.../...
قديماً-أخي البديع الحبيب صــالح-كانَ العربيُّ من رصانةِ اللغةِ وجزالتِها الفصيحة البليغةِ التي تَجري على لسانه النثري أو الشعري بحيثُ لم يكنْ في حاجةٍ إلى قواعدَ تضبِطُ له المَخارجَ والمداخلَ،ولا كانَ حِسُّهُ اللغويُّ في عَوَزٍ وافتقارٍ إلى مَنْ يُرشِدَهُ للعصمةِ اللغويةِ في الأداءِ والممارسة...
كانَ لسانُ الحال يقولُ ما قالهُ العربيُّ وقتئذٍ :
ولستُ بنحْوِيٍّ يَلوكُ لسانَهُ ** ولكني سَلِقيٌّ أقولُ فأعْرِبُ..!!
لقد كانتِ ( السليقة ) في جِبِلـَّتِهِ وكِيَانِهِ تتأبَّى وتستعصي على اللحن والمَثلبة...
لكنْ..ومعَ خط الانحدار والانحراف في منحنى بيان هذه الأمة الضخمة..ومعَ التقهقر والرداءة التي تغشتْ في نسيجها كلَّ شيءٍ،هَــوَى الإيقاعُ اللغويُّ-معَ ما هَــوَى-إلى حضيضِ الدركِ والتسفل،وإذا كانتِ الأمة-زمنَ الإمام علي كرم الله وجهَهُ وأبي الأسود الدؤلي وحتى زمن الخليل بن أحمد الفراهيدي صاحب ( معجم العيْن ) وزمن ابن جني صاحب ( الخصائص ) وزمن سيبوية صاحب ( الكتاب ) وزمن الشيخ عبد القاهر الجرجاني صاحب ( أسرار البلاغة ) وزمن أبي حيان التوحيدي صاحب ( الإمتاع والمؤانسة )...الخ..الخ-إذا كانت الأمة زمن هؤلاء الفطاحل الجهابذة المؤسِّسِينَ الراسخين قد أحسَّتْ بضرورةِ تقنين اللغةِ العربيةِ في إرثها النثري والشعري،خوفاً عليها من لوثاتِ اللحن الشعوبي ورطاناتِ العُجمة،وتحصينها بقواعدَ وأسُسٍ وأصولٍ في النحو والصرف والإملاء والبلاغةِ والعَروض وأبجدياتِ المنطق والنقد واللسانيات معَ ما كانت اللغة تتمتعُ به لدى الرأي العام الواسع من حصانةٍ وقوةٍ وعنفوانٍ..فماذا عسانا يا تـُـرَى سنقولُ على الحال والمَآل الذي عليهِ هذه اللغة الرفيعة السامية العظيمة في هذه الأيام النحِسَاتِ العِجاف..؟؟!!
ثم-وهذا هو السؤالُ المُهم-تـُرَى ما هــوَ مَدى احتياجاتِنا-والحالُ هذه-إلى معرفتنا بتلك القواعد القياسية التليدة وإلى استيعابنا لها وتوظيفِها في لغتنا التي نتبناها في خطابنا الشعبوي العام وفي أدائنا الرسمي والأكاديمي كأساتذة وطلبة ونخبة مثقفة في المؤسساتِ التربويةِ والمعاهدِ والجامعات ونوادي الإبداع..؟؟
عن نفسي-أخي الحبيب-نحن في أمَسِّ الحاجةِ للرحيل المكثفِ إلى هذه الينابيع وإلى هذه المَضانِّ التي تكادُ تكونُ قواعدُها غائبة ًفي لغتنا العربية المتداولـَةِ إلا في النزر اليسير مما رَحِمَ ربي...!! ولابد من استردادِها مرة أخرى والدفـْعِ بها إلى مواطن الخلل والضعْفِ والتقصير،عَلهَا تـُنقِذً في لغتنا ما يُمكنُ إنقاذه..!!
إن الوقوفَ هنا بمعيتِكَ أمامَ ( ظاهرةِ الإعرابِ ) من حيثُ المنشأ وملابساتُه الأولى،ومن حيث التعريف في دلالته اللغوية والاصطلاحية،ثم بالمرور على أقسامة الأربعة الكبرى ( جَرًّا ورفعاً ونصباً وجَزماُ ) وتوضيح العلامة الأصلية لكل قسمٍ منها وكذا العلاماتِ الفرعية،ثم الكشف عن الخاص والمشترَكِ من هذه الأقسام الأربعة بين الاسم والفعل-باستثناء الحرف لأنه مبنيٌّ وليسَ مُعرَباً-ثم بالتعريج على الإعراب اللفظي والتقديري باعتبار أن الإعرابَ هو تغييرُ أحوال أواخر الكَلِم لاختلاف العوامل الداخلةِ عليه-كما نص بذلك ابنُ آجروم في أجروميته وابنُ مالكٍ في ألفيتِهِ وغيْرُهُما من شُرَّاحِ المتون والحواشي-ثم...وثم...وثم...
إن هذا الوقوفَ بمعيتِكَ نوْعٌ من ذاك الاستردادِ المُلِحِّ لتلكَ القواعدِ التي تناءتْ-للأسفِ-بقياساتِها وسماعاتِها عن مبنى لغتنا النثرية والشعرية التي تـُمضغُ اليومَ في الأفواه والأقلام-وفي عالم الصحافةِ ولغته الإعلامية-حتى غدَا اللحنُ أصلاً أصيلاً في لغةِ الكثيرينَ ولا ضيْرَ..!!!
بوركتَ-أخي-على هذا الجهد..وها نحنُ نجلسُ لمائدتكَ العامرة هذه نستشفُّ ونغترفُ من صحونِها وأطباقِها العامرة..وجزاكَ اللهُ عنا وعن لغتنا المسكينة خيْراً ونضـَّرَ اللهُ فيكَ القلمَ واللسانَ والوجْهَ في الدنيا والآخرة..آمين يا رب العالمين...
__________________
يَا رَبيعَ بَلـَـــــدِي الحبيب...
يا لوحة ًمزروعة ًفِي أقصَى الوريدِ جَمَـــالاً..!!
التعديل الأخير تم بواسطة يزيد فاضلي ; 30-11-2012 الساعة 07:37 PM
|