قراءة في نص "بعثرة حلم" لـــ "اصيلة السهيلية"

[فاطمه القمشوعيه]

قليلة هي النصوص التي تشد الذات القارئة وتجعلها تنشد الايغال في كشف اعماقها ، لذا ليس هناك قراءة تستطيع ان تكون نموذجية وانما يمكن ان تقترب منها.

في "بعثرة حلم" للاعلامية والشاعرة "اصيلة السهيلية" نص مس الشغاف بمفرداته ودلالاته ومازج خلجات النفس حيث تقول فيه:

لمي شتاتك عـيوني والـزمي صمتك .....................
..................... خارت قوى الدمع ماباقي معي خيره

طبب حنيني ع كتف الهم وطبـطبتـك .....................
....................... وأتلف مسار الكحل عيني مشاويره

بـعثرني حزني الين ارقـى وبعثرتـك ......................
...................... ماعاد تقوى ضلوعي الشك والغيره

كني بلا روح.. لا عشتـك..ولا متــك ......................
..................... كنــي بـلا درب..لا أوطـان.. لا ديــره

تـأتـأ حـنيني على شوفــك وتـأتأتــك ......................
...................... صكيــت باب الجمر وأنــعيت تــأثيره

ياحلم وينك حرمني الصبح من وقتك؟! ..................
....................... والنــوم سافــر وهــلل في تكبيـــره

لــوسادتي عطر لا جــا الليل عطرتك .....................
..................... ولــعيوني الملح وأنت أهديتني خيره

يا مرعب النبض يا مهووس يابختك ....................
...................... كلما فضى البال ألــقى فيــك تفكيره

شــردني حلمي ومتــك ثم عايشتــك .....................
..................... وأزريت أحلق بجنح الشوق وأطيره

يا بعض كلي ترى والله ما خنتــك ........................
..................... لــو خان جندي بلاده وخان تحريره

تـصمت مدينه وأنا للي بس تكلمتك ......................
..................... تنكس بيارق وبـــك مليون( بنديره)

أعميك حـب، وأكفر منه، وأسلمتك ......................
....................... وأفديك موطن وأسهب فيك تفكيره

ودي ألمك بـــدمعي بس بعثرتــــك ......................
................... وشلون ابجمع حنيني وانت تكسيره؟!

- كما يقال العنوان باب النص..."بعثرة حلم" انتقال بين طرفين في وجهة واحدة، الطرف الاول الحلم ، والطرف الثاني الواقع الذي يعني البعثرة. (البعثرة – الحلم – البعثرة – الواقع) اذ يتحول الواقع الذي يصوغ الحلم من ارتباط وثيق وعلاقة شبق وشغف الى انفصال كلي وتفرق جميع الصلات بين الذات والواقع.

- اعتمدت بنية النص على ألفاظ سهلة غير مستعصية على الفهم وقد جاء النص مبني على جمل فعلية لترصد الحدث وتساهم في رسم حيز النص ولحمته. وهذه الجمل حددت النص بجمالية خاصه تعتمد على الانسجام والتوافق في ربط اجزاء النص بعضه ببعض بالاضافة الى استخدام حروف الجر والعطف والافعال او الضمائر التي تعود الى الشاعره نفسها مما يخلق حالة من الحركة والانتقال بين اليأس والالم والحزن والذكرى والحب..

- كما ان بعض الدلالات المستخدمه في النص هي ألفاظ دالة على الانسان او افعاله مثل: (لمي شتاتك – الزمي صمتك – طبب حنيني – اتلف – مشاوير - خارت – تأتأ). والتي وضعت كل من (العيون – الدمع – الحنين) بموضع الانسان. واعطت الوسادة عطرا (لوسادتي عطر) بدلالة حرف الجر (اللام) الذي يفيد الملك.

- استثمرت بعض الالفاظ المتضاده في بناء لحمة النص واوجدت التناسق فيما بينها واجزاء النص: (الصبح الليل) ، (لا عشتك لا متك) ، (متك عايشتك) ، (تأتا أنعيت) وجمع الشاعره بين الثنائيات المتضاده جاء كتفريغ لغوي صادق عن تنازع نفسي أوجده الحزن والالم الذي عانت منه.

- النفي بغرض الاثبات ، هي بنية لغوية دالة على ذات قدرة بلاغية وابلاغية لانها توضح المضمرات النفسية والفكرية للنص:
(ما باقي معي خيره) اي لم يبقى اختيار أخر للدمع. كما في قوله تعالى: (ماكان لهم الخيرة من امرهم).

(ما عاد تقوى ضلوعي)
(ما خنتك).


- انتقال لوصف حال الشاعره:

كني بلا روح.. لا عشتـك..ولا متــك ......................
..................... كنــي بـلا درب..لا أوطـان.. لا ديــره

يذكرني البيت السابق بقول النابغة:

تبدو كواكبه والشمس طالعه ........................
..................... لا النور نور، ولا الاظلام اظلام

اي رجعت حسيرا كئيبا قد اظلم عليك نهارك فترى الكواكب بعالي النهار بريقا .. وهكذا كان حال الشاعره في غربة عن المجتمع بلا روح ولم تصل للحياه ولم تصل للفراق حتى الوصول الى الاغتراب الداخلي الذي تؤكده وتوضحه أداة التشبيه (كأن) ويثبته النفي بـــ (لا).

- النص احتوى على اسلوب النداء بــ (يا) والذي شكل نسيجا لغويا لصورة النص (يا مرعب النبض- يا مهووس – يا بختك – يا بعض كلي) بالاضافة الى الاستفهام التعجبي الذي كان أبلغ في توصيل المعنى وخلق حالة من الترابط بين اجزاء النص بعضه ببعض. حيث استطاعت الشاعره أن توظف الالفاظ توظيفا حسنا لتكشف عن قمة المعاناة في قولها:

ياحلم وينك حرمني الصبح من وقتك؟! ...................
....................... والنــوم سافــر وهــلل في تكبيـــره

بدأت بنداء الحلم (يا حلم ) للفت انتباه المخاطب ومن ثم استفهام تعجبي .. وحيث ان الشاعره تمر في حالة من الارق بدلالة (النوم سافر) ولم ترى الحلم، فــوقت الصبح قد بدأ منذ سماع الاذان .. (حرمني الصبح من وقتك وهلل في تكبيره) ..

- وقولها :

ودي ألمك بـــدمعي بس بعثرتــــك ........................
................... وشلون ابجمع حنيني وانت تكسيره؟!

فــالشاعره تحب أن ترى المخاطب بدلالة قولها (ألمك بدمعي) وحرف (الباء) يفيد الاستعانة بالدمع او هي العين مصدره، لكن الفراق والألم هو(و أنت) السبب في حدوثه وهو ما اشارت اليه (واو الحال) .. العودة الى الحزن بعد الذكرى.

- وكما اسلفت.. جاءت بنية النص على جمل فعلية تعني بالحركة والفعالية وقد قلت الجمل الاسمية التي تدل على الثبات والسكون.

يا بعض كلي ترى والله ما خنتــك ........................
..................... لــو خان جندي بلاده وخان تحريره

تـصمت مدينه وأنا للي بس تكلمتك ......................
..................... تنكس بيارق وبـــك مليون( بنديره)

أعميك حـب، وأكفر منه، وأسلمتك ......................
....................... وأفديك موطن وأسهب فيك تفكيره

الخطاب جاء واضح بعد اسلوب القسم (والله) ومبدأ الجملة الشرطية بـــ(لــو) لاستحضار افعال تبرر ما يأتي بعدها (خان جندي، خان تحريره) وتدعو اليه (تصمت مدينة، تنكس بيارق) ومن ثم تدعو المخاطب الى تقبل الباقي (أعميك حب، اكفر منك، اسلمتك، افديك موطن، اسهب فيك تفكيره) وصوت (الكاف) حقق التناسب بعيدا عن الغموض ،بتنبيه المتلقي للكشف عن العلاقة التي تجمع المتكلم بالمخاطب، وهو حرف ذو صوت قوي يأتي للتوكيد على المعنى والتنبيه والاشارة الى ما يريده المتكلم.

وأخيرا أجد أن الشاعره استطاعت ان توظف الالفاظ توظيفا حسنا ليكشف عن قمة المعاناة حيث استطاعت هذه الالفاظ أن توجه القارئ إلى جمالية التعبير الذي اعتمد على التقارب في المعنى ثم على تضاد وتقابل الألفاظ فأنتج ذلك دلالة خاصة للنص على إبداع علاقات إسنادية جديدة، اعتمدت فيها على التشبيه، والاستفهام والتي أدت إلى تواصل دلالي ناتج عن تواصل الكلمات مع بعضها. ونجد ايضا ان الجمل الفعلية حققت تواصلاً دلالياً بين الكلمات عن طريق إيجاد علاقات جديدة بين الألفاظ، لاستحضار الحدث والتأكيد عليه و لإثارة القارئ حتى يتفاعل مع النص من الداخل.

حاولت أن اقدم تصورا بسيطا لمقاربة نقدية تمثل رغبة صادقة في البحث في عالم اي نص.