عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 24-04-2013, 10:57 PM
الصورة الرمزية محمد الراسبي
محمد الراسبي محمد الراسبي غير متواجد حالياً
مدير الموقع
 
تاريخ التسجيل: Dec 2007
المشاركات: 1,754

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى محمد الراسبي إرسال رسالة عبر Yahoo إلى محمد الراسبي
افتراضي

تابع ورقة الكاتب -سعيد الصقلاوي:



المياه
تزود المدينة بالمياه بواسطة مصدرين رئيسين هما:اة الفلج او البئر. و هذه المياه تصل إلى التجمعات العمرانية ، و إلى المزارع. و يقوم بإدارتها مختصون تواضع عليهم ، و أقرهم أهل المدينة. و ارتضتهم إدارتها المحلية بسبب خبرتهم الطويلة ، و بصيرتهم الراشدة ، و معرفتهم الدقيقة بشئون إدارة و إصلاح و صيانة الأفلاج و سواعدها و سواقيها، و توزيع مياهها. فيحصل كل مواطن من أهل المدينة أو مستفيد على نصيبه المقرر من المياه. و يدفع في المقابل ما يفرض عليه من التزامات مالية و أدبية. و هذا النظام المائي المتوارث يمكن اعتباره فيما يعرف اليوم بشبكات المياه للمدن و التجمعات العمرانية.
و كما تحتاج عمارة شبكات المياه المعاصرة عددا من المنشآت المعمارية وعددا من العمليات الهندسية في المساحة و الهيدرو لوجيا و التخطيط و التصميم و التنفيذ ، كذلك الحال بالنسبة لنظام المياه ( الأفلاج) المتوارث. إذ تطلب وجوده التعرف على مصادر و منابع المياه ( أم الفج أو عينه) ، ثم التخطيط لكيفية جلبه للتجمعات العمرانية و للمزارع ، و توزيع حصصه عليها . فنشأ عن ذلك عمارة ألأفلاج و صيانتها. و استخدم في ذلك تقنيات بنائية محكمة في أساليب تنفيذها ، و استخدام مواد بنائها التي كانت متصالحة مع الطبيعة و محافظة عليها ، و في نظرنا يمكن تصنيفها ضمن مصطلح التنمية المستدامة. مفردات هذه العمارة ينبغي أن تدرس باستفاضة في مبحث مخصص لذات الغرض.
المسكن
يمكن تصنيف المساكن في المدينة و اقليمها بحسب الفصول إلى (بيت شتوي ، و بيت صيفي) ، و بحسب المكان الجغرافي إلى ( مسكن المدينة ؛ مسكن المزارع ؛ مسكن القرى الجبلية) ، و بحسب الظاهرة الاجتماعية إلى بيت حضري ( مسكن الحضري)؛ بيت ريفي(مسكن البيدار) ؛ بيت رعوي(مسكن الشاوي). و بحسب الهيئة إلى مسكن محصن (بمعنى له طابع تحصيني كبيت الرديدة و بيت سليط و بيت الفليج و بيت السيد نادر و غيرهما) ، و مسكن غير محصن ( بمعنى ليس له طابع تحصيني و قد مثلت هذا النوع سائر المساكن). وبحسب المواد إلى بيت حجري و بيت طيني و بيت سعفي.

ولكل من هذه التصنيفات مسوغاتها. و لكل صنف من هذه المساكن تخطيطها المتوائم مع معطيات الوضع الاقتصادي ، و معطيات الوظيفة ، و البيئة :التضاريس ؛ و المناخ. و توافقت جميعها في استخدام نفس مواد البناء الأساسية. و مع التطور الحضري المعاصر في بنية ونسيج العمران في المدينة ، واكب هذه التصنيفات أنماط أخرى من المساكن المعاصرة يمكن تصنيفها في المساكن المبنية بالمواد الثابتة ( المشيدة بالطوب الأسمنتي) ، و الأخرى في المساكن المبنية بالمواد غير الثابتة ( و هي المساكن الجاهزة المصنعة من ألواح الخشب الحبيبي و غيره ) . و بحسب الملكية إلى ملكية خاصة و تشمل المساكن المملوكة و المؤجرة ، و ملكية عامة و تشمل المساكن التي شيدتها الحكومة لإيواء المسئولين و الموظفين الحكوميين. و بحسب النوعية إلى مساكن اجتماعية شيدتها الحكومة لذوي الدخول المحدودة و الضعيفة ، و مساكن شيدها المواطنون أنفسهم. و يجدر بنا أن نوضح بإيجاز مكونات أنماط المساكن التراثية في المدينة العمانية.
مسكن الحضري
و يقصد به المسكن الذي يشغله الإنسان أو المواطن الحضري الذي يستقر في المجتمع المديني. كما يمكن تسميته بالمسكن المديني و ذلك بنسبته إلى المدينة أو بنسبته إلى المجتمع المديني. و هو ذات المسكن المسمى بالبيت الشتوي و ذلك لاستخدامه في الفصول الباردة ، يقابله المسكن الصيفي الذي يبنى في المزارع و يستخدم في فصل الصيف . و جاء هذا التصنيف من النظام السائد في المجتمع الذي يتحرك تحت و وطأة القيظ إلى المزارع ، ليقضي فيها فترة الصيف ناعماً بطقس مريح ، و مستمتعاً بأيام جميلة يقضيها بين المزارع الوارفة بالخضرة ، و البساتين الغناء بشتى الأطايب ، ثم يعود قافلاً متربعاً بعد انقضاء الصيف مزوداً بمحصول و فير مما جناه من طنائه ، أو من استطنائه أو بيعه محصوله أو حصاده من التمر و الدبس و غيره.
و خططت المساكن الحضرية ضمن النسيج العمراني للمدينة لتتلاءم مع اعتبارات الحياة حيث الاكتظاظ السكاني . و حيث يمكن أن تجرح الطرق الضيقة حرمة المسكن فينبغي حمايته بحجب الرؤية الخارجية كلية أو تقليل آثارها عن طريق الاعتماد على الحلول المعمارية أو قوانين البناء (فقه العمران). و يمكن لها أن تخترق خصوصيته فينبغي صونه بإيجاد صيغة معمارية تعتمد على الفصل في الحركة داخل الفراغ المعماري و أحيانا استعماله. و حيث حركة الناقل و المنقول ، و الحامل و المحمول ، والعامل و العاطل ، و الخاصة و العامة من المارة ، و حركة النقل النشطة و المتواصلة ، فينبغي تأمينه. و حيث الندرة في توفر الأرض الصالحة لبناء مساكن بمساحات كبيرة ، فينبغي التوسع رأسياً عوضاً عن التوسع الأفقي. و حيث متطلب الحاجات الاقتصادية و الاجتماعية ، فينبغي استغلال طوابقه (أدواره) و فراغاته المعمارية . و حيث متطلب العوامل البيئية و بخاصة المناخية ، فينبغي توجيه المسكن ، و ملاءمة تخطيطه وجدرانه العريضة ، و تجميعه مع غيره في نسق تتلاصق جدران المساكن فيه كي توفر أكبر قدر من اكتساب أو فقدان للحرارة.

لقد أملت تلك المعطيات تأثيراتها على نمط تخطيط المسكن الحضري ، و على شكله . و بنيت أغلب مساكن المدينة حول حوش مركزي. و تتدرج ارتفاع المسكن من طابق إلى طابقين فثلاثة طوابق. و أصبحت مركزية الحوش عاملا هاماً في الإضاءة و التهوية و تلطيف الطقس للمستويات السفلى من المسكن . و مجمعا لحركة التوصيل و التلاقي في المسكن. و الحوش عميق و ضيق أحيانا. و نظرا لوجوده ينفتح المسكن في حالات كثيرة على الداخل.

الجدران بها فتحات و لكنها لا تواجه الأماكن العامة . و حواجز الأسطح (الذروة ) ترتفع بحيث تمنع الرؤية من الداخل كي لا تجرح الخارج ، و تمنع الرؤية من الخارج كي لا تخترق الداخل. و يمثل المجلس في المسكن النزوي التراثي الغرفة ( الفراغ) المشتركة التي تستخدم اجتماعياً للزوار ، و اقتصاديا كمعمل (و رشة) لصاحب المسكن. و لذلك يموضع المجلس عادة في المسكن المكون من طابق بقرب المدخل . و حين يستخدم الطابق الأرضي للتخزين ، يموضع المجلس في الطابق الأعلى. تتمتع الغرف ( الحجرات) بتهوية و إضاءة جيدة عن طريق النوافذ الطولية أو المربعة الصغيرة و الصريحة ، و أحياناً تكون الغرف صغيرة معتمة قليلة الإضاءة تكتسبها عن طريق المراقات ، أو الفتحات العلوية . و يكون السلم غالباً مفتوحاً يقود إلى الأدوار العلوية أو إلى السطح حيث تجفف التمور. و تموضع دورات المياه في أماكن بعيدة عن الحجرات . أما المطبخ فيموضع في الجزء المفتوح من الحوش . و يتم توفير الماء عن طريق الوسائل التقليدية المتبعة ، و يوصل مباشرة إليها .
هذا النوع من المسكن مبني بالطوب الطيني . و للطوب الطيني خاصية ضعيفة في توصيل الحرارة. فحيث تنخفض درجة الحرارة في الشتاء يوفر هذا الطوب قدراً من التدفئة، و حيث ترتفع درجة الحرارة في الصيف فإنه يوفر قدرا من التبريد ، نظرا لضعفه في فقدان و اكتساب الحرارة . و جدرانه عريضة لا تقل عن ذراع ( 50 سم تقريباً ) ، و تختلف العروض باختلاف الطوابق و الارتفاعات . تثبت العوارض (الجسور) من جذوع النخل على و سادة في الجدار بمسافات متقاربة ، ثم تفرش و تثبت مواد التسقيف المكونة ، من الدعون ، و السميم ، و العصابات من الزور و العسق، و فوق ذلك يفرش الطين المعجون بالتبن ،أو تفرش طبقة من الصاروج. وتصلح أي تملس و تنعم حتى تحمي السقف من الأمطار و الشمس و الضغط. و يمتاز عدد كبير من المساكن بسقوفها المطلية بالألوان الزاهية ، و كتبت عليها آيات من القرآن الكريم ، و أبيات من الشعر.
و بالرغم من محاولة المواطن العماني - في تخطيط و بناء مسكنه - التمسك بالقيم الاجتماعية الثابتة المتعلقة بالخصوصية التي استطاع أن يوفرها بالفصل في الحركة و الاستعمال داخل المسكن ، إلا أنه لم يوفق كثيراً في توفير الحرمة بحجب اختراق الرؤية من الخارج إلى الداخل ، و من الداخل إلى الخارج ، بسبب قوانين التخطيط و البناء المعاصرة التي لم تسعفه في تحقيق في تحقيق ذلك. و بالرغم من الاستعاضة بالتبريد و التكييف الصناعي عن توجيه المسكن نحو مهب الرياح ، و عن الحوش المركزي بقاعة مركزية مسقفة تتوسط المسكن أو تأخذ جانبا ًمنه ، إلا أن ذلك حرمه من الاستمتاع بالبيئة الخارجية في شمسها الطاهرة ، و هوائها النقي ، وسمائها الصافية ، و نجومها اللامعة ، و أصبح تفاعله مع المحيط الخارجي للمسكن غير مألوف. و في ذلك أثر ينعكس على صحة الساكن. و بالرغم من استعاضته بالطوب الأسمنتي عن الطوب الطيني ، و بالأسقف الخرسانية عن الأسقف المشيدة من الجذوع و مشتقات النخيل ، و بطرق البناء المعاصرة عن طرق البناء المحلية ، إلا أن ذلك لم يساعده في تخفيض كلفة المسكن ، و لا تخفيض درجات الحرارة في الصيف ، و لا زيادة التدفئة في الشتاء ، و لا منع التشققات ، و تسرب الرطوبة . و هو ما يستوجب البحث عن مواد ، و طرق ، و أساليب فعالة.

مسكن البيدار
يشغل هذا النوع من المساكن شر يحة سكانية تسمى البيادير ، و مفردها بيدار و هم الفلاحون ، فكما أن لفظة الفلاحين مشتقة من الفلاحة فإن لفظة البيدار مشتقة من البيدر و جمعها بيادر ، و هي لفظة فصيحة. و هؤلاء إما أن يعملوا لصالحهم ، أو أن يعملوا لصالح غيرهم من ملاك المزارع أو الطناة أو المستطنين.
و قد خططت هذه المساكن لتتناسب وظيفتها مع متطلباتهم، و مع إيقاع حركة حياتهم. فتوفر لهم الدعة و الطمأنينة ، و تكسبهم الراحة و السكينة.
يبنى لمسكن في المزارع من دور واحد (طابق) ، و أحياناً دور (طابق) و غرفة علوية كبيرة ، و له سلالم خارجية تقود إلى سطح المسكن الذي يستغل لأغراض النوم صيفاً ، و لتجفيف التمر و البسر في النهار. جدرانه مبنية من الطوب الطيني غير المشوي ، ملحومة بملاط من الطين. و سقفه مشيد بجذوع النخل و مشتقاته من الدعون و السميم (مفردها سمّة) ، ثم تفرش فوقه طبقة من الطين أو الصاروج لحماية المسكن من الأمطار. تتوفر في المسكن نوافذ تفتح على المزرعة ، بالإضافة إلى الفتحات العلوية (المراقات) أعلا الأعتاب لتجديد التهوية و الإضاءة.
مسكن القرى الجبلية
في ولاية نزوى قرى واقعة في الجبل الأخضر لها طبيعتها و خصائصها المكانية ، و ظروفها البيئية التي انعكست على عمارة المساكن المحلية فيها. لقد خططت أغلب المسكن لتكون مستطيلة الشكل. يلائم بناؤها تضاريس الجبال الصخرية ، و أسطح مدرجاتها المنبسطة. و المساكن ذات سطوح منبسطة ، و تبعث أقواس سلالمها الحجرية الشعور بقدم المكان و تاريخه.
و قد خططت الأدوار السفلية من المساكن للحيوانات ، أما الأدوار العلوية فتتخذ قاعة لمعيشة الأسرة ، و فيها غرف استقبال الضيوف. و شيدت جدرانها من الأحجار ملحومة بملاط من الصاروج أو من الطين. و سقفت المساكن بالأخشاب و السعفيات ، ثم غطيت بطبقة من الصاروج و حياناً من الطين للوقاية من الأمطار. و توضع أحيانا سقوفاً من شرائح الحجارة حتى تسد الفرجات بينها.
مسكن الشاوي(الراعي)
هذا المسكن أقرب إلى المأوى ، و مستواه المعماري يختلف عن مسكن الحضري ، أو مسكن البيدار ، أو المسكن في القرى الجبلية. و لكنه يلبي حاجات شريحة سكانية ، و هم الرعاة أو الشواوي. يتكون المسكن غالباً من غرفة واحدة ، تبنى جدرانها من الأحجار المرصوفة فوق بعضها بغير ملاط من الصاروج أو الطين للحمها . و يبنى السقف من الأخشاب و السميم و الدعون ، ثم يصرج بطبقة من الصاروج ، أو يمسح بطبقة من الطين. بمعنى أن طبقة من الصاروج أو الطين توضع فوقه لتساعد في تماسكه ، و لتحمي المسكن من تساقط الأمطار. و يندر وجود النوافذ ، و لكن توجد فتحات صغيرة علوية صغيرة مربعة و أحياناً طولية رأسية يطلق على مفردها مراق أو مبراق ، و ذلك بغرض تجديد التهوية و الإضاءة داخل الغرفة.
المسجد
لعلنا نختار مدينة نزوي باعتبارها تمثل مركزا دينيا للعمانيين و لذا سوف نتحدث عن بعض مساجده لاعطار صورة عن بعض مساجد عمان التراثية.
تحتوي مدينة نزوى عددا من المساجد الأثرية المشيدة و فق معايير و أساليب العمارة المحلية و التي كانت و لا تزال في لحمة النسيج العمراني تخدم حارات المدينة المتنوعة. يستقر جامع المدينة قرب السوق ، و القلعة ، ليكون ملتقى أهل المدينة و سكانها. يتفرقون منه راجعين إلى مساكنهم ، أو ذاهبين إلى أعمالهم " فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض و ابتغوا من فضل الله" صدق الله العظيم.
يذكر ناصر بن منصور الفارسي ثمانية عشر مسجدا و جامعاً أثرياً في مدينة نزوى. تتعاقب في سلك زمني يبدأ بمسجد الشواذنة الذي شيد في العام السابع من القرن الأول الهجري ، يتبعه مسجد سعال في العام الثامن من نفس القرن .
و في عهد الإمام الوارث بن كعب(172هـ - 192هـ) بني مسجد النصر و كان اسمه سابقاً مسجد السوقية، ويليه مسجد الشيخ في عقر نزوى في العقد التاسع من القرن الثاني الهجري .
و يأتي بناء مسجد الشجبي في مطلع القرن الثالث الهجري ، يليه مسجد أبي الحواري. و في ذات القرن بنى العلامة عزان بن الصقري اليحمدي مسجد غلافقا ، وبنى العلامة الحسن بن زياد النزوي مسجد الحسن. كما بني مسجد الأئمة و مسجد الشروق.

و بنى العلامة محمد بن روح مسجد روح في مطلع القرن الرابع الهجري ، كما بنى العلامة مخلد بن روح بن عربي الكندي مسجد مخلد في نفس القرن ، و لعل مسجد أبي الحسن قد بني في ذات القرن.
و في القرن الخامس الهجري بنى العلامة أحمد بن محمد الهنقري مسجد ابن الهنقري. وبنى الفقيه أبو عبدالله محمد بن أبي غسان النزوي مسجد أبي عبدالله.
و في مطلع القرن العاشر الهجري بنى الإمام محمد بن اسماعيل الحاضري مسجد الإمام محمد بن اسما عيل. و بنى الإمام سلطان بن سيف بن مالك اليعربي(1649-1688م) مسجد اليعاربة في القرن الحادي عشر الهجري ، كما شيد الشيخ مسعود بن رمضان بن راشد النبهاني مسجد ابن أبي رمضان. و زخرت المدينة في العهد الزاهر بكثير من المساجد ، و أهمها مسجد السلطان قابوس.
مسجد الشواذنة
يمكن اعتبار مسجد الشواذنة أحد نماذج العمارة المحلية للمساجد في نزوى ، و يقع هذا المسجد في قلب محلة العقر. و يلاحظ عليه أنه مستطيل و لكنه عميق الشكل ، بمعنى أن محرابه يتوسط الضلع الأقصر من المستطيل ، و ليس العكس. و توافقاً مع مبدأ الحرص على الصلاة في الصف الأول يبنى المحراب في المساجد عادة في الضلع الأطول ، و يصبح المسجد ذا شكل مستطيل. و تتشابه هذه الحالة مع حالة مسجد نخل و عدد غير قليل من المساجد في عمان. و قد تعزى هذه الظاهرة إلى تضاريس الموضع ، أو لعلها تعزى إلى فتوى فقهية يحسن التعرف عليها. و يلاحظ أيضاً أن المسجد لا يحتوي على مئذنة، و قبة ، و هي ظاهرة سيطرت على غالبية عظمى من مساجد عمان . و برز في أسطح المساجد عنصر معماري يطلق عليه البومة ( قبة صغيرة مفتوحة من الأعلى أو من الجانب) ، و لعل وجودها خاضع لاعتبارات التهوية و الإضاءة القمرية. إن أغلب سقوف المساجد العمانية مسطحة ما خلا بعض المساجد ، كالمسجد الجامع في ولاية جعلان بني بوعلي و مسجد أولاد علي بن ربيع في ولاية صور ، حيث بني سقفهما من عدد من القباب الصغيرة . و من حسن الحظ أن رمم الأول ، و من سوء الحظ أن هدم الثاني في حملة أسبوع البلديات ، و أعيد بناؤه بصورة مشوهة.
و نرى أن هذا التكوين المعماري لم يعد ماثلاً في المساجد المعاصرة التي بنيت في العهد الجديد ، إذ أصبحت المساجد مكونة بالإضافة إلى بيت الصلاة ، و صحن المسجد من مئذنة أو أكثر ، و قبة . وأصبح شكل المسجد في أغلب التخطيطات المعمارية مستطيلاً ، أي أن المحراب يتموضع في الضلع الأطول من المسجد. و برز المحراب إلى الخارج عن الحائط فتمكن الإمام من الصلاة فيه ، بعد أن كان المحراب في المساجد الأثرية غير بارز إلى الخارج ، و كان مطلاً على الداخل فقط . و كان دوره مقتصراً على الإشارة إلى اتجاه القبلة .
زين المحراب في المساجد المعاصرة بالزخارف المختلفة إما بالجبس(النورة) على كامل جدرانه الداخلية ، أو في إطاره الخارجي. و أحياناً تبطن الجدران أو تبروز بالرخام ، أو البلاط المزخرف ، أو الخشب المنقوش . بينما انحصرت زخرفة المحاريب في المساجد الأثرية على تزيين الإطار بالنقوش الجبسية ، و نادرا ما تبطن كامل جدران المحراب بالنقوش. و إذا كان ذلك سمةً عامة في المساجد الأثرية في عمان ، إلا أن عددا من المساجد الأثرية في مدن أخرى ومنها قلهات على سبيل المثال قد تراءت عليها مظاهر التزيين ، و الزخرفة و صفها إبن بطوطة في كتابه الشهير تحفة النظار في غرائب الأسفار و عجائب الأمصار في قوله: "تحوي مدينة قلهات مسجداً من أجمل المساجد و أبدعها ، فجدرانه مرصوفة بالقيشاني الذي يشبه الزالج و يقوم على مرتفع يشرف منه على البحر و المرسى. و قد بنته امرأة صالحة يسمونها بيبي مريم ، و تعني كلمة مريم في لغتهم ( سيدة نبيلة)". و نرى أن لهذا التحول دلالة على التسامح ، و التلاقح ، و التواصل في سياق الفكر و الثقافة الإسلامية.
__________________
ديواني المقروء
رد مع اقتباس