| 
				 ( بـيـــــــــــــــروتـــــــــــ ) .. 
 
			
			( بيـروتـــ ) ..   عندما كنتُ في لبنان ، شدتني مناظرها الجميلة وكأنها قطعة من الجنة أنزلها رب العباد إلى الأرض لكي نتأمل الجمال على حقيقته ، واقع مغاير سرني أن أشم وجوده غير المألوف على أرضي ..
 كل شيء فيها يتلون بالفصول الأربعة ، وفي كل فصل ينبعث الجمال بروائحه الزكية ..
 
 
 في وطني ، لم أكن أهتم بتغيير نوعية القماش الذي سوف أكفن به جسدي صباح مساء ،
 لأنني طوال العام أمر بفصل واحد ، يعد خليطاً لكل الفصول التي يندمجن في الصيف الحار الذي
 يبلل راحتي بكميات من الماء ، لتنبعث من أجسادنا رائحة الملل.
 
 
 لم تكن الفصول وحدها ما يميز ( بيروت ) عن وطني ، وإن تشابهت المساجد في مآذنها وفي وعمارتها الجميلة ،
 فأجراس الكنائس لوناً آخراً من ألوان الإختلاف التي لم أسمعها يوماً قط في وطني ،
 ربما طهراً لهذه الأرض ، إلا أنه عدلاً لا يجب التفكر فيه.
 
 
 حتى البشر في مدائن ( مريم ) رأيتهم يختلفون ، إنهم أناس يعيشون البساطة بكل تفاصيلها المتقنة ،
 يركنون إلى الأمل ويغتنمون الفرص التي تمنحهم أسباب الحياة ، يثابرون في النهار ، ل
 يتراقصون في جنح الليل على أوتار الجمال.
 
 
 في اليوم الذي أغتيل فيه ( رفيق الحرير ) كنت جالساً على أريكتي وفي يدي كتاب ( قانون الدولي الخاص )
 كان ذلك اليوم هو ( يوم الحب ) وكان الوقت باكراً أي الساعة التاسعة صباحاً أو ما شابه ،
 كنت أسكن في الدور العاشر من البناية المتاخم موقعها للجامعة ، وعندما حصل الإنفجار ،
 شعرت برجفة الجدار وراء ظهري وكأنه زلزال على مقياس ريختر ، بل كان أشد من ذلك ،
 فكثرت التكهنات ، وبعد أقل من ساعتين ذاعت المحطات الأرضية نبأ اغتيال الحريري ،
 وحصل ما حصل.
 
 
 الغريب في الأمر ، أنني قبلها بليلة كنت بمعية صديق لي من الجنسية السورية
 وطالباً معي في نفس السنة الدراسية ، والمصادفة أن ذلك الإنفجار كان بالقرب من المكان الذي
 كنا جالسين به نتبادل أطراف الحوار ولكن لله الحمد أن ( الله ستر ).
 
 
 لقد كان لرحلة جبل الأرز وبيت الدين وحريصة وجبيل وجونيه وطرابلس وصيدا والشوف
 وبوابة فاطمة في الجنوب .. الأثر الكبير في نفسي ، لأنها تختلف كثيراً عن الرحلات التي
 يقوم بها طلاب وطالبات الجامعات الخليجية ، فالحرية الكاملة والخلو من الرقابة وعدم إكتراث الكل
 من تصرفات الكل ، كان ما يميز هذه الرحلات التي يتخللها الضحك والمرح والغناء والرقص المختلط
 على أنغام الدبكات.
 
 
 ياااااااااااااااااااااهـ .. أظن بأنني أسرفت كثيراً في السرد هنا .. ولكن لا بأس ،
 سأعتبره تنفيساً عن الضجر الذي مايزال يعتري النفس المتعبة حينما نمر على ( الأموات ).
الطير المسافر ..
 
				__________________ -----------------------------------------------   هل إنحازت اللغة للرجل ..؟وهل تم تذكير اللغة تذكيراً نهائياً ..؟
 أم أن هناكَ مجالاً للتأنيث ..؟
 
 
 -----
 عبدالله الغَـذَّامي
 كتاب المرأة واللغة
 ---------------------
 (الـطــــــــالطيرالمســــافــرالطيرـــيـــــــــــر)
 |