عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 24-04-2013, 10:58 PM
الصورة الرمزية محمد الراسبي
محمد الراسبي محمد الراسبي غير متواجد حالياً
مدير الموقع
 
تاريخ التسجيل: Dec 2007
المشاركات: 1,754

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى محمد الراسبي إرسال رسالة عبر Yahoo إلى محمد الراسبي
افتراضي

تابع ورقة الكاتب - سعيد الصقلاوي:


السوق
ينبغي النظر إلى السوق باعتباره مركز المدينة التجاري ، أو قلبها التجاري النابض بالحركة الاقتصادية ، و بالحياة الاجتماعية. و هو أحد المكونات الرئيسة الهامة – بجانب القلعة و الحصن و الجامع- التي يعتمد عليها كثير من مدن العالم الإسلامي ، و التي تتوجه منها وإليها حركة المجتمع. و يمكن اعتبار مدينة نزوى ممثلة لهذا النمط ، و نموذجاً لعدد كبير من المدن العمانية ، باستثناء مدينة صور العمانية و التي تعتبر مركز المنطقة الشرقية الإداري. يقع السوق الرئيس لمدينة صور(مركز المدينة التجاري) في القسم الساحلي منها ( صور الساحل / أم قريمتين) بمعزل عن أي من حصون المدينة ، و لكن أحد أسواقها يقع في بلاد صور بالقرب من الحصن.
و إذا كان المسجد يعتبر مصدر إشعاع للحياة الروحية ، فإن السوق يعتبر كذلك مصدراً للحياة الدنيوية ، بغض النظر عن صغر و كبر المدينة. فهو المكان المشغول ، و المأهول ، وهو المكان الجاذب اجتماعياً , و اقتصادياً .
لقد ظل السوق في العالم الإسلامي لقرون طويلة يعمل بجانب نشاطه الاقتصادي و التجاري على إتاحة الفرصة لاجتماع المواطنين ، و التقاء بعضهم بعضا ، و منحهم فرصة تبادل الأفكار و التشاور و التفاهم فيم يعني مجتمعهم ، و التعرف على مقتضيات أحوالهم الاقتصادية ، و الاجتماعية . و بالإضافة إلى ذلك فهو يسهل عملية التواصل مع المجتمع ، و مع إدارته المحلية الرسمية لقرب موقعه منها.
من الناحية المعمارية ، يتكون السوق من وحدتين متقابلتين هما: السوق الغربي ؛ و السوق الشرقي. و من الناحية الاقتصادية و التجارية تتوزع بضائع الأغذية و المنسوجات و المعدات و الأدوات في محلات (حوانيت/ دكاكين) متقابلة ، و ذات أبواب خشبية في السوق الغربي ، بينما يحفل السوق الشرقي بمحلات و منصات اللحم و الأسماك . و رغم بساطة السوق في تخطيطه المعماري ، فإن المتسوق يتحرك فيه على محاور ثابتة و واضحة ، تمكنه من الاتصال بالحصن و القلعة و الجامع ، و تفضي به إلى مخارج و مداخل المدينة. و تمكنه أيضا من التلاقي بالآخرين و الاطلاع على المعروضات فوق منصات العرض التي تبدو واضحة ، متناسبة مع الغرض المخصصة له. لقد أصبح مبدأ الرزق عند مواطن الأقدام متحققا و مشهوداً في هذا السوق.
إن اختلاط الأصوات الصادرة عن عملية الطرق في أثناء صناعة المشغولات الفضية ، و الذهبية ، و الحديدية ، و النحاسية ، و فناجين القهوة ، تشد الزائر ، و تثير سمعه. و تمنحه إحساساً بنمط السوق الشرقي . و تدعم ما المحنا إليه من الحراك الاقتصادي و التجاري فيه.
يحاول دونالد هولي رسم صوره عامة لتخطيط و عمارة الأسواق المحلية في عمان فيصفها بأنها متشابهة إلى حد كبير . فيذكر " تجد السوق في معظم البلاد محاطة بأسوارها مما يسهل حفظ أمنها و حراستها في الليل . و تقوم منطقة السوق عادة على مقربة من القلعة التي تكون مركز الدفاع و السلطة في المنطقة . أما الشوارع فضيقة تقوم فيها الدكاكين صفوفاً ، و هي مربع الشكل تشرف مباشرة على الشارع و تقوم عادة على منصات مرتفعة. و يمكن إغلاق الدكاكين كلية في الليل ، إذ ليس للدكاكين واجهات زجاجية و لذا فإن صاحب الدكان يستطيع إحكام إغلاق دكانه بقفل خاص . و بعض الأسواق مغطاة بكاملها كما أن لبعضها شرفات عريضة تبرز من الدكاكين نفسها " . و نرى أن هذه الصورة العامة يصعب تعميم ملامحها الكلية على جميع الأسواق في مدن عمان ، و لكن قد تنطبق على بعض منها ، و قد تتشابه مع ملامح بعض الأجزاء منها ، أو قد تتماثل مع جزئيات الصورة فيها ، مثل الشوارع الضيقة ، و تغطية السوق ، و إشراف الدكاكين المباشر على الشوارع الضيقة . فصورة سوق مدينة صور يصعب اعتبارها مشابهة لنفس صورة سوق مدينة نزوى ، أو صورة سوق مدينة بركاء ، أو صورة سوق مدينة المضيبي ، أو صور سوق مدينة الرستاق . و لكن إيقاع السوق ، تنظيمياً ، و إدارياً ، و إنشائياً قد يتقارب إلى حد بعيد ، و إن اختلفت التفاصيل التخطيطية ، و المعمارية في سياق و نسيج الطابع العمراني العام.

و برغم بناء سوق جيد بتقنية معاصرة تتوسل ملامحه محاكاة السوق القديم معمارياً إلى حد ما ، إلا أن الدور الهام الذي اضطلع به النمط المحلي لم يعد متوفراً في النمط المعماري المعاصر. لقد اتسع السوق ممتدا على الشوارع الرئيسية متخلياً عن مركزيته. و أصبح التنقل و الحركة للوصول إلى بعض محلات و مكوناته بالسيارة عوضاً عن السير على الأقدام ، ففقد شيئا من دوره في التواصل ، و التعارف ، و التلاقي. فتراجع دوره في الحراك الاجتماعي ، و إن ظل التبادل التجاري نشيطا.
لقد أخذت الدول الغربية و من بينها المانيا بفكرة مركزية السوق كي يكون مكاناً للاستمتاع و الاتصال بين المواطنين بجانب التبادل التجاري و النشاط الاقتصادي. فحولت طرق السيارات ممرات للمشاة و المتسوقين . و أوجدت فراغات تشكل نقاط تجمع و التقاء . يرتاح في فضائها المتسوق ، و يتزود من محلاتها المحيطة بها ، و يستمتع بجولته في السوق ، و يمارس فيه انسانيته.

منطلقات نظــــرية العمـــارة التحصينية
عملية البناء والتشييد ومنها القلاع والحصون في عُمان يدعمها ارث حضاري ضخم تمتد جذوره الأولى إلى ما قبل التاريخ الميلادي وما زال هذا الموروث يتفاعل مع تطور حركة العمران بحسب الظروف والأحوال التي تكتنف الواقع العُماني . وهذا الموروث يشكل المرتكزات التي تتمحور عليها ديناميكية الحركة بغض النظر عن مدى قوة الدفع التي تعتبر مؤشرا هاما وحيويا في نشاطها وازدهارها.
لقد كانت عملية التحصين لدى الإنسان العُماني بالغة الأهمية، ومن المؤسسات التي ارتكزت عليها حركة التعمير في المستوطنات القديمة. فاحتلت القلعة أو الحصن مكانا بارزا في مخططات المدن، إدراكا بقيمة الدور الذي يتميز به عن باقي المؤسسات في تامين مصالح البلاد، وكسرا لحدة الرغبة لدى المناوئين، ومنعا للتفكير في سهولة إمكانية تحقيق مآربهم.
فلقد دلت الاكتشافات في منطقة بات من عبري على وجود أبنية ذات تحصينات مختلفة، ومنها على شكل دائري أو على شكل خلية النحل وبعضها تحصينات دفاعية يرجع تاريخها إلى الألف الثالثة قبل الميلاد، وهذه التحصينات كانت على شكل برج يصل قطره إلى عشرين مترا، ويرى الأثريون انه ربما كان ارتفاعه في حدود عشرة أمتار ( ).
قامت نظرية الدفاع الحربية العُمانية على مرتكزات عدة وعلى موروثات تمتد في تاريخها إلى ما قبل الإسلام وعلى الأخص إلى ما قبل الألف الرابع الميلادي مرورا بالعصر الجاهلي وانتقالا إلى عهد الخلافة وتعريجا إلى القرن السادس عشر والسابع عشر ووصولا إلى القرن العشرين.
وانطلقت تلك الموروثات من أبعادها المختلفة شكلت فيما بينها نسيج النظرة الاستراتيجية الدفاعية، وأكدت على ان هذه النظرة لم تعول على عامل منفرد ومحدد بذاته، وانما تشابكت في تشكيلها كافة العناصر اللازمة والضرورية باختلاف الحقبة الزمنية وباختلاف وسائل القتال وتعدد أنماط التحصينات وباختلاف المستوى الحضاري للمجتمع فظلا عن القدرة الاتصالية بحركة الزمن في المحيط الدولي وعن كيفية التفاعل معها والتعامل بمنطقها.
يعتبر التاريخ العُماني أحد المرتكزات الحيوية التي اعتمدت عليها نظرية الدفاع . فالخبرة التي تمتد إلى حضارة أم النار والتي أبانت عن بعض جوانبها التحصينات الأثرية القديمة التي عثر عليها في منطقة بات بالبريمي والتي يعود تاريخها إلى الألف الرابعة قبل الميلاد، تنوعها من قلعة إلى سور إلى حصن دل على وجود الخبرة المكتسبة في هذا المجال.
لقد كان قتال العُمانيين ومحاربتهم غيرهم من الغزاة ناتجا عن إيمانهم بعدم القبول بالظلم أيا كان نوعه سياسيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا. كما ان قتالهم لبعضهم في صورة حروب أهلية قد شهدت عليه مسيرة التاريخ العُماني على نحو أخص في مواضع مختلفة وفي حقب زمنية متباعدة وأخرى متقاربة نابع من مقاومتهم للأعداء وذمهم للشر .
أما المستوى الفكري والحضاري فهو ينبعث من الإرث التاريخي الضخم للمجتمع العُماني معتمدا على أساسيات نهجه الرئيسي وهو الذي هيا الأسباب للعُمانيين لإيجاد الوسائل التي مكنتهم من امتلاك أمرهم من خلال توافر المعرفة بكيفية تعاملهم مع الأحداث وسيلة وحركة و هدفا.
ويعتبر الاتصال الدولي من العوامل الهامة التي أثرت في نظرية الدفاع أو الحرب. فلقد تمكنت عُمان بفضله من التعرف على الوسائل القتالية التي يتعامل بها العالم في مختلف مناطقه وعلى امتداد أزمنته فعلاقة عُمان بالهند وفارس والدول الغربية( ) أتاحت الفرصة لكي تتطلع عن كثب على ما لديهم من تقنية في صنع السلاح وكذلك إمكانية استيراده والاستفادة منه، وبالتالي حدث تطور في استخدام الوسائل من سهام إلى بنادق، ومن مجانق إلى مدافع وقد اثر ذلك على العمارة الحربية والأبنية الدفاعية فبدلا من المزاغل لرمي السهام استحدثت الفتحات لإطلاق النيران من البنادق وكذلك استحدثت منصات الْمدافع ، وروعيت هذه الأساسيات ، كما أفاد ذلك في قيام صناعة حربية للمدافع ، والبنادق ، والذخيرة ، وكذلك السُفن الْحربية (انظر الرسومات).
وبالتالي فان النظرة الحربية أو الدفاعية العُمانية قامت على ثوابت تتمثل في التاريخ المجتمع وأخرى متغيرة تتمثل في المستوى الحضاري والفكري وكذلك الاتصال الدولي ونعتقد ان هناك أمورا أخرى تفصيلية تنبثق من الثوابت والمتغيرات المشار إليها وان هذه العوامل جميعها لعبت دورا هاما وبارزا في تخطيط التحصينات وفي اختيار مواقعها وفي عملية بنائها وهيكلية إنشائها وتنوع أنماطها واختلاف أشكالها.
والناظر إلى خارطة عُمان تتكشف له حقيقة واضحة المعالم مردها ان على الساحل تنتشر عديد من المدن والحواضر العُمانية في أقصى الشمال مرورا بالشرق وانتهاء بالجنوب وهذه المدن تعتبر بمثابة ثغور من جهة البحر تختلف أهميتها باختلاف موقعها من مسرح الأحداث ومن ضمن هذه المدن على سبيل المثال لا الحصر صحار وصور وقريات وخصب وبركاء ومرباط وصلالة ومسقط وغيرها.
كذلك استفاد العُمانيون من منحدرات الجبال في بناء التحصينات قدر استفادتهم منها في النواحي الزراعية وبالتالي هيأ ذلك لظهور عمارة شبة تحصينه أو حربية تكاد تنفرد بها عُمان دون غيرها في المنطقة على الأقل حيث استخدمت في بناء تحصينات مدرجة على شكل بيوت في الجبل الأخضر على نحو أخص غير اننا نميل إلى ان استخدامها للأغراض السكنية كان اكثر من استحكامات حربية ( ) .
تكاد ان تنحصر الأشكال التي انتظمت فيها التحصينات العُمانية في نماذج محدودة ومألوفة في جميع الأبنية إذ ألقت بظلها على الأبنية المحلية الأخرى كالمساكن والمساجد والمدارس القديمة ومكاتب الجمارك(الفرضة) في السابق وغيرها.
فمن خلال الدراسة التي أجريناها على عدد لا باس به من أبنية التحصينات في مختلف المناطق العُمانية اتضح لنا ان الأشكال المتداولة منها المستطيل، مثل(قلعة بركة الموز والراوية،العربي الخ) ومنها المربع، مثل(قريات وراس الحد وافي وبدبد، الخ) ومنها الدائري واشهرها قلعة نزوى ومنها البيضاوي ويشخص ذلك واضحا في مبنى البرج الرئيسي وقلعة الرستاق(القلعة)، ثم الثلاثي الشكل الذي يظهر في حصن السيب حيث يعتقد انه برتغالي( ). كما ان الاكتشافات الأثرية في بات قد قدمت إلينا نموذجين من التحصينات ربما كانا سائدين وهما الشكل الثلاثي أو المثلث والشكل الدائري في صورة برج ضخم( ) . ونعتقد ان جغرافية الموضع وطبوغرافية الأرض قد لعبت دورا في تحديد شكل المبنى إلى حد ما وهذا أمر متعارف عليه في علم هندسة البناء وفي النواحي المعمارية والإنشائية
وكنتيجة منطقية للتطور الفكري الحربي لدى العُمانيين فان التحصينات التي شيدت في مختلف مناطق عُمان خضعت لمبدأ التطور في هيكلية بنائها وما عمليات التجديد والإضافات التي أدخلت عليها(كصحار والرستاق والجلالي والميراني، الخ) إلا انطلاقا من الادارك بضرورة ذلك وحتميته وقد تنبه حكام عُمان منذ عهد اليعاربة إلى هذا الجانب ومما لا شك فيه ان هذه التعديلات وليدة الخبرة المكتسبة وتطور الأساليب القتالية ووسائلها من البنادق والمدافع وغيرها دون الاستغناء عن الوسائل التقليدية من السهام ومجانق وسيوف وغيرها، ذلك ان الوسائل المستجدة لم تلغ سابقتها كليا وانما ظل هناك ما يشبه المراوح في استخدامها معا وبدا التخلي عن الوسائل التقليدية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين غير ان عددا يسيرا تمثل في السيوف والخناجر ظل يستعمل محليا على نطاق ضيق وبعيد عن التنظيم الرسمي.
ولذا فإننا نلاحظ في بعض التحصينات العُمانية وجود المزاغل التي تستخدم في رمي السهام بجانب فتحات طلقات البنادق التي كان يتخذ لها أماكن متفرقة من البناء التحصيني فوق المداخل وبعضها داخل نطاق السور(كحصن جبرين والحزم وصحار،الخ) ثم وجود الأبواب المتعددة ذات المستويات الارتفاعية المختلفة والعروض المتفاوتة وما يتبعها من دهاليز وممرات سرية فضلا عن وجود فتحات لصب المحروقات على المهاجمين كما في حصن الحزم وقلعة نزوى، وذلك بجانب الكوة، والمراق اللتين تطلق منهما النيران وبخاصة نيران البنادق.
وامتازت بعض التحصينات بتفردها المتطور عن غيرها بحيث تركز بناؤها على إمكانية قدرتها لتحمل القذائف المدفعية كقلاع مسقط(الجلالي والميراني ومطرح،الخ) وبالتالي ظهرت فيها منصات المدافع وفتحات وكوي لإطلاق نيران البنادق ونرى ان هذه الميزة قد توفرت أيضا في قلعة نزوى وروعي ذلك عند تخطيطها وإنشائها وتم تدعيم القلاع القديمة(كالرستاق وصحار ونخل،..الخ) لتأخذ نفس الفرصة فيظل وجودها ديناميكي الحركة والنشاط.
وخضعت الأسوار أيضا إلى مثل هذا التطور إما بتعديل القديم أو إنشاء الجديد وفق المستجدات الحربية فاختلفت عروضها وسماكتها وارتفاعاتها بحيث اصبحت صالحة كممرات ومماشي للجنود يمارسون من عليها اطلاق النيران كما ان اصبحت تستخدم ذات الفكرة في الحوائط العلوية للابراج الكبيرة كقلعة نزوى(انظر الرسوم) وتطورت بعض الأسوار إلى ان زودت بأبراج متقدمة على امتداد السور وفي اغلب الأحيان يكون تصميمها نصف دائري وذلك بغرض جعل قوس النار يكون اكثر انتشارا في محيط الإطلاق (سور صحار وسور جعلان بن بو حسن).
واشتركت التحصينات من المباني مع الأسوار في الاستفادة من الشرفات والمتاريس وكذلك الأبراج المقامة فوق المداخل (حصن جبرين، أسوار قلعة الرستاق وبركة الموز وسور مسقط، الخ)حيـث تجاوبت مع متطلبات الوسائـل القتالية الحديثة.
وتطورت أماكن تخزين العتاد من مخازن بسيطة للأسلحة التقليدية إلى مبان يخزن فيها عتاد من الذخائر الحربية للمدافع والبنادق مما استدعى مراعاة ذلك أثناء التفكير في تعديل القديم أو إنشاء الجديد كي يتلاءم المبنى مع الوسيلة المخزنة.
وكما اختلفت أشكال الأبراج اختلفت أيضا أقطارها حسب النوع التحصيني وموقعه فمنها بلغ قطر برجه 6 أمتار (كحصن أفي) ومنها 7 أمتار (بيت الفلج) وغيرها 9.6 مرا (كحصن العوابي) ومنها 11.9 مترا (كقلعة الرستاق) وتعد قلعة نزوى اضخم برج إذ وصل قطرة إلى ما يزيد عن 37 مترا( ) وإنما أوردنا ذلك على سبيل المثال للتدليل على التطور في استخدام الأبراج حسب الوظائف المستجدة عليها( ). وترتب عن الاختلاف في أقطارها اختلاف في سماكة أسقفها وكبر دعائمها وهذا معروف في علم هندسة الإنشاءات( ) فكلما كان بحر السقف كبير كلما زادت سماكته وكذلك كبره وعدد دعائمه والعكس صحيح وهذا مرتبط أيضا بحساب الانتقال والأحمال فضلا عن الاهتزازات التي تحدثها طلقات القذائف المدفعية وهذا التشكيل البنائي قد عرفه العُمانيون منذ الألف الثالثة قبل الميلاد كما عرفه العرب في الأندلس( ). أما الخنادق فلا نكاد نلمح عليها تطورا ملموسا كمثل الذي اتخذه الرشيد في تحصين بغداد حيث انه كان يفضل الخنادق عن بأسوار عالية ومن قبله الأمويون( ) وإنما اتخذت الخنادق شكلها البدائي فيما عدا تلك التي حفرت حول حصن الخندق بالبريمي حث بطنت بالحجارة وكذلك خندق مسقط( ).
تشير الكشوف الأثرية إلى ان الإنسان في القديم قد عرف أنواعا من مواد البناء واستخدمها في تشييد تحصيناته ومنها الحجارة الضخمة المنتظمة ذات المقاسات المختلفة (1×1×0.8متر) والتي كان يوضع بعضها فوق البعض بدون ملاط يربطها( ). وقد شاعت مثل هذه الطريقة عند الفينيقيين فظهرت في آثارهم بمدينة قرطاج( ). كما استخدم العُمانيون أنواعا من الطوب المشوى أو الطوب الأحمر ذات الأشكال المتعددة منها المربع والمخروطي والمستطيل ويبدو ان الطوب المخروطي(المقطوع) كان يستخدم اكثر في المباني الدائرية وفي الأقواس لتناسبه مع ذات التشكيل بعكس الطوب المربع الذي يتلاءم مع المباني الركنية ذات الزوايا الحادة غير ان الطوب المستطيل يتميز بإمكانية الاستخدام في التشكيلين الدائري والركني.
واستخدام الأحجار ذات الأحجام الصغيرة اقتضى في المقابل استخدام كميات اكبر من الملاط وكذلك بالنسبة للطوب بمقاساته المختلفة وأنواعه المتعددة لان الملاط قد تراوح بين الطين اللبن والصاروج مع إمكانية التكسية بالجص وأحيانا للأسطح أو بالطين اللبن نفسه واستخدام الصاروج بالاضافة إلى ذلك كمادة عازلة للأسطح من المياه حيث يتوفر فيه خاصية عدم التسريب. وهناك بعض مواد البناء التي استخدمها الإنسان العُماني ومن خلال عطاء البيئة له.
ويعتبر الخشب من جذوع النخل وأشجار السمر والسدر والجوز وغيرها من العناصر الهامة التي دخلت في تشيد الأسقف وصناعة الأبواب والشبابيك والمشربيات واستخدمت كعوارض أو جسور تعرض فوقها الأسقف بمساحاتها المختلفة كما استخدم كأعتاب للأبواب والشبابيك كفواصل للجدران وكدعائم للأقواس والعقود.
كما استخدمت البسط والسميم وسعف النخيل في تهيئة أرضية الأسقف ومن ثم زخرفتها ايضا. ويستخدم الجص كمادة واقية تظلي بها الجدران من الخارج وأحيانا من الداخل ثم استخدم في أعمال الزخرفة الفنية كالمشبكات والمزررات فوق العقود والمقرنصات وغيرها.
ويلاحظ أيضا ان القصور والبيوت المحصنة كجبرين والحزم والبيت الكبير في إبراء وبيت السيد نادر وغيرها هي التي تظهر عليها مظاهر الترف والذوق الرفيع من خلال ما تتميز به من زخرفات ونقوش على جدرانها وأسقفها وشبابيكها وهي بالتالي بالرغم من محاولة جعلها صارمة الملامح إلا ان الرقة والفخامة تطغى عليه .في حين ان القلاع والحصون الأخرى كنزوى والرستاق والجلالي ومطرح وغيرها تمتاز بالصرامة والقوة ومرد ذلك في اعتقادنا إلى الوظائف المخصصة لكل منها. ويرى بعض الباحثين ان تأثير العمارة الصفوية كان باديا للعيان في حصن جبرين( ) من خلال الأقواس المدببة المستخدمة داخل وخارج المبنى وكذلك من خلال العوارض الخشبية التي تربط بين الأعمدة ويرى آخرون ان تأثير مغوليا يوجد في بيوت إبراء ومسقط ويعزون ذلك إلى الاتصالات بين عُمان والإمبراطورية المغولية في الهند ومه احترامنا لهذا الرأي إلا انه ربما جاء الأول باعتبار ان الدولة الصفوية قامت عام 888هـ( ). وان الدولة اليعربية قامت بعدها بفترة طويلة تصل إلى قرن تقريبا. وبالرجوع إلى تاريخ العمارة العربية في الأندلس على وجه الخصوص نجد ان مثل هذه الأقواس قد استخدمت في مسجد قرطبة( ). وكذلك العوارض قد استخدمت في الجامع الأزهر بالاضافة إلى قرطبة وان المقرنصات والمزررات وغيرها، كلها عناصر معمارية ناتجة عن الحضارة الإسلامية( )، وان هذه الحضارة هي نتاج الفكر الإسلامي الذي امتزج فيه العربي بالأعجمي وهذا الفكر كانت له منطلقات ثابتة ومشارب واحدة اتفق عليها جميع المسلمين أخذا وعطاء وهذه الأسباب ترجع تشابه أنماط التشكيل والتصميم المعماري، وإلا كيف نفسر وجود قوس مغربي في نقش على باب في صور( ) وكيف نفسر النقوش والزخارف على شبابيك وأبواب المباني في المنطقة الجنوبية وان عملية الابتكار هنا قائمة على معادل موضوعي وهو الفكر الإسلامي روحا ومعنى وشكلا وجوهرا. وان القول بان أساليب البناء تعرضت لتأثيرات غربية وأفريقية وان التصميمات حاكت بيوت البرتغاليين فيه شئ من الاحجاف ذلك اننا نقبل مبدأ التأثير والتأثر الخاضع لطبيعة الاتصالات الدولية ولكن لا يمكن ان نطلق على تصميمات عربية شكلا ومضمونا أنها نسخة من البيوت البرتغالية خاصة و ان البرتغاليين كانوا فقط على السواحل .
وعلى أية حال فإننا نخلص من ذلك إلى ان بعضها مختلط الوظيفة ومتشعـب الاستخدام كجبرين والحزم والرستاق التي استخدمت كمدارس وسكن وكذلك كثكنات عسكرية للدفاع بالاضافة إلى كونها مراكز حكم إدارية وبعضها كانت وظيفته حربية بحتة كقلعتي الجلالي والميراني وكالأسـوار المحصنة في الباطنة وجعلان وغيرها .وهذا يسوقنا لطرح قضيـة الشكل والوظيفة في العمارة الحديثة( ) وعودا إلى ما ظهر من مظاهر الفخامة والترف والثراء في جبرين والحزم وكذلك في بيت السيد نادر وبيت النعُمان وغيرها من القصور المحصنة نرى ان وظائف هذه الحصون الرئيسية التي مارستها كانت وظائف سلمية إنسانية وان زخرفتها دليل عليها ثم ان تخطيطها من الواجه التصميمية كان معدا للغرف ذاتها وبالتالي جاء منسجما مع وظيفته وقد ابرز ذلك تنـاسق كتلها مما هيـأ لها واجهات متسقة معها.
بيد ان القلاع ذات الوظائف الحربية كالجلالي ونزوى والميراني ومطرح وغيرها قد تعارضت وظيفتها مع شكلها فلم تظهر فيها أعمال الزخرفة ولو ظهر ذلك لكان مناقضا لما هي عليه من صرامة وحدة وجلال وهيبة ولكـانت أيضا تلك الزخرفات متعارضة مع تشكيلها الكتلي واتسـاق واجهاتها . وبالتالي جاءت مخططاتها من حيث التصميم متنـاسبة مع الوظيفة المخصصة لها . وبدارسة الحركة داخل هذه المبـاني وبين مكوناتها يعـزز ما أوضحناه من تمازج الوظيفـة مع الشكل وتناسقهما وانسجامهما.
ولابد أيضا ان نشير هنا إلى البيئـة العُمانية التي أمدت هذه العمارة بكثير من الميزات جعلتهـا صامدة في وجه الزمن عن طريق مواد البناء المحلية المتعايشـة مع البيئة في حرها وبردها وفي جدبها وخصبها وكذلك من حيث تشكيل الطبوغرافيا من جبال وهضاب وأودية وتلال شكلت واجهات هذه التحصينـات وجعلتها جزاء لا يتجزأ منها وخير دليل على ذلك قلعة نخل التي تتعانق مع الطبيعة في تشكيل فني رائع جميل.
__________________
ديواني المقروء
رد مع اقتباس