منتديات السلطنة الأدبية - ورقة ساقطة..للكاتبة// بشاير بنت حبراس السليمية

ورقة ساقـطة

بشاير بنت حبراس السليمية:-- استسلمت للنوم ..
طوقت وسادتي كما أفعل كل ليلة ألتمس منها دفئا وحنانا غائبا.. بدأت أجفاني رويدا رويدا تطبق على نفسها، استعدادا لأن يأخذها السلطان لعالمه كبوابة كانت مشرعة طوال النهار يدخلها من الجراح ما شاء .. وما أن يطفئ الليل شمعة النهار حتى تتركني أمي لتنام في غرفة أخرى، وأنا في غرفة موصدة الباب مع وسادتي التي تنهال كل حماقاتي على رأسي كلما رميت نفسي بين أحضانها..
ثرثرت مع نفسي طويلا، حتى نمت دون أن أعلم أين توقف شريط أحاديثي مع نفسي .. نمت لبرهة فارتعدت خائفة فرأيته أمامي متشحا سوادا حالكا قال بأنه ليس آتٍيا ليأخذني فقد أخذني مذ أن ولدت، رمى علي برداء أسود قال: سيبيض ذات يوم، واختفى .. ويتنفس الصباح بصداع أثقل رأسي، ويد دافئة تربت على جبهتي بأن استيقظي أنت سكر شاي الصباح.. غادرت فراشي، شربت الشاي معه استجابة لرغبته، لكني لم أستسغ طعمه بينما ترك هو كوبه وذهب دون أدنى كلمة ..
كان كل صغار منزلي يجتمعون عصرا بعد العودة من المدرسة، يجلسون تحت شجرة (النبق)، وبيد واحد منهم قلم بحبر سائل يكتب كل واحد اسمه على أوراق الشجرة، ثم يراقبونها يوميا، والورقة التي تصمد وتقاوم السقوط سيكون صاحبها الأقوى بين المجموعة. دائما أبدي رفضي الشديد للعبتهم هذه، وأنسحب قبل أن يكتب اسمي لحاجة في نفسي، فمنظوري المختلف للعبة التي خلفتها أحاديث جدتي عن الراحلين تبقي عيني مفتوحتين طوال الليل، كل حكاياها كانت تدمر عالم ما قبل النوم الخاص بي، بينما يشخر الصغار ويحلمون بالحلقة الأخيرة ل(كونان) حين يستعيد حجمه، حينها أفكر أنا باستعادة روحي التائهة بين الزحام، وبي مدينة خالية لا يقطنها أحد بدت أوهن من بيت العنكبوت فأصبحت ركاما بهبوب ريح خفيفة تراقص الأغصان .. أتفاجأ صباح اليوم التالي بوجود ورقة تحمل اسمي! تعمدوا ذلك حين تركتهم ..أظلمت الدنيا في عيني، وكأن الظلام حل فجأة دون أن تأذن له الشمس بأن يغطي الأرض بعباءته السوداء .. تسوقني قدماي إلى جدتي رغما عني، وأصبحت أتردد عليها كثيرا، إلى أن اضطرت أن تعلم والدي بإزعاجي لها.. سألتها ذات مرة ماذا يحدث قبل أن نموت قالت: (شي شجرة كبيرة عند الله فيها أسماء كل الخلايق واللي تطيح ورقته يموت)، فتصمت فجأة وتنظر إلي بنظرة حادة .. (سوالف الكبار خليها عنك ف صوب)، يصعقني حديثها فأنسحب دون أدنى كلمة .. تمر أيامي وأنا أقضي العصر بجوار الشجرة بفناء المنزل .. أبكاني سقوط ورقتي أمام عيني بهدوء وافترشت الأرض .. ظللت أبكي طوال اليوم وأنعزل بنفسي .. قيل لي الوحدة ضعف لماذا إذن أشعر أنها مصدر قوتي .. قيل إنها لا تشبهني لماذا إذن أشعر أنها كذلك .. تواريت عن الصغار واختليت بنفسي لأنام، وشعور يراودني أن عمري انتهى وأن الرجل المتشح بالسواد يركض نحوي مسرعا ليأخذني من دنياي .. سأرحل غدا، وربما بعد غد، ولم أعرف بعد ما معنى كلمة حياة .. لكني عندما خرجت إلى غرفة المعيشة لم أر أحدا من أفراد عائلتي، مع يقيني بأنهم كانوا حولي. أسمع أصواتهم لكني أصبحت عاجزة عن الكلام. قطرات كانت تنساب على خدي؛ كانت دموع أمي، ولم أستطع أن أعطيها منديلي المطرز التي أهدتنيه لتمسح دمعها
,,

جريدة عُمـــان