عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 31-03-2013, 04:43 AM
الصورة الرمزية سالم الوشاحي
سالم الوشاحي سالم الوشاحي غير متواجد حالياً
إداري سابق
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,853

اوسمتي
وسام أجمل الردود وسام الإدارة درع الإبداع وسام الإبداع مميز السلطنة الأدبية وسام التميز 
مجموع الاوسمة: 6

افتراضي تصدعات في سور قلعة نزوى الأثرية..آثار حريق في رواق الحصن القديم وانهيار أجزاء من الجص

نزوى - محمد بن سليمان الحضرمي -
إذا تصدَّعت أسوار الشهباء، سيمرض تاريخ عمره أربعة قرون، وإذا تشققت جدرانها سيتهاوى تاريخ عريق، وستضيع من أعيننا أمجاد نشم رائحته في الجدران، وهذا ما لمسته من زيارتي لقلعة نزوى الشهباء، التي تلوح من بعيد، كوكبا دائريا حط بين رياض النخيل، أو قمرا مستديرا، يشعُّ بلون الذهب، يسطع في آفاق نزوى الفسيحة.
تصدعات في الجدران، وتشققات في الأسوار المتاخمة للقلعة، والتي تحيط بها من جهة الغرب، وهو سور طويل وعال، لم يرمم بعد، ولا يزال مخبوءًا عن العيون، يحيط بخميلة خضراء، لو يُحسَن استغلالها لأصبحت أجمل منتجع سياحي خاص بالقلعة، ولم يقتصر الأمر على السور الشرقي فقط، بل إن أسس القلعة بدأت تتآكل، ويزيد الأمر خطورة، اشتعال نار في الأسقف السعفية لمدخل القسم القديم من القلعة، وكل سائح يدخل الرواق المؤدي إلى هذا القسم، سيشم رائحة حريق ورماد، وبمجرد أن يرفع رأسه باتجاه السقف السعفي المرمم، سيرى آثار حريق، وطبقة سوداء.
وتتكدس خلف القلعة أكوام من النفايات، التي بقيت على حالها مهملة، وهو أمر يدعو للأسف، لأن قلعة نزوى يزورها أكثر من عشرة آلاف سائح شهريا، من مختلف الدول الأجنبية، ناهيكم عن زيارة كبار الشخصيات السياسية في العالم، الذين يحلون ضيوفا على السلطنة، وعلى القلعة أيضا.
وتعد قلعة نزوى من بين القلاع الأثرية الشهيرة في السلطنة، حيث يقبل السياح على زيارتها لأسباب تاريخية وسياحية وثقافية، وكل عام تنشط الحركة السياحية في ولاية نزوى، وكشفت الاحصائيات أن عدد زوار قلعة نزوى خلال العام الماضي بلغ (84730)، وهو رقم كبير قياسا بالموسم السياحي الذي ينشط في السلطنة خلال موسمي الشتاء والربيع، كما كشفت الاحصائيات أن عددهم يتراوح شهريا بين عشرة آلاف وأحد عشر ألف زائر للقلعة، وهو بلا شك عدد يحتاج إلى جهد كبير لاستقباله، يقوم بالتعريف بكل مرافق القلعة المرممة والحصن الأثري الذي شيد قبل 1200 سنة، في فترة الإمام الصلت بن مالك الخروصي، كما هو معروف وموثق في كتب التاريخ العماني.
وعلى هذه الكثرة الكاثرة من السياح، إلا أن عدد المرشدين أقل مما هو مطلوب، وثمة موظفون بالقلعة، يبذلون جهدا جهيدا في استقبال الزوار، ويأخذونهم إلى كل مرافقها، ويعرفونهم بأقسامها، ويسردون لهم تفاصيل التاريخ المروي والشفهي والمكتوب عن القلعة، وهو جهد يلمس تعبه ومشقته من يزور القلعة، ويجرب صعود سلالمها، والتردد بين مرافقها، إذ حتما يشعر بتعب في القدمين، قبل أن يكمل زيارة القلعة، التي تبدو من الداخل مدينة فيها المرافق الأساسية والخدمات الضرورية.
وما لفت نظري في زيارتي للقلعة، هو وجود تشققات بارزة في الجدران، لا تخفى على كل زائر، ولكني أنقلها إلى المسؤولين غيرة على المكان السياحي، الذي يعد درَّة أثرية مهمة، فهذه القلعة هي أكثر ما يؤمه الزوار، وهي أيضا تاريخ عريق، ولا ينبغي أن تهمل، وقد بدا واضحا انهيارات في بعض الجوانب من السور الغربي المحيط بالقلعة من جهة الغرب، وهو سور عملاق من الأحرى ترميمه.
كما رأيت تشققات في بعض أسس الحصن من جهة الشرق، وانهيار الطلاء الجصي في جوانب من القلعة، وظهر في جدرانها الداخلية تصدعات، قد تعرضها لتصدعات أكبر، بهطول الأمطار وحركة الرياح القوية على الجدران، كل هذه الاحتمالات واردة، وقد تتفاقم في أي وقت، ما لم تسارع الجهة المعنية بالقلعة بسد تلك التصدعات، والإشراف عليها بصورة مباشرة.
أما الحريق الذي شب في سقف رواق الحصن الأثري، فلا تزال آثار رائحة تفوح إلى الآن، والمشكلة ليست في الرائحة ذاتها، بل الخشية من وجود عفن أو تآكل ناري دخل السعف، الذي يمكن أن يشتعل مرة أخرى في ظروف مواتية، تسمح بانقداح شرارات في السعف.
من جهة أخرى، يعد البرج الدائري لقلعة نزوى من أكبر الأبراج الموجودة في السلطنة، وبحسب ما ورد في الكتيب الذي يقدمه المرشدون للزوار، فإن قصة هذا المعلم البارز يرتبط بالتاريخ العماني، حين كانت مدينة نزوى في فترات متقطعة بين القرنين الثامن والثاني عشر الميلاديين عاصمة للبلاد، لسلسلة متعاقبة من الأئمة، ومع تماوج السلطة السياسية بين مد وجزر، إلا أن نزوى حافظت على مكانتها البارزة، كمدينة للعلم والمعرفة، ومنها خرج كبار الفقهاء.
وبحسب التقديرات التي يمكن الاعتماد عليها في تحديد تاريخ بناء البنية الأساسية السابقة للبناء الحالي للقلعة، تعيده إلى القرن التاسع الميلادي، الثالث الهجري، عندما تولى الإمام الصلت بن مالك الخروصي الإمامة في عمان، وتشير بعض المصادر الى أن الإمام ناصر بن مرشد اليعربي قام بترميمها في بداية القرن السابع عشر الميلادي.
أم البرج الدائري، فقد شيد في القرن السابع عشر، من غنائم معركة ديو البحرية، وذلك في عهد الإمام سلطان بن سيف اليعربي، واستغرق بناؤه 12 عاما. وتطل القلعة على واحة النخيل وعلى السوق ومختلف الحارات الأثرية في مدينة نزوى، والاطلالة من إحدى شرفاتها تكشف كامل معالم المدينة، واليوم وبعد مرور أربعة قرون على بناء البرج الدائري المهيب، تصبح الشهباء جزءا من ملامح نزوى وهويتها الحضارية، حالها كحال جبل الحوراء الشامخ، الذي يطل عليها من جهة الشرق. وتوفر زيارة قلعة نزوى الأثرية فرصة التعرف على المرافق السياحية التي أدخلت حديثا، حيث صمم متحف لبعض مقتنيات الإنسان العماني، وعلقت صور ضوئية في الممرات، مع وجود شبكة من الأنوار، وشاشات عرض مرئية، تقدم أفلاما تسجيلية عن الآثار في السلطنة، والزراعة، وعرض أدوات فلاحة وملبوسات وأزياء رجالية ونسائية، وبعض الكتب التعريفية بعمان، ليتعرف الزائر على صور من تاريخ إنساني عميق.
من أجل ذلك، نربأ بمعلم أثري شامخ، كقلعة نزوى هذه، أن يكون فيه مثل هذه التصدعات والتشققات والانهيارات، حتى يبقى دائما في عين وقلب الجهة التي تشرف عليه، والتي لا نتهمها بالتقصير مطلقا، إنما هي ملاحظات كاتب غيور، يعد القلعة قطعة من تراث وطنه وأمته.

جريدة عمان
رد مع اقتباس