| 
				  
 
			
			             الفصل الثاني
 
 
 
 دخل كريم الى غرفة خضراء ، لا تزال صورتها فوق الطاولة تحتفظ بتلك الابتسامة النابعة من عمق البراءة ، تتحدى الراهن ،تملأ بنظرتها فضاء النفس ، أخذها ينظر اليها بعيون الشوق الهمعة ، تعيده الى سن الطفولة ، الى قهقهتها ،غنجها ،دلعها ، صوتها الجميل و هي تنشد ، رقطاتها ،تمايلاتها و هي تمشي ، كيف كانت تجري و تختفي خلف الأثاث و تحت الأسرة ، كانت تملأ البيت بالحياة ،حتى العمة نونة اخترقت سكونها ، و كانت تقطف من ثغرها الابتسامات ، عندما كان يضربها ، تبكي ، فاذا صاح كالديك وانفظ بدراعيه غلبها الضحك ، فتمتزج في محياها الدمعة بالسرور ، لترسم أجمل و أروع صورة للبراءة و التسامح ، فاذا سألوها من ضربها تقول باستحياء و خبث ...ضربني زوجي ...فيضحك الجميع ...
 لا يزال يذكر كل التفاصيل ، كانت تكبر بسرعة ، تشكلت فيها مظاهر الأنوثة الحالمة ، كأنها وردة تتفتح كل يوم أكثر و تزداد جمالا ...بعد المراهقة بدأ يكتسحها الشرؤد من حين الى حين ، و أمست تحب الاعتزال ، ازدادت جمالا واختفت حيويتها واندثرت قهقهتها و غارت بسمتها ...لا تعرف الفراغ ، من الثانوية أو معهد الشيه الطبي الى المطبخ ، أول من يقوم من النوم هي و آخر من ينام ، تخدم الجميع ، تهتم بالجميع ، و لا يذكرها أحد ، ما رأى أمه يوما حضنتها أو أرفقت بها ، في حين كانت أخته ثورة مثل الأميرة ، الآمرة في كل شيء ، أطيب الأكل اليها و أجمل اللباس لها ، وحدها لها الحق في النزهة و السفر و الذهاب الى البحر و المخيمات الصيفية ...خضراء لا تطلب شيئا ... الغريب في الأمر أنها لا تشتكي أبدا ، حتى عندما تمرض تختفي ، ولا من يسأل عنها ، وحده هو يذهب اليها و يشتري لها الدواء ، في عيد ميلادها هو وحده أيضا الذي يقول لها عيد ميلاد سعيد ، و يقدم لها هدية ، كان بهذا يستعيد لها شيئا من بسمة زمان ممزوجة بدموع أخرى ، تأخذها و تجري كالطفلة الى غرفتها ، الشيء الوحيد الذي كانت تحافظ عليه هو مظهرها ، رغم بساطة ملابسها ، كانت تظهر كعارضة أزياء ، تؤجج نار الغيرة في ثورة التي كانت مثل السلك ،بيضاء بلقاء و حديدية الوجه ، صورة طبق الأصل للأم بلسان أطول و أحد ، توقفت عن الدراسة في الطور الابتدائي لغياباتها المتكررة و تستر ألأم عنها فطردوها ...
 الصمت هنا سيد الموقف ، لأن السكون يروي قصيد مآثر خضراء ، ينشدها الوجدان و يعزف لحنها ألم الفراق على ايقاع الزفرات المتتالية ...آآآه و آآآه ..لقد أخذت معها كل معاني الفء و نبضات الأمل ، حتى الساعة توقفت متحدية مسيرة الزمن لتسجل أثر ما كان هنا . لم تأخد من أمتعتها شيئا و هي في مقام العزاء ...فتح الدولاب ،ملابسها مطوية على الرفوف و معلقة ، كانت خياطة بارعة و طباخة ماهرة ، يتصورها في كل بدلاتها ، رشيقة القد ممشوقته ، واسعة العينين ، طويلة الرقبة ، ناهدة الصدر ، ضيقة الخصر ....يوم جاءت بها أمه ، كان لا يزال طفلا ، استغرب لكونها سوداء ، يهز بها المهد و يشد لها الرضاعة ، يساعده على ذلك عمي المبروك بامبرا ، صديق العائلة ، يمزح دائما و يقول ، أنا اليوم شريك معكم بخضراء ، كان هذا الكلام يربك الأم ويتلون وجهها ، ما شعر بانسحابه من العائلة وانقطاع زياراته التي كانت يومية أنذاك ... و تبادرت الى ذهنه فكرة ..و من يدري لعلها تكون عنده ، أو يكون عل علم مكان وجودها ، فخرج مسرعا ...
 عمي المبروك رجل أسود ،طويل ، عريض الصدر ، بيضاوي الرأس ، أبيض العينين ، و اسع الفم ، عريض الأنف ، صغير الأذنين ...اجتمعت في وجهه علامات الشقاء ، تغطيها الطيبة و براءة الأطفال ، سهل المراس ، لين الاندماج، طليق اللسان كثير التنكيت ، بارع في رواية الأساطير و كرامات الأولياء و الصالحين ، هكذا كان ريحا مرسلة بكلماته الطيبة طوال حياته ، عندما يتكلم عن نفسه كأنه يسلخ ذاته أو يجلدها و هو يبتسم ، انه الهم الذي يضحك ...
 لما دخل كريم عليه كان جالسا ، فقام اليه و أجلسه في مكانه و هو يغمره بالترحيب و يحتويه بتلك الابتسامة اللطيفة التي تبعث في النفس الارتياح و الأنس ، كان عمي المبروك يحضر شاي المساء ، تراه و كأنه الفنان أو الساحر ، يمارس حركات تحت تأثير الهام روحاني لصناعة متعة الفرجة في تحضير الشاي ...
 جلس أمام ضيفه و واصل عمله بنفس الوتيرة دون اهمال حفاوة الاستقبال و كرم الضيافة ، هذا الهدوء زرع في نفس كريم بدرة أمل ، فأسرع يفرغ جعبته مرة واحدة و دون مقدمات ...
 كريم : هربت خضراء يا عمي مبروك ..
 المبروك و بكل هدوء : أعرف ذلك
 كريم: أين هي ؟..
 المبروك : أردت أن أقول لك ، كنت أنتظر ذلك ، كثر عليها الضغط ، مسكينة خضراء ، لا ظهر لها و لا عصا ، كأنها غصن طفيلي في شجرة وجب قطعه ، صدق أبوك لما يسميها اليابسة ، لا زلت أذكر ذلك اليوم الذي جاءت بها أمك ، حز في نفسي سؤال و لم أجرأ ، لماذا جاءت بهذه السوداء المسكينة ، كان يظهر لي انذاك تافها ، قالوا أنها وضعت مخلوقا مشوها و مات ، فعوضوها بهذه السوداء ، وكتموا عنها ذلك حتى استعادت عافيتها فاخبروها بالحقيقة ، لم تتقبل في أول الأمر ، الا أن معاملتها لها كانت عكس ذلك ، و الأغرب كانت ترتحصنها بحنو  الامومة الحانية ، كنت أحب خضراء كثيرا كأنها ابنتي ، أحن اليها و أذهب اليها كل يوم ، و من كثرة اهتمامي بها شعرت بنمو بذرة البغض و الكره عند سترة أمك اتجاهي ، و لم يهدأ لها بال حتى دبرت مكيدة ، و أحدثت ، سامحها الله القطيعة بيني و بين الحاج ، فأسمعني ما لم أكن أتوقعه منه ، عيرني و هددني ، فانقطعت صيلتي بكم .. كبرت خضراء و توظفت في المستشفى حيث كنت أعمل بوابا ، و تجددت صلتي بها ، فكانت لا تفارقني ، تمنيت أن أخطبها لابني رابح ، لكنني خشيت ردة فعل الحاج ، و صارحتني بتعلقها بك ...كانت تحبك كثيرا ،بقاؤها الى اليوم كان بسببك ، تحملت من أجلك الكثير ولكن ..
 كان كلامه  يقرع قلب  كريم  قرعا  ، و حف المجلس  بهيبة الاخلاص  و عظمة الوفاء  و صدق التضحية ... كان العطاء  كبيرا حتى  أعجز الوفاء  على مجاراته ، واستصغر كريم كل مواقفه ،و طابت الجلسة  واشتد الحنين  ، و تدفقت الذكريات  كمياه الشلال  الباردة  تغسل الظن من الشك ، وكانت جرعات  الشاي  تنزل ساخنة  ، تشق في طريقها  مهجة الصدر ..
 كريم: كأني غريب في هذا البيت  ، يحدث كل هذا  و لا أحد يعلم !!...
 المبروك: انها أرسرار البيوت  يا بني  ، للنساء فيها  شؤون  و للرجال خلفيات ...وفي رأي لا تحاول  ، لن تصل الى شيء  أبدا ..خضراء عقدة القدر  لا يعرف حلها الا الله
 كريم: لا أستطيع يا عمي ، البحث عنها  أصبح بالنسبة لي ضروري و أكيد ،  ينتابني شعور غريب  و أريد أن  أكتشف هذا المجهول  الذي يدفع الحدث  ، أتمنى فقط أن لا تكون قد انتحرت
 المبروك:  لا أتوقع هذا ،  انها أقوى بكثير
 كريم: هل يمكنها ان تذهب الى الخارج  مثلا ؟
 المبروك : الذي أعرفه  أن ذهابها لم يكن  ارتجالي
 كريم:   استسمحك  ، أتركك بخير
 المبروك: ماذا حدث  ، لا بد  و أن هناك  قطرة  أفاضت الكأس
 كريم:  نعم يا عمي  المبروك ، طعنت  أمي بخنجر
 المبروك : لا !!.. أبدا   غير ممكن ، لم تفعلها  ، و لا أصدق ..
 كريم: انها الحقيقة رأي العين
 المبروك: أبدا ، هناك سر خلف الحدث ، خضراء لا تقتل  حتى الذبابة ..
 كريم: انها الحقيقة  المؤلمة  يا عم ، و لهذا أنا مقيد  و لا أستطيع أن أغامر الآن ، أرجوك  لا تفشي هذا السر حتى لا يسمعه أهل القرية فينقلب كل شيء
 المبروك : أبدا ..أبدا .. ليتني أستطيع أن أفعل شيئا ..
 ذهب كريم و عاد المبروك  يبحث  عن الحلقة  المفقودة  ، يسترجع  تفاصيل  الماضي  و مكائد  سترة  ، حتى ما تساقط  منها  على هامش  المواجهات ...كانت الغرفة واسعة  ، مفروشة      بالزرابي  الصحراوية  الحمراء  ، بعض الوسائد  من الصوف  بيضاء كأنها خراف  جميلة  هنا و هناك  ، على الجدار  صورة للكعبة  الشريفة  ، حلم  ما أستطاع تحقيقه  ، فوقها  ساعة  قديمة  من عهد والده ، تنبهه  كلما مر  من العمر  نصف ساعة  ، تتزاحم الذكريات   في عمقه  و تصارع  الابتسامات  الكآبة  على وجهه  ، هو كذلك  ذهبت زوجته  مرغمة  ،توفيت  منذ أربع سنوات  بالرغم من  هذا  لا يزال  يصنع لأحفاده  الفرحة  من ألمه  و وحدته  ، يحكي لهم همومه المضحكة  ،أراد أن يقول لكريم  الحقيقة  ، لكنه أدرك أن الزمن  قد تجازها  ، و  ربما تفسد أكثر مما تصلح و لا تساعد في شيء ، فكتمها  ، و من يدري  ربما  يأتي القادم  بنفخ  في الحدث جديد ..شق عليه وضعه .
 في طريقه الى البيت  ، كان كريم  مبعثر  الأفكار  ، يهدده اليأس  من جهة ، و يدفعه العزم  الى خوض المغامرة  ، يحاول  أن يجمع  ما استطاع  من حصى  لتمهيد  الطريق  الذي يوصله   الى ما  وراء الحدث...ما أقساك يا أمي  خلف ذلك الستار .
 دخل يجر  ذيل الخيبة ..
 الأب : أين قضيت  يومك  ، ما رأيتك  طوال  النهار
 كريم:  أبحث عنها
 الأب : تتحداني يا كريم  ؟..أم هي السذاجة  التي ستورطك ...كم أنت أحمق  و مغفل  ، يا بني لو كانت اليابسة  تحبك  كما تدعي، ما كانت لتفارق البيت أبدا  ، و حتى لو عثرت عليها اليوم  ، كيف تثبت براءتها  أمام الناس ؟..أين هي الآن ؟.. لقد أصبحت من بنات الشارع
 كريم  في نفسه :  و متى كان للبائسة أب  أو أم  ، منذ عرفتها و هي تدفع ثمن  خطيئة الآخرين ..
 ثم قال : الغائب حجته معه  ، و من يدري  يا أبي  يمكن أن يكون قد أصابها مكروه أو انتحرت  ...الغضب أوله جنون و آخره  ندم
 الأب : لا زلت تعيش  بالنية  الحسنة  ، بنات الليل  كألسنة الحمير  يأكلن  الشوك  بلذة ..
 نظر كريم الى أبيه وكأنه يراه لأول مرة ، يحاول الولوج أكثر الى ذخيرة الشر في ذاته ...
 كريم : لا علاقة للزمن بهذه الأمور
 الأب :المرأة كالدجاجة تطعمها كل العام ولا تشبعك ليلة ، هكذا قال جدك يرحمه الله
 كريم : على كل حال ، أمي ليست كذلك
 الأب: أمك من نساء زمان ، كن أمانة في أعناق الرجال ، أما اليوم المرأة حبل في عنق الرجل ، هذه الأصيلة ، أما اللقيطة مثل اليابسة فحدث ولا حرج
 كريم: رغم هذا لا تزال المرأة هي الأم والأخت والزوجة و.... وليست خضراء كل النساء وليست النساء كلهن خضراء
 الأب: أشغل نفسك بما هو أهم ، واترك هذه التفاهات ، أستاذ مثلك على أبواب المستقبل ومحامي في مقتبل العمر ينتظره الكثير : لما كنت في سنك رغم جهلي ..
 وبدأ يعيد سرد حكايات مغامراته وتحايلاته وحيله ، حينها كان كريم قد انتقل الى عالم الافتراضات يحاول الوصول الى المجهول في كل طرح ، وفهم الأب أن ولده لم يعد يستمع اليه فسكت ..وساد الصمت ، فتنهد كريم ، وقام مستترا بابتسامة مجزاة ، وترك الوالد يجتر في نفسه أيام شبابه وزهوه ، يلعن كعادته شيبته وضعفه وهوان أمره ونواهيه ، يلعن وجوده على الهامش بدعوة الحفاظ على صحته ، وهو يعرف أنه لم يبق فيه الا اللسان السليط ، ولكن لا يهم كما يقول المثل ، أقلقهم فقط حتى لا ينامون .. وقبل أن يخرج التفت اليه قائلا
 كريم : عمي المبروك يبلغك السلام
 الأب : المبروك ؟!
 كريم: نعم ، عمي المبروك بامبرا
 الأب: أسود القلب لا يتحرك الا في الظلام ... خفاش ، لاشك أنه هو من أفسدها
 كريم : ما علاقته بها ؟ ولو كان الأمر كذلك لذهبت عنده
 الأب : أنت لا تعرف هذا الصنف من البشر ، يحرقون البيت ، ويبكون مع صاحبه
 كريم: هكذا اذا ، هي علاقة أطفال ؟ هذا كان صديق الأسرة ، كنا نعده عما لنا ، شاركنا المسرات والمكاره ، أنا لم أر فيه ما ينافي الأخلاق الفاضلة ، وقد استقبلني بحفاوة بالغة ، كان أطيب ما يكون
 الأب: طيب الله لحمه بالنار ، كاد يحطم أسرة بكاملها لولا فطنة أمك
 كريم : ماذا فعل ؟
 الأب : لا تحاول
 كريم : عمي المبروك ؟!
 الأب: لا بارك الله فيه وأعماه
 كريم: لم نسمع بهذا
 الأب: قلت لك لا تحاول
 خرج كريم وهو يحاور الأنا ولاتزال خيوط الماضي تتعقد ، وهذه الأسرار جزأها القدر وعسر جمعها ، وفكك الحدث ووضع في كل منعطف نفسي سببا يبرر خلفيات سكوت ضاعت دوافعها ، ولا أظن أن السؤال هو مفتاح هذه الأبواب الموصدة .. ينظر الى أخته ثورة من بؤر الذاكرة بقدر ماضاقت عينيها بقدر ما ضاقت بصيرتها تتطاير منها شرارات الكره محرقة ، الأم كأنها تمثال نحت من الصم لا تؤثر فيه فصول الذوات ، باطنه كظاهره ، يتعامل مع الجميع برطوبته وبريق ظاهره ، العمة حية تسكن دهاليز البيت تتلون بلون الحدث ولا تقول شيئا ، انها العلبة السوداء ، حتى ترتيب الأثاث وألوان والستائر والصور على الجدران كانت تصنع نوعا من القلق وكأن اليد التي مرت من هنا كانت تخفي وراء كل لمسة سر ، ووراء كل شيء ظن ، هذا البيت العتيق من عهد المعمرين تجاوز المائة سنة تظنه لا يزال يحتفظ بظل أصحابه الى اليوم ، تزرع التنافر لتفرض وجودها في وسط هؤلاء الأحياء لتنتقم ، كأننا لسنا نحن ، كم من مرة تحدث بعض الخوارق يستحي أحدنا أن يعيدها ، خوفا من اتهامه بالجبن أو الجنون ، نسر بها الى بعضنا البعض حتى يعرفها الجميع ولا يذكرها أحد .. عندما ننزل الى القبو وكأننا في قبر ، يشعر الداخل كأنه يعيش تلك الأفلام المرعبة التي تسيل العرق البارد في البدن ، نستعجل الخروج متسائلين ماذا حدث هنا ؟ .. غريب ، كثيرة هي خبايا الحدث بين أفراد أسرة لا يتجاوز عددهم أصابع اليد ، رغم كل الفضول ، لا نزال نجهل الكثير ... هكذا حتى وجد نفسه أمام غرفة مكتبه ، كانت العمة نونة في آخر الرواق فاختفت ، لم يراها منذ ليلة الحادث ...
 دخل ، جلس على حافة المكتب ليواصل ذلك المنولوج ، الا أن الحبل الذي كان يربطه بفلسفة هذا الاكتظاظ انقطع مرة واحدة ووجد نفسه يدور في دائرة مفرغة حلقاتها من صنع الصمت الذي يحاصر هذا البيت ، الشيء الوحيد الذي يخشاه الانسان عندما يخوض أي مغامرة أو يريد أن يرفع أي تحد هو عامل الصمت ، لأن وراء كل سكون عاصفة كما يقول المثل ...
 يعود الى حديث أبيه عن المبروك وعن خضراء ، يستحظر تلك العدوانية التي تمكنت من نفسه اتجاههما
 -ماذا تريد أن تجني من امرأة أنتجتها الخطيئة ؟
 -ماذا سيقول الناس عنا ؟
 -ماذا تنتظر من امرأة خبيثة الا ثمار خبيثة !
 -المفروك ، لابارك الله فيه وأعماه !
 -ذلك الأسود ، أسود القلب !
 -انها اللعنة التي لا تزال تطاردنا !
 كانت هذه الكلمات تتردد في عمق كريم كأنها انفجارات لألغام قديمة زرعتها النيات المبيتة لتفجير ما تبقى من الحقيقة ... تذكر العمة نون فقام يبحث عنها ، في آخر الرواق كان سلم الطابق العلوي ، صعد ، في آخره نافذة تطل على الحديقة ومدخل البيت ، حيث كانت تقضي العمة أكثر وقتها ، هنا لا يأتي أحد ، لا الأب ولا الأم ، مرض الروماتيزم وأوجاع الظهر تحول دون المغامرة ، وثورة لها كل ما تريد في الجناح الأرضي ، بل أكثر من ذلك هي من سمت العمة نونة بالشبح ، انهما لا تتواجدان في مكان واحد أبدا ، تقول لهم دائما لو يموت أبي سأطردها شر طردة ، عندما تسمعها نونة تضحك ملأ فاها ، ثم تنظر اليها بمقت قبل أن تنصرف ، تقول لها دائما. . سنرى من ؟ ..
 ذهب الى غرفتها يدق ، لا أحد يرد ..
 كريم : عمتي ! عمتي .. ! عمتي ..!
 ولما هم بالانصراف ، هاهي ذي قادمة من هناك ، من منعطف الرواق المظلم ، لعلها تكون قد تعمدت هذا الظهور المفاجئ من حيث لا ينتظرها أحد ، فتحت دخلت ، شرعت أبواب النافذة وعادت ، أشارت اليه فدخل ... كانت صورة الجد بين النافذتين أمامه ، بشنبه الطويل وعمامته المبرومة كرزمة حبل فوق رأسه ، برداء قياد فرنسا والسوط في يده ، جوارب حمراء ووسام الشرف الفرنسي على صدره تزينه الأعلام ...
 تدفع شفته السفلى العليا ، ترفعها كهامته في كبرياء وعزة ،بجانبه كلب صيد أبيض ، هناك واحد يشبهه ، يا سبحان الله ، كأنه هو ، و لكن لا يذكره ، يحاول ...غير ممكن ،على كل لا يهم ، سيفكر فيه من بعد ..
 
 يتبع.....
 
 
 
 
 
 
			
			
			
			
				  |