عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 18-12-2012, 11:42 PM
الصورة الرمزية يزيد فاضلي
يزيد فاضلي يزيد فاضلي غير متواجد حالياً
عضو هيئة الشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: شرق الجزائر
المشاركات: 1,011

اوسمتي

افتراضي .../...

...مع تقادم العهد بوجودِ هذه المقالةِ في فِهْرسْت هذا الرواق النقدي،ومع انحساره في منحسراتِ المقالاتِ التي تقادَمَ العهدُ بها إلا أن أخانا الكريمَ بوميحد-جزاه الله خيرا-ًرأى أن يُفعِّلَهُ من جديدٍ،فقامَ باستحضاره للصدارةِ مرة أخرى وأحسَن ما فعلَ،لأن فيه من الرؤى والأفكار ما يَجعله مادة ًتـُثرَى بالنقاش العلمي الهادف البناء...

أولاً..نعتقدُ جازمينَ-اتكاءً على عقيدتنا الإسلامية القطعية الصحيحة-أن عالـَمَ الشهادةِ الذي نعيشُ فيه يتوازى وعالـَمَ الغيْبِ الذي أمِرْنا بالإيمان بوجوده..ولا يختلفُ مسلمان مؤمنان أن وراءَ دنيانا هذه عوالمَ أخرى من مخلوقاتِ الجن والملائكة،ولها من نواميسها وأحوالِها وخصائصها ما كشفَ عنه القرآنُ الكريمُ في أكثر من سورةٍ وما بينته مروياتُ الصحاح من السنة النبويةِ الشريفة...

نحن في هذا على وفاقٍ إن شاء اللهُ تعالى مع أخينا الكريم طارق حمدان الكبيْسي في طرحه ورؤيته...

فقط..أحبُّ أن أقِفَ مع أخينا وقفة ًعلمية ًهادئة ًمع مصطلح ( الروحانياتِ ) أو ( الروْحَنة ) أو ( العالم المُرَوْحَن ) على المعنى-الحقيقي أو المَجازي-الذي ذهبَ إليه في توسيم المصطلح بـ ( علم الروحانيات )...

أحب أن أقفَ قليلاً مع أخي-وأحبائنا القرَّاء-في دلالةِ هذا المصطلح،لأنه كما لا يَخفى على مَنْ عنده أدنى درايةٍ به أنه مُصطـلَحٌ رَجراجٌ،يَعني عدة معانٍ ويمتد في فحوى دلالاتٍ أخرى قد تتقاطعُ بصورةٍ مَّا مع أبجدياتِ المعنى المُرادِ به في عقيدتنا الإسلاميةِ وقد يتنافرُ بالكُليَّةِ مع تلكَ الأبجدياتِ حينَ يكونُ المقصودُ منه هو المعنى الذي تواطأتْ عليه المِللُ والنـِّحَلُ والفلسفاتُ الأخرى التي تنطلقُ في تفسير لفظة ( الروح ) وعالمها من عقائدها وقناعاتِها التي تنآى كلَّ التنائي عن منطلقاتِنا العقائدية القطعية في ديننا...

ولنا-أحبتي-أن نأخذ أيَّ مُعجَمٍ أجنبي ( لاتيني أو مُعاصر ) يتناولُ في الشرح بالترادف والاشتقاق لفظة ( الروح ) أو عبارة ( عالم الروحانيات Spiritualité monde ) فسنجدُ أن القاسَمَ المشترَكَ في تفسيرها يَصُبُّ في معانيَ لاهوتيةٍ تترنحُ بين الغموض والدجل الخزعبلاتي الذي يصطدمُ مع بديهياتِ العقل المنطقي السليم فضلاً عن اصطدامه بأبجدياتِ العقيدةِ الإسلامية بخصوص الإيمان بالغيْبِ وما يَحوي من حقائقَ بيِّنة...

فإن كان المقصودُ-أخانا الكريم طارق-بعبارة ( علم الروحانيات ) ذلك الجانب الغيْبي الذي كشفَ عنه القرآنُ الكريم وأوضحتـْهُ السنة النبوية الصحيحة،لا نزيدُ عنهما ولا ننقص،والذي يَرتبط بمدافعةِ العيْن و ( العيْنُ حقٌّ )-كما بيَّن الصادقُ المصدوقُ في ما صحَّ عنه-وبمدافعةِ السحر بالرقيةِ الشرعيةِ الصحيحةِ،النقية الصافية من (( تحريفِ الغالين وانتحال المبطلين ))وبمدافعةِ شر الغاسق إذا وقبَ وشر النفاثاتِ في العُقَدِ وشر الحاسِد إذا حسَدَ بما أمَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم دون تزيُّدٍ أو ابتداعٍ على ما أجمعَ عليه علماءُ الأمةِ الثقاتِ من الأسلافِ والأخلاف..إنْ كانَ المقصودُ بعلم الروحانياتِ هو ذاكَ الذي يتحركُ وفقَ هذه الأطر والحدود الشرعية فبها ونعمتْ ولا إشكالَ البتة فيه أو خِلاف...

أما إن كان المقصودُ بـ ( علم الروحانيات ) هو توسيع الدائرة إلى ما وراءَ أبجدياتنا الشرعية والعقائدية القطعية الثابتة والرحيل إلى عقائد وقناعاتِ وفلسفاتِ الآخرين والنبشِ في تراثِها وإرثِها الحضاري والمعرفي والتاريخي واستخراجه ثم الـْـعَبِّ منه هكذا دون غربلةٍ أو تمحيصٍ بحجةِ أن (( الحِكمة ضالة المؤمن،أنـَّى وَجَدَها فهو أحَقُّ بها ))،فاسمَحْ لي-أخي الكريم-أن أتوقفَ هنا،وبلا ترددٍ أو إبطاءٍ معكَ،ولنا أن ندخلَ سويًّا في حوارٍ هادئٍ وعلميٍّ جادٍّ،أرى من الضرورة-بل من الواجب-أن يُدَارَ حتى تتضحَ الرؤية وينجلي الغبَشُ الذي قد ينطلي على كثيرين ممن خـُـدِعوا أمام هذه العبارة البراقة الرنانة ( علم الروحانيات )..!!

أنا معكَ تماماً أن في إرثِ الآخرين أقباساً من حكمةٍ...سواءٌ أكانَ هؤلاء الآخرون هم الصينيون القدماء بَدْءً بحكيمهم الأكبر كونفوشيوس صاحب ( المراجعيات الستة six références ) أو : التغيرات – الأناشيد – السجلات التاريخية – الطقوس – حوليات الربيع والخريف – الموسيقى..ولعلَّ وجهة نظره الفلسفية والعقائدية الواضحة بخصوص علم العالم المُروْحَن موجودة بالتفصيل المُمِلِّ في مرجعيته الرابعة ( الطقوس rituel )..أم كان هؤلاء هم فلاسفة الإغريق اليونان القدامى بدْءً بأؤلئكَ ( الفلاسفة الرواقيين philosophes stoïciens ) وما قالوا في فلسفةِ الحياة والوجود وعلاقة هذه الفلسفة الرواقية بالبُعْدِ المُرَوْحَن في الجدلية الثلاثية بين الإنسان والحياة والآلهة،ومروراً بـ ( أرسطو طاليس ) تلميذ أفلاطون ومعلم الإسكندر المقدوني الأكبر وما كتبَ في مجموعته الكاملة،التي تـُعرَفُ أكاديميًّا بـ ( المجموعة الأرسطوطالية Groupe aristotélicienne ) التي تشمل خمسة أقانيم كبرى،تعَبِّرُ عن فلسفة أرسطو الشاملة وتحوي كلَّ قناعاتهِ الكبرى في فلسفة العقل والمنطق والأخلاق وجدلية الوجود وما وراءه..ولنا أن نعودَ بالقراءة الدقيقة للأقنوم الثالث منها وهو ( ما وراءَ الطبيعة أو الميتافيزيقا métaphysique ) لنقف على قناعاته الفكرية الفلسفية الراسخة في عالم ما وراءَ المادة-بما فيها عالم الروحانيات-ولنرى مثالبَه ودواهيه الكبرى التي تخالفُ أدنى الأبجدياتِ الإسلامية في عقيدةِ الروح وعالمها وفي عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر والأجل وعقيدة الغيبِ وما تحوي من قطعياتٍ...أو سواءٌ كان هؤلاء هم الفلاسفة المسلمون الذين ورثوا في حركة النقل والترجمة-إبان العباسيين-إرثَ الإغريق والرومان الذي يتسمى عندنا في دراساتنا الفلسفية العليا بـ ( Gréco-romaine patrimoine ) كأبي نصر الفارابي في كتاباته المثيرة،أخص منها : آراء أهل المدينة الفاضلة والتوطئة في المنطق،وكأبي عليٍّ بن سينا في كتابه : الإشارات والتنبيهات...أو سواءٌ كان هؤلاء هم المتصوفة الحلوليون كالحلاج مثلاً أو شهاب الدين السهروردي...

أنا معكَ تماماً أن في إرثِ هؤلاءِ حكمة ًلا تخفى على عليمٍ خبير،وأن فيها من فتوحاتِ العقل والمنطق ما يُربي الفِكْرَ على أساسياتِ التفكير والاستقراء والاستدلال السليمة،لكنْ فيها أيضاً من الغبش والدخل والدخن ما ينطبق عليها مثلنا القائل : (( تحت السواهي دواهي ))..!!!

بل أجزمُ واثقاً-عن علمٍ ودرايةٍ ودراسةٍ-أن في دواهيهم العَقديةِ في هذه المسألة بالذات ( علم الروحانيات ) ما يجعلها تطيشُ لأقصى دركَاتِ الرفض والنقض حينَ عَرْضِها على تلك الأبجدياتِ القطعية الراسخةِ في أصول عقائد الإيمان التي لا تقبلُ المماحكة أو الترجيح والتأويل في شيءٍ أبداً...!!!

وأنا مستعدٌّ معكَ-أخي الحبيب-أو معَ غيْركِ،وفي تواضعٍ وإقلالٍ أن أناقشَ معكَ كل آراء وأفكار وفلسفاتِ هؤلاءِ أو ممن يدورون في فلكِهم التي أثِرَتْ عنهم بخصوص الروح وعِلمِها..نتناقش سويًّا في إرثهم كتاباً كتاباً..صفحة صفحة...سطراً سطراً،ثم نعرض ذلكَ على مقرراتِنا الأصولية،ونقارن ونستنتج،ثم نتركُ للرأي العام الواعي المتعلم المثقف هو الذي يُقررُ في النهايةِ ما يراه...

إنني أقررُ واثقاً سيدي الكريم أنه لا يُوجَدُ في إرث الآخرين وعقائدهم ( الوثنية أو اللاهوتية ) ما يتوافقُ مع عقيدتنا بما يمكن تسميته بـ ( علم الروحانيات ) هكذا على اعتبار التسمية تراثاً إنسانيًّا جامعاً شاملاً،وسببُ هذا التنافر بسيط جدا،وهو أن ديننا-في غيبياته-يختلف في أسُسِهِ ومنطلقاتِه عن أسُسِ ومنطلقاتِ الآخرين في الفهم والإيمان والاقتناع...

لعل تلك الحصص المؤجَّرة في بعض القنوات الفضائية المشبوهة،وكذا في مواقعَ كثيرة على النت،والتي نجدُ فيها عروضاً مغرية لـ ( العلاج الروحاني ) و ( التهدئة الروحانية ) و ( روحانياتِ التنجيم والطالع )...الخ...لعل هذه الحِصصَ المشبوهة غدتْ-من الهرطقةِ والدجَل الخزعبلاتي-لا تخفى على أحدٍ...

وكلنا يذكرُ حصص النجم العراقي ( الدكتور الألوسي ) وبلورته السحرية الخارقة..!!!!!!

وأما إن كان القصدُ من علم الروحانيات هو ( علم الطب النفسي psychiatrie ) بكل فروعه وأسسه الإكلنيكية-ولا مشاحة في الإصطلاح بين الروح والنفس-فتلك قصة أخرى..وطرح آخر..وإشكالٌ آخر..ولن يختلفَ عاقلان أبداً على أهميةِ هذا العلم وضرورة حيازته وامتلاكِ ناصيته في معاهدنا وجامعاتنا ومراكز البحوث عندنا،ولا خلافَ على مدى تقدم الغرب في ميادينه العلاجية علينا بفراسخَ ومراحلَ..!!!

حفِظ اللهُ علينا ديننا وعقائدَنا وثوابتـَنا...آمــــين..وآمُلُ لكَ-أخي طارق-عوْدة ميمونة كريمة لمنتدياتنا في القريب العاجل إن شاء الله...
__________________
يَا رَبيعَ بَلـَـــــدِي الحبيب...
يا لوحة ًمزروعة ًفِي أقصَى الوريدِ جَمَـــالاً..!!


التعديل الأخير تم بواسطة يزيد فاضلي ; 21-12-2012 الساعة 10:21 PM
رد مع اقتباس