| 
				 .../... 
 
			
			...قصة ( الغزو الفكري )-أخي الأستاذ الكريم عمر-قصة طويلة،بدأتْ مذ راح الاستعمار الصليبي اليهودي يتآمرُ بكيْد الليل والنهار بها منذ انهيار الخلافة الإسلامية،متمثلة في الدولة العثمانية-التي أطلِقَ عليها في أواخر وجودها ؛ الرجل المريض-إلى أن أجهزَ عليها عميلهم-بإيعاز من يهود الدونمة- الهالك الغازي مصطفى كمال أتاتورك سنة 1924 للميلاد،وكان أن اجتاحَ الاستعمار الغربي الثلاثي ( فرنسا وبريطانيا وإيطاليا ) العالـَمَ العربي والإسلامي في معظم امتدادِهِ شرقاً وغرباً،ومافتئ يعملُ-إلى جانب غزوه العسكري الحربي-على بث سمومه الفكرية وزرع مبادئه التغريبية بشتى الوسائل الخبيثة والمستبطنة...
 وما كشفت الأيامُ على هزيمته في غزوه العسكري في مواجهات التحرير والكفاح التي خاضتها شعوبُنا وغادرَ-ولله الحَمْدُ-بخيْله ورجْلِه حتى تبيَّنَ أن آثارَه الفكرية السامة مازالتْ تفعَلُ مفعولـَها في جسم الأمة وكيانها الفكري والثقافي التي صادفتْ فيها قابلية ًبسبب مناخ التخلف الحضاري الذي تعاني منه أصلاً...
 
 ولعل اللغة العربية الأصيلة-وهي كما نعلم مقوِّمٌ أصيلٌ من مقوماتنا التي لا تكتمل هويتنا إلا بها-تعرضتْ فيما تعرَّضَ إلى غارةٍ ضاريةٍ،استهدفتْ وجودَها في اللسان والقلم وميدان التعامل العام...
 
 وأنا معكَ تماماً-أخي الكريم-في أن الإنسانَ العربي غدَا في وضعٍ لغويٍّ حَيالَ لغته الأم يُبكي بدلَ الدموع دَماً..!!
 
 وصار التدجين والتهجينُ وبلبلة المفردة بالرطانة والحذلقة المشوهة هو الصبغة العامة لللغة في الألسن والأقلام...في لغة التخاطب وحتى الرسميات...في الإعلام والمنتديات..
 
 أما الحديث عن قواعدها وأساساتها البنائية،فالحديث عن استخداماتها غدَا أقربَ إلى الحديث عن الغول والعنقاء والخِلِّ الوفي...!!!
 
 وحتى ذوو الاختصاص..من معلمين وأساتذة وكليات اللغة والآداب-إلا من رحِمَ ربي-لم يسلموا من لوثة الغزو...!!!
 
 وكلما زحفت الأيامُ والسنونُ كلما نبتتْ أجيالٌ للأسف،تكادُ لا تمتُّ للعربية إلا بوثيقة الانتماء ليسَ إلا...!!
 
 وإخالُ أن العصرَ الزهري المتألق لللغة العربية الذي انتعشَ زمنَ شوقي وحافظ ومَحرم والعقاد والرافعي وطه وجبران يَعسُرُ تكرارُه أو تكريرُهُ في هذه الأيام النحِسَات...!!!
 
 إن النبضَ المفقودَ-في تقديري-عند أجيالنا النابتة تجاه اللغة العربية هو في ذلك الاستعلاء الحضاري الراسخ الشامخ الذي كان أسلافنا الأوائل يستشعرونه وهم ينقلون-بالترجمة أو التعلم-آداب ولغات وتراث الغيْر...
 
 بمعنى أن أبا نصر الفارابي أو أبي علي بن سينا وأبي إسحاق الكندي وأبي الريحان البيروني والقاضي أبا الوليد محمد بن رشد-مثلاً-قد برعوا في إتقان كثير من اللغات اللاتينية القديمة،وترجموا ما ترجموا من تراث اليونان الإغريق القدماء،وبصرف النظر عن النقد الصائب الذي وُجِّهَ إلى حركة الترجمة هذه إلا أن الملفِتَ أن هؤلاء الأعلام كانوا يأخذون من لغة وتراث غيرهم أخذ السيد الحر المالك لزمام أمره،وما أثِرَ عن أحدهم أنه أحسَّ برهبةٍ أو عقدة نقصٍ حضاريةٍ أمام الطرف الآخر أبداً..!!
 
 إن هذا النبضَ-أخي-أراهُ مفقوداً اليومَ في حِسِّ الكثيرين من أشباه وأنصاف مثقفينا أو يكاد..!!
 
 إن هواجسي وشكاتي وهمومي تجاه لغتي العربية الجريحة المَهيضة لا تكاد تنتهي...
 
 وأرى-بعد إذنكَ-أخي أن أنقلَ لكَ هذه الفضفضة المتواضعة التي كنتُ  قد علقتُ بها على إشكالٍ،كانتْ أختٌ كريمة-من سوريا الصامدة-قد طرحته للسبْر في منتدًى كريم آخر،ولما كانت الأختُ معلمة ومربية-واسمها المستعار غاردينيا-فقد عنونتْ الإشكالَ المطروح بـ ( لنتكلم اللغة العربية الفصحى )...
 
 أحب-أخي-أن أنقلها هنا تعميماً للفائدة وإيغالاً للإيضاح حتى تنبلجَ الفكرة التي أوَدُّ الإحاطة بها تجاه هموم اللغة العربية وما يكتنفها من غزو ثقافي وفكري...وجوزيتَ ألف خير...
 
 قلتُ :
 
 (( ...إشكاليةُ التحدثِ بالفصيح السليم من اللغةِ العربيةِ الفصحى وسطَ هذا التحدي الهائل الذي تعانيه هذه اللغة-من تمييعٍ واغترابٍ وتشويهٍ في الألسن والأقلام-ولأسبابٍ كثيرةٍ ومعقدةٍ،حالتْ دونَ الحضور الحضاري المطلوب لللغةِ العربيةِ،كلغةٍ ساميةٍ رائدةٍ لها من آلياتِ البقاء والاستمراريةِ والديْمومةِ ما لللغاتِ ( الحيةِ ) الأخرى من عواملَ الحِيازةِ والتسيد والمواكبةِ العصرية...إشكاليةُ التحدثِ باللغةِ العربيةِ-أختي ومعلمتي البديعة غاردينيا-إشكاليةٌ متشابكةٌ ومعقدةٌ،ولها أسبابٌ وجذورٌ،ليستْ وليدةَ اليوم أو البارحة...
 
 فإنَّّ ( الانحسارَ الحضاري ) الذي ضربَ الأمةَ منذ قرون وحَجَّمَ طاقتَها الإبداعيةَ..وإن تراجُعَ الوعي الجماعي وانهزام اللسان العربي أمامَ موْجاتِ التهجين الثقافي المختلفة-بما في ذلكَ شيُوع العاميةِ وتعددِ لهجاتِها-وإحياء النعراتِ التي تلمِزُ لغةَ القرآن الكريم وتقديمها كبديلٍ حتميٍّ عنها..وإن عَجْزَ العقليةِ العربيةِ عن التكيف مع إيقاع المتغيراتِ الحضارية الهائلة التي فَجَّرَها الغربُ في امتداده العلمي والتكنولوجي...ناهيكِ عن الاستعمار الثلاثي المعاصر ( البريطاني والفرنسي والإيطالي،عِلاوَةً على مؤسساتِ الهدم الفكرية التي سلطها الغربُ بعد رحيله العسكري ) الذي ساهم لعهودٍ طوالٍ على نشر الجهل والأمية وتحجيم دور لغةِ القرآن بما يُقدمها للإنسان العربي على شكل شَبَحٍ باهتٍ هزيلٍ،ليسَ له دورٌ نهضويٌّ-في حركةِ الأمة الحضارية-إلا في نطاق مغلق جداً،بحيث لم يعد الفرد العربي يتنفسُ من لبابِ هذه اللغة العظيمة إلا تلكَ القشور الباهتة التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع..وصارت اللغة-بعدما كانت هي الأصل في التعامل اليومي-صارتْ مختزَلَةً ومقتَصَرَةً-في حس الطفل العربي الناشئ-فقط على حصة معينةٍ في المدرسة،تمر على عجل وعلى نحوٍ مَّا،أما بقي الوقت فلا يستوعبُ حِسُّ هذا الطفل المسكين ووعيُه ولسانُه غيرَ العامية وثُغائها ورغائها وبُغامِها..!!!
 
 أسبابٌ كثيرةٌ،كثيرةٌ-معلمتي القديرة-تراكمتْ لعهودٍ وعصورٍ طوالٍ،كانَ من نتائجها المُرَّةِ والخطيرة أنْ غابتِ اللغة الفصيحة-أو تكادُ-من لغة التخاطب والتفاعل والإبداع في حياتنا اليومية،وصرنا-للأسف-بين أمرين أحلاَهُما مُرٌّ...
 
 يا إما أن نذهبَ في التحايل على أصول لغتِنا البديعة الأصيلة بأن نقبَلَها على أغاليطها الشائعة الكثيرة التي تكاد تقوضُ قواعدَها الإملائية والنحوية والبلاغية والتركيبية،بحيث صار مُستمرَأً ومُستسَاغاً جداً أن تسمعَ صباح مساء كَمًّا هائلاً من الأغاليط القاتلة تجري على ألسنةِ أغلب إعلاميينا وصحافيينا ومذيعينا الأماجد-إلا مَنْ رحمَ ربي منهم وهم قِلة-لأن الوعيَ الجماهيري العام،يكاد يكونُ هو الآخر لا يدري شيئاً عن تلكَ القواعد التي تصقلُ اللغةَ وتردُّ اللسانَ والقلمَ لجادةِ الصواب....
 
 أو يا إما أن نقدمها-إذا أريدَ لنا العودة إليها-للناشئة والأجيال وفيها من الحوشيِّ والغريب والجاف ما يُحسس العربيَّ المعاصرَ بالنفور والبلادة.....
 
 ونحن في الحقيقة-أختي االكريمة-نريد من المثقف العربي المعاصر-خصوصاً ذي الاختصاص اللغوي-أن يمتلكَ حصانةً لغويةً جبارةً ورسوخاً مَكيناً بناصية اللغة وآلياتها،وأن يتساوَقَ ذلكَ التمكن بمسايرة ثقافة العصر وحيازة متطلباتها الحضارية بما في ذلك التمكن قدرَ ما أمكن من الإلمام باللغات الأخرى والاطلاع الواسع على ثقافاتِ الغيْر ورَصْد الواقع العلمي والفكري والاجتماعي والسياسي والاقتصادي والفني الذي أفرزته الحضارة المعاصرة في غير ذوبانٍ أو شعورٍ بهزيمةٍ حضاريةٍ،أو عقدة نقصٍ أمام الطرف الآخر....
 
 مبدئيا..أردتُ هنا فقط أن ألفتَ النظرَ بتعليقي إلى الوضع العام الذي يكتنفُ واقعَ اللغة العربية الفصحى ونحن نعرضُ إشكاليةَ التكلمِ بها كوسيلةِ تواصلٍ وتخاطُبٍ...
 
 وشكراً دائماً-سيدتي-على طرح هكذا هموم وهواجس عربية...ولكل مَنْ أدلى بدلْوِهِ العامر... )) اهـ
 
				__________________ يَا رَبيعَ بَلـَـــــدِي الحبيب...يا لوحة ًمزروعة ًفِي أقصَى الوريدِ جَمَـــالاً..!!
				 التعديل الأخير تم بواسطة يزيد فاضلي ; 12-03-2013 الساعة 11:33 PM
 |