عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 16-06-2013, 10:20 PM
الصورة الرمزية يزيد فاضلي
يزيد فاضلي يزيد فاضلي غير متواجد حالياً
عضو هيئة الشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: شرق الجزائر
المشاركات: 1,011

اوسمتي

افتراضي .../...

...النقد البناء..أو الهادف..أو المثمر..أو الإيجابي..أو سَمِّهِ ما شئتَ من المُسمياتِ التي فيها توصيفٌ للخيْر والفائدة،هو كل نقدٍ-أخي الكريم عامر-يقوم على أمريْن أساسيين مُهمينْ خطيريْن :

- أولاً حصولُ الصورة المُثلى لـ ( المَثل الأعلى ) بالأسوة والقدوة الحسنة في شخصية الناقد،يسعى لها ما وسِعَهُ إلى ذلكَ سبيلاً،في حدودِ بشريته وإنسانيته القاصرة،وفي غير أن يَتجاوزَ المعقولَ في المثالية لدرجة العصمة والملائكية...

-
التجردُ والإخلاص والصدق والصراحة في ما يتبناه من رؤيةٍ نقديةٍ للطرف الآخر،بصرف النظر عن مدى الصواب أو الخطأ في رؤيته تلك...

في اعتقادي-أخي-وفـِّرْ لي في أي شخصٍ هذيْن الأمريْن أو هاتيْن الميزتيْن وسترى بعيْنيْكَ ( الناقدَ البناءَ ) و ( النقدَ البناءَ )،سَواءٌ كان النقدُ في الحياة العامة وما تقوم من علاقاتٍ فيها بين الأفراد والجماعات،أو كانَ النقدُ ينحو منحًى أكاديميًّا في الأدب والدراسات الأدبية المختلفة...

وانظرْ أنتَ-أخي-وقد خالطنا الناسَ..وتعاملنا معهم..وقرأنا لهم..وخبَرْنا أغوارَهم،فدائماً-في مجال النقد والانتقاد-نرى في كثير منهم من مسالكهم عَجَباً..!!

وراقبْ دائماً مَدى اتساع الفجوة والشقةِ بين واقع هؤلاء النقدة-في مجال النقد الحياتي والسلوكي والتعاملي والأخلاقي أو في مجال النقد الأدبي والأكاديمي الراسخ-وبين هذيْن الأمرين المهمين الخطيريْن الضروريين في قلم من يتصدى لانتقاد غيْره..

فكم من ناقدٍ يُرينا من طرف اللسان والبيان حلاوة ً،ويُعطينا دروساً مستفيظة ًوعِظاتٍ بليغة ًفي النقد البناء وأصوله وخصائصه ومظاهره ومنهجه ونتائجه وفوائده..وينطلق-نظريا-يجوب ويجول ويصول في توصيف النقد وإبداء أجود النصائح في أسراره،لكنْ بمجردِ أن يقفَ موقفاً معينا،يستوجبُ توجيهَ نقدٍ مَّا إليه-في التصرف والسلوك أو في أدبيات الإبداع-إذ بالقناع المزيف يسقط وإذ بحقيقته تنكشفُ عن المعنى الحكيم الذي صاغه شاعرٌ يوماً في قوله :

سَبَكْناهُ ونحْسَبُهُ لجَيْناً ** فأبدَى الكِيرُ عن خبَثِ الحديدِ..!!

وإذ هذا الذي منذ قليلٍ كان يُعطينا دروساً في سَعةِ البال وطيب الخاطر وفساحة الأفق يشتدُّ خناقـُهُ ويَحتدُّ طبْعُهُ ويتسعَّرُ قلمُهُ ولسانـُهُ،ولا يَملِكُ زمامَ أمره وأخلاقه إلا بالحِدة والاحتدادِ وضيق الأفـُق..!! وإذ به يفشل في امتحان ( النقد البناء ) عند أول جولة..!!

كل ذلك بسبب أن قصة النقد البناء في حِسِّهِ مجرد درسٍ عابر يُلقيه أو مقال يكتبه أو خاطرة لذيذةٍ يُدغدغ بها عواطف الناس فقط،يستجلبُ بها الشهرة،أو يُوسِعُ لنفسه مكاناً،أو يستجدي مَدْحَ الناس وثناءَهم ليجعلَ لنفسه مكانة ًمعنوية ًمعينة،أو لأي اعتبار آخر من تلك الاعتبارات التي يتزاحمُ عليها أولئكَ المرتزقة من طلاب الشهرة وبُغاة حب الظهور..أما ما وراءَ ذلكَ فلا شيءَ..لا شيءَ البتة..!!

وواللهِ خبرتُ ناسًا كثيرين..ترى وضعَه في الواجهة وفي الظاهر باسم اللهِ ما شاء الله..كلام حلو ومعسول ورائع وأدب وأخلاق جمة رفيعة في التعامل..لكن في حقيقته المخبرية وعند التعامل معه بعيدا عن الأضواء وفتنتها ترى في مسالكه العَجبَ العُجاب...

إن خواءَ الشخصية من مخزون الأسوة والقدوة يَجعلـُها في مواضع انتقاد الغيْر مَظنة ًللسخرية والإشفاق..!!

ويستحيل للناقد أن يصنعَ أثراً بنقدهِ ( البناء ) وهو أصلَا لا يملكً في حياته..في شخصيته..في أخلاقه..في ثقافته وعلمه ورصيده ومخزونه ما يؤهله للحُكم الصائب على سلوك الغيْر..أو تفكير الغيْر..أو رؤى الغيْر...

فقد ضلَّ مَنْ كانتِ العُميانُ تـَهديهِ ** وفاقدُ الشيءِ لا يُعطيــهِ..!!

وكم من ناقدٍ يقوم نقده على التشفي والتشهي ولا يرى في انتقاده ألا الغلبة َالشخصية على حساب الوصول للحق والحقيقية..!!

التجردُ والإخلاصُ معدومان في لسانه وقلمهوفكره ورؤاه وأحكامه،وفي نقده لا نشم غير رائحة الهوى الجامح،يترنحُ به يَمنة ًويَسرة ً،يميلُ به كالريح تميلُ حيثُ يَهبُّ اتجاه التيار..!!

وشخصٌ هزيلٌ،ضعيفُ الشخصية كهذا لا يَصلحُ أن يتصدى للنقد أبداً..!!

والحقيقة ستموتُ وستختنق بين شِغافِ ضعفِه وهزاله..!!!

فهو لأن العاطفة العمياءَ والحبَّ الجارفَ أعمى بصرَهُ وبصيرَتـَه،لا يجرؤ-لضعفٍ وخوَر في شخصيته-أن يقول أو يكتبَ للطرف الآخر أو يقولَ له في تصريح صارم لا يَخلو من قوة وجراءةٍ : قف...لقد أخطأتَ في كذا وكذا وكذا..!!

طبعاً يقلها بشرطها الأدبي والأخلاقي..وفي حدود الرفق والأناة والحِلم...

التجرد والإخلاص أمران لازمان ضروريان في أي نقدٍ بناء أقوم فيه مقام الناقد المُخلص لسلوكك أو لأخلاقكَ أو لتصرفاتك أو لومضتِكَ الإبداعية والأدبية،وأنا حين يمتد لساني أو قلمي لنقـْدِ ما أراه فيكَ من عيوبٍ،فليس بالضرورة أن ذلكَ يَعني أني على عِداءٍ دفينٍ لكَ أو أني بنقدي هذا أقوم بتصفيةِ حسابٍ معين معكَ..!!

أبداً..أبداً..ينبغي أنا وأنتَ أن نرتفع بأخلاقنا..بأرواحنا...برصيدنا الإيماني والمعرفي للأوج..فتقبل مني وأقبل منكَ..وتنتقدني وأنتقدكَ بعيداً عن المجاملات الممجوجة وبعيداً عن رعونة الأهواء وزحلقاتِ العاطفة..!! لا تجاملني ولا أجاملك..لا تداري ولا أداري..ولنكنْ صرحاءَ في ما بيننا بلسانٍ أو قلمٍ لا يعرفُ-في النقد الواضح الصريح-الاستعارة الموهِمة ولا الكناية الرجراجة..!!

يجب أن نرى الصورة-إن أردنا نقدا بناءً مجردا-بشكلها الحقيقي،ولأني أحبكَ الحب الحقيقي وتحبني الحب الحقيقي،فلا مجالَ بيننا للمداهنةِ في النقد..وإن كان النقد في مجالات الإبداع والأدب،فإن الخلاف في الرأي لن يُفسِدَ للقضيةِ وُدًّا أبداً،مهما بَعُدتِ الشقة بيننا وتبايَنتِ الرؤى وتناءتِ الأفكار...

وعلى قدر الصدق والتجرد والإخلاص المتوفر في انتقاداتنا على قدْر ما نكونُ أمامَ بعضنا في وضعٍ أقوى وأجرأ على إسماع الدنيا بأسرها لأرائنا،لا نتزعزعُ في قراراتنا ولا تهتز شخصياتنا أبداً أبداً..

نقوم بعرض انتقاداتنا،تنوخى فيها وفي كل كلمة نقولها أو في كل حرفٍ نكتبه إخلاص النية لله تعالى حتى ولو كان النقدُ يحملُ شيئًا من القسوة للطرف الآخر..فليَكُنْ..!!

فوالله أن تغضب مني وتحملُ لي في نفسِكَ غيْظاً خفيفاً أو شديداً لأني واجهتـُكَ في نقدِيَ البناء بعيوبكَ التي لا تحب أن تراها وبنقائصكَ التي تتعامى عن رؤيتها أفضل مليون مرة من أن ترضى عني وتقرضني بمدحٍ عريضٍ وثناءٍ غامرٍ لأنكَ فقط وفقط لا ترى مني دائماً أو تسمعُ غير المجاملات الغزيرة والثناءات المستفيضة على حساب أخطائك وخطايَاك المادية والمعنوية..!!

وأخيراً أخي الأستاذ عامر وليس آخراً...

النقد البناء فنٌّ..لا يُحسنه إلا أولئكَ الذين يُحلقون بالشدو على ألحانه في ذرى الأهداف السامية والغاياتِ الكبيرة العظيمة..

وبَدَاهة ًلن يكون النقدُ بنـَّاءً أبداً عند أصحاب النظرة القاصرة أو الذين يروْنَ مقاييس التصويب والتخطئة من مخرز ابرأة..!!!

بصَّرَنا اللهُ بعيوب ذواتِنا أولاً،حتى نستطيعَ تصديرَ صوابَنا للغيْر ثانيًّا..وشكرَ الله للأحبة،كلٌّ برؤيته وقناعته...
__________________
يَا رَبيعَ بَلـَـــــدِي الحبيب...
يا لوحة ًمزروعة ًفِي أقصَى الوريدِ جَمَـــالاً..!!


التعديل الأخير تم بواسطة يزيد فاضلي ; 16-06-2013 الساعة 11:03 PM
رد مع اقتباس