عرض مشاركة واحدة
  #19  
قديم 04-07-2013, 02:46 PM
الصورة الرمزية يزيد فاضلي
يزيد فاضلي يزيد فاضلي غير متواجد حالياً
عضو هيئة الشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: شرق الجزائر
المشاركات: 1,011

اوسمتي

افتراضي .../...

..لِـ ( الاعترافِ بالخطأ )-أختي الكريمة ريم-قِصة ٌ،يجبُ علينا الوقوفُ عليها بالتروِّي والتأمل حتى لا نحيدَ عن إنصافِ الحقيقةِ فيها أو نغالي في ما لا ينبغي المغالاة في أمرها...

كلنا متفقونَ ابتداءً أن من أجْلى سِماتِ ابن آدمَ الوقوعَ في الخطأ،سواءٌ وقعَ فيه عن عمْدٍ وسبْق ترصُّدٍ أو عن نسيانٍ وسهْوٍ غير مقصود..وكلنا يقرأ في الآية الكريمةِ كيفَ أن خطيئة َأبينا الأول آدم عليه السلام كانتْ إفرازاً طبيعيًّا لِهِنةِ النسيان : (( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ))..وكلنا يحفظ شيئًا مما وردَ في الصِّحاحِ عن طبيعةِ الخطأ في جبلـَّتِنا..مثلاً الحديث الذي رواه الإمامُ أحمد والنسائي وابن ماجه وغيرهم : (( كُلُّ ابن آدَمَ خَطاءٌ،وخيْرُ الخطَّائينَ التوَّابُونَ )) والحديث الحسن الذي أخرجه النووي وغيْرُه : (( إنَّ اللهَ تعالى تجاوزَ لِي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استـُكْرِهُوا عليه ))...

وأنا هنا-أختي الكريمة-لا أحب أن أتوقفَ عند تقرير وتأكيدِ هذه البَدهيةِ الإنسانيةِ التي لا يُماري فيها اثنان،فهي مسلـَّمَة ٌمن المُسَلمَاتِ...

إنما أنا هنا أحب أن أتناولَ المسألةِ من منظورٍ آخر،أرى الكثيرَ يتحاشى الرؤية من خلالهِ وربما تجاوَزَ الحديثَ عنه-لأمر مَّا في نفسِه-واكتفى فقط في تأكيدِ البدهيةِ التي-كما قلنا-لا يختلف عليها اثنان..

لو تأملنا جيداً-أختي-في الناس الذين يعترفون بالخطأ،أو يحبونَ الخوضَ والحديثَ عن فضيلةِ الاعتراف بالخطأ،نجدهم صنفان :

- صنفٌ صادقٌ جملة ًوتفصيلاً،ظاهراً وباطناً في قناعتِهِ الضميرية بهذه الفضيلة،لذا نراه لا يتردد البتة في الاعتراف بخطئِهِ عند من أخطأ في حقه،ولو كلفه الاعترافُ غاليًّا،لأنه يَرى أن من الخيانةِ لله ورسوله وعامة المؤمنين ولمصداقيةِ ذمته وشرفِه وكرامته أن يستمرَّ في المكابرة والمعاندةِ بعدما يتبيَّنُ له جليًّا الخطا الواضح الذي اقترفَهُ عن قصْدٍ أو سَهْوٍ..فهو يعترف بالخطأ في غير ما إحساس بغضاضةٍ أو ضعْفٍ أو اهتزازٍ أو إكراهٍ..وهو إنما يفعل ذلكَ إخلاصاً لوجه الله تعالى،لا لحساباتٍ دنيويةٍ ضيقةٍ أبداً..وهذا هو الصنفُ الأعلى،وهو المُرَادُ تكثيرُهُ في المجتمع الناجح...

-
وصنفٌ ثانٍ له حَيَالَ الاعترافِ بالخطأ مَسلكٌ مُستغرَبٌ نحب التوقفَ عنده بشيءٍ من التحليل...

هناكَ صنفٌ من الناس-أختي-يحب الخوضَ كثيراً في مسألة الاعتراف بالخطأ ويسعى إلى التذكير والتشهير بها في مناسبةٍ أو غيْر مناسبةٍ،لاَ تقريراً لهذه الحقيقة الإنسانية الطبيعية،ولا تذكيراً للمجتمع بفضيلتِها،ولكن للأسف إنما تدفعُه إلى الحديثِ والخوضِ في هذه المسألة دواعي أخرى لها عِلاقة ٌبهاجسٍ آخر يعتري نفسَه المريضة..!!

إنه في حياته مليءٌ بالأخطاء المختلفةِ حَدَّ الثماله..نفاقٌ..كذبٌ..تقصيرٌ مستمرٌّ عن أداء الواجباتِ التي أنيط بها..سمسرة ٌأخلاقية بانتهاكِ الأعراض والحُرُمات..ولما كانَ يستشعرُ وجودَ هذه الكوارثِ في حياته الخاصة والعامة،ولما كان يحسُّ إحساساً منقبضاً أن المجتمعَ الذي يُحيط به على عِلمٍ كاملٍ ودرايةٍ بانحرافه النفسي والعقلي والأخلاقي،فإنه لم يَجدْ غطاءً يتدثرُ به أو قشة ًيتعلق بها غير قصةِ ( الاعتراف بالخطأ ) ومِنْ (( أن الناسَ كلهم مُعرضون للخطأ..ومِنْ أن الأنبياء والملائكة فقط هم المعصومون..ومِنْ أنه لا يجوز تضخيمُ الأخطاء..ومن أننا مظلومون عندما نطالـَبُ بالكمال،والكمالُ لله...وجَلَّ مَنْ لا يَسهو..وسبحانَ الذي لا يُخطئ...الخ...الخ...الخ ))...

والحَقُّ-أختي-أن هذه الأقوالَ الصادرة من هذا الصنفِ تحملُ ظاهراً صحيحاً وباطناً غير صحيح..!!

فأما الظاهرُ الصحيح فهو أنه فعلاً كل الناس معرضون للخطأ..والأنبياءُ والملائكة فقط هم المعصومون..وأنه لا يجوز تضخيم الأخطاء..وأنه لا ينبغي تحميل ابن آدمَ في طبيعته فوق مستوى الكمال البشري..وأنه...وأنه....

أما الباطن غير الصحيح-وهو الهدف الحقيقي لرواجِ مثل هذه الأقول في خطاباتهم المستمرة وكتاباتهم وأحاديثهم وحواراتهم-فهو أن خيْرَ شمَّاعَةٍ يُعلقونَ عليها غسيلَ أخطائهم الجسيمةِ،ويعتذرونَ بها للمجتمع الطيب،يُقنِعونـَهُ بها كلما اقترفوها وتمادَوْا فيها بالاستمرار والإصرار عليها هي هذه الشماعة،فنرى الواحِدَ منهم يقترفُ أخطاءً أخلاقية ًفي حياته تقصمُ ظهرَ البعير من تبعتِها،فإذا ما ناقشتـَه أو نبهتـَهُ أو زجرتـَهُ،كانَ أولَ نغمَةٍ تسمعها منه : (( يا أخي..كل ابن آدم خطاءٌ وخير الخطائين التوابون..يا أخي جَلَّ مَنْ لا يُخطئ...يا أخي إن الله غفورٌ رحيمٌ...يا شيخ هل نحن ملائكة..؟؟ ))..!!!

وهكذا فإن ناسًا كثيرين للأسف-تدل عليهم أفعالـُهُم وسيرتـُهم وسلوكاتـُهُمْ-يجدون فسحَة ًوهامشاً من سَعَةٍ لاقتراف أخطائهم وخطاياهم تحتَ غطاءٍ شرعيٍّ من خطبةٍ رنانةٍ طويلةٍ حول طبيعةِ ابن آدمَ أمام الأخطاء والخطايَا والاعتراف بالخطأ..!!

الذي أودُّ أن أقولـَه-أختي-هو أن على الإنسان الجاد الصادق المخلص حقيقة ًفي إسلامه وأخلاقه وضميره وشخصيته أن يجتهدَ في تربية نفسه أولاً على سٌبُل الوقاية..وأن يشحذَ كل طاقاتِ الخير الموجودةِ في طبيعته البشرية ليرتفع بها لأقصى درجاتِ الكمال البشري الممكنة،وأن يُشغِلَ نفسَه وفكرَه وحياتـَهُ بالاعتدال والاستقامةِ ما وسعَه ذلكَ في غير تراخٍ وتقصير-لأن الاستقامة هي الأصل في حياته أما اقتراف الأخطاء فهي الاستثناء-حتى إذا بَدرتْ منه أخطاءٌ بعد ذلكَ لسببٍ من الأسبابِ الضاغطة،عندئذٍ جازَ له أن يُسمعنا خطبة ًفي ( طبيعة ابن آدم الخطاءَة وفي الاعتراف بالخطأ ) وسيَجد الكلَّ مُصْغٍ إليه..!!

أما أن لا يبذلَ الإنسانُ أدنى جهدٍ في الاشتباكِ مع نوازع شهواتِه ووساوس شيطانه ونفسه الأمارة بالسوء،وأما أن لا يسعى بمقارعةِ هؤلاء الأعداء الخصوم الذين يناوشونه في كل لحظةٍ وحينٍ،يُقارعها ببنشدان الاستقامة وطاعةِ ربه والاستغفار المستمر والتنزه عن الدنايَا وعلائق الذنوب والمسارعة في الخيْراتِ وبالتربية الإيمانية المستمرة وبتأطير أقواله وأفعاله ومعاملاته مع الناس على هذه المثل العليا والأخلاق الفاضلة الرفيعة...أمَّا أن يتركَ نفسَه الهزيلة الضعيفةِ نهَباً للرغباتِ الحرام فينشأ فيها استعدادٌ وقابلية ٌ لاقتراف الخطأ والسقوط في مهاوي الخطيئة،حتى إذا أخطأ ووقعَ في الدواهي التي لا تـُغتـَفَر،نظرَ إليكَ ببرودةٍ،وقالَ لكَ وهو يزرَعُ على فمِه البهي ابتسامة ًصفراءَ : (( يا أخي كل ابن آدم خطاءٌ..وها أنا واحدٌ من أبناء آدم أخطأتُ..وها أنا أعترفُ لكَ بأخطائي..والسلام ختام )) فنسلمُ له لأنه أفحمنا بالحجة الدامغة،ثم ينطلقُ في حياته كأن شيئًا لم يَقعْ..!!!!! فهنا لا بد من مراجعة الأمر،ويجب وضع النقاط على حروفها الصحيحة وإلا ضاعتِ الحقيقة وسط هذا التمويه..!!!

أحب-أختي-أن أقولَ في مجمل تعليقي :

نعَمْ..الاعترافُ بالخطأ فضيلة ولا شك،وهي دليلٌ رفيعٌ على سُموِّ أخلاق الإنسان ونفاسةِ معدنه الطيب..ولكن قبلَ هذ وذاك يجب أن تبقى عيْنُ الإنسان يَقِظة ً،ويجب أن يبقى عقله وقلبُهُ مُشبَعيْن بأنهرِ الاستقامةِ والخيْر،وهذا هو الأصل الذي يجبُ أن نتفقَ عليه ويُذكِّرُ بعضُنا بعضاً فيه صباحَ مساءٍ..

الأصلُ في الإنسان المسلم الطبيعي أولاً هو هذا..الوقاية أولاً...حتى إذا أخطأ-وقطعاً سيُخطئ-أعذرناهُ بإنصافٍ وعدل..

وقديماً قالوا : (( دِرْهَمُ وقايةٍ خيرٌ من قنطار علاج ))...

شكراً-سيدتي-على عرض الطرح..وشكراً لمن أثرى وأدلى وقالَ برأيه وقناعاته...
__________________
يَا رَبيعَ بَلـَـــــدِي الحبيب...
يا لوحة ًمزروعة ًفِي أقصَى الوريدِ جَمَـــالاً..!!


التعديل الأخير تم بواسطة يزيد فاضلي ; 04-07-2013 الساعة 04:15 PM
رد مع اقتباس