روابط مفيدة :
استرجاع كلمة المرور|
طلب كود تفعيل العضوية | تفعيل العضوية |
.::||[ آخر المشاركات ]||::. |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
قراءة في قصيدة متى تكبر بعيني لعبد الناصر السديري
عبد الناصر السديري ..
واحد من القلة الهائلة ، الذين ينحازون إلى القصيدة ، إلى القصيدة فحسب ، ويؤسسون لتجربة مختلفة ، ومغايرة ، تجربة تتكئ على مخـزون قرائي ومعرفي واع . ليس سوى شعراء من هذه الطينة النادرة بمقدورهم الذهاب بعيدا ، وبعيدا جدا ، في تخوم القصيدة ، والتأسيس لاسم جدير بالقراءة والمتابعة ، والبقاء ، بكل بهائه ، في دهاليز الذاكرة . في قصيدته " متى تكبر بعيني ؟! " المنشورة بصفحة الشعر الشعبي بجريدة عمان الكثير من المغايرة و" الانعتاق من التقليدي ، والباهت ، والبسيط الذي لا يغامر إلا بمقدار ما تتاح له المسافة بين وزن وقافية "(1) . يأتي صوت الشاعر ، من البعيد ، من الذاكرة ، متعبا ، مرهقا ، مبحوحا ، يخامره اليأس ، فهو لطالما رفع عقيرته مناديا الآخر ، فلا يأتيه سوى رجع الصدى : صوتي استحى وأنا أنادي لك تعال شايب على باب البخيل أضناه ذل الخبز وأرعى الكلام لخاطرك وعي وعتب وانته ولا تسمع الشاعر إذا يسترجع وجعه ، معاناته ، مكابدته ، ونداءه المُلـّح الذي تستحوذ عليه الريح ، ولا تصل ذبذباته ، وارتعا شاته إلى الأخر الذي يصر على وضع القطن في أذنيه . استرجاعـًا ينفض الرماد عن الجمرة الكامنة في الأعماق استرجاعـًا يمهد للسؤال الحارق : وش رجعك تنقض من جروحي الصبر وترش عذرك ملح سؤال مكتوي بنار التجربة سؤال لا يتوخى الإجابة من الآخر ، بل يحمل إجابته في ثنايا حرقته . سؤال يحمل بصيرته وبصره سؤال يقذف حممه ، وتندلع فوهته : تاجرت بدموعي هناك نخاس وأحلامي رقيق ياااااااه ، ما أقسى حرقة هذه الصورة ، وما أشد وطأتها على القلب ، فعندما تصبح الدموع تجارة ، والأحلام رقيقا تداس كرامتها وتهان في سوق النخاسة ، وتباع بثمن بخس ، دراهم معدودة ، ماذا يمكن أن يقال ؟ ، وأي قلب بمقدوره أن يصفح وأن يتجاوز ؟ : وش عاد لك يشفع و وتتموضع الواو وحيدة ، الا من غنائيتها الحزينة ، وترجيعها الموجع ، مُشرعَة على الصمت والبياض ، وممهدة للنقلة / الحكم القاطع الذي يستمد قسوته من غليان الجرح الذي أججته هذه العودة اللا مرغوبة ، التي نقضت خيوط الصبر وذرّت ( رشت ) الملح على الجرح : اليوم تيهي شجر ما هزته ريحك ولا رفت لك طيور الحنين ما أجمل هذه الصورة ، وهذه الالتقاطة ما أجمل هذا التجانس ( شجر ، ريح ، طيور ) اليوم .. ليس بمقدور ريحك أن تحرك شجري وتهزه ، وليس ثمة طيور ترفرف لك حنينا ( لاحظ مدى توفق الشاعر في اختياره للفعل " رفت " ، لم يقل مثلا طارت أو حلقت ، أو ارتفعت ) لكن كذا من شافتك مرت علي تسجع تقووووول : وش لك على باب الكرامة تلده خيبت ظن الجرح من شر مسعاك ايدك على يانع عذوقي ( تجده ) من هو دعاك وتدري الماي ما ماك ؟!! أنصحك جنب عن طريقي وسده مات الخفوق اللي بالأول تمناك أجل ، أجل .. وعلى العكس من ذلك ، بمجرد ما رأتك ، مرت ساجعة ، رامية في وجهك ، استنكارها ، وحنقها ، وامتعاضها الشديد والمر" من هو دعاك وتدري الماي ما ماك ؟!! " . والشاعر هنا ، وهو يمزج أو يداخل بين التفعيلة والعمودي ، في محاولة شكلية ، ليست بالجديدة ، ولا بالغريبة ، على قصيدتنا الشعبية ، يعطي الرابط العضوي لهذا الانتقال الشكلي ، والمبرر المستساغ ، لدخول العمودي هنا ويقدم له بالفعل ( تقوووول ) ويجرية على لسان " طيور الحنين " التي لم تقل الحنين أبدا ( الماي ما ماك – أنصحك جنب – مات الخفوق اللي بالأول تمناك ) هنا اشتغال على التلوين الصوتي في القصيدة ، رغم أن صوت " طيور الحنين " ليس في النهاية سوى صوت الشاعر ، ولكنه اشتغال يخلص القصيدة من الوقوع في فخ الرتابة ، بـ هكذا تنويعات صوتية ، إذا ما لاحظنا أيضا انتقال الشاعر من حالة التذكر إلى وضعية السؤال المعجون بالمرارة إلى الزمن الحاضر ( اليوم ) . وتأتي الواو مرة ثانية ، متبوعة ثلاث نقاط متتابعة على السطر ، لتترك المساحة للصمت المعبر والموحي ، " الصمت الدال حيث الشاعر لا يقول كل شيء خطيا " (2) ، ولتمهد للرجوع للتفعيلة ثانية : و ... أيقنت جرحك قضى كلما تذكرتك ضحكت أذكر سرير ... ما تكبر أمثالك بعيني أبد .. إلا إذا إلا إذا راحت ولا ترجع .. القفلة ، قفلة النص ، تحيل إلى البداية ، فنحن بإزاء نص دائري ، نهايته تأخذك من يدك إلى بدايته ، فالكلام انتهى غير أن إلحاح الألم والوجع لما ينتهي بعد ، فهو لما يزل يلح على الشاعر ويؤرقه ويقض مضجعه ، ويعيد إنتاج نفسه باستمرار ، هذا عدا دائرية الزمن في النص والانتقال من الماضي إلى الحاضر وهكذا : صوتي استحى وأنا أنادي لك تعال ثمة خصائص أسلوبية كثيرة نجدها في النص كاستخدام اللغة اليومية ولكن بحمولة شعرية ، والترابط العضوي في النص ، الذي أتى كقطعة فنية واحدة غير قابلة للتجزئة ، والتنويع الصوتي ، والتموضع البصري للنص على الصفحة ، فالنص الجديد نصا مقروءا أكثر منه مسموعا ، وبالتالي الحيز الذي يشغله على الورق يشي بشيئ من الدلالة ، وتدوير النص / الزمن / الوجع . الهوامش : (1) مسعود الحمداني (2) فتحية كحلوش ، بلاغة المكان ، الانتشار العربي ، الطبعة الأولى ، 2008 التعديل الأخير تم بواسطة حمود الحجري ; 14-03-2011 الساعة 11:43 AM |
|
|