[يزيد فاضلي]

...لُبُّ القولِ هو ما قلتِ-أختي الكريمة فقاعة فكر-وتلكَ هي نظرة الإسلام الشمولية للعلاقةِ الربانية بين العبْد وربه...

القرْبُ من الله،أو الاستشعار الإيماني بـ ( المَعِيَّةِ ) الدائمة معه سبحانه وتعالى دليلٌ قويٌّ على يقظةِ الحِسِّ الإيماني في عقيدةِ المسلم،لأن المسلمَ يقرأ ويفهَمُ جيداً قولـَهُ تعالى : (( وهو معكمْ أينما كنتم ))..

وسواءٌ أكانَ الوقتُ وقتَ الصوم والقيام والتهجد أو كانَ خارجَه فإن قلبَ المؤمن ينبغي أن يشتغلَ على موْجةِ الوصل بالله ومع الله في كل آونةٍ وحينٍ...

فقط نحب أن نميط اللثامَ عن أمرٍ،ينبغي أن يُفهَمَ فهماً سليماً في سياقهِ الصحيح...

اقتضتْ حكمة الله تعالى أن يجعلَ في الزمان والمكان أسباباً شرعية ًيتفاضلُ بها زمنٌ عن زمَنٍ ومكانٌ عن مكانٍ،لا لشيءٍ إلا-كما قال علماؤنا-حتى تعلو همة المسلم في مدارج التقرب والطاعات...

فالله تبارَك وتعالى جعلَ شَدَّ الرحال إلى ( المساجد الثلاثةِ )-دون غيرها من مساجد الأرض-سَبَباً في تنافس الحجيج والعُمَّار والقصَّادِ إلى الاستزادةِ من الأجر والخير المُضاعف..

كذلكَ جعلَ العشر الأوائل من أيام وليالي-ذي الحجة-مظنة ًللاجتهاد في العبادة والتبتل،فكانتْ من خير الأيام..

وجعلَ ( رمضانَ ) خيرَ شهور السنة القمرية لارتباطه بأسرارٍ ومواقفَ لمْ تتسنَّ لبقيةِ الشهور،فكان الشهرُ-في حس المسلم-أشبَهَ بفترةِ تربُّصٍ ومراجعةٍ للذاتِ وكشف الحساب لحصادِ سنةٍ مرتْ من عمر الإنسان...

إن الأجرَ والثوابَ يتضاعفُ في نهاره ولياليه كما لا يتضاعفُ في غيره من النهاراتِ والليالي..

وليسَ معنى ذلكَ أنْ يفهَمَ المسلم أن القربَ من الله تعالى متاحٌ فقط في رمضانَ وفي غيره أمنع...

لاَ..لاَ...لا ينبغي أن يتم الفهمُ بهذه النظرة الحوْلاء الكليلة...

إن المسألة هنا تشبه تماماً أهمية ركنِ الوقوفِ في عرفة مقارنة ًمع الأركان الثلاثة الأخرى التي هي الإحرامُ والسعي والطواف...

إن الرسولَ صلى الله عليه وسلمَ قال في ما صحَّ عنه : (( الحَجُّ عرفة ))...

فهل معنى هذا الحديث أنه يكفي للحاجِّ أن يأتي ركنَ الوقوفِ في اليوم التاسع من ذي الحِجة في عرفة حتى يكونَ حجُّهُ صحيحاً مع إمكانيةِ إهمال بقيةِ الأركان الثلاثة..؟؟!!!

مَنْ من المسلمين في المشارق والمغارب يقولُ بهذا اللغو أو يفهَمَ الحديثَ بهذا الفهم السقيم..؟؟!!

إن النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال (( الحج عرفة )) لا يَقصِدُ بَداهة ًأن يكتفي الحاجُّ في حجهِ بالوقوف يوم عرفة ويُهمل بقية الأركان،إنما النبي صلى الله عليه وسلم يقصد أن الوقوفَ بعرفة هو أهَمُّ وأجَلُّ أركان الحج..

كذلكَ-أختي الكريمة-الشأن في رمضانَ مقارنة مع بقية أشهر السنة...

إن المسلمَ مطالبٌ أن يُقوِّي أواصرَ القربِ مع الله في كل وقتٍ من أوقاتِ حياته،لكن يقوَى الإحساسُ بهذه الآصرة أكثر فأكثر في هذا الشهر الفضيل لعِلمه أن الله تعالى ادَّخَرَ من الأجر والثواب وفرص الإنابة والتوبة في هذا الشهر كما لم يَدِّخرْها في شهرٍ آخر..هكذا شاءتْ حكمة اللهِ وهكذا شاءتْ إرادته...

بوركتِ-أختي الكريمة-على طيبِ هذا المجلس الرمضاني...وتقبل اللهُ منا ومنكم الصيامَ والقيامَ وصالحَ الأعمال....