا شي ..هو يعني إحنا حنخش النار علشان شوية غُنا وبيانو!!
كثيرا ماشهدت مريم مناوشَات مُماثلة بين معلمات التربية الإسلامية وأستاذة الموسيقا للسبب ذاته.


(2006)
- "مَريم نُريدكِ اليوم لتنشدي أي نشيدةٍ تُعجبُك سيأتي لدينا ضيوف" .. قالت أستاذةُ اللغة العربية
- لن أنشد أستاذة
-لماذَا يَا مَريم صوتكِ جَميل؟!
- أنا كبرت أصبح عمري 16عامًا حرام أنشد أمام الرّجال!

تبّدل لونُ الأستاذة،عقدَت حاجبيهَا وبُسرعة ارتفعَ حاجبها الأيَمن المنتوفُ بحرص محتجًّا ما لبِثَ أن ارتخَى.عاقرت المُعلّمَة الصّمت للحظَات وهيَ تحدجُ مَريم بنظراتٍ حادّة ومستغربة،ثمّ طلبت منها العودة للفصل ومَضَت.

(2007)
أدَارت مريمَ حَولَ عنقهِ حبلَ المشنقَة ،أوجَبَت على نفسها أن تمنعَ تقدّمه باتّجاه عَالمها، قالت تُحدّث نفسها: "إنّه ليسَ لي ، لآخرينَ غيري،ليست أنَا التي ستقترفُ خطيئةً لن أبرأ منهَا بعد ذلك،لن أموتَ والخطيئةُ تعرشُ جثتي وتقودني إلى حتفٍ مُظلم،سأضعُ لهُ حدًّا هنا وفقط.وسأمضي إلى طريقٍ لايشتبهُني ولن يحملَ ضميري على تقريعي ..لن أحلم ..مضطرّةً سأقتلُ ليسَ الحُلم ذاته فحسب بل مجرّد الرّغبةَ به"
نَذّرت مريم.

العام (2008)


أثنَاء العُرس الذي سيمتحن قُدرة الحناجر على الصّمود أمامَ الأحلام الكبيرة
تعاقبَ المشاركونَ واحدًا تلو الآخر..بناتَ وبنين..هُنالكَ كانت منصّة تعِدُ ممتطيهَا استثناءَ الوصول،الوصول إلى الحُلم،منصّةٌ بَدَت وهي تشهدُ محاولات الصعود ما يشبهُ محاولة هاوٍ يتعثّرُ على سفحِ جبلٍ وهو يشهدُ مقاومَة السّفح للدخلاء
كذلك سيقُاومُ تاريخٌ صلبٌ من المحظور أحلامًا تُحاولُ التّصدي والعُبور؛لهذا السبب وحده قرّر الزيزفونَ ذات يوم أن يُزهر ويتجنّب الإثمَار؛ فالشجرةُ المثمرَة وحدها التي تُرمَى،كذلك مَريم تحاشَت "الحُلم الشّجرة"،وقرّرت بتَرهُ قبلَ أن يتمادَى و يثمر،وقبلَ أن يُرمَى استدركَتْ حلمًا ومَحَته !

فكّرت في المحيط الذي لن يُباركها حُلمهَا فيمَا لو تجرّأت أن تحلمَ بخلافِ السّائد، المتماثل،بخلافِ المرغوب والمرسوم والمُحدد اتّباعه سلفًا،لو تجرّأت أن تبدوَ مختلفةً جدًّا،ودخيلةً جدًّا على تاريخٍ عريض من ثوابت السّمعَة والأخلاق والعَيب الخ.

دورها الآن ، مريمُ النّجمَة،القابلةُ للانفجَار،ابنةُ حلمٍ يكبرُ.....

عندمَا تُقدَّم مريم للمنصّة ،الموسيقَا تعاودُ رقصها،مريم الطفلة الحالمةُ أمسِ..تستيقظُ في بواكير الشّبَاب اليَوم،لتطردَ أوهَام الأحلام الغضّة التي لا يجبُ أن تُحقق خطوًا صوبَ القمّة..ولايجبُ أن تشَبّ أكثَر!
كانت ساخطَة عندمَا لم تُعلَم بدايةً أنّ الحفَل مختلط،ارتسمَت صورة الأستاذة حنَان في مخيالها كشيطان، التّي عرَفَت بحدسها أنّها تعمّدت إخفَاء خبَر اختلاط المسابقَة عنها لعلمها المسبق أنّها سترفضُ المُشاركة.

الجالسون في الصّف الأمامي يستفزّونَ ابتساماتٍ نائمَة تتلهّف بمجرد أن نَادَى صوتٌ مشجعٌ تناهَى منَ البعيدِ :يا مريمُ لقد حَان دوركِ !
وهي تقفُ في غرفةِ التّحضير تتأهّبُ الخروج ،لا تدري كيفَ تخايلَ إلى ذهنها ما يوبّخها وهي تسمع الصوت ذاك :
يا مريمُ لقد جئتِ شيئًا فريًّا !


بعضُ الواقفينَ الذينَ لم تسعهمُ المقاعد في أواخرِ المدرجات حاولت نظراتهم اغتصَابَ المشهد من بينِ الرؤوس المعلّقة في الأمام وهم في انتظَار الدّهشة المرتقبَة دونَ أن يعيلَ صبرَهم الوقوفُ الطويل..

دقيقَة ، دقيقتَان ، تُبطىءُ مريم الظهور، تُبطىءُ أكثَر، أكثر فأكثَر..
يمضي الزّمن .. تُبطىءُ مريمُ .. يمضي الزّمن .. تتراجعُ مريم ..
لا تأتي ...............................يُلغَى العَرض.
رد مع اقتباس
  #34  
قديم 10-09-2013, 02:11 PM
الصورة الرمزية الملتقى الأدبي
الملتقى الأدبي الملتقى الأدبي غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 46
افتراضي

اليقين
لـ : خديجة الحرفية

مهما كانت الحياة قاسية وصعبة ومؤلمة تبقى لنا دائما فسحة من الأمل وبصيص من الضوء ينير لنا طريقنا ويخرجنا من محنتنا ....
هكذا بدأت قصة ( يقين )
في حي فقير وفي بيت صغير عاشت أسرة يقين المكونة من أب وأم وسبعة أبناء حيث كانت يقين الرابعة بعد ثلاث أولاد ، عاشت يقين طفولتها كأي فتاة صغيرة تحلم بالغد المشرق الذي تجد فيه حلمها وأملها لتحقيق أحلامها .
لم يكن في حي يقين الذي تعيش فيه أماكن للترفيه كالحدائق والمنزهات ولا حتى الأسواق التي قد تفجر فيها طاقاتها الدفينة ، لم يكن في حييها سوى تلك ألتله التي تقع بالقرب من بيتها حيث تذهب برفقة أصحابها من أبناء الحي لتلعب معهم الألعاب المعتادة ( الجري ، القفز والاختباء ) وأحيانا كثيرة تقف يقين أعلى ألتله وتوجه ناظريها إلى ما وراءها وتنادي بأعلى صوتها ( متى أذهب إلى المدرسة ؟ ) ، وعندما يتعبون من اللعب يعودون إلى بيتهم فإذا بأمهم في انتظارهم وتكون قد أعدت لهم العشاء المتواضع فيأكلونه بفرح ويذهبون للنوم وهكذا ينتهي يومهم .
في ذلك الوقت لم تكن كل الأسر تستطيع تدريس أبناءها بل يكتفون بتدريس الذكور وبعض البنات الصغار وكانت العادة أن تبقى البنت الكبيرة في البيت لمساعدة أمها في أعمال المنزل وتربية الأبناء ، ولسوء حظها كونها البنت الكبرى ، لذا تحتم عليها البقاء في المنزل لكي تعاون أمها وتعينها في تربية إخوتها الصغار.

وهكذا بقيت يقين في البيت وتحطمت كل أحلامها الطفولية التي تحلم بها ، وتستيقظ في الصباح الباكر لكي تساعد أمها في تجهيز الفطور وتساعد إخوتها على ارتداء ملابسهم ، وحين يغادرون إلى المدرسة تنظر إليهم بكل حرقة وحسرة تتمنى لو أنها كانت معهم تحمل الحقيبة وتذهب إلى المدرسة ، وترتدي ملابس المدرسة وتنتظر أن تركب الباص لينقلها هي وأصحابها إلى المدرسة لكي تتعلم كل يوم شياً جديدًا ، تعود يقين إلى بيتها مكسورة ومتألمة وتكاد دموعها تفلت من عينيها ولكنها تحاول تخفيها عن أمها ،

تكمل يقين يومها كالعادة من تنظيف وغسيل والاهتمام بإخوتها الصغار .
وعند عودت أخوتها من المدرسة تجلس يقين معهم تتعلم منهم وتستمع إليهم وهم يقرؤون الدروس وتلح عليهم بان يعلموها الكتابة والقراءة فما هي إلا شهور قليلة فإذا بها تتعلم منهم القراءة والكتابة بل وتساعدهم في حل واجباتهم المنزلية لأنها كانت محبة للعلم وعلى درجة كبيرة من الذكاء والثقة بالنفس فكانت توفق بين الاثنين مساعدة أمها في أعمال البيت والاستذكار والتعلم من إخوانها .
ومرت السنيين وكبروا إخوانها ويقين مازلت تثابر في تحصيل العلم وتفعل المستحيل لكي تلتحق به لم تيأس أبدا بل كانت تبحث عن فرصة كي تدخل في مضمار العلم .
إلى أن أتت الفرصة السانحة لها وبعد إصرار شديد وإلحاح منها على والديها استطاعت يقين أن تلتحق بالتعليم فبدأت من الصفر بمحو الأمية ولكنها تفوقت بل وأبدعت وأثبتت جدارتها الفعلية في تحصيل العلم حيث تخطت كل زملاءها وتفوقت عليهم .
ثابرت يقين وبدأت ترتقي بتفكيرها وبعلمها وتشبثت أكثر به ، أصرت على أن تكمل ما بدأته ، أنهت الدراسة الابتدائية وأصرت على أن تكمل دراستها وبالفعل شقت طريقها بكل صبر وأمل نحو المستقبل ، ونجحت وتفوقت إلى أن وصلت للثانوية وبدأ الصراع الحقيقي لذا تحدت كل الضغوطات التي واجهتها وبالفعل تغلبت عليها وأثبتت جدارتها مرة أخرى بل وحصلت على أعلى النسب التي تؤهلها لتكمل دراستها الجامعية والمجال مفتوح لها كي تختار الكلية التي تريدها ، ولم تسعها الفرحة بحصولها على الشهادة العامة بعد مشوار طويل من الصبر والعناء والسهر في أحيان كثيرة .


اختارت يقين كلية التربية وأيقنت أخيرا أنها هي الكلية الوحيدة التي ترضي طموحاتها فالتحقت بها ، فمن خلالها تستطيع أن تكون مدرسة للأجيال القادمة تدرسهم وتحثهم على العلم وتنشر فيهم روح الأمل لغد أفضل وتحثهم على البذل والعطاء لتنير دروبهم وتوآزرهم على تخطي أزمات الحياة وظروف الحياة القاسية وانه مهما كانت الظروف صعبة ومليئة بالمخاطر والأشواك يبقى اليقين بالأمل موجود والله سبحانه وتعالى لا
يضيع عمل إنسان يريد تحقيق حلمه ومستقبله ولكن يبقى الإصرار والعزيمة هما اللذان ينتصران في الأخير وانه لا يأس مع الحياة بل بالجد والعمل يصير الحلم حقيقة ويصبح البعيد قريبا .

هكذا أيقنت يقين وهكذا بدأت حياتها بالأمل والصبر الذي كان يتوقد ويتجدد داخلها وهي تسعى جاهدة لتحقيقه .
فمن حياة الطفولة البائسة إلى حياة الدراسة القاسية والمحفوفة بالمشآق والصعاب ، حطمت يقين كل الصعاب بيقينها الذي كان يشتعل داخلها وبعزيمتها التي كانت سندا لها على البذل والعطاء فبالجد والعمل تقوم الأمم وتنهض الشعوب وتبنى الدول ويرتقى الفكر والذوق وتسود العدالة في المجتمع ، فالبناء لابد له من سواعد فتية تنهض به وترتقي به نحو الأمام فمن جد وجد ومن سار على الدرب وصل .
رد مع اقتباس
  #35  
قديم 10-09-2013, 02:12 PM
الصورة الرمزية الملتقى الأدبي
الملتقى الأدبي الملتقى الأدبي غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 46
افتراضي

محّـــــــارةْ
لـ : سعاد العلوي

...وجثت على ركبتيها بجانب المنز (أي سرير الأطفال) متوشحة بالثوب الأسود والذي كان سلفا- في قريتها- علامة على بلوغ الفتاة وأنها في سن الزواج.. وهي تردد بصوت تتلقفه العبرات..ذات الأغنية التي حفظتها من والدتها في صغرها: "صنصــور (أي عصفور) لا حلّك الله.. تاكل زرع اليتام.. قال الصنصور مب منّي.. كلّة يور(أي جور ) الحمام".. ...وظِلُّ ماء عينيها ينقش على صفحة خدها الغض.. لآلئ تشق طريقها لا تلبث ترغب في أن تتبخر على شاطئ الغرفة الطينية إلا والتهمتها شفتاها تماما كموج بحر رمى ما رمى وأخذ ما أخذ. (صفية/صفّوي )المرأة الطفلة الراسمة لعلامات التقزّز والشفقة على حد سواء في عين كل من لمح خصلة من شعرها الأسود الذي يلوّح من بين أعمدة دريشة غرفة الطين..لا يعلم أكان يقول للمارة انظروني اقتبس نقاءً من هواءكم المدّنس أم كان يلوح طالبا النجدة لحق صاحبته المغتََصب.. ...لحظات وترتبك خصلات شعر صفّوي ذعرا مسرعة إلى عمق الغرفة..معلنة اقتراب صوت خطوات ..!!خطوات تبعث في قلب صّفوي ارتجاجا كفيل بجعل دقات قلبها تهرول خوفا.. وحده (مرزوق مروحة )من كان يذعر لذعرها يصرخ كلما سمع صدى تلكم الخطوات. "ذروني أخبركم بأن مرزوق مروحة شاب لديه إعاقة عقلية أي كما يقولون (على البركة )شاب نصف مجنون سمي بالمروحة كناية على سرعة جريه" مرزوق يصرخ بشبه بكاء: ثفّوي لحقوا ثّفوي.. أكّوه (أي:ذاك هو )مثكُوْه..ثفّوي لحقوا ثفّوي.... .
التعليق ىّ أغنية قديمة كانت تغن للأطفال..تحضيرا للنوم.
عصر يوم آخر
.. "...غيثان!!..هين ماشي؟!..غيثان أجول لك تعال هنيه...تعال وإلا بردحك تردّيح (أي : سأضربك ضربا مبرحا) ..لـ تمشي صوب البحر غيثان أجول لك اجعد."... تلك كانت عوّاش تصرخ على أخيها غيث كعادتها عصر كل يوم.. لم تكن صرخات عواش على أخيها سوى خوف عليه من تردده على البحر خشية أن تغازله أمواج البحر يوما ما يذهب فيه .. ولا يعود. ...من الخارج ينادي العم سعيد على ابنته عواش محذّرا إياها من تشبير عتبة باب الدار: وإلا عايبنك حال ربيعتك ،!! "كم مرة أجول لك أذيه الباب مابا أشوف راسك يطلع منه صّفوي رابعنها(... )يلتقم الكلمة ويتمتم.. :الله يستر علينا دنيا وآخرة..الله يستر علينا دنيا وآخرة".. بالكاد قادته قدماه إلى مجلس المنزل متجاهلا دعوة زوجته حليموه بالدخول إلى الصالة أو غرفة النوم ليرتاح.. العم سعيد أضحى يرتشف استكانة الشاي في المجلس لا يتركه ..يمسي يعارك قهوته التي بات يشعر أنها أمست أكثر مرارة من ذي قبل!!.. عوّاش "تتجفّر على أطراف أصابعها /(أي:تمشي خلسة على رؤوس أصابعها) ناحية الباب ولا تلبث تطل بأنفها للسّكة إلا وتأتيها ردحة( /أي:ضربة قوية) على الظهر. ...على السكّة صوت بكاء طفلة..الصوت يخرج من نافذة غرفة صفّوي..يتعالى صوت البكاء ..يتعالى ..يتعالى..يصبح متقطعا..يحمُّر وجه الطفلة ثم يتماثل للزرقة..إلى أن وصلت والدة صّفوي لتجد أن صفيّة شرعت محاولة كتم أنفاس الطفلة وهو ما أدَّى إلى تقطّعِ النَّفَس عندها
هنا والدة صفّوي تركض محاولة إسعاف الطفلة تتجه مسرعة إلى باب منزل الطين فإذا بصوتٍ كهلٍ يخرج من غرفة شبه مهجورة بالمنزل (السّتر ..الله يستر علينا و عليك..الستر..الله يستر علينا وعليك) كان هذا الصوت بمثابة المنبه للأم كأن يقول لها إلا عتبة هذا الباب... عادت الأم إلى الداخل..بيدٍ تحملُ الطفلة التي تماثلت لأن تكون كقطعة اللحم احمرارا بعد أن باشرت بشحت ذرات الأوكسجين بسلام...واليد الأخرى توجه بها ساقيها اللذين قرصاها ألما يذكرانها بأنها تعاني من آلام في المفاصل.. صّفوي تستصرخ ألما..الطفلة تبكي ألم عودة الأكسجين لرئتيها..والأمُّ تتجرّع غصَّةً قَهََرا...يعمُّ الهدوء المكان... بعد برهه صوت طرقات عشوائية على الباب.!! تنظر أم صفّوي من النافذة لتجد خليفوه على عتبة الباب، "خليفوه امرأة على مشارف الخمسين من عمرها..تجيد تمشيط سوالف الحارة تجعلها مسترسلة تنقلها بعد ذلك بخفّة إلى بيوت الجيران"... أم صفوي تحاول أن تلهيها لكي لا ، تحاول الدخول إلى المنزل وكأنها تبحث عن شيء ما تدخل إلى الصالة لكن..هيهات.!! في تلكم الأثناء انفجرت الطفلة باكية جراء قرصة بعوضة على جبهتها اللينة..خليفوه تتبع الصوت.. تدخل غرفة صفّوي لتجدها مستلقية تتحرك بتثاقل بجانبها منز الطفلة!!. .. وما أن لمحت ذلك المنظر حتى تراجعت للخلف مدّعية أنها نسيت عشاءها على (الشتوله /) "أي الفرن، أو مايطبخ عليه". خرجت خليفوه مسرعة من المنزل..تصطدم بالعم سعيد.. يردي بها أرضا وهو يقول:
هيش فيك كيه (اتفرجعي( /)أي :تركضين بسرعة وعشوائيّة) ولم تردع لسانها حيث قالت :"سّوتها صّفوي بنت أبو صفّوي.. أني جايلتلهم هالبنت بذرتها فاسدة محّد سمعني". وانصرفت... العم سعيد واصل مشيه إلى أن وصل إلى قهوة مصبّح في سوق الحارة جلس وتنهّد فإذا بكرة (عنبر /)كرة صفراء أشبه بكرة التنس..تصطدم على رأسه يتقدّم طفل يكاد يكون في التاسعة من عمره..ينظر إليه العم سعيد بكل غصب ..يمد الطفل يده لأخذ الكره فيبصق العم سعيد على وجه الطفل والطفل شاخصة عيناه..الكل مستغرب من ما فعله العم سعيد وهو يقول : يردد: "كم بنت جدها عرّب أحفاد وأحفاد **لكن شرفها بين وقفـــــه وميلــه*"!!.. علم بعدها الجميع ما علمه العم سعيد من خليفوه. وحين عاتبوه على ما فعل..قال :مرتفع ضغطي وطلّعت حرتي ف الولد..مافيها شي كلمتين وطلعن للياهل. ...في تلك الليلة صرخت الريح بقوّة في الحارة...أمواج البحر غاضبة أشد الغضب ...أم عّواش :سعيد..الريح تنازع يا سعيد.!!! العم سعيد مشيحا بنظره بعيدا عن أعين أم عوّاش :لا تبالغي يا حرمة كلها ساعات وبيخف الهبوب.. صرخات مرزوق تخترق ضوضاء المكان..عمّي ثعيد عمّي ثعيد (ثالم يذّة )رجع عمي ثعيد..ثالم يذّة ياينك عمي ثعيد...عمّي ثعيـــ...
(البيت منذر الفطيسي)


يقاطعه العم سعيد :أجول لك غيب غابت عينك.. سالم يزّة من سنة حبابوتي روّح ومابيرد الله لا ردّه.. (سالم يزّة كائن اسطوري تناول قّصته أهل ذاك المكان على أنه يعترض سفن الإبحار يجزّها فتغرق..يقال لديهم أنه كلما ازدادت الحارة ظلما وفجورا خرج سالم يزّة غاضبا ..يمنعهم من التمتع برزق البحر ريثما تنجلي غمامة الظلم عن المكان ، ومن يصادفه لا يعود..وقد كان أهل الحارة يجزمون أن مرزوق في صغره صادف سالم يزّة وهرب منه وكان على وشك أخبار أهل الحارة بصفاته لولا أنهم قالوا بأن مرزوق قد فقد نصف عقله فور رؤيته لهيئة سالم يزّة) . مرزوق يركض.. تتقاذفه الريح يمنه ويسره يختلط صوته بصوت الريح يركض يختبئ في السكّة المطلّة على نافذة صفّوي..صفيّة كعادتها تستنشق الهواء عبر خصلات شعرها المسدل ومرزوق بصوت خافت ضاما ركبتيه بذراعيه..ويردد : ثالم يذّة رجع ثالم يذّة رجع..تنتبه له صفّوي وتهمس :سالم يزّة!..سالم يزّة !!..أخذت الذاكرة بصفّوي إلى حين كانت أمها تحكي لها حكايات سالم يزّة كي تزرع في داخلها خوفا من الاقتراب من البحر..لكن هذه المرّة صفّوي لم تشعر بالخوف بل ارتسمت على صفحات خدّيها ابتسامة رضا وبرقت لآلئ عينيها أملا في الفرج ُمتيِّقنَةً أن سالم يزّة لا يستيقظ إلا غاضبا من ظلم في قرية ما!! ...في فجر اليوم الذي تلا الغضب البحري كان الوضع هادئا جدّا ..نسمات الهواء كانت أنقى مما سبق..مرزوق نائم بجانب نافذة صّفوي..يتثاءب ..يناظر بنصف عين باتجاه النافذة لم يلمح حينها خصلات شعر صّفوي..أخذ من بقعة ماء البحر التي تكونت على السكّة وغسل عينيه وأخذ يدعكهما بقوّة متجاهلا حرقة التراب الممتزج مع الماء المالح على عينيه..أطرق برأسه يمشي باتجاه قلب الحارة مقابلا في جلسته باب بيت العم سعيد والمارة
لصلاة الفجر يمرون بجانبه وهو يتمتم ( :ثالم يذّة روّح وروّحت ثفّوي..ثالم يذّة روّح وروّحت ثفوي ) ... في تلك الأثناء خرجت أم صفّوي تنوح وتصرخ حتى بدأ من صوتها وكأن حنجرتها قد تشققت تعبا.. أم صفّوي :يـ هل الحارة..صفّوي محّد شاف صّفوي؟..!صفّوي محّد شاف صّفوي؟!...وأهل الحارة يجوسون حولها منهم من يحاول تهدئتها ليفهم ما حدث ومنهم من ظل يردد "لاحول ولا قوّة إلا بالله ..لا حول ولا قوّة إلا بالله" ومرزوق مروحة يصيح في الجانب الآخر ..ثالم يذّة روّح وروّحت ثفّوي....من بينهم كان العم سعيد أبو غيث وعوّاش ..نظرات احتقاره لأم صّفوي كادت تخترق قلبها..تمزقه..تذيبه زئبقا لا تتشربه التربة فينجلي ولا هو يصعد إلى السماء فيتبخّر ..كلماته تجلد على ظهرها وهو يقول: ((كم بنت جدها عرّب أحفاد وأحفاد..لكن شرفها بين وقفـــــه وميلــه*))!!.. وهي لا تجد سوى أن تقول..حسبنا الله هو نعم الوكيل..حسبنا الله هو نعم الوكيل. ... فجأة صوت فتاة مفجوعة تصرخ وتنوح..وأهل الحارة يرددون "لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.."لعنة وّحلت على هالحارة لا حول ولا قوة إلا بالله" يقترب الصوت..فإذا بها عّواش بنت العم سعيد تركض..غبار أتربة تتطاير من سرعة جريها وأتربة تتنحى خوفا من شدّة جريها...عّواش تلتقم الحروف والكلمات لتعجن جملة بكلمات متداخلة مع شهقاتها: .. "غيث..فـ البيت..أبويه..محّد..غيــ..." تتشنّج فتسقط أرضا.....والكل يتمتم "لاحول ولا قوة إلا بالله." ...عوّاش كانت تود أن تقول ..."أبويه غيثان محّد ف البيت".

اكتظت الحارة بتمتمات البعض وشماتة آخرين.. صرخات ..أدعية..كل من في الحارة يبحث ..بعضهم يبحثون عن غيث وآخرون يبحثون عن صفّوي..مرزوق ملازما للّسكّة يبكي خوفا ويردد ذات العبارة :ثالم يذّة رّوح وروّحت صّفوي!!. شارفت الشمس على الشروق ولا زال أهل الحارة يبحثون وقد كثر اللغط ..منهم من كان يقول أن صفّوي قد اختطفت غيث انتقاما من والده لأنه أساء لأخيها الصغير ..ومنهم من قال أنها تبعات لعنة سالم يزّة حّلت على القرية. وبعد فترة من البحث بدت علامات الاتفاق استسلاما تظهر على وجوه أهل الحارة مشيرين إلى البحر..المكان الوحيد الذي لم يبحثوا فيه..وما أن مدّت الشمس غصون أشعتها حّتى اتجهوا ناحية البحر بحثا عن صفّوي و غيث..ولكن دون جدوى...!! الكل عاد أدراجه بعد أن ارتدت تلك الحارة وشاح الحزن على ما حدث .. عوّاش أصيبت بصدمة لفقد أخيها الذي تعود على مشاكستها وتعودت هي على نهيه عن الاقتراب من البحر..توسوس وهي على حالها تقوم بفتح باب المنزل.. تتربّص.. وتغلقه تارة أخرى وصوت صرير حديدة الباب أشبه بصوت ربابة في ليلة ليس بها ضوء قمر.. وهي تردد بصوت مخنوق: ...ركبت فوق اليبل (الجبل) ..عاينت دّخانة ..أصريه أذيه مريكب اخويه ..واصل من الخانة ..شاحن قرنفل ..وشاحن الهيل بأوزانه..ويبيع بيع الغلا ..ويرفع بميزانه. تلك كانت أغنية عوّاش التي لازمتها يقينا منها أن غيث سافر بحرا وسيعود.. العم سعيد ُأخرِس لسانه من هول الصدمة وبات ملازما مجلسه الذي يطل على الباب في انتظار عودة غيث ويكأنه يخدِّرُ جرحه بما تتمتم به ابنته عّواش.
(أغنية من الموروث الشعبي ) التعليق ي في انتظار من يسافرون ّ لولاية صور تغن بحرا.
بعد أسبوع عُثر على غيث ملقّيا على السيفة (شاطئ البحر ) وقد فارقت روحه جسده..ولم يعلم أحد إلى تلك الأيام ماذا حلَّ به..أمات غرقا أم أنَّ صفّوي قد قتلته أم هي لعنات سالم يزّة تّهدى لتلك الحارة عامّة وللعم سعيد خاصّة..ولا أثر لصفّوي على الإطلاق .. و أم صفّوي جاثية بجانب سرير الطفلة تبكي وهي تردد أغنية ابنتها: صنصور لـ حلّك الله.. تاكل زرع اليتام.. قال الصنصور مب منّي.. كلّه يور الحمام.. حمامة وحدة صمّيء (صّماء) ماتسمع الكلام.. تسمع ردود الحارة...إلخ إلخ... والحال في الحارة على ما هو عليه....
...تَمّــــــت...

التعديل الأخير تم بواسطة الملتقى الأدبي ; 10-09-2013 الساعة 06:31 PM
رد مع اقتباس
  #36  
قديم 10-09-2013, 02:13 PM
الصورة الرمزية الملتقى الأدبي
الملتقى الأدبي الملتقى الأدبي غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 46
افتراضي

رائحـــه
لـ : عائشة النقبية

لحَظات ُ السكونِ في هذا المساءِ تُشوشُ أَفكاري المشبَعةِ بترانيمِ الموت , أبحثُ عن تفاصيلي في وجهِ هذه الغربةِ اللعينةِ ولا أجدُ سوى روحي التائهةِ هنا وهناك .
بلعتُ كبسولتي قبلَ ان أصلَ إليها , كانت تتأملُ صورتَها على وجهِ القهوة ِ الداكنةِ وإِصبعُها تعبثُ بالكأسِ الخزفي بغيرِ اكتراثْ , حركةُ شفتيها كانتْ تشي بجملةِ أسئلةٍ كثيرة وهُناكَ غُصةٌ تُولدُ على ملامحِها المرسومةِ من بقايا انكساراتي .رميت بثقلي على الكرسي الجاثمِ أمامَها , نظرتْ لساعتها في حركةٍ تُشيرِ لي بأنني قدْ تأخرتُ عنِ الموعد .ما أغباني فقد نسِيتُ بأنهم يقدسون الوقتَ كثيراً ..
رائحةٌ غريبة كانتْ تملأُ المكان , بدأتُ أُشعرُ بالغثيان , حاولتُ تجاهُلَ هذا الإِحساس وبدأتُ في الحديثِ معَها وبعدَ سردٍ طويل تكلمتْ دونَ أنْ تُكلفَ نفسَها عناءَ النظرِ إلي قائلةً : ( لمَ تقُولُ هذا لي أَنا ؟)
- ربما لأنكِ وطني والأرضَ التي أجدُ فيها الأَنا التي فقَدتُها منذُ سنينْ.
تهضتْ غاضباً وتوجهتْ نحو الخارجِ وعلى إِيقاع ِ المطرِ المتساقطِ صرَختْ بإنفعال ٍ شديد : (شرقيٌ بائس ) قالتها قبلَ أَن تُغادرْ وخيبةِ أملٍ واسعةٍ تُطاردُ خطواتِها , إنكمشتُ في مكاني وتمعنتُ في الوجوه التي حولي فإذا بكلِ تلكَ العُيونِ المُلونةِ تنظرُ الي .
خَرجْتُ منَ المقهى وقبلَ أن أَستمع َ لِصخبِ تعْليقاتِهم كنتُ قد تسَرَبْتُ في عُتمةٍ آفلة إلى ركنٍ مهجور .ماذا بها فقد حاولتُ التعبير َ عن شعوري فأنا فعلاً لا أُطيقُ تلكَ الرائحةَ المُنبَعِثةِ من ضجيجِ المُدرعاتِ وأصواتِ الطلقات.
حاولتُ جاهداً النوم لكن دونَ جدوى , ذاكرتي تغرقُ بهواني وتلفازي يبثُ أجسادهم وهي تُسحقُ تحت آلاتِهم , أراهم محرومونَ حتى من حُفرةٍ تَضمُ أشلائَهم المُتَطلِعةِ نحوَ السماء .
خمسون يومآ وربما شهراً أو حتى سنةً لا أدري لمْ أَعد أَشْعُرُ حتى بالزمَن , كُلُ جوارحي أُصيبت بالشلل خاصةً بعدَ أنْ أعلنت مُرؤَتي عجزها التام .الغريبُ أنة حتى أصواتُ الرابِ في أعلى مُستوياتِها لمْ تستطعْ أَن تُغطي على صَرَخاتِهم في أُذُني .
استندتُ إلى ظهرِ المقعدِ وأنا اُفكرُ لماذا صفقتُ مع أُولئك !!
سحقاً لي فلقد شربتُ الدياثة َ من كؤوسِهم وربما دخنتُها في سجائرِهم الملوثة .
صُداعٌ كبير يعبثُ برأَسي لمْ افقْ مِنةُ الإ على صوتِ الجرسِ في ساعةٍ متأخرة , ناولتني الخاتم وانفرجَ ثغرها عنْ إبتسامةٍ باهتة وغادرت المكان (هل حان دورها هي أيضاً لتتخلى عني ؟ )
إلتفتُ ببطء الى يمينِ البابِ وفي المرأة المُعلقةِ على جدار ِ الممرِ الضيق , حدقتُ النظر َ في ملامحِ وجهي , كانت لرجُلٌ بائس ليسَ أنا (تباً لهذهِ المرأة القذرة ) , هكذا حدثتني نفسي قبلَ أَن أَدْخُلَ في غيبوبةِ غضبي وأُباغتها بالنوم.
أَفقتُ في الصباح ِ وقررتُ الذهابَ لمنزِلها وهناك رمقتني بإستهجان قائلة : ( هاه ماذا قررت , هل سنعودُ معاً ؟ ) همست لنفسي ( من أَينَ ابدأ وما هو الطريقُ الأقربُ للإجابةِ عن سؤالها ؟)
أَجبتُها متلعثماً وأنا انظُرُ لموضعِ قدَمي : أرجوك ِ صدقيني رائِحةُ الموتِ تُشْعِرُني بالغثيـ ..... ) لمْ أكد انته من حديثي حتى أغلقتِ الباب في وجهي وهي تصرخ : تباً لكَ أيُها الأزرقُ الجبان
جُملَتُها هذهِ جعلتني أَسرحُ بِذاكرتي للوراء حينما كُنتُ استمع اليهم وهم ينعَتونني بصاحبِ الدماء الزرقاء , ياترى ما هي العلاقة بين الجُبنْ والدماء الزرقاء ؟
أَخَذَتْ يدي المرْتَجِفةُ تُحاولُ البحث عن كبسولتي من جيوبِ بنطالي , أُريدُ أَن أبلعها حتى تَطولَ المدة قبلَ أن يفيقَ دماغي فلقدْ أَخذ مني الإنكسار كُلَّ مأخّذْ وبالتأكيد لمْ أنسَ قبلَ أَن أُغادرَ المكان أنْ أُطيلَ النظرَ في عروقِ ذراعي لأتأكدَ بأنَ دمائي حمراء وليست زرقاء كما يدعون.
ذابت هي في الايام كَقِطعةِ سُكّر وأنا على حالتي تلك لا زلتُ أَخشى رائِحةَ الموت الى ان جاءَ ذلكَ اليومُ الذي كُنْتُ أَرتشفُ فيه الشاي وأُحدقُ في شاشةِ تلفازي كعادتي لأراها خبَرَ ذلكَ اليوم , جسَدُها الصغير غارقُ في دِمائه –كما عروبتي –ودَّعت الحياة وهي تُناضل من أجلِ وطني وعلى شفتيها إِبتسامة لم ْ تكتمل بعد وكأنما تُريدُ إخباري بأنَّ رائحة َ الموتِ ليست سيئة كما كنتُ أَظنها دائماً . خرجت الى الشارع كالمجنون , كان كلُ شئ بائساً , أعمدةٌ أَرهقها الوقوفُ طويلاً وشحاذ ٌيمسح ُ عن وجهة لطخات ِالزمن يسألني : هل تبحثُ عن شئ ؟
أجبتُه : نعم أبحثُ عن كرامتي ضاعت مني منذُ زمن , هل رأيتها؟
شخصَ ببصره نحوي وهزَ رأسه في استنكارٍ شديد ورحل بعيداً .
(يا إلهي حتى الشوارع ُ تنأى بنفسها عني )
رَغبةٌ تَكْسُرُني تُلحُ عليّ أن ارى ما ضحيتُ به لأَجلِ أن لا أنتمي للموت , وهل ثمةَ شي لا ينتمي للموت هنا ؟
(البُكاءُ لا يليقُ بالرجال ) هذا مَا كانَ يقُولُه لي والدي قبلَ أن تُسحقَ أشلائُه هُناك , لذا إنتزعتُ الحبةَ الصغيرةَ وبلعتُها لتبدأَ عملها المُعتاد.
كانت ساعةً مُتأخرةً من صحوةِ الضميرِ ولا شئ سوى العدم , هُنا ينظرونَ اليَّ بسُخرية وهناكَ يحاولون إقناعي بأنهم يشعرون وأنهم ليسو من فصيلةِ الدماءِ الزرقاء تمثيلية رائعة يستحقونَ جميعاً التصفيقَ من أَجلها .سُحقاً لهم أليس بينهم من سيثُورُ على هذهِ الأدوارِ الكاذبة ؟ لم يعد بوسعي سوى البحث عن ضريح لروحي المتعبة منذُ سنين .لا أَحدَ يُريدُ أن ينصفني , ما مُشكلةُ هؤلاء لماذا لا يفهمونَ بأنَ رائحةَ الموتِ تُشعِرُني بالغثيان؟
رد مع اقتباس
  #37  
قديم 10-09-2013, 02:14 PM
الصورة الرمزية الملتقى الأدبي
الملتقى الأدبي الملتقى الأدبي غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 46
افتراضي

الثياب الململة
لـ : عبدالله العلوي

بدأت نبرات الصوت ترتفع شيئا فشيئا إلى أن اقترب الصوت من أذني، وكأن الصارخ يصرخ أمامي، اقتربتُ لأسمع من الصارخ؟ وماذا يقول؟ اقتربت أكثر فأكثر باتجاه الصوت، وفجأة تخرج في وجهي وهي تصرخ بأعلى صوتها: أين أنت يا أبي؟؟ رفعت رأسها، وعندما رأتني صرخت بصرخة مدوية: أبي أبي أبي، وارتفعت من مكانها، وتعلقت بي ممسكة بعنقي، وكأن ابنة لم تر أباها الذي تحبه منذ فترة من الزمن الغابر، حسبتها تلك الأفعى التي تلتف على بنت العجوز الطمّاعة –كما جاء في حكاية جدتي- حاولت أن أفلتها من جسدي الرث المهترئ، ولكن هيهات هيهات، كيف لك أن تزيل الحديد الملتحم إذا التحم بأخيه الحديد؟!، ومما زادني تيها وغيا أنها كانت تنتفض بقوة، حسبتني في مغزلة قماش عمي، وعمي يغزل بالمغزلة والخيوط تهتز اهزازا كبيرا.
كانت خائفة كثيرا، ذكرتني بأختي الكبيرة عندما كانت تخاف من الظلام، تتعلق بأمي أو بأي أحد بجانبها، عجبت من تعلقها بعنقي فلربما بعثها ملك الموت لتحكم علي بالفناء الأبدي، الفناء الذي تتماطر حوله الحياة الأبدية.
مسكتها بأصابعي الخمسة من وجهها –حسبت وجهها كرة لعبة الجل، وكأني أريد رميها- فانكشف وجهها، رأيت شراجا من الدموع تهطل بغزارة من عينيها العسليتين، مرت على ذاكرتي أحداث كنت فيها بهذا الحال من البكاء، ذكرتني بقساوة دموعي المنهمرة، تراء في مخيلتي ذلك الخد وهو يلاقي الأيدي الماردة العملاقة، لمع لي طيف سياط القسوة تقصف عليّ يمنة ويسرة، وما كانت حيلتي إلا نزول دموعي البريئة، أجبرها على الظهور وهي لا تريد الشهرة، وتبقى قابعة خلف مقلتي الصغيرتين.
عاودت التمسك مرة أخرى برقبتي، وأصبح رأسها خارجا من كتفي، وصدرها ملتصقا بصدري، وكأن مغناطيسا يجذبها إلى صدري، لأول مرة أحس بمرارة الفراق واللوعة، ومرارة الخوف والفزع والهلع.
صرخت في أذني بقوة: أنقذني أرجوك.
ارتبكت ماذا أفعل؟! الآن بدأ اختبار فريد من نوعه، اختبار يجب حله في ثانية واحد أو أقل من الثانية، هي الآن في حضني، وتصرخ أنقذني، ولا أعرف ما سبب تعلقها بي، ولما هي خائفة؟.
طمأنتها وهي في صدري، تذكرت أمي وهي تهدهد أختي الصغير؛ كي تسكتها وهي في سنيها الأولى، وأثناء هدهدتي لها على ظهرها بهدوء قاتل؛ عصفت في ذهني أسئلة كثيرة،
كيف تناديني أبي وأنا لا أعرفها؟؟ ولا أعرف سكنها؟؟
وما أرقني كثيرا، كيف تقول لي يا أبي وأنا ربما أصغرها أو أكبرها أو أننا متساويان في العمر؟؟؟!!!
وبعد أن هدأت تلك العواصف من الخوف والهلع، أنزلتها من حضني،
حاولت أن أمعن النظر فيها، وكأني أفتش على ألعابي أين خبأها أبي؟؟! فلربما التقيت بهذا الوجه من قبل، أو أنني لربما التقيت به في أزقة حارتي، وأنا لم أمعن فيها، أو أنها ابنة جارنا أو أو أو..
رأيت دمعها تنهمر بغزارة، مسحت دموعها من خدها، حاولت أن أمعن النظر في وجهها مرة أخرى، ولكن للأسف خانتني ذاكرتي كما هي عادتها في الخيانة، أريد أن أتذكر من هذه؟ وأين لاقيتها؟؟ وما هي الصلة التي تربطني بها حتى تناديني أبي؟؟ ثار في عقلي وابل من الأسئلة التي أردت أن أقتلها، نعم أقتلها، كيف لا وشابة في مقتبل العمر تناديني أبي؟؟!! هل أنا حقا أبوها؟؟!! هل أنا ربيبها؟؟!! أتعلمت معها أو علمتها ؟؟!! أم أنني لاقيتها في زقاق حارتنا، ولم أحدثها لخجلي الفاضح.
- يا سيدتي من أنت؟
نظرت إلي شزرا.. وقالت:
- أنا ابنتك يا أبي..
جاءتني دهشة بطريقة ردها الغريب، ونبرت صوتها المطمأنة.
- ولكن أنا لم أتزوج حتى تكوني ابنتي؟؟!!
- لا أنت متزوج أمي ورُزقت بابنة وهي أنا أنا زينب
زادت دهشتي من شدة صرامتها وثقتها بكلامها، وكأنها متأكدة تأكدا تاما، مما تقول، بل هي تثق بأن كلامها حقيقي لا غبار فيه، رجعت أتفحصها، فوجدت أن عينيها عسليتان، طويلة، متوسطة الجسم، مستطيلة الوجه، المملتى بياضا، وشعرها المسود، لكنها ليس طويلا وإنما قصيرا إلى حد كما.
- ألن تساعدني يا أبي؟؟!!
فاجأتني بسؤالها، أجبتها بعد مدة ليست قصيرة، أحسست وكأني في محكمة قضائية وحكم علي بالإعدام والقاضي يسألني هل لديك كلام أخير تريد قوله؟؟، تحشرجت في الكلام، ولم أستطع أن أجيبها، انطلقت كلامات في لساني.
- نعم حبيبتي سأساعدك.
لا أعلم كيف نطق لساني بتلك الكلمات الجميلة، مع أني لا أعلم من هي ؟؟!!، ولكن أثق أن القلب أجبرها على الخروج بدون إذن سابق.
أطرقت رأسي إلى الأرض، تراء في رأسي أبي وهو يلتهمني بصوته، وأنا مطرق رأسي إلى الأرض، خوفا من أن تلسعني يده وتلاصق خدي كما هو عادته.
رفعت رأسي إليها، فرأيتها تبتسم وثغرها مملوء بالحنين، نادى منادٍ في رأسي بأفكار كان سببها ابتسامة تمنيت لو أنها لم تخرج من فمي ولم أجبرها على الخروج.
وما إن حل المساء حيث النوم، حيث الحب، حيث العشق، قالت بكل حنيه، وبكل برود تام وهي تنام على ركبتي.
- أبي يا حبيبي أين أنت من زمان؟؟
التفت إليها بكل رؤم، نظرت إليها، فرأيت براءة الدنيا في وجهها
- أنا موجود يا حبيبتي، أنا موجود ولكنني كنت في موعد مع الموت..
- الموت؟؟!! وما الموت يا أبي؟!
التفت إليها رأيت طفلة وديعة على كبر سنها، تطلب الحنان من أبيها، تطلب الحب، تطلب كل شي جميل يمكن أن يقدم لها، كما كنت أتدلل على أمي، حاولت أن أجمع كل جمل الحب والحنان التي كانت أمي تجمعها في قلبها عندما يصيبني جرح طفيف، سآألت نفسي حينها، ما هي الطرق التي تستخدمها أمي لكي تجمع كل ذلك الحنان في قلبها في لحظة وجيزة؟!!، تمنيتها لو كانت الآن في جانبي تلقني درس الحب والحنان والعطف، تمنيتها تقول لي: افعل كذا ولا تفعل كذا.
- أبي أراك تحدث نفسك؟؟
صوتها ماء سلسبيل، ناعم الحس، يدخل في الأذن بدون إذن، فيتخلل إلى القلب بدون إذن، فيفعل فيه أفاعيل هوجاء، انتبهت لسؤالها، ارتبكت ولا مبرر لارتباكي، ظننتني متهم وأريد الهروب من جريمتي، وأبحث عن علة لجريمتي.
- لا بنيتي، أفكر في الموت.
نظرت إلي نظرة مفرحة
- إذا فأخبرني عنه..
ذهب خيالي بعيدًا، تريدني أن أحكي لها قصة الموت، القصة التي دائما أحكيها لذاكرتي البلهاء، القصة التي تذكرني بجدتي عندما مرضت ذاك المرض العضال، وجاء الموت فاخططف مني جدتي، جدتي التي كانت تحكي لي الحكايات الجميلة تحت (الشندرما)، تحيها لي قبل النوم بدقائق، حكايات عن ليلى وعن الذيب، وعن تلك المرآة الجشعة، القصص الكثيرة.
القصة التي تذكرني بجدي، حيث كان يحثني على مسابقة أصحابي لحضور مدارس الكتاتيب، القصة التي تذكرني بعمي لأنه المومول الأول لي ولإخوتي.
كم أكره الموت، أكره حماقاته، أكره سذاجته، أكره كل صفة تقربني إليه، لأنه سرق طفولتي، سرق لعبتي الصغيرة، سرق يتمي، سرق كل شي جميل فيني، حتى الشوكلاته التي كنت أشتريها من دكان العم سعود سرقها، كيف لي لا أكره الموت، وهو الذي فعل ما فعل بي؟؟!!
- أبي؟؟
وأنزلت رأسها إلى الأرض دلالا..
لأول مرة أحادث فتاة بهذا الجمال، وتحدثني بكل دلال وحنية، أحسست أن الكون امتلى حنانا وحبا، ماذا حل بي هكذا فجأة دن سابق إنذار.
ابتسمت عندها ابتسامة المسترضي الذي يريد الرضا من حبيبته، لا أريدها أن تزعل مني ولو ثانية من الزمن، أحس بأن الدنيا تتزين لي، مع أنني قد عاهدت نفسي لا أراجعها بتاتا، لأنها حمقاء بطبيعتها.
سرحت قليلا، تفكرت في نفسي وهذه البنت..
نادتني مرة أخرى: أبي؟؟
أجبرتها بصوت مرتفع بعض الشي، لأني كنت سرحانا، ولم أتوقع أن تسألني، تمنيت لو أن لساني انقطع قطعة قطعة، تمنيت لو أن الموت زارني قبل أن أنطق بكلمة نعم، ارتفع صوتي عليها، وما حسبت أني سأرفع صوتي على دلال الدنيا،
عندها طأطأت برأسها إلى الأرض دلالا مرة أخرى، -وما أجمل دلال الأنثى عندما تكون جميلة-، وفوق كل هذا تتدلل، ومع ذلك أتوقع أنها لا تربطني بها علاقة بتاتا إلا أنها هي تناديني أبي وأنا أناديها بحبيبتي، وكأن رابطا بين قلبها وقلبي، وبين حبها لي ومنادتها بأبي، وبين حبي لها.
أحببتها بكل ما فيها، حتى لو لم تكن ابنتي، حتى لو لم يربطني بها أي علاقة كان نوعها، فسهم الحب دخل في قلبي بل وتغلغل في شراييني وأصبح الهواء الذي أتنفسه.
قبلتها على جبينها لأسترضيها، وما أسرع رضاها، عرفت أنها لم تزعل وتتدلل لأنها تريد الزعل بل زعلت لأنها تريد هذه القبلة مني، وكأنها تنتظرها من ساعات كثيرة.
شارف الليل على أن ينسدل، ويقترب نصفه، نامت بسرعة خاطفة، فالنوم كان واقفا من فترة من الزمن على رأسها، ولكن لم تأذن له، فتعب من الانتظار فدخل بدون إذن مسبق، ولم أنم خوفا من أن يصيبها شوكة في جسمها فيؤثر على نومها الطبيبعي، وفرت لها كل سبل الراحة وكأنها في فندق بسبعة نجوم، حيث جعلت ركبتي وسادة لها، وفرشت عمامتي لتنام فيها، وجعلت ردائي لحافا لها خوفا من أن يصيبها برد فتمرض، عندما أيقنت على راحتها التامة، قررت أن أزيل من رأسي النعاس فنمت جالسا متكئا خوفا من أن أسبب لها إزعاجا أثناء نومها.
رد مع اقتباس
  #38  
قديم 10-09-2013, 02:14 PM
الصورة الرمزية الملتقى الأدبي
الملتقى الأدبي الملتقى الأدبي غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 46
افتراضي

البراءة المسلوبة
لـ : مريم اليعربي

ذهبَ قاصداً ليجلس تحتَ شجرةِ الغافِ التي تعتلي التلةَ المقابلةَ للمسجدِ الكبيرِ ، محاولاً أن يسترجعَ ذكرياتِ خمسةً وثلاثين عاماً قد مضتْ. جلسَ متكِئً على الشجرةِ بعد ان احسَ بمرارةِ الذكرى ، وكأنها تعودُ من جديد لتجعله يصارعُ لحظاتِ الموتِ الصامتِ. أخرجَ صورةٌ من جيبهِ البالي ، وأخذَ يتأملها ، ويداهُ ترتجفان.
كان كل شي في رأس أحمد حائرا ولكن الذكرى أخذتْ به الى يومٍ ظل يتجرعُ الامهُ لسنواتٍ طوالٍ لم يشعرْ بها سواه. ظل ينشرُ حزنهُ بصمتٍ في كلِ ليلةٍ مظلمةٍ بالسكون.
حكاية أحمد بدأت منذ أن قرر أن يقطن في هذه القرية الملعونة التي سلبته أزهار حياتهِ ، فهذه الصخور والرمال تعلم جيدا بأنها ليست مجرد ممرا مشؤما لهذه القرية, بل مر بينها وادي واحتضن في مجراه صغارا فارقوا الحياة لانهم قرروا يوما أن يمارسوا حقوقهم في اللعب ولكن قسوةَ المكان سلبتهم تلك الحرية التي يحظى بها الاطفال من حولهم ليصبحوا ضحايا في غمضة عين.
قرر أحمد بعد صراع مع ذاته أن ينزل من أعلى التلة ؛ ليتجول في ذلك المكان ومن زاوية قاتمة بدأ ينصت جيدا لحوار دار بين اهل القرية وشيخها عن امكانية دفن مجرى الوادي وتحويله الى معبرٍ رئيسي لدخول القرية.
في هذه اللحظة داهمه حنين وشوق لحقيقة المكان , كيف لهم ان يجعلوا دفتر ذكريات الصباح والمساء معبرا للمارةِ ؟ وحده جعل من المجرى موعدا للقياهم ، ولا زالت رائحة دمائهم تعطر المكان ولا زالت اصواتهم كأسراب طيور تغرد ليتردد صوتها في مسمعه.
أخذ ينشج وهو يتذكر ناصر، ومريم ، وعبدالله تلك الأرواح البريئة التي جرفها الوادي في لحظة غضب تذكر ايام صباه ، وأبنائه من حوله يلعبون.
خمسةٌ وثلاثون عاما وأحمد كما كل يوم يذهبُ للجلوسِ تحت شجرة الغاف ليصارع حقيقة عجزَ عقلهُ عن استيعابِها , يحاولُ أن ينسى ، وتعود به ذاكرته من جديد.
رد مع اقتباس
  #39  
قديم 10-09-2013, 02:15 PM
الصورة الرمزية الملتقى الأدبي
الملتقى الأدبي الملتقى الأدبي غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 46
افتراضي

نوبه !
لـ : نوف السعيدي

بالأمس كتبت قصة عن شاعر صغير، ينتبه لفتاة ليست صغيرة جدا، تضع خلخالا لا يفارق كعبها. جاء صديقه متوسلا يطلب منه كتابة قصيدة لا يعيبها أن تكون صغيرة عن فتاة بخلخال لا يفارق كعبها، كانت قد لفتت انتباهه. فقرر الشاعر الصغير أن يكتبها على طريقة التعيس "سيرانو دي برجراك" الذي كان يكتب باسم صديقه رسائل للتي يحبها قلبه، لكن شاعرنا الصغير على خلاف سيرانو انتظر طويلا أن يطلب منه كتابة قصيدة أخرى، للفتاة نفسها. وحين ظهر الصديق مجددا طلب بالفعل قصيدة أخرى لكن لفتاة أخرى، لا ترتدي خلخالا هذه المرة!
×××
لابد أن أتوقف عن كتابة هذه القصص اللعينة، كل مشهد فيها يظل يدور ساعات في خاطري، لا يزول إلا بعد أن أحاكيه. لقد فقدت القدرة على التركيز في أي شيء ، بل وفقدت الاهتمام بأي شيء سوى كتابتها ومن ثم إعادة قرائتها مرارا ومرارا. أتعرف أنني لم أذهب إلى الجامعة طوال هذا الأسبوع؟ أصبحت أفوت محاضراتي، وأنسى مواعيد الأكل والنوم! حتى برامج الحيوانات التي كنت أفضلها على أي شيء، ما إن أبدأ في متابعتها حتى تتسلل إلي أحداث قصة جديدة من خلال العشب والأشجار والأنهار، فلا انتبه لما تحكيه الشاشة إلا في المشهد الذي يأكل فيه الأسد غزالا، أو يغرق جاموس في البحيرة.
لم أتمم قصتي الأخيرة بعد، وها أنا اليوم أرتدي خلخالا سخيفا في قدمي، أدق الأرض فيصدر صوتا، يذكرني بالحية ذات الأجراس. هل سمعت من قبل الصوت الصادر عن ذيل الحية ذات الأجراس؟ لا أعتقد.. فأنت لا تحب برامج الحيوانات، ولكني أحبها كثيرا، وسأترك كتابة القصص وأتفرغ لمتابعتها بعد أن أتخلص من هذه السلسلة النحاسية الغبية.
×××
معقدة! أنا! .. أتذكر ذلك اليوم، حين اتفقنا أن نلتقي في حفل توقيع كتاب "ما بقي في الإنسان من أسلافه" كان كتابا جيدا ولا شك، يتحدث عنا، نحن القرود التي شائت المصادفة البيولوجية أن ننطق، ونفكر، ونرتدي ملابس وخلاخل، ونكتب قصصا نتقمصها. فكرتُ بأنه من السخيف أن أقف في الطابور لآخذ توقيع كاتبه الأشقر، ماذا إذا ابتسم برضًا معبرا عن سعادته بالإنجاز. أقسم أني سأقتله، لا مشكلة لي مع سعادته، مشكلتي بأن يشعر أنه مركز الإهتمام، هذا شعور يقتل الإنسان، ولو تقمصه للحظة واحدة. لابد أن تكون غير راض عن نفسك، بل يجب أن تحتقرها إذا أردت تقبل هذا العالم. يجب أن تكون قمامة لتشعر أن وجودك في هذا المكب الممتد من البحر إلى البحر هو أمر طبيعي وعادل. أردتُ أن توقعه أنت لي لكن شجاعتي خذلتني. وضعت الكتاب في الحقيبة، وإذا بك تمد يدك بالكتاب وتقول: "هلا وقعتِ لي، طابوره أطول من طابورك". سألتك :"لماذا ؟". لم أكن أريد أن أعرف دوافعك، كنت راغبة بمعرفة دوافعي حين فكرت بذات الأمر، أردتك أن تساعدني على فهم ما أريد، ظننتك أبسط مني، وأن بإمكانك أن تجيب عن سؤال أعجز عن إجابته. كنت مظللة، سألتك "لماذا؟" أنت الذي اخترت أن تفهم سؤالي على أنه رفض. كنتَ أجبن مني، كان بامكانك أن تقول شيئا، أي شيء. كأن تقول ما قالته البطلة في قصة الأسبوع الماضي "لو مات الكاتب غدا وأنا أشرب قهوتي، سأستمر في شربها، وسأذهب لعملي، وأمارس الرياضة، وأفعل ما أفعله كل يوم، وحين ألتقي بك مساءً سأخبرك وأقول رحمه الله، وستهزين رأسك ثم ينتهي الأمر. لكن لو فقدتكِ يومًا سأحب أن أحتفظ بشيء يخصك". يا أخي قل "لأن هذا ما أشعر أني أريده ببساطة" ثم تنام الليل وأنت مرتاح، لكنك لم تفعل. ألا تعلم أننا لا نسأل الآخرين إلا لنجيب أنفسنا؟! "نوبه؟"، نعم نوبه اقترحت على نفسك شعورا واهما بأنك غير مرغوب، وانتظرت اعتذاري. كل ذلك وتقول أنني أنا المعقدة، معقدة بسبب أفعالك، التي أجاهد لوحدي في تحليلها .
هل أخبرك بما خطر في بالك حينها؟ الخيانة، هكذا أنتم دائما أيها الذكور، مع أي سوء فهم تظنون أن هناك ذكرا آخر ينافسكم. وإذا كان هذا الذكر متكبرا تماما كحالتك، فسينسحب مدعيا أنه لا يبالي. نعم أيها المغرور المهزوم، انسحبت حتى عدتُ إليك، أو بمعنى آخر أعطيتك إشارة التقدم، لكنك أبدا لم تسألني عن ما كنت تؤمن به من وجود رجل آخر. إما لأنك تعتقد بوجوده فتكون مناقشة الأمر شيء محرج لكلينا، أو أنك تظن أنك الوحيد الذي يعجبني!
إذا دعني أخبرك أن إناث العديد من الحيوانات – وهذا بالطبع ذُكر في الفلم الوثائقي بعد أن أكل الأسد غزاله وإلا لما انتبهتُ للمعلومة؛ لاني كنت أفكر في قصة عن فتاة بخلخال – اقول أن الكثير من الإناث تتزاوج مع أكثر من ذكر، هذا يمنح فرصة لصغارها أن يكونوا متنوعين جينيا. وهل انثى الإنسان إلا حيوان يريد أن يمنح حضوره وأفكاره تنوعا. دعني أشرح الأمر أكثر. بالنسبة لك مثلا، أنا المعقدة الثائرة وجاذبيتني – واسمح لي أن اتحدث عن شيء يخصني بهذه الحيادية – أقول أن جاذبيتي تنبع من مزاجي المتقلب، الذي يملأ حياة قاضٍ – حكيم، خبير بالناس، كثير التأمل، وهادئ المزاج مثلك – بالحياة. فارق العمر بيننا يمنح هذا الإطار – إطار الصغيرة الممتلئة المرحة، والزوج الدافئ العجوز – يمنحه الصلابة. اممم يبدو هذا موضوع صالح ليكون في قصة!
لكن ألا تعتقد أنني بحاجة إلى تغذية الشعور بالندية، أي أن أكون في علاقة أشعر فيها بأني أكثر من تابع. أشعر أني ند، والمسير في كثير من الأحيان، مع شخص أقل حكمة، يسمح لي بالتشاجر معه، ومخاصمته، وكل ما في العلاقات العادية من تهور وقلة نضج. ولا يستخدم كلمة "نوبه" أبدا أبدا، ربما لا يكون عمانيا حتى، أخبرني الآن أليست هذه مقدمة جيدة للاعتراف بأني أخونك!
حان دورك عليك أن تفعل ما يفعله الأسد حين يقتل الأشبال التي يشك بأنها ليست منه. أطلق الحيوان الذي بداخلك. قلب الفساتين التي ألبسها، واقتل أي شيء لا ألبسه لك، لأني قد ألبسه لغيرك.
إلى أين تذهب؟ أنا أحدثك! دعني أكمل حديثي، ستذهب إذا؟ حسنا إذهب أيها الجبان وأنا سأكمل كتابة قصتي عن المرأة التي تخون زوجها العجوز مع رجل لا يقول "نوبه"!
رد مع اقتباس
  #40  
قديم 10-09-2013, 02:16 PM
الصورة الرمزية الملتقى الأدبي
الملتقى الأدبي الملتقى الأدبي غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 46
افتراضي

"حفلةُ مَوت"
لـ : حمد المخيني


" صديقاتي
طيور في مغانرها
تموت بغير أصوات"
نزار قباني


كل شيء أصبح ساكناً,
فجركِ بالكاد بلع ريقه, ليلكِ الجافُّ بالخطيئة ساح, السرير لم يعد يئن بإلحاح,
الأنفاس الكريهة تلاشت,
والمصباح المتدلي من أعلى الجدار, حسر ضوءه لأحزان أخرى.
كل شيء سكن , عدا غصة في قلبكِ,
ظلت تدوي.
جسدكِ مسجى على سرير لعنتكِ.يأتيك سعاله من دورة المياه, كهزيم رعد, يجتركِ إلى فجيعتكِ, تلتقطينَ أنفاسكِ فتخنقكِ رائحة العار. تولولينَ مرتجفة ضاربة كفيكِ على خديكِ, تلملمين ثيابك على عجل. يطل عليكِ "عقبى لكِ مائة عام". تبصقينَ عليه وجعك, وتهربين...
تتهادى إليكِ ضحكاتهِ الماكرة , وأنتِ تذرعين المسافة جرياً بعيدا عن شقته. تلاحقكِ , تحوم حولكِ كالذباب حول جيفة عفنة. تُضَّيعينَ الدروب, توقفين سيارة أجرة ...

***
مبتلة بالعرق والخوف.
تقفين بلا حراك أمام باب منزلكِ, توارين شحوب وجهكِ, تفرغين زجاجة العطر في ثيابكِ. بدوت قلقة , وحين هممتِ بالدخول, أسقطتكِ خطواتكِ , دفعتكِ الأرض. انتصبت قائمة تنفضين الغبار وتتحسفين. من أنت؟ إمرأة غبية في مأزق , لا يمكنها حتى اختلاق حكاية تطوي سيرة الليل. ماذا ستقولين لأخوتك حين يواجهونك؟ السواد أسفل عينك سيفضحك ونشيجك المخنوق لن يخبو أمام زئيرهم.
تعضِّين أصابعكِ ندما. تتمنين لو تعود بكِ الأيام إلي حيث كنتِ مصانة, تعاونين أمك، و تتفاخرين كلما امتدحتك و أوقفتكِ إلى جانبها؛ حتى إذا أقبلَ إخوتك , قبلّوا رأسَك.
تتمنين والألم يعتصرك , لو تعود عقارب الساعة , فتلسعُ لحظةَ ارتميتِ في حضن صديقتك, يوم شكوتِ لها مرارة الوحدة بعد وفاة أمك , انكساركِ على يد الأيام, وعمرك الذي يمضي دون أن تعيشينه.ظللت تشتكين وتشتكين, لم يهدأ بركانكِ الثائر في أعماقكِ حتى أفشت لكِ عن أمر سيغير حياتك:- "تزوجي, اظهري أمام الناس ليرونك.ستعنِّسين وتذبلين.عدة أشهر و يُطبقُ عليكِ الأربعين بشؤمهِ... خذي, هذا رقمُ هاتفِ ابن حلال , امنحيه الفرصة..."
تجاهلتها, فقد كبرتِ على مثل هذه التفاهات, انغمستِ في خدمة أخوتك , متناسية نفسكِ, و ظل صك خلاصكِ المزعوم مخبىء تحت السرير. لم يخطر على بالكِ أنك قد تفعلينها؛ حتى جَلبَتْ لك الصديقةُ ذات يومٍ تفاحة حمراء, مشدودة, تفوح رائحتها الزكية, وضَعَتها في يدك, طلبت منك لفّها بخرقة و تركها, فاستجبتِ لها. امتلئتْ الغرفة برائحة التفاحة الشهية المهملة على الطاولة منذ عدة أيام , لم تستطيعي المقاومة, سال لعابك , أزلتِ الخرقة, فوجدتِ التفاحة فاسدة ومترهلة, أرعبكِ منظرها, أشعلَ فيكِ فتيلاً من الهواجس, فـ لجأتِ إلى ابن الحلال...


***
بلا هدى تسيرين, تدركين أنْ لا مفر ولا ملجأ, تتأهبين للشقاء والموت, لأول مرة في حديقة المنزل تلمحين غرابا يقف على غصن النرجس, ينعق حظكِ البائس. تقذفينه بحصاة؛ يطير مواصلا نعيقه,وفي سواده الحالك, تتراءى لكِ الذكريات كالصفعات المتوالية.
يوم حادثته أول مرة, كنت تلهثين وكأنك قد خضتِ الأقدار جريا , تنفستهِ كالنسمة, أحيا رغبتك في الحياة. انتشلك من حضيض الوحدة إلى نعيم العاطفة. كتب أحلامك قدرا محتوما. فالتفَتِّ إلى الأنثى المنسية بداخلكِ اتسعت حياتك للحب, ورفرفتِ بجناحيك الصغيرين خارج العش الضيق إلى الأفق الرحب , تحلمين بحضنٍ يكنس سنين حرمانك عن الذاكرة.
لم تستمري طويلا حتى رضيت أن ترينه خاطفا بسيارته. قال لك يومها, أنك تبدين كمراهقة صغيرة بضة, رددتِ عليه مازحةً , أن المراهقة هذه تكمل الأربعين قريبا, وهي تقف كسلعة مهملة أمام زبون لا تعتقد أنه يحب اقتناء الأشياء العتيقة. لم يضحك لمزحتك, بل ناشدك باسم الحب أن تقابلينه. استجبت لطلبه ؛ خوفا أن يتركك تصارعين الوحدة مجددا. و ازدادت لقاءاتك معه في الأماكن العامة مدعية زيارة صديقتك , متخفية خلف نقابك. و بقي هو يدس لك الطعم , وبقيت أنت تهنئين بحبه.
حين اقترب يوم ميلادك, دعاك إلى حفلتك بين أمه وأخواته. وكفأرة جائعة , قادك النزق نحو الفخ مغمضة العينين لا تفكرين سوى فيما ينتظرك من سعادة و هناء...

***
أيتها المرمية في وحل الخديعة, وعدك بحفلة ميلاد فأهداك حفلة موت. أينَ ستخبئين حسرتكِ اليوم و أنتِ تسيرين على طينةٍ ملتهبة ؟ تحدقين في جدران البيت أمامكِ؛ فيتراءى لكِ خيال أخوتكِ من خلفها كالأشباح , يلفظون صبرهم الأخير. يطوفون حولك أشواطا, يتطاير الشرر من حمرة أعينهم.عين تصرخ من أعماق الغضب:وحده الموت يغسلك.عين تنقب عن خطيئة في تقاسيم وجهكِ المفضوح , دو أخرى ترميكِ سهاما من اللوم.وأنت موبوءة بالذنبِ تتوقين للفرار نحو حضن أمك التي تتوشح البياض , و تطل عليك من السماء باكية.
تصعدين الدرجات واحدة تلو الأخرى مستسلمة, يوقفكِ الباب الخشبي, يحذركِ صريره. كل شيء بدا ساكنا عدا غصة في قلبكِ ظلت تدوي وتدوي.تحثين الخطى, تستشعرين من القدر خلاصا ينجيكِ اليوم ببدنك , كلما خطوتِ نحو غرفتك سالمة, خالجتكِ مشاعر الإنتصار على خيباتكِ المتلاحقة ,كلما اقتربتِ أكثر, إلتئم جرح من حكايةٍ بائسة, وانعقدت مسبحةُ عمرٍ كادت أن تنفرط على دم العار...
و كنتِ لا تزالين تدفعين باب الغرفةِ حين تعالت أصوات الأبواق وغمرتك قصاصات عيد الميلاد المزركشة والملونة بألوان براقة. أخوتك يحتفلون بك، أحدهم يغني أغنية عيد الميلاد, آخر يؤدي حركاته البهلوانية التي لطالما أضحكتك, وثالثٌ اقترب ليحملك نحو كعكتك المزينة بالشموع, وأنت تقلِّبين بصرك حولهم , تستحثين منهم ردة فعلٍ , فلا تلمحين في لمعة أعينهم سوى ثقة عمياء. صفقوا لك لتباشري قص الكعكة. و في لحظة, غرستِ السكينَ في أعماقكِ, انتفضتِ.
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:54 PM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi
جميع الحقوق محفوظة لدى الكاتب ومنتديات السلطنة الادبية