سفينة الأحزان - محمد الفاضل
تبحر بنا سفينة الأحزان على وقع دقات القلوب المتسارعة وإيقاعات نبضها الجريحة ،
والتنهيدات الموجعة وأدعية الأمهات وصلواتها ، لا تلوي على شئ .
تمخر عباب الغربة وتتقاذفها الأمواج ،أشرعتها أسمال مرقعة وبقايا
صور قديمة في حقيبة مهترئة , وجهتها كل مرافئ التيه .
نسير على غير هدى خلف الأسوار البعيدة علنا نجد ضالتنا في المدن الغريبة !
ربانها شديد الصرامة ترتسم على محياه علامات الضيق والحيرة ويمطرنا بوابل
من الأسئلة ، مستنكراً : كيف تركت الوطن أيها الغريب ؟ سؤال فجر في مكامن ذاتي وأعماق
روحي الدفينة بركاناً من الشوق والشجن .. سأكتب حكاية وطني بمداد دموع الأمهات
واَهات الثكالى فوق البحور البعيدة ، وفي ظلال الغابات الموحشة وليالي الشتاء القارسة ،
حكاية وطني الجريح وكل الطيور التي هجرت الوطن .
طيور بلا أجنحة تجتر الأحزان والحنين في الغربة ، تتجرع مرارة كؤوس الأوجاع المترعة .
سأبحث في ثنايا الذاكرة عن أجمل لحظات عمري وملاعب الصبا علها تهدهد أوجاعي المزمنة !!
سقى الله تلك الأيام الغابرة حيث القلوب تشع دفئاً وألقاً ، تعب النسمات في رياض
الأفنان الساحرة . سنرجع يوماً ياوطني الحبيب الذي أثخنته الجراحات وألهبت
ظهره سياط الجلادين وعهر المتملقين وقوافل المتفرجين وهواة المهل العربية !!!
هي طغمة من وحوش كاسرة ، في غيها سادرة صبغت ربوع بلادي بلون أحمر قان
وأزهقت أنفساً طاهرة !
سنرجع مهما طال الزمان ، وسينفض شجر الحور والجوز عنه غبار الحقد والبارود
لتعود أوراقه خضراء يانعة .
سنكتب فوق أرصفة الأحزان ودروب الغربة ومرافئ التيه حكاية وطن لا تسعه الكلمات
ويهيم في حبه العشاق ويتلذذ بذكره السمار ، ستروي الأرض
حكاية أبنائها الطيبين الذين رووا بدمائهم ثراها فأنبتت شقائق النعمان.